الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 14 المثقفون وادوارهم 3 مخطط تقسيم مصر

عبد المجيد حمدان

2012 / 3 / 1
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري
14
المثقفون وأدوارهم 3 مخطط تقسيم مصر
تَذْكِرَة :
أرى بداية أن لا بأس من إعادة تذكير القارئ بدواعي موضوعات هذه الحلقات – المثقفون وأدوارهم - . لقد صُرِف جهد كبير ، وجرى حديث طويل ، عن الثورة المضادة ، أدواتها وفعلها . وأشرنا أن من بين تلك الأدوات ، المؤثرة والفاعلة ، إطلاق إشاعات ، أو طرح قضايا ، أو بث أفكار ، تستهدف بداية زعزعة اليقين ، داخل جبهات الثورة ، تليها إثارة بلبلة ، تعمل على فك الحلقات الملتفة حول الثورة ، واحدة بعد أخرى . وأخيرا الوصول إلى نواتها الصلبة ، تخوينها ثم ضربها . وأشرنا كيف أن الأنظمة في بلدان الثورات العربية ، وكأنما باتفاق مسبق ، طرحت ذات القضايا ، ومنها ما وصف بوجود مؤامرات ومخططات ، لدى الأعداء ، سرية ونائمة في الأدراج ، تنتظر سنوح الفرصة للانقضاض وتمزيق هذه البلدان . وأخيرا الزعم بأن الثورات ، خصوصا من اضطر منها للبحث عن عون خارجي ، هي من يوفر هذه الفرصة ، ومن يفتح الأبواب على مصاريعها ، لتطبيق تلك المؤامرات ، التي ستعصف بوحدة تلك الأوطان . وأشرنا إلى أنه لم يكن على قوى مناهضة الثورة ، غير إطلاق تلك الشائعات ، فترك المجال لجمهور من المثقفين والإعلاميين ، كان النظام الساقط قد نجح في تدجينه ، لتلقفها ، ثم الخوض فيها ، بكل العك واللوك الذي أتقنوا صناعته ، حتى يتحقق المراد . وكنا قد ختمنا الحلقة السابقة ، التي خصصناها لسوريا ، بالسؤال : وماذا عن مصر ؟ وجوابا عليه نقول :
غدا الحديث عن مؤامرة ، فمخطط ، لتقسيم مصر ، إلى أربع دويلات أحيانا ، وخمس أحيان أخرى ، مثل لازمة في نشيد ، تتكرر إذاعته صباح مساء ، في دوائر مصر السياسية والإعلامية . والمتابع للإعلام المصري ، لا بد أن يلاحظ ، كيف أن إيقاع أنغام هذا النشيد ، تعلو وتهبط في تناسب طردي مع صعود وهبوط حدة الخلاف بين طرفي الثورة ، الميادين والحكم ، ممثلا في المجلس العسكري بالأساس . وهو الخلاف الذي يبرز في صورة نقد ميادين الثورة ، في مدن مصر ، لأداء المجلس العسكري الحاكم ، وانعكاس هذا الأداء ، على أهداف الثورة ، ما تحقق منها ، وهو قليل ، وما ينتظر التحقيق وهو كثير .
وكما حدث ويحدث في بلدان الثورات العربية ، ما أن ينطلق تحذير عن المؤامرة ، من المجلس العسكري ، أو من الحكومة ، أو من طرف خفي قريب منهما ، حتى يتلقف الإعلام هذا التحذير ، ويقدمه على أنه حقيقة واقعة ، وعلى مبعدة خطوات قليلة من بدء التطبيق . والمتابع للإعلام المصري ، وهو ما أفعله ، يلاحظ كيف يتحول التحذير ، أو الشائعة ، بأقلام المثقفين ، وألسنة المحللين والمحاورين السياسيين ، إلى نوع من كرة ثلج ، تكبر مع كل دحرجة ، فتدهم الجمهور الذي قد يبدأ التساؤل عن هذا البلاء الكبير، الذي ربما تجلبه الثورة على البلاد والعباد . والمثقفون الذين وفر لهم التدجين ، قدرة هائلة على العك واللك ، دائما ينسون أن يسألوا أصحاب التحذير ، عما اتخذوه من إجراءات ، يفرضها عليهم واجبهم ، لإفشال المخطط المؤامرة . ومثله يتجاهلون تنبيهات زملاء لهم ، عن بطلان مزاعم القول بهكذا مؤامرة ، ببساطة لحقيقة استعصاء مصر ، بتكوينها البشري والجغرافي ، وبتاريخها الطويل المديد ، على التمزيق أو التقسيم .
