الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحب والعاصفة 4

حوا بطواش
كاتبة

(Hawa Batwash)

2012 / 2 / 27
الادب والفن


حين عدت الى غرفتي، كانت فادية راقدة في فراشها. لبست ثياب النوم ثم جلست على سريري المقابل لسريرها، وأطرقت أفكّر في حديثي مع وليد، في ذلك الجزء الذي يخصّ سامر أبو جودة. لقد أغاظه جدا أنني تحدّثت اليه. من حسن حظي أنني لم أخبره بالباقي! إنه لم ينسَ... ولم يسامح. ما زال الحقد يتأجّج في داخله تجاه عائلة ابو جودة. ترى، هل سينسى أو يسامح يوما ما؟ "لا تكلّميه مرة ثانية"، ذلك ما قاله لي، وكان يعني كل حرف مما يقول.
ماذا أفعل الآن لو صادفته في أرجاء الجامعة؟ ألا أكلّمه؟ هل أتجاهله؟ أتفادى لقاءه؟ أم أهرب منه وكأنّه وحش مرعب؟ تضايقت من هذا الأمر، وأحسست أنني لا أريد ألا أكلّمه.
"تفكرين برامز، أليس كذلك؟" سمعت فجأة صوت فادية.
نظرت نحوها متفاجئة. "أما زلت صاحية؟"
قالت وهي لا تزال راقدة في فراشها: "نعم. كنت أفكّر في أمرك. لقد طلبك عمي لرامز مرة أخرى، أليس كذلك؟"
أرسلت زفرة طويلة، ثم أجبت: "لن أفكّر في موضوع رامز حتى أنهي دراستي. هكذا اتّفقت مع وليد."
"ولِم التأجيل؟" سألت مستغربة، وانقلبت على جنبها لتقابلني. ثم أضافت قائلة: "أنت لا تحبينه، أليس كذلك؟"
إستشاط بي الغضب: "قلت لك لن..."
قاطعتني: "أعرف ما قلت. ولكنني لا أفهم، ما الذي تستفيدين من هذا التأجيل؟ كوني واقعية. إنه أمر واقع لا محالة، فلِم التأجيل؟ أنصحك بأن تبدئي بالتفكير في الموضوع بجدّية أكثر، فذلك لمصلحتك."
قلت لها بنبرة لا تخلو من التهكّم: "شكرا لك يا أختي الصغيرة على النصيحة العظيمة. وأنا أنصحك بالتفكير في شؤونك الخاصة وتتركي شؤون غيرك لأصحابها!"
قلّبت شفتيها امتعاضا أمام استهزائي بها، ثم انقلبت على جنبها الآخر وأعطتني ظهرها.

كانت فادية تصغرني بعامين. ورغم أنها كانت أكبر من عمرها بكثير، بأفكارها وآرائها، الا أننا لم نكن نتّفق كثيرا، فقد كان لها غير مزاجي وغير طبعي. كانت تتمتّع بذكاء خارق وذهن حادّ، وكثيرا ما كانت تتباهى بذلك. وربما كان ذلك ما يجعلها واثقة جدا من نفسها. حديثها كان دقيقا، حازما وجازما وكانت تتحدّث ببطء وثقة كبيرة، ونادرا ما كانت تضحك او تبتسم الا عند الضرورة، ومحال أن تضحك بلا سبب. كان طبعها مُثقلا ببرودة مدهشة وصلابة عجيبة تصل أحيانا الى درجة الفظاظة . كانت ترى الحياة بمنظار مختلف عن منظاري، فقد كانت منذ صغرها تتّبع مبادئ صارمة وآراء متينة محال أن تغيّرها بأي شكل. كانت تقدّس مبادئها وتطبّقها بحذافيرها وتطالب من حولها بنفس الشيء.

كانت تلك الطباع تختلف تماما عن طباعي. فقد كنت أنا منذ الصغر رقيقة النفس ومرهفة الحسّ، ولم أفكّر يوما في مبادئ ألتزم بها، وأعيش الحياة في لحظاتها دون أن أكلّف نفسي عناء التفكير في الغد. لم أكن بنفس ذكائها، ولكنني كنت راضية عن نفسي ولا أطمح في تغيير شيء. كنت أحبّ نفسي كما أنا. ورغم أنني وفادية لم نكن قريبتين، إلا أننا كنا نعيش معا في سلم وهدوء في غرفة واحدة، وكل واحدة لها حياتها الخاصة التي لا تشارك بها الأخرى. أحيانا كانت تعتريني رغبة شديدة في التقرّب منها وإفضاء ما في نفسي لها... ثم أعود وأتراجع عن ذلك.

