الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خالد الكيلاني يكتب: عن الانفلات الأمني نتحدث قُل إعادة البناء ... لا إعادة الهيكلة

خالد الكيلاني

2012 / 2 / 29
حقوق الانسان


- منظومة الأمن جعلت من رجال الأمن جناة وضحايا والإبادة هي الحل
- أجهزة الأمن تم تسمينها من أجل حكم العسكر
- الانفلات الأمني قبل الثورة كان (Under control)
- (بعض) الفاسدين قاموا بخصخصة (بعض) أعمال الأمن
- تفكيك الآلة الجهنمية المسماة أجهزة الأمن واجب وطني
عندما بدأت ثورة 25 يناير - التي لم تكتمل حتى الآن – لخصت الجماهير الغاضبة جل غضبها في مؤسستين رأت - جماهير الثورة – أنهما يجب أن يسقطا. الأولى هي المؤسسة الأمنية ممثلة في أقسام ومراكز الشرطة وناقلات ومصفحات الأمن المركزي في الشوارع، والثانية مؤسسة الحكم ممثلة في الحزب الوطني الحاكم حيث أحرقت الجماهير الغاضبة عدداً من مقاره أهمها المقر المركزي المواجه للنيل بميدان عبد المنعم رياض.
فالجماهير التي ثارت ضد الفساد والاستبداد كانت تعي بفطرتها أن الحزب الوطني الحاكم والمتحكم هو أيقونة الفساد في مصر ... وأن أجهزة الأمن هي أدواته لممارسة الاستبداد والقهر، وهي منظومة تم صنعها و"تسمينها" على مدى عقود طويلة من حكم العسكر لمصر، فالدولة التي يحكمها العسكر بطبعها دولة بوليسية، وهم لا يأتمنون سوى أجهزة الأمن ... ثم أن أجهزة الأمن لا تتوغل وتتوحش إلا في ظل دولة تحكمها المؤسسة العسكرية.
وفي ظل منظومة جعلت من رجال الأمن جناة وضحايا في نفس الوقت. أصبح جهاز الشرطة، بل وزارة الداخلية بالكامل تمثل الوجه القبيح للنظام، فقد جعل النظام لكل مشكلة حلاً أمنياً، ولكل مؤسسة أو وزارة أو جهة أو جامعة ... أو حتى مدرسة مرجعاً في جهاز أمن الدولة الخطير، وضع النظام جهاز الأمن بكامله في مواجهة الناس، وبدلاً من أن تكون مهمته حل مشاكل الناس والعمل على حمايتهم وراحتهم، أصبحت أجهزة الأمن في مصر مصدر قلق وتهديد للجميع، وأصبح وجود رجل الشرطة في أي مكان أمر لا يبعث على الطمأنينة أو الشعور بالأمان، ولاقى هذا الأمر قبولاً من بعض ذوي العاهات النفسية من رجال الأمن ... أولئك الذين يبحثون عن السلطة والسطوة والقوة، وتغير شعار جهاز الأمن الداخلي في مصر من "الشرطة في خدمة الشعب" إلى "الشرطة والشعب في خدمة سيادة القانون"، ولكن سيادة القانون في نظرهم لم تكن سوى ... نظام الحكم. وفي ظل استمرار حالة الطوارئ لثلاثين عاماً متصلة نسيت أجيال كاملة من رجال الشرطة كل ما يتعلق بالقانون ... وتجاهلت كليةً العمل به أو تطبيقه ... بل ديس عليه بالأحذية داخل أقبية التعذيب في مقار أمن الدولة وعنابر مصلحة السجون، وأيضاً داخل ثلاجات ضباط المباحث وغرف الاحتجاز في أقسام ومراكز الشرطة، بل مورس التعذيب أحياناً في الطريق العام أو في بيوت المواطنين أنفسهم ... وكم من مواطن ألقي من "بلكونة" شقته أو سطح منزله، وتطور عمل أجهزة الأمن من تلفيق القضايا للمواطنين إلى تلفيق الكوارث للوطن على هيئة فتن طائفية وفئوية وقبلية، من أجل مد حالة الطوارئ مرة ... ومن أجل خلق ملهاة للناس أو تسوية مشكلة داخلية أو خارجية، ولم يكن حادث كنيسة القديسين غريباً على جهاز أصبحت مهمته ترويع الناس. وهكذا كانت شرارة الثورة التي اختير لها 25 يناير ... عيد الشرطة.
