الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البحث عن رئيس لمصر!

تامر وجيه

2012 / 2 / 29
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان



مصر مقبلة على انتخاب رئيس للجمهورية. والحوار يدور بكثافة في أوساط قوى الثورة بوجه عام، وقوى اليسار بوجه خاص، حول المسألة: هل نقاطع أم نشارك؟ وإن شاركنا، فمن نؤيده؟ أبو الفتوح؟ صباحي؟ خالد علي؟ أم أبو العز الحريري؟

واحدة من مشاكل النقاش الدائر هي طبيعته. فقديما قالوا إن الصياغة الصحيحة للسؤال تمثل نصف الطريق للوصول إلى الحقيقة.

لذلك فأنا أدعو المنخرطين في الحوار الساحن الدائر إلى مراجعة المنهج الذي يتناولون به المسألة، وهو منهج يميل، في اعتقادي، إلى الشخصنة، بمعنى التركيز على المواصفات الشخصية لهذا المرشح أو ذاك، باعتبار أن هذه النقطة مفصلية في التفضيل والقرار. فهذا شاب، وذاك عامل، وهذا تاريخه كذا.. وهلم جرا.

أنا طبعا لا أنفي أهمية هذا البعد الشخصي. لكني أعتقد إنه ثانوي إن قورن بأبعاد أخرى لابد أن تحظى باهتمامنا ونحن نطرح مسألة انتخابات الرئاسة والمرشح الأفضل.

اللحظة الراهنة

المنهج الأصح لتناول مسألة انتخابات الرئاسة يبدأ من تحليل طبيعة اللحظة السياسية-الطبقية الراهنة والدور الذي يمكن أن تلعبه معركة انتخابات الرئاسة في تغيير التوازن الجاري لمصلحة قوى الثورة وضد قوى النظام القديم.

من هذا المنطلق، سأبدأ طرحي بمناقشة السياق الذي تدور فيه الانتخابات وعلاقتها بالعملية الثورية الجارية أمام أعيننا.

أعتقد أن علينا أن ندرك أن قوى الثورة في لحظة ضعف نسبي على أكثر من مستوى. المستوى الأول والأكثر مركزية هو انفصال الطليعة الثورية عن قواعدها الجماهيرية في أوساط الطبقات الكادحة.

تحدثت عن هذه النقطة كثيرا. ولن أمل من تكرارها.

فالواضح أن سياسات المجلس العسكري والقوى المضادة للثورة، وعيوب الحركة الثورية، قد أديا إلى تزايد التفاف قطاع واسع من الجماهير الكادحة، وهم يمثلون القاعدة الاجتماعية للثورة، حول التيارات والأحزاب الإصلاحية والمحافظة والرجعية، وحول المؤسسات البرجوازية التقليدية كمجلس الشعب.

في الوقت نفسه، تسود حالة من الاغتراب، تصل أحيانا إلى العداء، بين الجماهير العريضة والقوى التي توصف بشباب الثورة أو ثوار التحرير.

باختصار، نجح أعداء الثورة ومنافقوها في تحميل القوى الراديكالية ذنب عدم تحقيقها، أي الثورة، لأي مكاسب على مدى الشهور الماضية. الجماهير اليوم تلوم “الثوار” على سوء الحال والمآل بدلا من أن تلوم المذنب الحقيقي وهو القوى المضادة للثورة.

المستوى الثاني، المتصل عضويا بالأول، هو تزايد ثقة قوى الثورة المضادة في نفسها بشكل واضح، إلى حد قيامها مؤخرا بالهجوم بدلا من تلقي الضربات وامتصاصها كما كان الحال في الشهور التالية على سقوط مبارك. وقد تجلى ذلك بالطبع في الهجوم الضاري على التنظيمات والحركات الثورية وعلى الرموز الديمقراطية الراديكالية من علاء الأسواني، إلى محمد البرادعي، إلى زياد العليمي.

وعلى أساس من هذين المستويين، وكلاهما يعني تراجع (في ظني مؤقت) للحركة الثورية، لم تنجح الحركة التي تصاعدت في الأسابيع الأخيرة، والتي مثل إضراب 11 فبراير ذروتها، في تحقيق هدفها المتمثل في إجبار المجلس العسكري على التنازل، ولو جزئيا، عن خريطة طريقه لتسليم السلطة، سواء بالتعجيل بانتخاب الرئيس، أو بتسليم السلطة لمجلس الشعب.

