الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التصعيد الإسرائيلي في القدس .. التوقيت والنوايا والدلالات

حيدر نواف المسعودي

2012 / 3 / 1
مواضيع وابحاث سياسية



في البدء وقبل الدخول في أية تفاصيل فان إسرائيل باتت على يقين تام أن زمن المواجهات العسكرية والحروب مع العرب قد ولى تماما والى الأبد ، بسبب الواقع الذي وصلت إليه الشعوب العربية بسبب حكوماتها التي روضت هذه الشعوب على القبول بإسرائيل كواقع من جهة وإثقال هذه الشعوب بهموم واقعها المتردي بسبب الفقر والحرمان والكبت والقضاء تماما على أي شعور وطني او قومي ، وانشغال المجتمعات العربية وبالخصوص شريحة الشباب منها بالمخدرات واللهو والهروب من الواقع بشتى الأشكال ووصولها الى حالة الإحباط واليأس التام ، كل ذلك جعل الشعوب العربية مشغولة كلا بنفسه عن الاهتمام بأي قضية أخرى ، وحتى الثورات العربية التي أزاحت هذه الأنظمة جعلت المواطن العربي غارق في هموم جديدة تتعلق بالمستقبل والمصير المجهول لما بعد هذه الثورات .
يضاف الى ذلك نظرة المواطن العربي ومقارنته لما ترتبكه إسرائيل ضد الفلسطينيين من قمع وقتل ، وما ترتبكه الحكومات والأنظمة العربية ضد شعوبها الثائرة من جرائم و قمع وقتل مشابه بل وأكثر وحشية في بعض الأحيان من جرائم الاحتلال الإسرائيلي ، مما جعل المواطن العربي يفكر كثيرا قبل إدانة هذه الجرائم او إبداء رأيه في هذا الاحتلال و معاناة الفلسطينيين منه ، فالمواطن العربي بدا يشعر أن لافرق بين ما يعانيه هو وما يعانيه الفلسطيني من قمع وإرهاب وقتل وتشريد وهدم للدور والمدن ـ فالحكام العرب اثبتوا تفوقا على إسرائيل في ارتكاب الجرائم وقمع شعوبهم بوحشية لا تدانيها وحشية او همجية إسرائيل أحيانا ، والمواطن بدا يفكر فيماهو الفرق بين إسرائيلي محتل وحاكم طاغية مستبد ، بل يبدو في بعض الأحيان إن المحتل ارحم من الحكام العرب واقل عنفا ووحشية .
ومن دون أدنى شك أن الواقع العربي الجديد الذي أفرزته هذه الثورات ، أعاد تشكيل الخارطة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحتى الفكرية للعالم العربي ، امتدادا الى المنطقة كلها والى العالم ، وكانت العلاقات السياسية العربية في ظل الأنظمة العربية التقليدية السابقة قد اتخذت نمطا على المستويات العربية والإقليمية والدولية ، ولم يكن ثمة اهتزازات او تغيرات عميقة من شانها تهديد او تغيير نمطية هذه السياسة وأسسها ، واستقرت بشكل وصلت فيه الى أنها أصبحت بديهيات ، أما ماحدث من ثورات عربية أسفرت عن أنماط وأشكال وأنظمة سياسية جديدة جعل العالم كله يقف في حيرة وترقب بانتظار ما ستتجلى عنه عاصفة الثورات العربية من متغيرات عامة ، ليتمكن الجميع فيما بعد من اتخاذ السياسات والخطوات والإجراءات التي تتلائم والواقع العربي الجديد .
ولعل إسرائيل هي من بين اكثر دول العالم تأثرا وخوفا وحذرا من المتغيرات الجديدة في العالم العربي باعتبارها على تماس مباشر مع العرب وفي قلب الوطن العربي ، وباعتبارها العدو التقليدي الأول لهم ، وهي ترتبط بمعاهدات ومواثيق وصلات متعددة مع الأنظمة والحكومات العربية الساقطة او التي لازالت في الحكم حتى الآن ، وهذا الواقع المتغير سيجعلها اكثر الدول استجابة وتفاعلا مع هذه المتغيرات سلبا كانت او إيجابا .
