الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا تحرر للمرأة من دون تحرر المجتمع من النظام البرجوازي الطبقي

عبد السلام أديب

2012 / 2 / 29
ملف - افاق المرأة و الحركة النسوية بعد الثورات العربية - بمناسبة 8 اذار/ مارت 2012 عيد المرأة العالمي


1 - هل سيكون للمرأة في الدول العربية نصيب من التغيرات المحدودة التي طرأت حتى الآن على مجتمعات هذه الدول كأحد نتائج الربيع العربي؟


• لم تحصل تغيرات متميزة على الصعيدين الاجتماعي والثقافي في منظومة القيم المتعلقة بالسلطة الذكورية والعقلية التسلطية التي تعاني منها نساء الشرق، بل يمكن القول ان هذه العقلية بدأت تتكرس أكثر وبشكل منهجي ومنتظم عبر انتشار وفرض الاسلام السياسي في المغاربية والشرقية. فما حدث في البلدان المغاربية والعربية هي مجرد تمردات لم ترقى الى مستوى الثوراث الشعبية التي من شأنها احداث تحولات جذرية في اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية. فهذه التمردات التي ثارت بسبب تعمق الازمتين الاقتصادية والمالية وما افرزته من تعميق الاستغلال المزدوج للكومبرادور والامبريالية، اقتصرت شعاراتها على المطالبة بالحرية والديموقراطية، اعتقادا من الشعوب المضطهدة ان المصطلحين السحريين كفيلين بالارتقاء بالوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي وبالتالي بالوضع الثقافي. لكن القوى البرجوازية الصغرى وبدعم من القوى الامبريالية استطاعت تحوير هذه المصطلحات لصالحها وايهام الجماهير الشعبية بمضامين لا تمت للحرية والديموقراطية بصلة، بل تفرض منظومة ثقافية وايديولوجية متناغمة بشكل كامل مع المنظومة البرجوازية المهيمنة، وتخضع الشعوب المضطهدة لمنضومة فاشستية اكثر تشددا وتحولها الى مجرد قطيع في خدمة التراكم الرأسمالي الكومبرادوري والامبريالي. في ظل هذا الواقع يمكننا أن نشهد انتكاسة جديدة للحداثة ولمفهوم ان الانسان يصنع تاريخه وبالتالي الى تراجع حقوق النساء وحرياتهم.


قد يستغرب المتتبع لما يحدث من انتكاسة في منظومة القيم نتيجة تشجيع الامبريالية للاسلام السياسي الذي يعيد الشعوب والمجتمعات قرونا الى الوراء، في حين ان البرجوازية المهيمنة ظلت منذ مرحلة صعودها في القرن الرابع عشر تعمل على تحطيم كافة المبادئ والقيم القديمة ولا تعبأ للمبادئ الدينية الا بما يخدم استراتيجيتها واهدافها التراكمية والتحكمية. لكن الأمر لا غرابة فيه إذا علمنا أن العالم يعيش منذ بداية القرن العشرين مرحلة احتضار طويلة وان ضرورات الحفاظ على النظام يدفع البرجوازية الى محاربة كافة الافكار والقوى التحررية بل محاربة حتى الديموقراطية بالمفهوم البرجوازي باساليب ملتوية حتى لا تتقوى الحركات الثورية وتتمكن من الاطاحة بالنظام المهيمن.


المنظومة الثقافية السائدة في المنطقة والتي تسهى الامبريالية الى تكريسها تقوم على نفس المبادئ الرأسمالية من حيث الملكية الخاصة والتفاوت الطبقي وهيمنة العقلية الذكورية. ومعلوم ان حرية المرأة وحقوقها الطبيعية ستظل ناقصة ما دامت هذه المبادئ هي المهيمنة. وفي ظل تحكم الاسلام السياسي في البلدان المغاربية والعربية فان القيود المفروضة على حقوق النساء وحرياتها وبالتالي تعميق اضطهادها واستغلالها ستتزايد.

