الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القديسة مومس

اميرة بيت شموئيل

2012 / 2 / 28
الادب والفن


- نشيطة منذ نعومة اظافرها وخدومة جدا .. سافتقدها ولكن، كل شيئ قسمة ونصيب. لا اريد ان اقف في طرق سعادتها وان جاءت قسمتها مبكرة.
هذا ما قاله ابو سوكينا لزادق ، الخاطب. فالاب كان يعرف ان الوقت لم يحن بعد لزواج ابنته وهي في سنتها السادسة عشرة، ولكنه قرر مع نفسه التخلص من ثقلها المتزايد عليه. فسوكينا رغم مساعدتها لوالدتها في البيت وله في المعاش ، لم تفلح في المدرسة وقد طردت من الابتدائية لرسوبها المتكرر.
بدأت العمل مبكرا، كما بدأت المشاكل. فكانت كلما عملت في بيت او دائرة سرعان ما تتحول الى عمل اخر بحجة انهم يسيؤون معاملتها ولا يدفعون لها الراتب الذي تستحقة زهكذا، الى ان اكتشف الاب انها الى جانب خدمة التنظيف، تتعامل بالدعارة!!.
حاول منعها من العمل بالدعارة لكن، دخله المحدود قياسا الى دخلها جعله يتراجع عن قراره خاصة، وانها الوحيدة القادرة على العمل خارج البيت لسد حاجات الاسرة الكبيرة. ظل الاب يتنقل بعائلته من منطقة الى اخرى هربا من الشائعات والشكاوي ضد ابنته الى ان تقدم زادق لطلب الزواج بها بعد فترة قصيرة من نزوحهم الى منطقته. وجد الاب في زادق الهمة في العمل وله امكانيات مالية جيدة، مما سيساعدة على تلبية طلبات سوكينا لتتوقف عن العمل خارج البيت.
اسرع زادق يؤكد لابي سوكينا حسن نيته:
- حاشى ان اكون انانيا لابعدها عنكم ياخال. سأكون لك ، والله شاهد، نعم الابن الذي يقف ويساعدك دائما. سنعيش انا وسوكينا معكم . فانا لا اب لي ولا ام ولا اخوة في هذه المدينة.
استفز الاب من جملة سنعيش معكم وكاد ان يثور في وجه زادق ويطرده، الا انه تذكر قراره والتزم الهدوء قائلا:
- لا يا ابني. على سوكينا ان تتبعك الى بيتك . ونحن لانريد التدخل في حياتكما. كما ان وجودكما معنا سيجعل التفاهم بينكما صعبا. انا اقترح بان تتزوجا سريعا وقبل ان نتحول من هذه المنطقة. فابني سالم قد ترك المدرسة ولايريد البقاء في هذه المدينة اصلا". هكذا نزل زادق عند طلب الاب وتمت مراسيم الزواج المبكر لهما.
بدت سوكينا سعيدة بزواجها من زادق . فقد وجدت حرية اكثر للتحرك، خاصة بعد ان تحول اهلها ولم يبقى معها الا هو. استطاعت ان تقنعه باهمية خروجها الى العمل لقتل الوحدة التي تشعر بها في غيابه ، فعادت الى خدمة التنظيف وعادت تقدم من خلالها خدماتها الجسدية للرجال وبلا فرق للاديان او القوميات. كانت تزيد من خبراتها الفنية معهم ، لتعود بها وتحاصر زوجها وتجهله اسيرا لها.
بعودتها الى العمل، عادت الشائعات تحوم حولها والشكاوي تصل الى زوجها الذي حاول اكثر من مرة منعها من الخروج الى العمل لقطع السنة الناس، الا انها كذبتهم في البداية واقنعته بتوسلات مدعومة بالتمسكن والكلمات الجميلة والدموع ... مدعومة بالقبلات والحضن والهمسات ... مدعومة باللثم والمص و...... .
اخيرا، اقنعته ليختار الحياة الى جانبها كما هي ويتعامل بروح رياضية مع الشائعات والشكاوي ضدها. ويتنقل معها اذا تعرضا الى مضايقة العوائل الملتزمة اخلاقيا او النساء اللواتي تقدم على هدم علاقاتهن مع ازواجهن. اقتنع زادق وصرف النظر عن التقيد بالتزامات الاسرة السعيدة والمجتمع المسالم ، ليغرق نفسه المعذبة في بحور الملذات الجنسية والليالي الحمراء الى جانب زوجته اللعوب التي عرفت كيف تستغل نقطة الضعف في رجل مثله، عاش وحيدا بسبب اليتم ومحروما من النساء بسبب الخجل.
