الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفضاء العربي بين الابحاث الغربية والواقع المتحول..حين نرى أنفسنا بمرآة الاخرين

علي سفر

2005 / 1 / 12
الادب والفن


بعيدة في مراميها, و بعقلية السيطرة المتفردة على مجمل حياة الشعوب , تقاسمت الأجهزة الإعلامية الحكومية العربية مجمل الفضاء العربي طيلة عدة عقود , حاولت فيها أن تبسط على الأرض سيطرة الخطاب المعلب الذي يحاول تثبيت سلطة الحاكم في وجه المعارضات التي لم تكن تملك حولاً لها و لاقوة في مواجهة تفرد الحزب الواحد و حاشية وبطانة السلطة بكل مناحي الحياة المجتمعية.. لا حقل الإعلام فحسب و لكن هذه الأجهزة و رغم كونها قد ظلت وحيدة في سيطرتها و بدون منافس طيلة أكثر من ثلاثة عقود فإنها قد فشلت فشلاً ذريعاً حتى في تأسيس بنيتها الداخلية القادرة على المنافسة , و بغض النظر عن الأسباب التي تجعل من الإعلام الحكومي عاجزاً بشكل عام عن اللحاق بما هو غير حكومي و سلطوي , فإن المشكلة الحقيقية التي يخلفها عجزه لا تبقى محصورة في كونها مجرد مشكلة إعلامية ..بل إنها تتصاعد في تجلياتها لتصبح عجزاً سلطوياً عن مقاربة الحديث و الجديد في ما يفيد استمراريته ذاته وكذلك تقبله للعناصر الجديدة الحادثة في الحياة , و من هنا يصبح العجز الإعلامي هو كناية عن فراغ جوهري في بنية الخطاب الذي ظل يصدح وحيداً طيلة العقود الثلاث التي ساد فيها التلفزيون في المنطقة العربية حتى بداية ظهور المحطات التلفزيونية الخارجة عن سلطة الريموت كونترول الحكومي ( mbc1990 ) .. و لعل ظهور هذه المحطة و ما تبعها من محطات حكومية ( حاولت المنافسة كالفضائية المصرية ) و أخرى خاصة حاولت إثبات الوجود و الدخول في السوق الإعلامية و الإعلانية البكر كشبكة أوربت أو شبكة art مثلاً ) .. قد أفسح المجال لظهور عقلية إعلامية جديدة كانت عناصرها كامنة في بنية الإعلام الحكومي ذاته و متوفرة أيضاً في النماذج الغربية التي تسبق التجربة العربية على كافة المستويات كما هو معلوم للجميع ...
هذه العقلية الإعلامية الجديدة تقارب في بنيتها الداخلية لأن تنتقل من مجرد كونها محض أداة إعلامية إلى أدوات موجهة وفاعلة سياسياً ومؤثرة حتى في القرار السياسي و نموذج قناة الجزيرة أوضح من مجرد التذكير به .. , غير أن هذه المقاربة بين الإعلامي و السياسي لا تجد أكلها في اختصار الحالة الإعلامية إلى محاولة اللحاق بالخبر بل إلى صناعته كما تطرح أغلب المحطات التلفزيونية القادرة على السيطرة على عقل المشاهد العربي ..و من بؤرة صناعة الخبر تتضح للجميع تلك المرامي التي تحاول هذه المحطات أن تصل إليها .. و لعل أي قراءة للواقع الإعلامي العربي دون مقاربة هذه الزاوية / البؤرة تبقى عاجزة عن التوغل في عمق الواقع الحالي للمحطات التلفزيونية التي يفرضها الحدث السياسي و استتباعاته كما تفرضها الرغبات المتعلقة بحاجات السوق الاقتصادية ..!!
و تبعاً لهذه الحقيقة التي نعتقد برسوخها في عالم الميديا راهناً , تبقى أي قراءة للوضع الإعلامي العربي غير قادرة على توضيح بنية الحالة الإعلامية الراهنة , و لعلها إن حصلت فإنها ستكون واقعة لا محالة في أسر الحالة الحرفية و تفاصيلها و غير متعمقة في صلب و جوهر الواقع ذاته و من النماذج التي يمكن لن أن نتوقف عنها كنموذج للقراءة المفارقة للواقع كتاب " الفضاء العربي " و الذي قام بإعداده للقارئ الغربي مجموعة من المؤلفين بإشراف فرانك مرمييه و الذي ألحق بعنوان فرعي هو ( الفضائيات و الإنترنيت و الإعلان و النشر )* ..
فهذا الكتاب الذي تجاوز عدد صفحاته الستمائة صفحة هو كتاب مؤلف من قبل عدد من المؤلفين العرب و الغربيين ليقرأه الباحث الغربي كصورة بحثية عن واقع حقيقي هو الواقع العربي ..! و لكن المشكلة التي يطرحها وجود الكتاب في اللغة العربية تكمن في أن من يتحدث عنهم الكتاب سيقرأون صورتهم كما شاهدها الآخرون دون أن تتاح لهم الفرصة في تعديلها أو المساهمة في شرحها أو تصويبها ...!!