لكن الذي حدث بعد مرور أكثر من عام على "بدء" الثورة: أنه سقط الرئيس وبقي النظام، فلا مؤسسات الفساد حُلت، ولا الفاسدين حوكموا أو أبعدوا، ولا أجهزة الأمن عدلت من منهجها في التعامل مع المواطنين الذين يدفعون لها من دم قلبهم الرواتب والامتيازات والسيارات والمكاتب الفاخرة والعلاج والمستشفيات ... بل وأيضاً الشقق والشاليهات.
وأصبح كل من ينادي بهدم الفساد وإنهاء عصر الاستبداد في نظر سدنة النظام القديم الجديد ... وكأنه ينادي بهدم الدولة!!، وكأن الإطاحة بجهاز فاسد أو حكومة فاسدة سوف يلغي مصر من الخريطة ... فقد ارتبطت مصر في أذهانهم بالفساد والاستبداد.
وتطبيقاً لمقولة الرئيس المخلوع "أنا أو الفوضى" فوجئنا بتزايد حجم الإنفلات الأمني وزيادة جرائم القتل والسطو والسرقة وقطع الطرق وتجدد المعارك الثأرية وغيرها من الجرائم التي لم تخلُ منها مصر في يوم من الأيام، فمصر تعيش منذ عقود في حالة من الانفلات الأمني والأخلاقي والسياسي والاقتصادي والبيئي والإعلامي والمروري والسكني ... الخ، وفي ظل عشوائية شملت كافة المناحي وكفيلة بحد ذاتها لكي تهدم أعتى الدول، ولكن الانفلات الأمني قبل 25 يناير يختلف عنه بعد 25 يناير فقبلها كان انفلاتاً (Under control) محكوماً بعصابات الأمناء (!!) والمخبرين والمرشدين والمرتشين وعتاة الإجرام ومعهم عددٌ من رجال الأعمال وضباط الشرطة الفاسدين، وفي ظل توجه الدولة للخصخصة وبيع كل المؤسسات الحكومية قام (بعض) هؤلاء الفاسدين بخصخصة (بعض) أعمال الأمن وتقديمها لمن يدفع أكثر، ولمن هو أكبر مالاً أو نفوذاً، ومن هنا بدأ السقوط ... لم يكن سقوطاً لأجهزة الأمن فقط ولكنه كان سقوطاً لهيبة الدولة، وسقوطاً لدولة الحق والقانون. ولم تكن ثورة يناير هي التي أسقطت أجهزة الأمن، ولكنها كانت بمثابة الضوء الذي كشف عن هذا السقوط.
كان لابد من إعادة بناء تلك الأجهزة على عقيدة مختلفة ومفاهيم جديدة ولكن القائمين على إدارة شئون البلاد وقيادات أجهزة الأمن لا يرغبون، وحتى يسكتون الأصوات المطالبة بالتغيير، ويخرجون علينا بين الحين والآخر بوريقات كتبها لواء سابق أو صديق حالي حول "إعادة الهيكلة" وهي مسألة تعني عملياً أن تتبع الأجهزة الأمنية استراتيجيات جديدة من شأنها أن تساعد على معالجة الخلل الحالي والإبقاء على المنظومة كما هي!!، وحتى تطبيق تلك الاستراتيجيات الجديدة لن يتم – لو تم – سوى عبر مراوغات ومساومات عديدة مع المجتمع والدولة، ونسي أو تناسى الجميع أننا في ظل ثورة لا عملية إصلاح سياسي، والثورة تعني هدم الفساد القديم وإزالته من جذوره، وإعادة بناء نظام جديد يتسق ويحقق أهداف الثورة.
هذا جهاز لا تصلح معه هيكلة أو تأهيل أو تقويم ... لا يصلح معه سوى الإبادة، والإبادة هنا لا تعني البشر العاملين في الجهاز فهكذا قد يفهم من تعودوا على "شخصنة" الأمور، ولكن الإبادة تعني هدم الأفكار القديمة وهدم العقيدة التي يقوم عليها جهاز الشرطة وهي أمن النظام وأمن الدولة لتصبح عقيدة هذا الجهاز هي أمن وسلامة وحماية المواطن ولا شيء غير ذلك، وتفكيك البنية المؤسسية التي تسمح لأجهزة الأمن بالهيمنة على الوطن.
إعادة البناء أيضاً يجب أن تمس المسلمات التي عمل عليها جهاز الشرطة طوال العقود الماضية واستبدالها بأهداف وطرق عمل مختلفة.