رغم التراجع الذي كان يسجل بالتنقل، عرفت سوكينا كيف تسخر جسدها لجمع المال ولم تبالي بالالتزامات الاخلاقية تجاه بيتها اوالمجتمع. فقد اعتبرت هذا الالتزام تخلف ولن تجني السائرة عليه الا الخسارة المادية. كما ان تجاربها اكدت لها بان حرية المرأة لن تأتي الا مع تحررها الاقتصادي وجمع المال. والمال قابع في جيوب الرجال، لن تصل اليه الا المرأة الخدوم، المتواضعة، المسكينة، الـ......... القادرة على الوصول الى نقطة الضعف المجاورة للجيب. كانت تضحك في قراراتها كلما سمعت عن المناقشات المحتدمة بين النساء والرجال حول حرية المرأة وتضحك اكثر من المنظمات النسائية التي تلجأ الى الثورة والصراع لحث الرجال على تغيير قوانين التعسف ضد المرأة !!. كما كانت تغتاظ جدا من وقوف هذه المنظمات ضد العاهرات. وتصف هجومها على عملية ممارسة الدعارة بالغباء والغيرة. فالطبيعة ، في رأيها، قد خلقت القوة في عقل الرجل والضعف بين فخذيه. كما خلقت القوة بين فخذي المرأة والضعف في عقلها. فما المانع من استغلال هذه القوة لبلوغ الهدف ؟؟!!. ولماذا يجب على المرأة ان تستغل عقلها كالرجل، مادامت تختلف عنه ؟؟!!.
قررت سوكينا الرحيل الى البلدان البعيدة ، بعد ان سمعت بالانفتاح الاقتصادي والحرية فيها من جهة ، وهربا من الدعايات والشكاوي ضدها والتي وصلت الى حد التشكك في ابوة زادق لاطفالها الثلاث. رحلت العائلة لتحط في ارض غريبة بلغتها وعاداتها عنهم ، وتبدأ من جديد.
لم يلقى نشاطها في الوطن الجديد نجاحا، لانعدام المعرفة باللغة والقوانين و... كثرة المتنافسات في حقل الدعارة وحدة التنافس بينهن والذي كان يصل الى حد التضارب والشكاوي !! لهذا عادت تبحث عن المناطق التي يتواجد فيها ابناء قومها لتقيم بينهم. فهم لن يلجأوا الى الشكوى ، لتطالبها الدولة بدفع غرامة التحايل على القانون والتهرب من الجزية، وتطالبها بالتسجيل الرسمي كعاهرة.
قبل ان تحط في وسطهم، اجرت على اسمها تغيير للنغمة البلدية، وجعلته اكثر رومانسية. فتحول من (سوكينا) الى (مدام سوينا) وعادت لتمارس اعمالها المتعددة بهمة ونشاط زادتهما الحرية المطلقة وانعدام السيطرة على الاخلاق الاجتماعية في مجتمعها. وعاد زادق الى ممارسة اعمال مختلفة لتلبية حاجات الاسرة ، وخاصة زوجته التي كانت تزداد طلباتها مع زيادة تمتعها بالحرية والانطلاق.
اسعدها واقع مجتمعها بخلطته الجديدة. الفادي والخائن، المنتمي واللامنتمي، الشاري والبايع، البريئ والمجرم، الملتزم والعربيد، المؤمن والكافر، القديسة والمومس... مستويات لم تعرف التقارب في بلدها يوما. ها هي الان تختلط وتتجانس مع بعضها البعض حد الالتحام. الحابل والنابل يتصاهران في القاعدة في عالم شعاره الحرية والسلام. في هذا العالم وجدت الحرية والجرأة والثقة اكثر في نفسها وعملها. فقد تمكنت من كسب زبائن عديدين ومشاهير من الحقل الفني، مما جعلها تشعر بقوة خارقة فيها، فراحت تتحدث عن علاقاتها بهم وتكشف عوراتهم امام الملأ، لتؤكد للنساء بأنها اقوى امرأة بين النساء وافضل امرأة عند الرجال والاهم من كل هذا، لتؤكد للجاهلات في الحركة النسائية صحة نظريتها في الرجال وخطأ نظريتهن.
استقر رأيها على الطلاق من زادق وفصله عن حياتها لتتفرغ كليا لخدمة الزبائن، بعيدا عن غيرته التي كانت تقف كالحجر العثرة في طريقها. فالشهرة التي وصلت اليها جعلتها تستنكف حتى من وجوده معها. تحررت من عقدة الزواج ، بعد ان تفننت في تصوير التعاسة والعذاب بين يديه. وتفنن فنان مشهور من اصدقاءها في تغليف صورتها باطار الانسانة المتواضعة والمرأة الخدومة والزوجة المظلومة، مقابل خدماتها الجنسية له بلا حساب.
تركت مدام سوينا ( سوكينا) بيتها لتتنقل، في مجتمعها المتعب ماديا، من رجل الى آخر وسط تنافسهم على خدماتها الجنسية، الغنية بفنونها وتكتيكاتها والرخيصة باسعارها، وسط اشاعات وقال وقيل الجمهور. فقد وجد الساقطون فيها القديسة الحنون، والثرثارون الخبر المشحون، والملتزمون مس الجنون.
حاولت مدام سوينا سجن الادب بين منبع دموعها وفخذيها كما فعلت بالفن ، لتحول كتاباته الى جانبها وتعيش في قصصه الى الابد. جاءت الاقلام تسحق جنونها وتستحقر تاريخها وتغير اسمها الفني الرنان الى (القديسة مومس).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحيه وتقدير
فؤاده العراقيه ( 2012 / 2 / 28 - 10:41 )
سلم قلمك عزيزتي