سياق المعركة

وهكذا، فنحن ندخل انتخابات الرئاسة في ظل لحظة غير مؤاتية في الصراع السياسي والطبقي. لحظة لم ينجح الثوريون فيها أن يفرضوا شروطا جديدة لانتخابات الرئاسة، أو (وكان ذلك هو الأفضل في رأيي) أن يجبروا المجلس على إسقاط انتخابات الرئاسة كلية لصالح مسار تسليم السلطة للمجلس النيابي المنتخب.

فماذا يعني هذا بالنسبة لانتخابات الرئاسة؟

يعني أن هذه الانتخابات ستكون ساحة جديدة، في لحظة أسوأ، لخوض المعركة ضد المجلس العسكري ومنافقيه.

مضمون معركة انتخابات الرئاسة الأساسي في رأيي هو خوض صراع، على المستوى الانتخابي، مع المجلس العسكري حول درجة هيمنته. فتماما كما مثل إضراب 11 فبراير وما قبله من تحركات هادفة إلى تسليم السلطة جولة من الصراع مع الديكتاتورية العسكرية القائمة، فإن انتخابات الرئاسة ستكون هي الأخرى ساحة من ساحات الصراع مع المجلس العسكري.

المشكلة كما قلت إن هذه الساحة الجديدة تأتي في ظروف أصعب. فبالرغم من وجود تناقضات وصراعات مكتومة بين الإخوان المسلمين والجيش، فإن الإخوان، بالذات في ضوء تراجع الضغط الجماهيري من أسفل، وكقوة إصلاحية نموذجية، قرروا عقد صفقة مع المجلس تتضمن التوافق على مرشح رئاسي يطمئن الإمبريالية العالمية (الولايات المتحدة) والرجعية الإقليمية (السعودية) ورأس المال المحلي على مصالحهم في ضوء الرعاية الثنائية من العسكر والإخوان.

مرشح الثورة

إذن فمضمون معركة انتخابات الرئاسة، لمن يستطيع أن يرى الواقع بشكل شمولي ودقيق، ينبغي أن يكون إضعاف أو إسقاط المرشح التوافقي للعسكر والإخوان.

هذا سياق يختلف تماما عن حالات أخرى في بلدان أخرى. ففي بلدان أخرى لا تمر بصراع عنيف حول استمرارية الثورة الديمقراطية وتعميقها يكون الصراع ذو طبيعة مختلفة. فمعظم معارك الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة مثلا تدور في جوهرها حول الصراع بين ممثلين مختلفين لمصالح نفس الطبقة الرأسمالية المستقرة. هنا لا يوجد صراع جماهيري بين معسكر لاستمرار الثورة ومعسكر لوأدها، وإنما صراع بين جناحين من الاحتكارات والكارتلات على خلفية مزاج جماهيري ما.

في هذا النموذج يكون السياق هو استقرار نسبي للرأسمالية وللشكل البرجوازي الديمقراطي لنظامها السياسي. ولذا، فإن مرشحي الرئاسة الكبار يكونون جزءا من التيار الأساسي mainstream بلا أي تباين حقيقي في المضمون الطبقي.

هذا بالضبط ما يدعو اليسار الراديكالي في تلك الحالات للسعي، إذا توفرت ظروف مناسبة، إلى الدفع بمرشح على الهامش يمثل جنين بديل للمرشحين الرئيسيين المتماثلين. فبالرغم من أن مرشح كهذا لن يكون لديه أي فرصة حتى في المنافسة مع المرشحين الكبار، إلا أن تحقيقه لنسبة هامشية، لكن ذات شأن، من الأصوات ربما يفتح آفاقا أكبر وأبعد للحركة الراديكالية ولمشاعر الغضب المتنامية ضد النظام السائد.

الوضع في مصر الآن جد مختلف، على الأقل من ثلاث نواحي.

