الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كالك فلوور

رحاب ضاهر

2005 / 1 / 13
الادب والفن


للعطر في حياتي ذاكرة, وفي ذاكرة عطري امرأة تفوح منها رائحة التكوين الأول للرجولة في صدري, والبدء في عالم الأنوثة المتعدد العطور.
"كالك فلوور", هذه الرائحة مسكونة في داخلي منذ الصغر.
كان عطرها اجمل صدفة التقطها قلبي, عطر الذاكرة التي أزهرت في أيام المراهقة. قلت لها أن عطرها رائع, ابتسمت في إهمال وقالت انه عطر والدتها وتحب أن تستخدمه أحيانا.
تعلقت بالعطر لأنه جزء من بلوغي الأول, وقررت أن اخطب العطر ولكن انكسرت الزجاجة وانسكب العطر ليملأ المكان برائحة كثيفة كادت تخنقني. عندما شاهدت زجاجة العطر الأصلية عرفت أنى مسكون بها, بعطر الأم, الأم العطر التي كانت في ما مضى صديقة أختي الكبرى.
كنت في الثالثة عشرة من عمري, وكانت في العشرينات, وكان عطرها الدائم "كالك فلوور", وعندما تأتى لزيارتنا ينتشر أريجها في البيت, ويبقى عالقا على الجدران. كانت مميزة, ليست جميلة, لكنها رائعة, عيناها صغيرتان جدا تشبهان نجمتين تبرقان من بعيد. شعرها أشقر طويل وأظافرها أيضاً طويلة جداً, مطلية بطلاء غريب لا يمكن تحديد هويته. صوتها ياسر من الكلمة الأولى.
كنت فتى مراهقاً, وكان عطرها شرساً يفترس جسدي فاجلس أمامها مبهورا بها وبأحاديثها المدهشة. كنت أدوخ وافقد صوابي عندما تودعني بصوتها المخملي الملمس الصاخب الحضور.
لا أنام الليل, اسمعها تغني اسمي, اتبع صوتها وعطرها. كانت امرأة الحلم. أراها تجلس على غيمة بيضاء عارية تضع على رأسها إكليلا من " كالك فلوور" شعرها يتطاير فيملأ جسدي برذاذ الذهب, تناديني لأقترب. احلم بها نائمة بجواري وتلفني بحرير الذهب الذي يتساقط من شعرها. أسافر إلى عينيها النجمتين, اربت على بشرتها الناصعة البياض, أطير على بساط عطرها.
اختفى الحلم فجأة, وانقطعت أخبارها ولم نعد نعرف عنها شيئا ًو لكن عطرها بقي عالقاً في جدران مخيلتي, والآن بعد هذه السنين الطويلة ترتسم أمامي كزهرة "كالك فلوور". عندما شاهدتها لم أتمالك نفسي, رجعت فتى مراهقاً, احتضنتها وقبلتها في حرارة, وأشبعت كل الحنين المختبئ داخلي. قبلت يديها, جبينها, شعرها, أمسكت بأصابعها وغرقت في أمواج عطرها.
كان عطرها وشماً في جسدي, والرائحة التي شدتني إلى ابنتها رائحة الماضي رائحتها هي, لم تكن تشبه أمها العطر, فشعرها اسود, وعيناها واسعتان وأظافرها قصيرة وغير مطلية, لكن عطرهما متطابق.
لا تزال مميزة المرأة الحلم وكأنها خلقت لتزداد رونقاً وعطراً مع الأيام. شعرها اصبح مقصوصاً لكن أظافرها لا تزال طويلة ومطلية بالطلاء نفسه الذي اشعر انه خلق خصيصاً لها. في تلك الليلة كنت مشتتاً أحس بان عاصفة هبت عليّ فتطايرت أجزائي مني, وعندما حاولت أن أعيدها إلى مكانها لم افلح, يدي ليست مكانها, رأسي مكان قدمي, جمعت أعضائي في كيس ومشيت محاولاً جمع حواسي وترتيب أطرافي المبعثرة.
المرأة الحلم أول لمسة أنثوية هبت عليّ وحركت أحاسيس الذكورة داخلي, واختزن جسدي عطرها. هاهي الآن تظهر في وضوح على شاشة القلب, ستكون حماتي. تمت خطوبتي على الابنة, لكن مشاعري استقرت في قارورة الأم, اهتم بالمرأة الحلم, احضر لها وروداً, اتصل بها لأسمع صوتها, ازور خطيبتي لأراها.
لم اعد قادراً على كتم مشاعري داخل القارورة. ذهبت إليها احتضنتها وقبلتها قبلة تحمل لوعة الجسد المراهق المشبع بعطرها.
اعترفت لها بحبي مذ كنت فتى وطلبت منها أن تسامحني هي وابنتها. تقبلت اعترافاتي بكل رحابة عطر.
المفاجأة أنها اعترفت لي قبل أن اخرج من زجاجة عطرها إلى الأبد بأنها كانت تبادلني الشعور عندما كنت مراهقاً.
وسألتها عن طلائها فقالت أنها تمزج بضعة ألوان كي تحصل على ذلك اللون الغريب الأطوار!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صراحة مطلقة في أجوبة أحمد الخفاجي عن المغنيات والممثلات العر


.. بشار مراد يكسر التابوهات بالغناء • فرانس 24 / FRANCE 24




.. عوام في بحر الكلام-الشاعر جمال بخيت يحكي موقف للملك فاروق مع


.. عوام في بحر الكلام - د. أحمد رامي حفيد الشاعر أحمد راي يتحدث




.. عوام في بحر الكلام - الشاعر جمال بخيت يوضح محطة أم كلثوم وأح