وقفة مستحقة :
وصل حال كرة الثلج تلك ، أن مثقفين ثوريين ، مدير تحرير جريدة الشروق ، عماد الدين حسين ، على سبيل المثال ، وقعوا في فخ ما يوصف بمخطط المؤامرة . كتب في عموده اليومي ، 1 / 2 / 2012 ، وفي تعقيبه على قضية مداهمة مقرات لمنظمات غير حكومية ، يقول : " هناك تسريبات تقول أن هذه المنظمات الأمريكية –المعهدين الجمهوري والديموقراطي وفريدم هاوس – لا تعمل لا لوجه الله ولا لوجه حقوق الإنسان أو نشر الديموقراطية ، بل هي مجرد واجهات لأجهزة مخابرات وتجسس وأن درجة الجرأة والفجور والتحدي وصلت إلى حد وجود خرائط داخل هذه المراكز تقسم مصر إلى أربع مناطق ، جزء يذهب لدولة نوبية في الجنوب وآخر لدولة مسيحية في أسيوط ودولة إسلامية في الدلتا ، وضم سيوة ومطروح لليبيا " .
وبعد أيام خرج علينا قضاة التحقيق في القضية ، وإحالة 43 متهما ، منهم 19 أمريكيا وألمانيا للمحاكمة ، ليقول أن الخرائط المشار إليها ، وضعت عليها خطوط بقلم ، وباليد ، وكتبت عليها أحرف بالانجليزية ، وفي إيحاء بأنها مستمسك مادي على مخطط التقسيم المشار إليه ، لكن المتمعن في كلام القاضيين ، لا يرى في هذا المستمسك ، أكثر من إشارة لبرنامج عمل لموظفي المعهد ، لا أكثر ولا أقل . لكن الأستاذ عماد ، وهو المحسوب على الثورة ، لم يتوقف ليراجع نفسه ، أو ليقف على الأثر المدمر لما كتب ، ليس على جمهور قرائه فقط ، ولكن على الجمهور المشكل لدروع الثورة قبل ذلك .
ولم يتوقف الأمر على المثقفين ومن لف لفهم ، إذ تعداهم في الآونة الأخيرة ، إلى جمهور الدعاة والوعاظ . وغدا لازما أن لا يقف منهم أحد على منبر ، إلا واحتل التحذير من خطر المخطط المؤامرة ، صدارة ومتن وظهر عظته ، أو خطبته . وككل من سبقوه يشير إلا أن مواصلة الثوار لاحتجاجاتهم ، ومناوشاتهم مع المجلس ، هي ما يوفر الفرص ، لتنفيذ المؤامرة . ومثل غيرهم يتجاهلون الإشارة إلى ما فعله المجلس ، بصفته رأس الحكم ، أو ما اتخذ من خطوات ، في إطار ما يتوجب عليه فعله ، لدرء المؤامرة المزعومة وإفشالها .