الناحية الأولى، وهي الأكثر جوهرية، هي أن هناك كما قلنا معركة جوهرية دائرة حول استمرار الثورة أو كسرها، وأن تجسيد هذه المعركة هو النضال ضد سلطة المجلس العسكري وإضعافها أو إسقاطها. من هنا فإن السؤال الجوهري هو: كيف نواصل المعركة ضد العسكر من خلال الانتخابات الرئاسية؟

الناحية الثانية، وقد أشرنا إليها من قبل، هي أننا نمر بمرحلة تراجع نسبي لقوى الثورة وسيادة نسبية لقوى الإصلاح والمحافظة الخانعة تجاه العسكر. وهكذا فإن معركة “مرشح الهامش” ستكشف ضعف قوى الثورة أكثر وأكثر وربما تؤدي إلى انهيار معنوياتها بشكل دراماتيكي. فمن كانوا منذ أشهر قادرين على تنظيم مليونيات رغما عن أنف الإخوان، ومن كانوا قادرين على الحصول مليون صوت في انتخابات برلمانية صعبة، سيكتشفون تراجع قوتهم وتآكل شعبيتهم، وربما يخسرون أي فرصة لتوحيد قواهم أو لكسب أنصار جدد.

أما الناحية الثالثة، فهي أن قرار اليسار الراديكالي بخوض معركة تخصه يعني في وجهه الآخر قرار بعدم خوض المعركة الديمقراطية الأساسية الدائرة في المجتمع. المعركة الديمقراطية الأساسية في المجتمع عنوانها إضعاف العسكر، إشعارهم بالهزيمة، أو جعل تحقيقهم لمكاسب يأتي بشق الأنفس. هذا هو الأمر المفصلي الذي لو تحقق ستزيد ثقة الحركة الجماهيرية بنفسها، وستتمكن الطبقات الكادحة من ثم أن تصعد حركتها، وهو ما سيسمح لليسار بالتقاط أنفاسه وبرد الهجوم الحالي على قوى الثورة، بما يعني أن بيئة النضال من أجل المطالب الاجتماعية وتجذير الثورة ستكون أفضل بما لا يقاس.

هنا يخطئ من يظن أننا بتركنا للمعركة الأساسية وانفضاضنا عنها سنتمكن من خوض أي معركة أخرى بكفاءة. يخطئ من يظن أن عدم السعي لتوحيد الصف في معركة إسقاط العسكر يمكن أن يمر بسهولة. فلو لم تقم معركة كبرى ضد العسكر في انتخابات الرئاسة، لخسر الكل وعلى رأسهم من يقولون نحن نريد أن نخوض معركة “على برنامجنا” ذو السقف الأعلى!

صحيح أن اليسار حجمه اليوم أصغر من أن يكون كافيا لإحداث تغيير نوعي في توازنات المعركة الرئاسية، لكن الحقيقة كذلك أن تجربة انتخابات مجلس الشعب أثبتت أن موقفا صحيحا تأخذه قوى رئيسية لليسار في معركة ما قادر على أن يجر قوى أخرى ويحقق أثرا لا ينكر. والحقيقة كذلك، وهذا هو الأنكى، أن قرار اليسار بخوض معركة أخرى غير معركة إضعاف العسكر من خلال انتخابات الرئاسة، سيعطي رسالة عصبوية إلى الشارع بنشطائه وجماهيره: رسالة مضمونها أن اليسار غير معني إلا بمرشحه هو وشؤونه هو!

ليس صحيحا هنا ما يقال من أن اليسار يمكنه خوض معركته الخاصة في الدورة الأولى من الانتخابات، ثم بعد ذلك يصوت لمرشح كبير معادي للعسكر في الإعادة. هذا تفكير كارثي، أولا لأن الرسالة السياسية الخطأ ستكون قد وصلت في المرحلة الأولى، وثانيا لأن قرار اليسار هذا يمكن أن يؤدي إلى الإعادة بين مرشحين كلاها ينتمي إلى القوى المعادية للثورة.

أما رأى البعض أن مرشح القوى المضادة للثورة سيفوز لا محالة، وأن معركة الرئاسة محسومة مسبقا، فهو قول خاطئ وانهزامي. أنا لا أعلم ماذا يمكن أن يحدث في المرحلة الثورية الراهنة من مفاجآت. وزملائي كذلك لا يعلمون. ثم أن فرض انتصار صعب على مرشح العسكر يعد مكسبا سيعيننا في المراحل اللاحقة للثورة.