2 - قد يكون لبعضهن عذراً ونحنُ نلومُ
الحكيم البابلي ( 2012 / 2 / 28 - 21:49 )
السيدة أميرة بيت شموئيل
عرض جيد لقصة حدثت للكثيرات من بنات مجتمعنا الشرقي ، حيث أنا لا أتكلم هنا عن المجتمع الغربي ، كون الظروف والملابسات والمعايير ونوعية وطريقة الحياة مختلفة ولن تكون المقارنة ناجحة أو عادلة للطرفين
لا تخلو مجتمعاتنا من أنماط لهذا السلوك لبعض النساء ورجالهم المتسترين عليهم ، وهو ليس بالشيئ الصحي جسدياً ونفسياً أن تلجأ المرأة إلى بيع جسدها مقابل الفائدة ، ورأيي أن الجسد يُبذل فقط للإنسان الذي لنا رغبة بهِ وليس للإنسان الذي يدفع ثمن الجسد واللذة الوقتية
النسوة من ضحايا المجتمع واللواتي إمتهن بيع الجسد قد تكون لهن بعض الأعذار حين لا يجدن سبيلاً لإطعام أطفالهن ، وحين يكون المجتمع والدولة قد أداروا ظهرهم لهن ، وهذه حالات إستثنائية لا ألقي اللوم فيها على المرأة بل على الدولة والنظام العاهر الذي لا يُخجله سقوط نساء مجتمعه المحتاجات
لكن هناك الكثير من النساء ممن يمتهن العهر بسبب التمتع بالمزيد من الربح المادي الذي يذهب معظمهُ لإسرافهن وبذخهن والبهرجة والملابس والمودة والشرب والحشيشة والتمتع بمباهج الحياة
موضوع حساس وطرح جميل يدل على مقدرة ممكن أن تتطور إلى الأحسن
تحياتي


3 - المومس مومس ولكنها مواطنه
الدكتورصادق الكحلاوي ( 2012 / 2 / 29 - 21:02 )
تحيه للكاتبه الاموره اميره بيت شموئيل
في 59 كنت مستمرا على الدراسة في بلد اوربي ونودي علي عصر احد الايام في القسم الداخلي ان عندي مكالمه تلفونية وظهر ان المتكلم هو الفنان الراحل الجادر
الذي كان حينئذ الرئيس الاول لاكاديمية الفنون-كلية الفنون الحالية-والذي كنت اعرفه سماعا وحصل على عنواني من احد الاصدقاء في بغداد فاوعدته باني قادم له حالا الى فندقه كراند هوتيل
وماوصلت الا ووجدت صاحبي امام الفندق في حالة انزعاج شديد وقد تبين انه للمرة الاولى في هذا البلد وانه بعد مخابرتي كان بحاجة الى علبة كبريت وانه لم يكن يملك عمله صغيره وصاحب الكشك قرب الفندق لم يكن يملك -الباقي -لعملته وهو لايجيد لغة اهل البلد وهنا تقدمت فتاة شرقاء واخبرته بالانكليزية انها تساعده فاءخذت ورقة العملة الكبيرة منه ودخلت الفندق لتغيير العمله في مقهى الفندق ولم ترجع وحالا شبعت ضحكا وقلت للفندق والمقهى عدة ابواب رجاء انس الامر ولنذهب من هنا
ولكن صاحبي عاند فذهبنا لمركز الشرطه وسرعان ما تم التعرف على الفتاة لان فناننا رسمها تماما وقال المخبرون انها مومس الحي وراحوا لاستدعائها ورجعوا بدونها لانها مريضه فاحتج صاحبي وقال كيف م


