الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


واقع المرأة ما بعد الربيع العربي

خيري حمدان

2012 / 2 / 29
ملف - افاق المرأة و الحركة النسوية بعد الثورات العربية - بمناسبة 8 اذار/ مارت 2012 عيد المرأة العالمي



هل تمكنت المرأة العربية من تغيير واقعها ما بعد الربيع العربي؟ يطرح هذا السؤال نفسه بقوّة بعد أن شهدت المنطقة عوامل تغيير جذرية. الجواب على هذا السؤال مرتبط بالمسيرة الحضارية والثقافية التي عاشها الشرق الأوسط والدول العربية في شمال أفريقيا. ولا يمكن لثورات لم يمضِ عليها سوى عام، أو أقل من ذلك أو أكثر، أن تحدث التغيير المرجو لتحقيق المساواة والانتقال بالمرأة إلى المراتب التي تليق بها، لتصبح عضوًا فاعلاً في المجتمع.
ترانا نتحدث عن مساواة المرأة بالرجل من وجه نظر رجولية، وكأنّ الجنس الخشن على استعداد لتقديم بعض الفتات أو ما فاض عن حاجته من حقوق ليرضي المطالبات الحثيثة لإنصاف المرأة. هذا يعني بأن العبء الأكبر لإحداث تقدم في هذا الشأن يعتمد إلى حدّ كبير على المرأة العربية، وتوجهاتها المستقبلية ونضالها المشروع لتصبح رقمًا ليس فقط وطنيًا. الربيع العربي ليس ثورة سحرية لنقل المجتمع العربي إلى المدنية والديمقراطية بسرعة ودون عناء، لكنه بداية لمرحلة طويلة للغاية، أطلقت العنان لفئات المجتمع المختلفة أن تدرك موقعها على الخارطة الجيوسياسية العالمية. وهو موقع ليس مشرّفًا ويقع في مؤخرة القائمة، إذا أخذنا بعين الاعتبار عوامل الأمية والفقر وغيرها من مؤشرات التقدم والرقيّ الحضاريّ.
لم تتمكن المرأة العربية في الوقع الجديد من الحصول على مراكز هامّة في البرلمانات ومجالس الشورى والمناصب الوزارية وغيرها من مقاليد السلطة في العالم العربي، بل حققت تراجعًا في بعضها، وساعدت التيارات الدينية المختلفة على إخفاء المرأة وتعليبها بمزيد من الملابس وأغطية الرأس واليدين، لتثبيت مفهوم تشيئة المرأة والتعامل معها كأنها سلعة تبقى في بيت أهلها حتى تحين لحظة شحنها لوليّ أمرها الجديد زوجها. لست من الداعين لتعرّي امرأة أو تغطيتها أو فرض أي زيّ للمرأة العربية، لكنّي من دعاة تقديم الحرية للمرأة لتختار حضورها ولباسها دون المبالغة في التوجهين. وهنا يمكن أن نورد ما قامت به الآنسة علياء المهدي من تعرّي على صفحات الانترنت، ونشر صور تظهر محاسن جسدها كما يعلم الجميع. عري المرأة مماثل لتغطيتها وتعليبها وتأكيدًا لتشيئة المرأة وهدرًا لأنوثتها. المرأة العارية تجلب دائمًا أنظار الرجال سواء كان هذا في الشرق أو الغرب أو في أيّ مكان آخر، لأن هذا الشأن مرتبط بالمركب الرجولي الجينيّ والشهوات التي يصعب مواجهتها. لهذا تبدو رسالة الآنسة المهدي باهتة وغير مقنعة حال ارتدائها الملابس والتحدث بلغة الاقناع والعقل، وهذا ما لاحظته من نشاط منظمة (Femini) الأوكرانية من عرض للصدور للدفاع عن بعض القضايا، حيث تسلّط الكاميرات أضوائها على صدور الفتيات، ولا أدري إذا كان هناك من يستمع لندائهنّ، عدا عن وقوع هؤلاء الفتيات في فخّ النجومية، ليبدأن بالتعرّي في دول لا يعتبر التعرّي فيها تحدّ أو أمرًا فريدًا كما هو الحال في صوفيا مثلاً، وهذا ما أكده الكثير من الصحفيين والمهتمين لدى زيارتهن الأخيرة إلى بلغاريا.
النائبة البرلمانية هي القادرة على طرح مشاريع قوانين جديدة لتغيير الواقع، المحامية القديرة هي التي يمكنها أن تكبح جماح رجل قرر أن يستعمل عضلاته تجاه زوجته، الكاتبة الجيدة والمثقفة هي القادرة على تغيير المفاهيم المتوارثة في المجتمع، الطبيبة والمعلمة وشرطية المرور وسائقة الحافلة والطائرة هي عامل الإنتاج والمحرّك للاقتصاد والقادر على رفع مستويات الدخل القومي للبلاد، كما هو الحال في الدول المتقدمة. تصور ماذا يمكن أن يطرأ من تغيرات على الاقتصاد الوطني، إذا قررت المرأة الغربية الجلوس في المنزل والانصياع بالكامل لإرادة الرجل؟ ستحدث كارثة أكيدة وستتعطل العديد من قطاعات الاقتصاد بلا شك!. على أية حال يمكننا أن نأخذ مثالا من المحرك الرئيس لدول المنظومة الأوروبية المتمثل بدولة ألمانيا والتي تحكمها المستشارة أنجيلا ميركل، والتي تعتبر الحاكم غير المعلن لكافة الاتحاد الأوروبي. وإذا ألقينا نظرة سريعة على مفوضي هذا الاتحاد لوجدنا بأن هناك تناسب ما بين الجنسين وقد يفوق عدد المفوضات في البرلمان الأوروبي، ولا توجد حاجة على أية حال للقيام بإحصاء عدد المفوضات مقابل عدد المفوضين من الرجال، لأن هذا الشأن سيعتبر ضربًا من التمييز الجنسي، لكن يمكن تعداد النساء في البرلمانات العربية خلال دقائق معدودة لندرة تواجدهن هناك.