هنا نصل إلى السؤال : بافتراض صحة القول بوجود مخطط مؤامرة ، هل مصر قابلة لتمزيق من أي نوع كان ؟ وهل هناك أرضية ما ، يمكن أن يستند إليها مخطط ما لتقسيم مصر ؟
يعرف أي مبتدئ في قراءة تاريخ المنطقة ، أن مصر صمدت ، بكيانها الحالي ، الذي تشكل قبل أكثر من خمسة آلاف سنة ، على يد الفرعون مينا ، المعروف باسم موحد القطرين – مصر العليا ومصر السفلى ، أو قبلي وبحري – في وجه كل ما مر عليها من محن وخطوب . وهذا القارئ المبتدئ لا بد يعرف أن أدوار مصر في التاريخ ، البعيد منه والقريب ، لعبت أدوارا مختلفة ، تجاوزت فيها حدودها إلى باقي الإقليم أحيانا ، وانكمشت داخل حدودها في أحيان أخرى . وفي كل الأحوال احتفظت بوحدة كيانها ، الذي سبقت إلى تشكيله أكثرية أمم العالم . والمثير للانتباه ، أنه ورغم ما مر عليها من أهوال ، ظلت وحدة هذا الكيان ، الذي اسمه مصر ، بعيدة ، وفي منأى ، عن أي خطر يحتمل أن يهددها . وهنا قد يتبادر إلى ذهن قارئ سؤال : كيف كان ذلك ؟ ونجيب :
سبقت مصر ، كما أشرنا ، أكثرية أمم العالم ، في تكوين مجتمعاتها ، ثم في تحديد أرض وطنها ، وأخيرا إقامة صرح دولتها . بدأ هذا قبل سبعة آلاف عام خلت . وبداية تشكلت فيها دولتان ، في نصفيها الشمالي والجنوبي ، أو مصر العليا ومصر السفلى ، كما عرفتا آنذاك . ثم توحدت الدولتان على يد الفرعون مينا ، موحد القطرين كما عرف ، قبل 5200 عام . وتعاقبت على حكم مصر أسر عديدة ، شكلت امبراطورية ، ظلت تتسع وتضيق ، طبقا لأحوال الأسرة الحاكمة ، وقوة وضعف الصراع مع جيرانها في الإقليم . ومثل امبراطوريات زمانها ، مرت عليها أزمان تمددت فيها شرقا وغربا ، جنوبا وشمالا ، مصطدمة بالامبراطوريات التي كانت قائمة آنذاك ، وبانية حضارة مصر التاريخية ، قرنا بعد آخر . ومر عليها زمن كان البحر الأحمر كله بحرا داخليا في امبراطوريتها . يعني هذا أن تأثير مصر في محيطها ، أو خارج حدودها ، أو في إطار العالم المعروف آنذاك ، كان حاضرا دائما . وحتى حين قفز إلى حكمها غرباء ، الهكسوس في فترة ، والبطالسة الإغريق ، في فترة أخرى ، احتفظت مصر بدورها ، مركزا للحكم من ناحية ، ومؤثرة في المحيط من ناحية أخرى .
ومثلما وقع لغيرها ، جاء وقت أنهكتها فيها الصدامات مع الامبراطوريات المنافسة ، خصوصا في الشرق ، الحثية ، والأكدية ، البابلية والآشورية ، والفارسية ...الخ . وكان مثلا أن هزمت في الصراع مع الامبراطورية الفارسية ، وفقدت استقلالها بسقوطها تحت الاحتلال الفارسي الذي استطال ، ليعقبه الاحتلال الإغريقي – دولة الإسكندر فخلفاؤه البطالمة من بعده – ثم الاحتلال الروماني ، الذي استمر حتى الفتح العربي ، أيام الخليفة عمر بن الخطاب . وفي كل هذه الحقبة التي استمرت أكثر من ألف سنة ، انكمشت مصر داخل حدودها ، فاقدة دورها المركزي ، ومن ثم تأثيرها على المحيط . ولم تستعد هذا الدور إلا بعد أن غدت مركزا للخلافة الفاطمية ، لتعود إلى التمدد ، وجودا وتأثيرا ، إلى المحيط ، وليستمر هذا الدور مع الدولة الأيوبية ثم المماليك ، ولتفقده مجددا بعد وقوعها في أسر الامبراطورية العثمانية ، التي تحولت إلى الخلافة العثمانية ، في أواخر عهدها .
من جديد استعادت مصر دورها ، في بداية القرن التاسع عشر ، مع بدء عهد أسرة محمد علي ، ولتفقده مرة أخرى قرب نهاية القرن ، بوقوعها تحت وطأة الاحتلال البريطاني الذي استمر حتى بعد منتصف القرن العشرين بقليل ، وليعيدها عهد عبد الناصر ، إلى بهاء دورها ، ليس داخل حدودها فقط ، بل وإلى خارجها في الإقليم المحيط .