- يعتبر رجال الأمن أنفسهم سلطة مضافة للسلطات الثلاث المنصوص عليها في الدستور بل يعتبرون أنفسهم أشخاص ذوي حصانة وذوات لا تمس ولذلك فقد أصبحوا في نظر الناس هم "الحكومة"، ولذلك يجب أن يرسخ في أذهان رجال الأمن أنهم جزء من السلطة التنفيذية، مثلهم مثل العاملين بوزارة الصحة أو التعليم أو الحكم المحلي أو غيرها من الوزارات مهمتهم تطبيق القانون وخدمة المواطن في مجال عملهم، وأنهم ليسوا سلطة في حد ذاتها، ويجب أن نلغي من قواميس وزرائنا وإعلامنا عبارة "هيبة رجل الشرطة" لأن الهيبة للقانون وليست لأشخاص أياً كانوا.
- العودة لتطبيق نص المادة 184 من الدستور التي تنص على أن "الشرطة هيئة مدنية نظامية" وكذا نص المادة 1 من القانون رقم 109 لسنة 1971 والتي تكرر النص على مدنية جهاز الشرطة، وما يترتب على هذا من منع عسكرة الشرطة وإلغاء الرتب العسكرية في جهاز الشرطة واستبدالها بدرجات وتسلسل وظيفي مدني – وليكن بكادر خاص – وأيضاً إلغاء إلحاق المجندين بالقوات المسلحة في جهاز الشرطة أو ما يسمى قطاع الأمن المركزي وإنشاء قوات خاصة لمكافحة الشغب من محترفين ومتخصصين على أعلى درجة من التأهيل ويجوز بالنسبة لهؤلاء التعامل معهم باعتبارهم قوات شبه عسكرية.
- يقوم جهاز الشرطة في مصر على كشف الجرائم بعد وقوعها وضبط مرتكبيها وتنفيذ الأحكام التي قد تصدر على المتهمين فيها، وهي مسألة تتم بالصدفة البحتة وفي غالب الحالات لا يكون لأجهزة الأمن أي يد في الكشف عن تلك الجرائم أو ضبط مرتكبيها، ولذلك يجب أن تتحول مهمة الشرطة في مصر إلى الجانب الوقائي، أي كشف الجرائم قبل ارتكابها والحيلولة دون وقوعها، ويكون هذا هو هدف عمل رجل الشرطة ويتم محاسبته ثواباً أو عقاباً وترقيته واستمراره في عمله طبقاً لهذا المعيار.
- يقوم عمل ضباط المباحث في جهاز الشرطة على طرق وأساليب تجاوزها العالم منذ عقود طويلة، وهي أساليب بعيدة كل البعد عن الأساليب العلمية في كشف الجرائم وتعتمد فقط على العنصر البشري ولهذا يجب أن يتم تنويع ضباط البحث الجنائي بضباط من خريجي كليات الحقوق والطب والعلوم والصيدلة والهندسة والزراعة وغيرها.
ولأن الحيز المتاح لا يكفي لطرح كل الأفكار المتعلقة بإعادة بناء جهاز الأمن فإننا سوف نطرح في هذه العجالة بعض الحلول السريعة التي يكمن فيها تفكيك الآلة الجهنمية المسماة أجهزة الأمن وذلك بنقل تبعية مصلحة السجون لوزارة العدل أو الشئون الاجتماعية، ونقل تبعية ضباط المباحث الجنائية للنيابة العامة مع إلغاء أماكن الاحتجاز داخل أقسام ومقار الشرطة وجعلها داخل مقار النيابة العامة وتحت إشرافها أو في السجون العمومية، ونقل تبعية جهاز الأمن الوطني لرئاسة مجلس الوزراء، ونقل تبعية المرور لوزارة النقل، ومصلحة الجوازات لوزارة الخارجية، والمطافي والدفاع المدني والمرافق للمحافظات والأحياء، ومصلحة الأحوال المدنية لوزارة الصحة أو للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وتصاريح العمل لوزارة العمل وهكذا.
وهذه الحلول العاجلة ربما تفيد في مسألة إعادة البناء ولكن تغيير العقيدة قصة أخرى وللحديث بقية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مبادرة لمحاربة الحشرات بين خيام النازحين في رفح


.. تونس.. معارضون يطالبون باطلاق سراح المعتقلين السياسيين




.. منظمات حقوقية في الجزاي?ر تتهم السلطات بالتضييق على الصحفيين


.. موريتانيا تتصدر الدول العربية والا?فريقية في مجال حرية الصحا




.. بعد منح اليونسكو جائزة حرية الصحافة إلى الصحفيين الفلسطينيين