الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وجهان لعملة واحدة

فريد يحي

2012 / 2 / 25
حقوق الانسان


كنت طفلا في الثالثة عشرة من عمري عندما تعرضت لتمزيق قميصي من قبل رجل شرطة , لا يمكن إلا أن أطلق عليه لقب جاهل وتسلطي,وكان السبب في قيامه بهذا الفعل،تعليمات حكومية بمحاربة كل الثقافات الأجنبية ، ولان قميصي كان يحمل رقم 56 كتب بأرقام كانت في ذلك الوقت تعتبر في "ليبيا" أجنبية …الآن هي عربية ...لهذا استحق التمزيق.

منذ ذلك الوقت والي ألان مازلت دائما مقتنعا بأن حرية اللباس،انعكاس لحرية الفرد في التفكير ، , حتى ولو أتخذ بعض الملبس صور غير مقنعة إلا أن احترام خصوصية الأفراد ، حريتهم ، وعدم حشر انفنا فيما لا يعنينا ،أو ممارسة ديكتاتورية الأنا،تبقى حدود لاحترام الفواصل.

في جو الغلو الديني الذي يجتاح العالم اليوم , ولم يسلم منه أي دين من الأديان فأن اللباس أصبح مسالة فتحت باب الحوار بين ما هو خاص وعام بالنسبة لسلوك الأفراد، كما أعادت إلى الأذهان سؤالا مهما حول طبيعة دور الدولة في أن تتدخل في حرية الأفراد وفرض نوع خاص من اللباس دون الأخذ بعين الاعتبار حرية الأفراد والتنوع الديني والعرقي داخل المجتمع،وتساوت في ممارسة هذا القمع،الدول الديمقراطية،بقدر الدول القمعية، ففي فرنسا أقرت الجمعية الوطنية قانونا يمنع النقاب،كما اقر قانون بفرض الحجاب فيما مضى في إيران…فلا فرق بين ساركوزي وخاتمي كل من نظره.

فمع بداية كل صيف تبدأ السلطات في إيران حملة ضد ما تسميه "بد حجاب" والتي تعني بالعربية (عدم احترام اللباس الإسلامي ) الحجاب يعني إيرانيا وضع غطاء للشعر مع بقاء أجزاء من الشعر بادية من الأمام أو من الخلف ، يضاف إلى ذلك ارتداء ملابس ضيقة إما تصف أو تشف ما تحتها، يرافق ذلك استخدام أدوات الماكياج بالنسبة للسيدات، ولم يكن الأمر منحصرا بالسيدات بل تجاوزه إلى جيل الشباب الرجال الذين يرتدون الجينز الضيق وأنواع من "تي شيرت" تحتوي على صور أو كلمات لا تنسجم مع الثقافة الإيرانية والإسلامية كما تقول السلطات. من هنا كان لجوء السلطات الحكومية في طهران لشن حملات على تلك الفئة من السيدات والشباب في محاولة لدفعهم إلى الالتزام بمقررات الزى واللباس في إيران، تلك المقررات التي جاءت ضمن حزمة من التغييرات، أطلقت عليها السلطات في إيران الثورة الثقافية والتي دعت في إحدى فصولها إلى أسلمة المجتمع الإيراني ومن ضمنها اللباس...في خلال 27 عاما، منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية في إيران، شنت السلطات هناك، أكثر من 13 حملة في محاولة منها، لإلزام المجتمع باحترام القوانين والمقررات المتعلقة ،وللحقيقة فأن المسالة التي لا زالت تشغل الكثيرين داخل المجتمع الإيراني أو أولائك الذين يدرسون ظاهرة الحكومة الدينية.