4 - تكمله رجاء
الدكتورصادق الكحلاوي ( 2012 / 2 / 29 - 21:18 )
وقال للشرطة صاحبي وهو غاضب
الم تقولوا انها مومس
واذا باءحد المخبرين يقول حالا وبعفوية اخاذه
نعم انها مومس ولكنها اولا انسان مواطن
وهكذا وفي جميع ايام اقامة الدكتور خالد الجادر في البلد المضيف وانا بصحبته
كان يردد اه انها صحيح مومس ولكنها انسان مواطن
ويساءلني عيني يرحم والديك يجي يوم يصير عدنه المومس انسان مواطن
وهكذا اختنا العزيزه الاستاذه اميره انت تعيشين ومنذ سنوات في ارقى بلد
ديمقراطي ولكنك لاتزالين لاتفرقين بين المهنه-اي كانت وبين كون الانسان انسان مواطن اولا ومن ثم اكاديميا او مومسا-علما ان الناس كفوا عن تسمية -بائعات الهوى بالمومسات وانما بعاملات الجنس بل وحتى بعاملات السياحه
وصدقيني استاذه اميره اني في حياتي التقيت بقديسات مومسات-اي انسانات قمه في الانسانية ومساعدة الغير مع ممارستهن لهذه المهنة الاقدم كما يسميهاالتاريخ والاوربيين
وتعرفين ان اخواتنا مومسات بغداد-وكنا نسميهن بضحايا المجتمع ابلين بلاء حسنا منقطع النظير في وثبة كانون 48 وسقط منهن العشرات شهيدات في تلك المعركة التي نسميها ثورة العشرين الثانية-سقطت مضمخات بدمائهن الشريفه على الجسر الذي سمي بجسر الشهداء ببغدادنا ا


5 - شكرا لكم
اميرة بيت شموئيل ( 2012 / 2 / 29 - 22:51 )
العزيزة فؤادة العراقية
شكرا جزيلا

الحكيم البابلي
شكرا لك عزيزي وهذا بالضبط ما اردته من وراء القصة .

الدكتور صادق الكحلاوي
يظهر انك لم تصل الى المعنى في قلب الكاتب كما يقال وبدلا من الغوص في القصة طفرت الى النقد السلبي


6 - ولماذا تزعلين استاذه اميره هذا راءيي والناس ي
الدكتورصادق الكحلاوي ( 2012 / 2 / 29 - 23:58 )
الاستاذه اميره الناس يختلفون ليس بسبب جنسهم او عرقهم او طبقتهم او دينهم
وانما بسبب اختلافهم في استيعاب وفهم الظواهر والعمليات الاجتماعية او الطبيعية
فلا هنا طفرة ولا نقد سلبي وانما فهم مختلف ليس فيه فهم افضل من فهم
والناس يتناقشون غالبا دون ان يستطيع احد من اقناع الاخر-وكسبه-ولكن في المحصلة النهائية يتفاعل الناس ذوي الخبر والتجارب المتعددة المختلفة ويتطورون بالتفاعل فيما بينهم مع اجمل التحيات وتمنيات التوفيق


7 - للعزيزين اميره وصادق بدون القاب
فؤاده العراقيه ( 2012 / 3 / 1 - 07:41 )
لا أختلاف بينكم اسمحولي ان اتدخل
المومس انواع منها المحترمه والاكثر نقاء من الراهبه ومنها المحتقره اذا ارادت العمل بهذا الجانب لاجل النقود والبهرجه فقط وليس الحاجه , والشرف لا علاقه له بالجنس بقدر ما للصدق والفكر الحر وطيبة القلب وحب الخير
المومس في رواية الكاتبه هنا من النوع المحتقر لانها تشبثت بقشور وتفاهات تنقصها لا أكثر وليس لها علاقه بالانسانيه ولا أعتقد بأن العزيز صادق له رأي مخالف , وأيضا الكاتبه العزيزه لكن هو سوأ فهم لا أكثر

اخر الافلام

.. احمد حلمي على العجلة في شوارع روتردام بهولندا قبل تكريمه بمه


.. مراسل الجزيرة هاني الشاعر يرصد التطورات الميدانية في قطاع غز




.. -أنا مع تعدد الزوجات... والقصة مش قصة شرع-... هذا ما قاله ال


.. محمود رشاد: سكربت «ا?م الدنيا 2» كان مكتوب باللغة القبطية وا




.. جائزة العين الذهبية بمهرجان -كان- تذهب لأول مرة لفيلم مصري ?