2 - هل ستحصل تغيرات على الصعيدين الاجتماعي والثقافي في منظومة القيم المتعلقة بالسلطة الذكورية والعقلية التسلطية التي تعاني منها نساء الشرق؟ وإلى أي مدى يمكن أن تحصل تغيرات جوهرية في ضوء الحراك الشعبي الواسع والخلاص من رأس النظام وبعض أعوانه في أكثر من دولة عربية؟


• الصراع الطبقي لن يتوقف بهيمنة الاسلام السياسي على اجهزة الحكم وعلى شعوب المنطقة، فسرعان ما سيتظهر التوجهات الفاشستية لهذه الانظمة وبنيتها الطبقية والاستغلالية المتناغمة مع السيطرة الامبريالية. سرعان ما سيظهر زيف الحرية والديموقراطية المتشدق بها والهادفة فقط لتخدير الطبقة العاملة نساء ورجالا من اجل تعميق استغلالها. فهذه المرحلة من انتكاسة المقاومة الجماهيرية للهيمنة الكومبرادورية الجديدة والامبريالية لن تكون طويلة، فسرعان ما ستستفيق طليعة البروليتارية لتنظيم نفسها من اجل تحرر حقيقي لها عبر اسقاط المنظومة الرأسمالية وأدوات تحكمها الايديولوجية ومن بينها الاسلام السياسي. فتحرر المرأة سيظل لصيقا بتحرر البروليتارية والمجتمع من المنظومة البرجوازية المهيمنة بجميع تجلياتها.


ان الخلاص من رأس النظام وأعوانه هو بمثابة تغيير قميص قديم أصبح باليا بقميص جديد، بمعنى تغيير كومبرادورية قديمة طال تحكمها بكومبرادورية جديدة وبكلفة مديونية هائلة نحو القوى الامبريالية أصبحت تشكل ريعا اضافيا لتذبير مؤقت لازمة النظام الرأسمالي المزمنة. وباسم الديموقراطية والحرية تم فرض الاسلام السياسي والقفز على حقوق وحريات النساء.

3 - ما هو الأسلوب الأمثل لنضال المرأة لفرض وجودها ودورها ومشاركتها النشيطة في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية في تلك الدول العربية التي وصلت فيها الأحزاب الإسلامية السياسية إلى الحكم؟


• لقد كانت النساء القاعديات (المرأة العاملة والفلاحة) على مر التاريخ شريكة في النضال العمالي ضد الاستغلال والاضطهاد البرجوازي. فالمشروع الاشتراكي التحرري الثوري الذي لا يعزل النساء عن الرجال بل يجعلهما في خندق واحد من اجل اسقاط النظام الرأسمالي بكل قوانينه الطبقية وملكيته الخاصة وعمله المأجور وقيمه التبادلية. فبدون اسقاط هذه القوانين واقتصار نضال الحركات النسائية على حقوق وحريات شكلية داخل المنظومة الرأسمالية لا تنفع سوى جزء من النساء البرجوازيات، بينما تهمل الغالبية العظمى من النساء القاعديات لمصيرهن في شروط مادية مأساوية تكرس المزيد من استغلالهن.

4 - تدعي الأحزاب الإسلامية السياسية بأنها تطرح إسلاماً ليبرالياً جديداً وحديثاً يتناسب مع فكرة الدولة المدنية. هل ترى أي احتمال للتفاؤل بإمكانية شمول حقوق وحريات المرأة ضمن البرنامج السياسي الإصلاحي الاحتمالي لقوى الإسلام السياسي, وهي التي تحمل شعار "الإسلام هو الحل"؟


• الاسلام السياسي يحمل منظومة ثقافية وايديولوجية رجعية متناغمة مع الايديولوجية البرجوازية المهيمنة. والفكر الديني على العموم نشأ وتطور في المجتمعات الطبقية واستغل على مر العصور من طرف الطبقة المهيمنة للحفاظ على نفس القيود التراتبية وفرض نظرية القطيع على الشعوب. ولا يرقى الاسلام السياسي حتى الى منظومة الحقوق والحريات البرجوازية التي كرستها المواثيق الدولية البرجوازية لحقوق الانسان والتي وضعت في فترة التوازن الدولي بين معسكرين اشتراكي ورأسمالي. لكن البرجوازية المهيمنة لا تأبه لهذا التناقض لدى الاسلام السياسي ما دام في خدمة شروط التراكم الرأسمالي ومنظومته الاستغلالية.