يلفت انتباه المتابع ، في كل هذه الأدوار التي لعبتها مصر ، وفي كل التقلبات التي وقعت لها ، احتفاظها بوحدة كيانها ، كما ترسمه حدودها الآن ، سواء كانت مركزا للامبراطوريات المتعاقبة ، أو واقعة في أسر سلطة خارجة عليها . ويلفت انتباهه أكثر ، أن الذين حكموا مصر ، أدركوا كلهم ، أن تقسيمها هو الأسلوب الأمثل لتلافي خطرها من جهة ، ولتقزيم دورها ، خصوصا خارج محيطها ، من جهة أخرى . لكنهم جميعا اصطدموا بواقع انعدام قابلية تطبيق هكذا حل من حيث الأساس ، ليس فقط بسبب امتداد وحدتها أرضا وشعبا في عمق التاريخ ، وأن اللحمة التي صنعها التاريخ باتت غير قابلة للكسر ، بل ولحقيقة أن مصر تمتلك ميزة ، يتعذر وجود مثيل لها بين شعوب العالم الأخرى ، تتمثل في تجانس شعبها ، في كل من العرق والدين على حد سواء . تتميز مصر بأنها بلد من عرق واحد ، لا وجود لتعدد عرقي ، على أساس قومي فيها ، يمكن أن يسبب الصراع بين القوميات فيها ، صدعا في وحدتها . والطريف في الأمر أن الاستعمار ، الذي يشار إلى أنه صاحب مخطط مؤامرة التقسيم ، وحين جثم على صدر مصر ، أبقى على وحدتها مع السودان ، بدل أن يُفَعِّل مخطط التقسيم ذاك ، رغم أنه هو صاحب مؤامرة سايكس – بيكو التي مزقت الهلال الخصيب ، ورغم أنه هو من صد جيوش إبراهيم باشا ، في توسعها إلى الشرق والجنوب الشرقي ، على حساب الخلافة العثمانية ، قبل ذلك . وهنا نصل إلى السؤال مجددا : علام يستند أصحاب الزعم بوجود مخطط مؤامرة التقسيم المشار إليها آنفا ؟
تقسيمات جغرافية :
مثل أي من البلدان ، هناك في مصر فروق في اللهجات المحكية بين محافظاتها . وهناك فروق اجتماعية ، بدو ، فلاحين وحضر . وفي مصر ، منذ الفتح الإسلامي ، مسلمون ومسيحيون . وإلى هذه الفروق يستند أصحاب الزعم بالمخطط المؤامرة . يقولون أن الخلافات الطائفية ، بين المسلمين والمسيحيين ، والأخيرون هم الطرف الضعيف والمغبون فيها ، تشكل رأس السهم لاستدعاء التدخل الخارجي ، فالبدء في تطبيق المخطط . والسيناويون ، كما النوبيون ، يشكون من الإهمال ، وعدم الإنصاف في التنمية ، وضعف المساواة في الحقوق . وأهالي محافظة مطروح ، والصحراء الغربية عموما ، قبائل تربطها صلات دم وقرابة بالقبائل الليبية ، على الجانب الآخر من الحدود ، وكل ذلك يشكل العوامل المؤسسة للمخطط المؤامرة . وإذن دعونا نتوقف عندها ، واحدا بعد آخر ، لنستكشف ما إذا كان هناك أساس فعلي لما يقال من مزاعم ، ولنبدأ ، وعلى أساس جغرافي ومن الشرق .
سيناء والسيناويون :
هناك شكاوى محقة لأهل سيناء لما يتعرضون إليه من إهمال ، أكدت تقارير لجان تقصي حكومية كثيرة ، على وجوده . لكن هذه الشكاوى لم تصل يوما إلى حد المطالبة بالانفصال عن الوطن الأم ، رغم أن سيناء ، بصفتها البوابة الشرقية لمصر ، شكلت ، وعلى مدار التاريخ ، هدفا لكل امبراطوريات الشرق الطامعة في القفز على وادي النيل الخصيب . فسيناء بموقعها الجغرافي ، وظلت فلسطين تلازمها في هذه الناحية ، كبوابة شرقية للوادي ، تشكل نوعا من منصة قفز على الوادي ، يتطلع للسيطرة عليها كل طامع فيه . ورغم ذلك لم يحدث في كل العصور أن شكلت سيناء كيانا منفصلا عن مصر . والسبب أن السيناويين لا يشكلون عرقا مغايرا لباقي المصريين . و بقاؤهم ، وعلى كل هذا المدى الطويل ، على حالتهم البدوية ، لم يشب بشيء هذه الحقيقة .