أن الهدف الأول لإسرائيل كما هو معلوم لدى الجميع هو استكمال مقومات كيانها ودولتها ، والأولوية لديها هو إتمام سيطرتها على القدس بالمطلق وجعلها عاصمة لها ، وما إجراءاتها الأخيرة في القدس إلا عملية جس نبض للواقع العربي الجديد ومدى استجابته لهذا الاختبار ، ولاسيما إن الدول العربية الحيوية والفاعلة والمؤثرة في المعادلة العربية الإسرائيلية وفي مقدمتها مصر تعاني وضعا لا مستقرا وهشا سياسيا واقتصاديا بسبب أنها في بداية مرحلة جديدة بعد انتصار ثورتها ولازالت تعاني تداعيات هذه الثورة ونتائجها، وهذا يجعل مصر في اكثر مراحلها ضعفا عن ممارسة أي دور او اتخاذ أي خطوة ضد أي إجراء إسرائيلي جديد في القدس ، وليس خوف إسرائيل من مواجهة عسكرية مع مصر وهو ما لن يحدث مطلقا بل خوفها من انقلاب سياسي جذري في العلاقات بينهما فمصر صمام العلاقة بينها وبين العرب ، وبوابتها الواسعة الى العالم العربي ، وأي اهتزاز او زعزعة لهذه العلاقة قد يصيب علاقة إسرائيل بالتصدع والانهيار التام مع كل العرب، وأول اختبار لهذه العلاقة كان تهديد مصر بإلغاء الالتزام باتفاقية كامب ديفيد فيما إذا حاولت أمريكا قطع المعونة عن مصر ، مما جعل إيران تندفع لمحاولة الاصطياد في المياه العكرة ، وإعرابها عن استعدادها لتقديم المعونة والاستثمارات لمصر بدل أمريكا، وهنا لابد من الإشارة أن أعداء إسرائيل التقليديين ـ كما هو ظاهريا للعالم إيران وحلفائها المدعومين والممولين من قبلها ـ ( سوريا وحزب الله وحماس ) يمرون بأوقات حرجة بسبب ما تعانيه إيران من وضع صعب بسبب العزلة الدولية المتزايدة والحصار المشدد عليها والذي أنهك وضعها الاقتصادي والسياسي داخليا وخارجيا وبالطبع فان ذلك سينعكس على حلفائها أيضا الذين يعتاشون عليها وعلى تمويلها ، يضاف إليه ثورة الشعب السوري ضد نظام بشار والتي تهدد بحتمية إسقاطه ، كل ذلك يمنح إسرائيل فرصة إضافية لتنفيذ مخططاتها في هذا الوقت .
ومع الواقع العربي الجديد فان إسرائيل تفكر في الإفادة من تجاربها السابقة مع الأنظمة العربية الساقطة التي كانت تتمتع بعلاقات وثيقة معها ومصالح متبادلة واتفاقات ومعاهدات سرية تقوم على أساس السلام وعدم الاعتداء وعدم خوض أي صراع مع إسرائيل في مقابل أن إسرائيل توفر كل أشكال الدعم والحماية والتمويل وأسباب البقاء لهذه الأنظمة ، والسماح لهذه الأنظمة بشن الحروب والحملات الإعلامية الخاوية والجوفاء ضد إسرائيل التي لاتغني ولا تسمن ولاتشبع من جوع منذ احتلال فلسطين وحتى اليوم ، ومن هنا فان إسرائيل تعتقد أن وضع الأنظمة العربية الجديدة غير المستقرة تماما يؤهلها لعقد صفقة سياسية جديدة مع هذه الأنظمة ، مشابهة تماما لما كان أيام أنظمة الحكم العربية السابقة التي أسقطتها الثورات الحالية ، ولاسيما حين تجد إسرائيل أن هناك من بين هذه الأنظمة الجديدة من لديه طموح وتطلع وشغف بالسلطة والبقاء فيها ، وبناء عليه فإنها تحاول من جديد تكريس نفس تجربتها مع الأنظمة العربية السابقة ، إضافة الى أن الأنظمة الأخرى المتبقية والتي لم يطالها التغيير هي في وضع لاتحسد عليه هي الأخرى ، مما يجعلها تركز اهتمامها على أوضاعها الداخلية ، وتجنب الخوض في أي تصعيد او توتر سياسي داخلي او خارجي ولاسيما مع إسرائيل وحليفتها أمريكا التي تهتم هذه الأنظمة في الوقت الحالي خصوصا الى عدم إثارة غضبها او استعدائها ولاسيما فيما يخص موضوع الصراع العربي - الإسرائيلي ، وهي الورقة الأخطر الآن في خضم الوضع العربي الثائر ، فأي استفزاز لأمريكا او إسرائيل في هذا الوقت قد يدفعهما لإشعال ثورة داخلية ضد أي نظام يثير مسالة الصراع ضد إسرائيل وبذريعة الربيع العربي .