5 - هل تتحمل المرأة في الدول العربية مسؤولية استمرار تبعيتها وضعفها أيضاً؟ أين تكمن هذه المسؤولية وكيف يمكن تغيير هذه الحالة؟


• المسؤولية لا يمكن القائها على النساء كأفراد بقدر ما هي مسؤولية الطبقات المضطهدة. فتشردم الطبقة العاملة العربية والمغاربية وانقساماتها وخضوعها لاضطهاد الاستبداد الشرقي لقرون هو بفعل المنظومة الثقافية التخديرية السائدة التي يتم تكريسها بالقوة والقمع المادي والادبي. لكن نفس الاضطهاد والانقسام والقمع والاستغلال يخلق داخلها وعيا طبقيا سرعان ما ينتشر كالنار في الهشيم يدفع نحو تشكل انوية الدفاع الذاتي ومقاومة الانظمة الاستبدادية القائمة. وتلعب النساء دورا استراتيجيا داخل انوية المقاومة التي تنشأ من أجل الثورة على الوضع القائم وعلى المنظومة الثقافية السائدة من اجل تحرر الطبقة المضطهدة ومن بينها المرأة. لكن الامبريالية والكومبرادوريات الحاكمة ترفض نشوء مثل هذه الانوية الثورية فتحاربها بالحديد والنار. فبناء وتقوية التنظيمات البروليتارية الثورية وانخراط النساء في نضالاتها يشكل الطريق الصحيح لانهاء حالة اضطهاد النساء والطبقة العاملة ككل.

6 - ما هو الدور الذي يمكن أن يمارسه الرجل لتحرير نفسه والمجتمع الذكوري من عقلية التسلط على المرأة ومصادرة حقوقها وحريتها؟


• ان محاربة العقلية الذكورية هي رديف لمحاربة العقلية البرجوازية والعمل من اجل اسقاط المنظومة البرجوازية بمختلف قيمها بدأ بالملكية الخاصة التي يدخل ضمنها تملك المرأة. فالعلاقات الجنسية في المجتمع البرجوازي يفرض على المرأة أن تجعل من موقعها السلبي حسابا اقتصاديا في كل مرة تصادف فيه الحب. الرجل يقوم بهذا الحساب بشكل نشيط من خلال تخصيصه لمبلغ معين من اجل ارضاء نزواته. ومن هنا ففي ظل المجتمع البرجوازي، لا نجد فقط أن جميع الحاجات الانسانية تتم ترجمتها نقدا – وهذا هو حال الحاجة الى الحب لدى الرجل – بل أنه بالنسبة للمرأة فإن الحاجة إلى النقود يقتل الحاجة الى الحب. إذن فلا يمكن تجاوز هذا النوع من الاستقطاب بدون الغاء الاقتصاد السلعي وانعدام الأمن المادي الذي يرافقه. فانعدام الأمان نجده على الخصوص لدى النساء. ويتطلب هذا الالغاء حدف جميع البنيات الاقتصادية والاجتماعية التي تعكس وتعيد انتاج العلاقات السوقية. إن المضمون الاقتصادي للثورة يتيح القاعدة المادية لنشوء علاقات جديدة نوعيا بين الكائنات الانسانية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - خروج الاسلام السياسي من الظل ... فيه مصلحة
سامي بن بلعيد ( 2012 / 3 / 1 - 04:22 )
لا خوف من وصول الاسلام السياسي الى الحكم في بلدان ثورات الربيع
فالخوف هو بقاء الاسلام السياسي في الظل ( البرزخ ) فيعرقل المسيرة ويلوم الآخر
اما خروجه ليبقى تحت كيمرات التغيير وكيمرات العالم سيكون له نتيجتين
يا إمّا نجاح حضاري مدني ونكون بذلك قد خرجنا من عقدة التخوّف والصراع
يا إمّا سقوط نهائي سيهيئ للآخر قيادة المجتمع
تحيتي


2 - دور المرأة في الصراع الطبقي
عمر بنعلي ( 2012 / 3 / 2 - 16:34 )
انخراط المرأة الى جانب الرجل في الصراع الطبقي ومن اجل مجتمع اشتراكي خالي من الطبقات ومن العمل المأجور ومن الملكية الخاصة لوسائل الانتاج وجعل العمل متعة لاشباع الحاجات الانسانية والعلاقات الانسانية مبنية على الحب والتعاون ، هذا الانخراط بحد ذاته تحرير لملكات النساء وعبقريتهن وقدرتهن على تصور مجتمع لا وجود فيه لاضطهاد المرأة او استعمال او استغلال لها وحيث تقوم العلاقات بين الرجل والمرأة بدون قيود مادية أو سلعية تبخس قيمة الحب بينهما


