الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فصل العمل الدعوي عن العمل الحزبي: لهذه الأسباب تخشى النهضة عمليّة الحسم!

وليد أحمد الفرشيشي

2012 / 2 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


فصل العمل الدعوي عن العمل الحزبي:
لهذه الأسباب تخشى النهضة عمليّة الحسم!

تظلّ عملية الفصل بين العمل الدعوي و السياسي صلب حزب حركة النهضة مدار نقاش ساخن لا داخل الحركة نفسها و بين رموزها و منظريها فقط و لكن خارجها ايضا لإعتبارات موضوعية و راهنية خاصة ان الحديث عن الحسم النهائي لهذه المسالة يعتبر أهم تحدّ فكري و وجودي تواجهه الحركات الاسلامية التي حملتها موجات ما يسمّى بربيع الثورات العربية الى كراسي الحكم.
ولئن طرحنا في لقاء اعلامي سؤال امكانية الفصل في مشروع الحركة على راشد الغنوشي، رئيس حزب حركة النهضة، فإن إجابة زعيم حركة النهضة عن سؤالنا لامست ظاهر المشكلة و لم تسع إلى الحفر عميقا نحو جوهرها، من خلال استنجاد الغنوشي بـ"القياس"- من نوع ما يمنع صحفيا من ممارسة العمل السياسي او إماما ان يكون عضوا في البرلمان- مشدّدا في ذات الوقت على حيادية المساجد عن الشأن السياسي.
في هذه النقطة بالذات، بعض المراقبين يؤكّدون ان هذه الخطوة- على جسامتها و خطورتها- تعتبر مفصلية لاستكمال مشروع حركة النهضة السياسي و هي التي أصبحت اليوم مؤهّلة بحكم منطق "الارقام" التي افرزتها صناديق الاقتراع إلى ان تتحوّل إلى مشروع سياسي حاكم لعقود قادمة. على ان اشتراطات اللعبة السياسية تفترض أن تحسم الحركة نهائياّ موقفها من عملية الفصل، من خلال التخلّي عن العمل الدعوي لفائدة منظمة أو جمعية تكون منبثقة عنها، و الانكباب على العمل السياسي بما يجعلها- واقعا و ممارسة- أقرب إلى التجربة الاردوغانية في تركيا، التي استكملت مراجعتها الفكرية في هذا الاتجاه و انصهرت داخل اللحظة السياسية المعاصرة.
صراع تيارات داخل النهضة؟
و قبل الخوض في مبرّرات الفصل بين الدعوي و الحزبي، من المهم بمكان الاشارة إلى ان حالة التردّد التي تعرفها الحركة، تغذّيها جملة من الاسباب لعلّ اهمّها انّ الحركة اليوم تبدو و كأنّها لا تزال "منتشية" بانتصارها المستحق في الانتخابات الاخيرة و لم تتفطّن الى انها غادرت مجال السرّية التي كانت تفرض الدمج بين الدعوي و الحزبي استقطابا للأنصار و دعما للصفوف أمام قمع و بطش الآلة النوفمبرية. بعد زوال النظام السابق، و حصول الحركة على التأشيرة القانونية و قبولها بآليات اللعبة الديمقراطية، التي قد يتعارض بعضها مع جوهر الشريعة الاسلامية نفسها، فإن مسوّغات الدمج قد زالت خاصة أنها اصبحت حزبا سياسيا مفتوحا على أنصار جدد و على واقع سياسي مستجدّ و غير مستقرّ (في حين ان الشريعة ثابتة و مستقرّة) و هو ما يدعم فرضية الفصل بالنهاية.
ثانيا، ما يؤجّج التردّد في هذه المسألة هو تخوّف الحركة من فقدانها لهويتها أو لغطائها الفكري و العقائدي الذي يجعلها تتموقع بوضوح داخل تمثلات التونسيين سواء كانوا من انصارها أو من غير انصارها. هنا يبدو العامل الهووي (نسبة إلى الهوية) أحد ابرز العوامل المعرقلة لمشروع الفصل خاصة انه بدا أنّ منظّري الحركة و على رأسهم الشيخ راشد الغنوشي - وهذا ما تكشفه أدبيات الحركة نفسها- لم يقرؤوا حسابا لإمكانيات التغيير و المراجعة بل و التحوّل إلى مشروع سياسي مدني فرضته بالأساس اللحظة الثورية التونسية و استتباعاتها الاقليمية.
ثالثا، الحركة نفسها ليست كلّا متجانسا بل تعتبر اليوم مستوعبا كبيرا لرؤى و مواقف تورد ظاهريا من نفس المورد- أي المرجعية الأمّ- و لكنها تشهد تباينات كبيرة خاصة في جانب طريقة التعاطي مع "الحالة السياسية" الجديدة في تونس. بمعنى أبسط، الحركة تجمع اليوم تيارات فكرية متنوعّة و ان كانت بمرجعيّة واحدة، و هو ما يفسّر صعوبة الحسم في مسالة الفصل، بين داع اليه من داخل الحركة و بين رافض له، لاعتبارات يصعب حصرها في هذه الورقة.