الحكومة الإيرانية ألزمت نفسها منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية بالمسؤولية عن البعد الأخلاقي و القيمي، فضمن هذا السياق يأتي فرض الحجاب ،لرعاية مقتضيات الاحتشام في المجتمع الإيراني ضمن ما تسميه الحكومة شأنا دينيا ملزما بكل ما يتولى زمام الأمور في إيران. لم يكن هنالك وتيرة واحدة من التعامل مع هذا الشأن، فطوال 8 سنوات وحيث تولى الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي رئاسة الجمهورية لم يكن موضوع الحجاب وفرضه على سلم أولويات حكومته، مما أعطى انطباعا من أن الدولة قد تراجعت عن التشدد الذي كانت تمارسه كما يرى الإيرانيون. لقد كانت فترة رئاسة خاتمي بمثابة انفتاح حقيقي فيما يتعلق بالبعد الاجتماعي وربما أكثر منه في الشأن السياسي لقد كانت الألوان الأسود و الكحلي والبني الغامق تغلب على ألوان الملابس لا سيما لباس السيدات لكنه ومنذ مجيء الرئيس خاتمي حصل ما يمكن تسميته بهجوم الألوان الزاهية واستعيض عن اللباس التقليدي ( ألتشادور )، بما يسمى هناك ( بالمانتو )، ثم أعقب ذلك وبسرعة هائلة البنطلون مع الجاكت كما استبدل غطاء الرأس أو المقنعة كما يسمى في إيران بغطاء خفيف يظهر مقدمة الشعر أو مؤخرته أو الاثنين معا، ليكون هذا التغير مثيرا للانتباه بالنسبة للسلطات، لكن طبيعة الانفراج السياسي الداخلي الذي كان يصب في اتجاه مصلحة النظام دفع باتجاه اختيار اللاعنف واعتبار القضية ثقافية يرد عليها بإجراءات ثقافية ،إلا أن هذا الأمر أخذ يتغير في الدورة الثانية لرئاسة خاتمي ( 2001 – 2005 ) حيث ازداد الانتقاد لهذه المظاهر، باعتباره نوعا من الغزو الثقافي الذي فشلت حكومة "خاتمي" في الرد عليه متعللة بتركيزها على الإصلاح السياسي، ومع انتخاب الرئيس "محمود نجاد" عادت مسألة الحجاب للظهور من جديد، خاصة وأن الرئيس ينتمي إلى عائلة متدينة وجناح سياسي محافظ جدا، فساد توقع من أن حكومة" احمدي نجاد" ستفرض مزيدا من القيود فيما يتعلق باللباس والأزياء المتعارف عليها داخل المجتمع الإيراني، وعزز من هذه المخاوف وجود غالبية برلمانية في مجلس الشورى ترتقي مع الرئيس في أطروحاته حول هذه المسألة، من هنا كان إقرار القانون الذي تقدمت به حكومة "محمود احمدي نجاد" إلى مجلس الشورى والمسمى بقانون الزى الإسلامي والذي يحتوي على 113 مادة ،والذي بموجبه فإن الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع الإيراني ككل ملزمون بالعمل معا لنشر القيم والأخلاق الإسلامية، فالقانون أعتبر أن كل من ترتدي البنطلون القصير أو الجاكت الضيق أو غطاء للرأس يظهر الشعر بمثابة مخالفات يجب المعاقبة عليها بموجب هذا القانون، وقد تجاوز القانون ما يتعلق بالمرأة من لباس إلى الرجال حيث تم التحذير من ارتداء أنواع الجينز أو "تي شيرت" التي تصف جسم الرجل وقد أقر مجلس الشورى الإسلامي هذا القانون في شهر ابريل 2006 على أن يبدأ العمل به في 22 ابريل 2007 . ومع بدأ الحملة في طهران ومدن أخرى كمدينة شيراز، فقد تم إيقاف 1300 امرأة في مدينة طهران وتم توجيه النصح لهن حول ضرورة الالتزام بما جاء في القانون، و تم اعتقال 307 رجل وامرأة بسبب ارتدائهم ملابس تخالف ما جاء في القانون ،حيث تم إخلاء سبيل 235 منهم بعد أخذ تعهدات خاصة عليهم، فيما أحيل 76 شخص إلى السلطات القضائية،حسب ما أشارت صحيفة "دي تسايت"

لقد كان أداء السلطات في التعامل مع القضية وأسلوب التعاطي مثار انتقاد من قبل القوى الإصلاحية في إيران بل وحتى من أولئك الذين يعملون في هرم السلطة، فرئيس السلطة القضائية" آية الله هاشمي شاهرودي "حذر من أن العنف والتعامل الخاطئ لمواجهة الأزمات الاجتماعية قد يؤدي إلى نتائج عكسية ، كما لم يخف المدعي العام في مدينة شيراز انتقاده وذلك بقوله لا يمكن إصلاح المجتمع بالعنف والإجبار، لقد أثبتت الأيام الأولى للحملة التي تشنها السلطات التحدي الحقيقي التي تواجهه فيما يتعلق بمسألة فرض الحجاب، خاصة وأن النساء في إيران قد أبدعن في ابتكار أساليب وموديلات متنوعة فيما يتعلق باللباس جعلت الحكومة في وضع لا يحسد عليه إضافة إلى ذلك فإن شيوع هذه الموديلات بين غالبية النساء ولاسيما في المدن الكبرى يجعل من الصعوبة تحقيق النجاح المطلوب الذي ترغبه السلطات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ترحيل اللاجئين.. هل بدأت بريطانيا بتفعيل خطة رواندا؟ | #ملف_


.. Thailand: How online violence and Pegasus spyware is used to




.. التونسيون يتظاهرون لفلسطين في عيد العمال


.. بريطانيا تبدأ احتجاز المهاجرين المقرر ترحيلهم لرواندا




.. وزير الداخلية التركي: اعتقال 41 شخصا لـ-الاشتباه في صلات تر