أطفأت النور، ثم تمدّدت على فراشي وأغمضت عينيّ. وفجأة... ومضت في ذهني صورة سامر وهو بقربي ... يراقصني... يثنيني بنظرات عينيه الآسرة... يبهرني بابتسامته العذبة، المشعّة على شفتيه، وملامحه تنبض برقصة الحياة المرحة، الصاخبة. فتحت عينيّ. انتابتني رغبة قويّة في التحدّث عنه. قلت لفادية خلال العتمة: "إحزري من رأيت اليوم."
"من؟" سألتني بعد برهة ونبرتها كانت خالية من الإكتراث.
"سامر."
"من سامر؟"
"سامر ابو جودة."
ساد صمت في الغرفة للحظة. ثم قالت بعد لحظة: "حقا؟ أين رأيته؟ في الحفلة؟"
"أجل." أجبتها، ثم أضفت: "إنه يتعلّم في الجامعة. لقد عادوا من أميركا منذ حوالى أسبوعين، هو وعائلته."
"أعرف."
"تعرفين؟!" تعجّبت. "وكيف عرفت؟"
فأجابت بنفس النبرة الخالية من أي اكتراث: "فاتن أخبرتني."
"اهه... فاتن... طبعا." تمتمت.
بعد لحظة صمت، سألتني بشيء من الإهتمام: "تحدّثت معه؟"
أجبتها: "قليلا،" وبعد تفكير قصير... أضفت: "ورقصت معه."
"ماذا؟!" هتفت بدهشة مشحونة بالغضب.
قلت بهدوء وأنا أبتسم بيني وبين نفسي: "لقد دعاني للرقص فرقصنا قليلا وتبادلنا حديثا قصيرا."

لم تقل شيئا. فاستطردت قائلة: "لن تصدّقي كم تغيّر! أتذكرينه صغيرا؟"
"لم يكن صغيرا جدا."
"كان ولدا طائشا، مشاغبا ومثيرا للأعصاب."
"وكيف أصبح الآن؟"
"أصبح شابا وسيما... وجذاّبا."
"هنادي!" هتفت بي ممتعضة. "ما الذي أصابك؟! أنسيتِ؟"
"نسيت؟"
"إن كنت قد نسيت فأنا لم أنسَ، ولا أظن أن وليد قد نسيَ."
لم أقل شيئا. لماذا لا أستطيع التفكير بنفس طريقتهما؟ لماذا لا أشعر بما يشعران به تجاه سامر؟
جاءني صوتها من جديد: "أحقا رقصت معه؟ كيف سمحت لنفسك بفعل ذلك؟!"
قلت بهدوء: "كل هذا لأنني رقصت معه؟"
فردّت متبرّمة: "كل هذا لأنه سامر سميح أبو جودة!"

لم نضف شيئا. وأنا أغمضت عينيّ من جديد وحاولت اللجوء الى هدوء النوم، الا أنني بقيت وقتا طويلا أتقلّب تحت وطأة أفكاري المشتّتة، وصور كثيرة من الماضي ظلّت تتردد في خاطري، تشحنني بالخيبة التي أحسّ بها كلما عاد بي فكري الى تلك الأحداث في الماضي التي غيّرت مجرى حياتنا الى أبعد حد، وبقيت آثارها محفورة الى اليوم ولم تمّحى حتى بعد مرور عشر سنوات من العمر.

يتبع...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقابلة فنية | المخرجة ليليان بستاني: دور جيد قد ينقلني إلى أ


.. صانع المحتوى التقني أحمد النشيط يتحدث عن الجزء الجديد من فيل




.. بدعم من هيئة الترفية وموسم الرياض.. قريبا فيلم سعودي كبير


.. المخرج السعودي محمد الملا يتحدث لصباح العربية عن الفيلم الجد




.. الناقد الفني أسامة ألفا: من يعيش علاقة سعيدة بشكل حقيقي لن ي