وكلنا يتذكر أن أزمة احتلال الكويت في العام 1991 من قبل صدام كانت بداية إضعاف العرب وقبولهم بالسلام والتطبيع مع إسرائيل ، والتي أدت الى قبول العرب بمؤتمر مدريد في 1991 الذي شمل مفاوضات سلام ثنائية بين إسرائيل وكل من سوريا، لبنان، الأردن والفلسطينيين ، وأنتج هذا المؤتمر معاهدة أوسلو في عام 1993 بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية ، وهي أول اتفاقية رسمية بين الطرفين ، ونصت الاتفاقية على بنود عديدة تمهيدا لإقامة دولة فلسطينية وكان من ضمنها ، إجراء مفاوضات تغطي القضايا العالقة ، بما فيها) القدس(، اللاجئون، المستوطنات، الترتيبات الأمنية، الحدود، العلاقات والتعاون مع جيران آخرين ، وقد مضى الآن اثنا عشر عاما على توقيع هذه الاتفاقية .
هذا الضعف العربي آنذاك منح إسرائيل قوة اكبر في تحقيق المزيد من المكاسب والتوسع على الأرض اكثر فأكثر ودفع الى المزيد من والتشظي العربي والتسابق نحو التطبيع مع إسرائيل ، بعد أن كانت إسرائيل هي التي تلهث ورائهم لاستجداء قبولهم بالسلام ، والآن ومع تكرار مشهد الضعف ذاته بسبب أحداث وتداعيات وإرهاصات الثورات العربية وتأثيراتها على قوة الموقف العربي ، ليس طعنا او تشكيكا بهذه الثورات كما قد يعاقد البعض ، ولكن لان هذه الثورات والحكومات العربية الناشئة على إثرها ورثت واقعا مترديا هشا وضعيفا ومعقدا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وفكريا ونفسيا ...الخ ، وإسرائيل تعي وتفهم هذا الواقع الجديد الضعيف جيدا ، ومن هنا اعتقد أن إسرائيل تحاول استثمار الفرصة التي يتيحها هذا الواقع الحالي أمامها لاستكمال أهدافها بجعل القدس كاملة عاصمة لها ، وخصوصا إزاء المساعي الفلسطينية لاستحصال تأييد ودعم عالمي لإقامة دولة فلسطينية تكون عاصمتها القدس الشرقية ، وهذا سبب آخر يجعل إسرائيل تعجل باستكمال ضم القدس كاملة اليها .
وأخيرا فان صعود قوى إسلامية الى الحكم بعد الثورات العربية في تونس وفي مصر واحتمال تكرار نفس التجربة في دول عربية أخرى ، وما يهم إسرائيل بالدرجة الأولى هو مصر كما أسلفنا بسبب ما لمصر من موقع متقدم ومؤثر في العالم العربي وانعكاساته على عموم المواقف والسياسات العربية، لذلك فان إسرائيل وبهذه الخطوة في القدس وفي هذا الوقت تحاول جس نبض الإسلاميين الحاكمين في مصر أولا وفي بقية العالم العربي ثانيا ورد فعلهم والذي سينعكس بطبيعة الحال على عموم الموقف العربي ، وربما تحاول استباق الوقت قبل أن يتمكن الإسلاميون في مصر والعالم العربي من تثبيت أقدامهم وحكوماتهم وسلطتهم بشكل اكبر وأوسع وأكثر ثباتا واحتمالات بقائهم في السلطة لعقود أخرى طويلة كما وان إسرائيل تحاول استثمار بقايا الأنظمة السابقة التي لا زالت في بعض مفاصل الحكومات العربية الجديدة ، ووجود قوى سياسية ناشطة وفاعلة مناوئة للإسلاميين وحكمهم وتقف أمامهم وتكبح جماح انطلاقهم ، وهو ما يؤمن لإسرائيل إن رد فعل الإسلاميين لن يكون قويا او مؤثرا او فاعلا في هذا الوقت ضد أي تحرك لها في القدس ومحاولات ضمها بالكامل.
ويأتي في ضمن هذا السياق استعجال إسرائيل بعث سفيرها الجديد الى مصر الأسبوع المقبل ، ليقدم أوراقه للمشير طنطاوي ، كرسالة الى الجميع داخل وخارج مصر إن ما أفرزته الثورة في مصر من واقع جديد ونظام جديد حتى بصعود الإسلاميين الى الحكم لم ولن يغير من العلاقة بين البلدين ولن يؤثر على اتفاقاتهما الإستراتيجية ومصالحهما المتبادلة .

1/آذار/2012








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مدير المخابرات الأمريكية يتوجه إلى الدوحة وهنية يؤكد حرص الم


.. ليفربول يستعيد انتصاراته بفوز عريض على توتنهام




.. دلالات استهداف جنود الاحتلال داخل موقع كرم أبو سالم غلاف غزة


.. مسارات الاحتجاجات الطلابية في التاريخ الأمريكي.. ما وزنها ال




.. بعد مقتل جنودها.. إسرائيل تغلق معبر كرم أبو سالم أمام المساع