فالبحث الإعلامي هاهنا ينطلق من البحث العملي شبه الموثق لكنه يسقط في واقع اللا راهنية .. نظراً لكون الأبحاث التي قيدت فيه قد أنبنت على حيز زمني محدد و هنا قد يتساءل أحد ما عن كون كل الأبحاث تعلق في زمكانيتها .. و بما ينفي صفة المشكلة عن هذه الملاحظة غير أن البحث في الأمر يوضح حقيقة أن سرعة التطورات في عالم الميديا و في كل الحقول تجعل من البحث الذي كتب قبل عام أو أكثر شبه عديم الفائدة حالياً , سيما و أن أغلب الأبحاث لا تكرس البحث الأكاديمي المفهومي الذي يؤصّل آليات البحث ذاتها بل إنها تنزع صوب مقاربة التفاصيل الواقعية و كأنها ثابتة و غير قابلة للتحول و هنا نرى و كمثال على هذا الأمر أن المادة التي يبحث فيها الكتاب عن المواقع العربية على شبكة الإنترنيت قد أمست عديمة الفائدة في ضوء الطفرة الحالية التي يعيشها العالم الثقافي و الإعلامي في ما يخص بناء المشهد العربي على الإنترنيت و كذلك عالم المحطات التلفزيونية العربية التي تستعد للانطلاق حالياً عبر تبني الحكومات ذات الطابع الليبرالي الاقتصادي لمشاريع جبارة تسمح لظهور نوع جديد من المحطات الفضائية هي أشبه بالشبكات المتكاملة.. و أيضاً يلفت الانتباه أن الواقع السوري الإعلامي قد اختصر عبر دراسة صحفية باهتة تناول فيها كاتبها دور الخيال الدرامي السوري في واقع الإعلام العربي ..!!
فالفضاء العربي الذي كان شبه محدودٍ قبل عام , ليس ذاته الفضاء العربي بعد التحولات الاقتصادية و السياسية التي فرضها غزو و احتلال العراق مثلاً ... ومن هنا نعود إلى المنطلقات البحثية في هذا المشروع العلمي الذي نفذ بالتعاون بين مجموعة من المؤسسات العلمية البحثية العربية و الفرنسية لنجد أن هناك شبه فجوة ( لا نعجز بعد قراءة الكتاب عن تبين أسبابها ) تحكم العلاقة بين البحث و الواقع ... فجوة تقوم على كون النتائج المستخلصة في مجمل الدراسات قد صيغت ضمن أفق الراهن الآني و ليس الراهن الاستراتيجي .. فعندما ينظر البحث إلى واقع كون المحطات الحكومية العربية عاجزة عن اللحاق بمثيلاتها الغربية أو مثيلاتها العربية الخاصة و يرى في تفاصيل هذا العجز ضرورة إعادة قراءة بنية مفهوم الصحافة التلفزيونية في المنطقة العربية يصبح من الضروري التوجه صوب قراءة جوهر الفكرة الإعلامية ذاتها في بنية السلطة العربية و هذا ما سيقودنا إلى قراءة الواقع السياسي بالضرورة كي لا يصبح الإقرار بعجز هذا الاعلام هو عجزاً إنسانياً و ليس عجزاً معرفياً بسبب تحجر المفاهيم و العقليات السائدة و المتحكمة بواقع الأعلام نظرياً و عملياً و من هنا نتوقف عند كيفية وجود بحث يتناول " اللبنانيون ودورهم في تنمية صناعة عالم التلفزة " و عدم وجود بحث آخر يطرح بنية الإعلام في لبنان الذي يتحول فجأة من الليبرالية إلى حالة السيطرة الحكومية و الرقابية حين تبدأ مصالح الفئة الحاكمة مهددة بسبب محطة صغيرة كمحطة mtv و التي تم إغلاقها رغم ارتباطها بواقع الميديا العربية عبر عدة تحالفات ... !!
هل يكمن السبب في العقلية الانتقائية التي تقود باحثاً إلى هذه الزاوية و تقود الآخر باتجاه مختلف ..؟ أم أن ثمة أسباب أخرى تدفع المراكز البحثية الغربية صوب مجموعة من الزوايا دون الإفصاح عن أسبابها الاستراتيجية ...؟
مشكلة هذا الكتاب هو أنه لا يكتفي بطرح الأسئلة " العميقة " كما يؤمل من الأبحاث التي تقارب الواقع العربي بل أنه يفترض أن أسئلته المقترحة هي ما يشكل الفضاء العربي و بتفاصيله و لهذا نراه يقارب العنوان و بشكل يعيدنا إلى ثبات الحقائق و تكرسها و بالتالي تحجرها لا تحولها و موائمتها للتحولات الواقعية في المجتمع الذي لا تنفصل فيه الحالة الإعلامية عن التفاصيل السياسية التي يعيشها ...
غير أن حسنات ترجمته إلى اللغة العربية لا تتوقف عند إبرازه للعديد من آليات البحث العلمي في مجال الإعلام بل إنها تتعدى ذلك إلى طرح الأسئلة المتعلقة بغياب البحث العلمي الإعلامي العربي و شبه غيابه التام و بما يجعل من أبحاث مكتوبة بعقلية العبور هي المعبرة عن واقعٍ مفتوحٍ على مجمل الاحتمالات ... !


• الفضاء العربي ( الفضائيات و الإنترنيت و الإعلان و النشر )
تأليف مجموعة من المؤلفين
بإشراف : فرانك مرمييه
ترجمة : فريدريك معتوق
الناشر : دار قدمس ( بدعم من وزارة الخارجية الفرنسية و السفارة الفرنسية بلبنان ضمن مشروع جورج شحادة للتعاون )
دمشق – 2003
600 صفحة – قطع متوسط








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية


.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي




.. إزاي عبد الوهاب قدر يقنع أم كلثوم تغني بالطريقة اللي بتظهر ب


.. طارق الشناوي بيحكي أول أغنية تقولها أم كلثوم كلمات مش غنا ?




.. قصة غريبة عن أغنية أنساك لأم كلثوم.. لحنها محمد فوزي ولا بلي