تأييد نقدي

بسبب كل هذا، فإن موقفي هو الالتفاف حول أفضل مرشح ممكن وواقعي لقوى الثورة الديمقراطية بالمعنى العريض للكلمة، مع نبذ سياسة التحلق الضيق حول مرشح يساري. وفي هذا السياق، فإن المهمة شديدة الصعوبة الملقاة على عاتق اليسار هي كيف يخوض المعركة تأييدا لهذا المرشح دون الذوبان في حملته ودون ترويج لأي أوهام حول تبنيه لمشروع اليسار الأكثر راديكالية وثورية على المستويين السياسي والاجتماعي.

السياسة التي اقترحها إذن هي: التأييد الممزوج بالنقد والضغط لمرشح استمرار الثورة الديمقراطية، حتى لو وصل الأمر لأن نتبع السياسة التي اتبعها اليسار الثوري في حالات مشابهة كثيرة، وهي السياسة التي ترفع شعار “انتخبوا فلان ثم تقيأوا”، أي انتخبوا هذا المرشح الذي لا يمثل مشروعنا، وانتقدوه واضغطوا عليه، ولا تروجوا الأوهام حوله، لكن اعلنوا للناس أنكم تؤيدوه لأنه يقف موضوعيا في مواجهة العدو الأكبر والأخطر الآن.

وفي السياق المصري، ففي الأغلب أن المرشح الذي سيلعب، موضوعيا، دور المنافس الحقيقي لمرشح العسكر والإخوان لن يعجبنا كثيرا وسنرى فيه عيوبا كبيرة. لكن هذا ليس السؤال، وإلا رجعنا للمنهج البائس الذي يعطي الأولوية لشخص المرشح على حساب وضعه الموضوعي في الصراع الدائر. السؤال هو من سينافس مرشح الأعداء؟ من سيمثل فوزه أو تحقيقه لنتيجة كبيرة هزيمة للقوى المضادة للثورة؟

الإجابة عندي هي أن هذا الشخص، حتى تاريخه، هو عبد المنعم أبو الفتوح.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ليس بالمقدمات دوما تبنى نتائج صحيحة
عصام شعبان ( 2012 / 2 / 29 - 12:44 )
الرفيق تامر وهو له كل التقدير يخرج علينا اليوم لدعم مرشح يحمل برنامج مع استمرار الثورة و كما افهمه انا كشيوعى ان رؤيته وبرنامجه ليس مع استمرار الثورة ,وانه ايضا ضد العسكر على اعتبار ان الكارثة الوحيدة او التناقض الوحيد الان هو العسكر فحسب !!!ايراكم الرفيق نتائج بناء على مقدمات قد تكون صحيحة فى بعضها الا ان الامر ليس كذلك .علينا معرفة برنامج ابو الفتوح الاقتصادى والاجتماعى وموقفه من القضية الوطنية والاستعمار بشكل حقيقى فهذا المحدد العلمى الذى يمكن من خلالة الاختيار لا يمكن ان اعطى صوت او ادعو لتأيد مرشح يتحدث عن تعليم للاغنياء وتعليم للفقراء وايضا قصر مسئولية الدولة فى التعليم على المرحلة الثانوية - وكذلك ارفض مواقفة الغير حاسمة فى القضية الوطنية .
النقطة الثانية : هى ان البعض يتشدق ان اليسار ضعيف وبناء اليسار ليس بدخولة الانتخابات الرئاسية ولكن ليس البديل هو الصمت اذ لم تتمكن من استكمال بناء ما تنوى بناءة - ان معركة الرئاسة معركة شديدة الاهمية فى مسارالاشتراكين وان تنسيق وتوحيد جهودة امر هام ولكن ليس بمنطلق الاعور والاعمى . علينا الا نكرر الاخطاء .

اخر الافلام

.. من يتحمل مسؤولية تأخر التهدئة.. حماس أم نتنياهو؟ | #التاسعة


.. الجيش السوداني: قواتنا كثفت عملياتها لقطع الإمداد عن الدعم ا




.. نشرة إيجاز - الحكومة الإسرائيلية تغلق مكتب الجزيرة


.. -تجربة زواجي الفاشلة جعلتني أفكر في الانتحار-




.. عادات وشعوب | مدينة في الصين تدفع ثمن سياسة -الطفل الواحد-