الفروقات الجوهرية بين العمل السياسي و الدعوي
غير أنّ هذه الاسباب و غيرها لا يمكن ان تحجب في- في واقع الحال- راهنية فصل الدعوي عن الحزبي، و هو تحدّ يطرح اليوم على اغلب الحركات الاسلامية التي تمكنت من الصعود الى الحكم في تونس و مصر و المغرب و قريبا في غيرها من دول الربيع العربي. و لهذا التحدّي أكثر من مسوّغ يمكن حصرها في النقاط التالية:
أوّلا، الفروقات الجوهرية بين العمل الدعوي و الحزبي. فالعمل الحزبي له قواعده و اجراءاته و اهدافه ووسائل تاثيره و أهدافه و على رأسها الوصول إلى الحكم لتحقيق مصالح مجموعة ضيّقة من الناس. و في العمل السياسي، يجد الحزب نفسه في مواجهة مع أحزاب أخرى لها برامجها و مواقفها و رؤاها المختلفة و ان كانت تشترك معها في الاهداف. بما يجعل من العمل السياسي فضاء لصراع الأفكار و الرؤى و البرامج لا فضاء لصراع الشعائر. بالمقابل الحالة الدعوية لا تتوجه الى فئة معينة بل تتوجه الى "الإنسان" في المطلق تونسي او غير تونسي، مسلم او غير مسلم، فهدفها الرئيسي نشر الدين والتوعية بقيمه ومبادئه والقيام بمسئوليات التربية والتكوين تجاه الناس.
ثانيا، العمل السياسي- و إن كان يحتاج إلى الوازع الديني لأخلقته- يظلّ مجالا خصبا للاحتمالات و للتفاوض. اضافة إلى ان السياسة لعبة غير مستقرّة و غير ثابتة لا يمكن باية حال ان تسري عليها نفس القواعد الفقهية (و هي اجتهاد بشري تماما كعلوم السياسة) ناهيك عن الشريعة نفسها (باعتبارها وضعا ثابتا و مستقرّا). و هذه الحالة بالذات تكشفها مداخلة الصادق شورو في المجلس التاسيسي عندما أسقط "آية الحرابة" على وضع اجتماعي (الاضرابات) معقّد لا يمكن ايجاد حلول "فقهية" له بقدر حاجته الى قرارات سياسية عمليّة تستجيب لمطلبيات مواطنين عانوا عقودا طويلة من الاقصاء و التهميش. خلاصة القول هنا، أن التضارب الذى يحدث أحيانا بين السياسة والفقه يعتبر امرا متوقّعا و تقبله الشريعة و تسعه لأن السياسة تدور حسب المصالح وتختلف بناء على تعقيدات الواقع في حين يظلّ الحكم الفقهي مطلقا فى حركة الزمان والمكان.
ثالثا، الحزب السياسي عندما يكون في الحكم مطالب بالانتصار للوطن لا لجماعات تناصره أو تواليه أو تشترك معه في نفس المرجعية- الدينية- بالأساس. مثال على ذلك، ظلّ موقف حركة النهضة من السلفيين مرابطا عند "رفضه" لعنف فئة "قليلة" منها دون إدانة "صريحة" لهذا التيار الذي بدا يتغوّل داخل الفضاء العامل مستخدما "العنف" و الدعوة إلى الجهاد الامر الذي يثير مخاوف قطاعات هامة من التونسيين، على الرغم من كسر علي لعريض، وزير الداخلية و احد القيادات النهضوية، لحاجز التردّد من خلال ادانته للجماعات الجهادية.
ختاما، الدعوة إلى حسم مسالة الفصل بين الدعوي و الحزبي داخل حركة النهضة، لا تسعى إلى قطع الحبل السرّي بين الحركة و مرجعيتها او هويتها، بل هي دعوة لـ"التخصص"، و التحوّل إلى مشروع سياسي قائم الذات يستجيب لمرجعية وحيدة، هي ضرورات المرحلة الحالية بتعقيداتها و مشاكلها. فيما عدا ذلك يحق لكل الفصائل "الدعوية" سواء انبثقت عن النهضة أو غيرها إبداء الرأي في الشأن السياسي بما هو شأن عام يهم عموم المواطنين و المساهمة في التربية و التكوين السياسيين، على ان لا يتجاوز ذلك مجال "تنمية الوعي العام" إلى "إرتهان الوعي العام".









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دعوات دولية لحماس لإطلاق سراح الرهائن والحركة تشترط وقف الحر


.. بيان مشترك يدعو إلى الإفراج الفوري عن المحتجزين في قطاع غزة.




.. غزيون يبحثون عن الأمان والراحة على شاطئ دير البلح وسط الحرب


.. صحيفة إسرائيلية: اقتراح وقف إطلاق النار يستجيب لمطالب حماس ب




.. البنتاغون: بدأنا بناء رصيف بحري في غزة لتوفير المساعدات