3 - لن تحبك المرأة وانت مفلس
حياة عبدو ( 2012 / 3 / 7 - 08:29 )
الحب في ظل النظام الرأسمالي مشوه فالمرأة لن تحب الرجل المفلس وحتى وان قبلت به مكرهة فذلك لعدم وجود رجل آخر في محيطها اكثر غنى. وكثيرا ما تخون الزوجة زوجها الذي تزوجته عن حب من اجل المال والعيش لحضات اكثر رفاهية من بيتها. ثم ان عقدة الزواج اصبحت شكلية حتى وان كانت تقيد المرأة والرجل، فممارسة الحب خارج بيت الزوجية اصبحت جارية من طرف الزوجين، فالزوج يدفع المال من اجل لحظات سعادة مع امرأة اخرى والزوجة تقبل بممارسة الحب مع رجل آخر لقاء مبلغ من النقود والعيش لحظات من السعادة بعيدة عن فراش الزوجية. مختلف قيود الدين والاخلاق لا تنفع في تحقيق الحب قسرا، فكم من (فضائح) اكتشفت لدى زوجان ملتزمان دينيا. انه المجتمع الرأسمالي، ولن يستعيد الحب بريقه الا عندما يتم اسقاط النظام الرأسمالي ويتحرر الانسان من الاستقطاب النقدي وتلغى قيود الزوجية والملكية الخاصة


4 - قانون القيمة الرأسمالية
فؤاد النمري ( 2012 / 3 / 8 - 06:48 )
قيد المرأة الأبدي هو قانون القيمة الرأسمالية. كسر القيد هو اندثار هذا القانون
أحب أن أقول للكاتب أن الكتابة في السياسة هي كتابة علمية بحيث الدالة مقترنة بدلالتها إقتراناً مكيناً ودقيقاً
الدالات مثل الامبريالية والرأسمالية والكومبرادور لم يعد لها مدلولات على الاطلاق كما أن مدلول الاسلام السياسي لا يقع في التصنيف الطبقي
على الماركسي أن يكتب بلغة ماركسية لها مدلولاتها الحسية في الواقع


5 - الى الرفيق فؤاد النمري
عبد السلام أديب ( 2012 / 3 / 8 - 10:31 )
في البداية اود أن أشكرك على المرور، ثانيا أفيدك أنني كنت دائما أحترم كتاباتك وقناعاتك وأقرأها وقد عبرت لك في عدة مناسبات عن اختلافي مع بعض وجهات نظرك والنتائج التي قادتك اليها تحليلاتك ومن بينها موت الرأسمالية منذ 1975 واختفاء الامبريالية والكومبرادور، وانك تعتبر ان العالم سجين محطة منحطة مسدودة المنافذ في ظل هيمنة الاقتصاد الاستهلاكي وتحكم البرجوازية الوضيعة. أود أن أكرر مرة أخرى أنني قد أتفق معك في بعض تحليلاتك حول الدور الخطير الذي تلعبه البرجوازية الوضيعة في الحفاظ على البنية الطبقية البرجوازية، لكني لا أتفق البثة مع اختفاء الرأسمالية والامبريالية والرأسمالية التبعية (الكومبرادور) وكل هذه المصطلحات هي مصطلحات ماركسية جاءت في كتابات ماركسيين ثوريين مثل لينين وماو تسيتونغ ومن تبعوهم وستضل هذه المصطلحات متداولة في كتابات الماركسيين طالما لم ينحرفوا عن الماركسية اللينينية كما فعلت انت انطلاقا من تحليلات لا علاقة لها بالتحليل المادي. مع أصدق مشاعري


6 - الى الرفيق فؤاد النمري
عبد السلام أديب ( 2012 / 3 / 8 - 10:45 )
بالنسبة لاستعمال مصطلح الاسلام السياسي الذي اصبح متداولا بقوة نتيجة التحولات التي تعرفها البنية الطبقية في المجتمعات الاسلامية واكتشاف الغرب الرأسمالي في الاسلام السياسي حليفا استراتيجيا لدحر القوى الديموقراطية الاجتماعية والتيارات الماركسية الثورية وتقود نحو تحريف الوعي الطبقي وتحقيق الخنوع التام للبنية الطبقية القائمة، فلا تناقض فيه مع الكتابة السياسية العلمية، اللهم إلا إذا كنت تعتبر أن ما تعتقده أنت هو فقط ما يمكن اعتباره كتابة علمية، وفي هذه الحالة أعترف لك بأن كتاباتي ليست علمية ولا أريدها أن تصبح علمية

اخر الافلام

.. إيطاليا: تعاون استراتيجي إقليمي مع تونس وليبيا والجزائر في م


.. رئاسيات موريتانيا: لماذا رشّح حزب تواصل رئيسه؟




.. تونس: وقفة تضامن مع الصحفيين شذى الحاج مبارك ومحمد بوغلاب


.. تونس: علامَ يحتجَ المحامون؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. بعد لقاء محمد بن سلمان وبلينكن.. مسؤول أمريكي: نقترب من التو