الحرية التي تسعى للتوصل إليها المرأة العربية متعلقة بشكل أساسيّ باستقلالها الاقتصادي، وهو العامل الأساسيّ الذي يجعل الرجل الشرقيّ يشعر بالتميز وممارسة التسلّط، لكن حصول المرأة على دخل شهريّ يقرّب المسافة ما بين استقلال كلا الطرفين، لتظهر على سطح هذه العلاقة مفاهيم مغيبة كالحبّ والتفاهم والاحترام.
من جهة أخرى يحتاج الرجل الشرقيّ للتحرر أيضًا من فخّ التسلّط، وهذا متلازم مع اللحظة الأولى لولادته، حيث تعمل البيئة وتقاليد التربية المتعبة على تمييزه عن أخته ثم عن زوجته وحتى أمه باعتباره رجل البيت القادر على تأمين احتياجات جميع أفراد الأسرة، وإذا لم تبدأ رحلة التغيير منذ الصغر في البيت والمدرسة، ستبقى المسافة شاسعة ما بين الجنسين.
بحلول الثامن من آذار، تحتفل المرأة بيومها وعيدها الذي يليق بألقها وحضورها الأنثوي في وعينا الأنسويّ. أسوة بالمساواة ما بين الجنسين، استحدثت بعض الدول الأوروبية بما يسمّى بيوم الأب، ويوم الجدّة وهكذا، ما يدلّ على أن المرأة قد حققت الكثير مما كانت تصبو إليه من حرية واستقلال، ولم يعد هذا اليوم مناسبة للدفاع عن حقوقها، علمًا بأن هناك الكثير الذي يمكن تحقيقه في هذا الشأن في الغرب كذلك، كمحاربة توجهات تشيئة المرأة، وتجارة الرقّ الأبيض، حيث تختطف الفتيات من دول أوروبا الشرقية الفقيرة لممارسة الدعارة في العواصم الغنية، إضافة للأجور المتدنية التي تحصل عليها المرأة مقارنة بما يحققه الرجل، علمًا بأن ساعات العمل التي تقضيها المرأة تفوق في كثير من الأحيان ساعات عمل الرجل، ويفوق معدل إنتاجها معدلات إنتاج الرجل، لأن قضاءها لساعات طويلة في أماكن العمل ليس بهدف الثرثرة. وهنا أورد مثال لامرأة بلغارية توفيت في مشغل خياطة في إحدى المدن الصغيرة، بعد أن رفضت التصريح عن مرضها بذات الرئة خوفًا من طردها من العمل، ربّ العمل كان قد تعوّد أن يقفل كافة مخارج المشغل طوال النهار، ولم يدرك وفاتها إلا بعد أن قامت زميلاتها بإبلاغ أجهزة الأمن والإسعاف. هذه ليست حريّة بل استغلال مفضوح لجهد المرأة، لهذا يجب مكافحة الفقر أيضًا للتغلب على عوامل الاستغلال وتقديم فرص شريفة ورواتب مجزية تتناسب مع الجهد الذي تبذله النساء في جميع القارات والمجتمعات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - يمكن أن أترجم مقالاته إلى اللغة الإسبانية؟
Andrea Monclús Guasp ( 2012 / 3 / 24 - 19:07 )
أهلا و سهلا. اسمي أندريا و أنا أتعاون مع المجلة الرقمية -عيش- و أريد أن أترجم مقالته إلى اللغة الإسبانية لتظهر فيها. يمكن إعطاء موافقتها؟ شكرا جزيلا.


2 - السيدة أنديا
خيري حمدان ( 2012 / 3 / 24 - 20:07 )
على الرحب والسعة، يمكن ترجمة مقالاتي للغة الإسبانية، وأرجو التكرم بإرسال رابط المقالات في الصحف أو المواقع الالكترونية حال نشرها.
طابت أوقاتك
خيري حمدان - صوفيا


3 - السيد خيري حمدان
Andrea Monclús Guasp ( 2012 / 4 / 7 - 10:01 )
شكرا جزيلا!! رابط المقلات هي: http://www.aish.es/index.php/otrasvoces/colaboraciones/2764-la-realidad-de-la-mujer-tras-la-primavera-arabe

اخر الافلام

.. مصر تعلن طرح وحدات سكنية في -رفح الجديدة-| #مراسلو_سكاي


.. طلاب جامعة نورث إيسترن الأمريكية يبدأون اعتصاما مفتوحا تضامن




.. وقفة لتأبين الصحفيين الفلسطينيين الذين قتلتهم إسرائيل


.. رجل في إسبانيا تنمو رموشه بطريقة غريبة




.. البنتاغون يؤكد بناء رصيف بحري جنوب قطاع غزة وحماس تتعهد بمقا