في التاريخ الحديث عرضت سيناء ، ضمن المقترحات المتعددة ، لإقامة وطن لليهود عليها ، بديلا لفلسطين . ولما كانت مصر تخضع للاستعمار البريطاني ، جاءت بعثة مسح ، متعددة التخصصات ، درست صلاحية سيناء لذلك . وبغض النظر عما قالته تقارير البعثة ، التي طالت فترة دراستها ، عادت بريطانيا وسحبت العرض ، وانتهت الفكرة .
ورغم أن بريطانيا بكرت في إعلان انحيازها للمشروع الصهيوني ، وذلك في مؤتمر انعقد في لندن ، العام 1907 ، على اسم رئيس وزرائها آنذاك ، كامبل بنيرمان ، فقد كانت قد سبقته بالإملاء على الإدارة العثمانية تخطيط الحدود مع فلسطين في العام 1906 ، ولتبقى على ما هي عليه الآن . وبعد بضع سنوات قامت جمعيات ، وأفراد ، يهود ، بعقد صفقات شراء أرض في محافظتي رفح والعريش الحاليتين ، بغرض الاستيطان اليهودي ، حققت فيها نجاحا أكبر مما تحقق لها في فلسطين . لكن لورد كرومر ، حاكم مصر البريطاني ، تدخل بمنع تسجيلها ، مما نتج عنه إلغاء تلك الصفقات ." راجع كتابنا إطلالة على القضية الفلسطينية (1 ) المنشور على نفس هذه الصفحة من الحوار المتمدن " .
المنطقي إذن أن يشكل موقع سيناء الاستراتيجي هذا ، ومسار الأطماع على مر التاريخ فيها ، حافزا مستديما لدى السلطة المركزية في القاهرة ، للاهتمام بإعمارها ، بدل حالة الإهمال الشنيع التي تعانيها . والمنطقي أيضا أن يلتفت مرددو المزاعم عن مخطط مؤامرة لفصلها ، إلى الضغط على الحكومة المركزية ، لوضع توصيات اللجان الكثيرة المشكلة لدراسة أوضاع سيناء ، وحل مشاكل سكانها ، من خلال إعمارها وتطويرها ، موضع التطبيق .
هنا قد يشار إلى أن هناك بالفعل أصواتا كثيرة ، في إسرائيل والغرب ، ترى أن حل مشكلة اكتظاظ قطاع غزة ، وفي المقدمة مشكلة لاجئيه ، وضغطها ، ضمن مشكلة اللاجئين الفلسطينيين ، وقضية حق العودة ، وسدها لأفق التسوية السياسية ، وإقرار سلام في المنطقة ، أصواتا ترى أن اقتطاع جزء من سيناء ، رفح والعريش ، هو ما يوفر هذا الحل ، برحابة الأفق للضائقة الفلسطينية . وقد وصلت شطحات الخيال ببعض هؤلاء ، حد الزعم بأن سيناء لم تشكل ، وعلى مدى التاريخ ، جزءا من الأرض المصرية . لكن الرد على شطحات الخيال هذه لا يكون بترديد المزاعم عن المخطط المؤامرة ، وإنما بمعالجة هموم السيناويين ، وبإنصافهم بالمساواة ، من خلال إقرار المواطنة ، وبالبدء الفوري في تطبيق الخطط القومية الكبرى ، حسب توصيات لجان تقصي الحقائق ، للإعمار من جهة ، ولسد فراغ الكثافة السكانية من جهة أخرى .
النوبة :
وفي انتقال إلى أقصى الجنوب ، يقع القارئ على مشكلة مشابهة . فمع بناء السد العالي ، وتكون بحيرة ناصر ، صمام الأمان في مواجهة احتمال عطش مصر ، وقع لأهل النوبة ، ما يقع لأهالي المناطق التي يختارها القدر ، لتكون أرض ، أو موقع ، مشروعات التطوير القومية الكبرى ، في مختلف أنحاء العالم . اضطر النوبيون إلى الرحيل عن قراهم التي غمرتها مياه بحيرة السد العالي . قدمت الدولة لهم بدائل . لكن البدائل كان يتوجب إرفاقها ، أو إقرانها ، بجملة إجراءات ، تعويضات ، وحتى امتيازات ، تساعد النوبيين على التغلب على حنين الماضي ، والتأقلم المعيشي في المكان والواقع الجديدين . قدمت الدولة هذه البدائل في البداية ، ليعقبها حالة من الإهمال الشديد ، على مدار العقود الأربعة التالية ، انعكست في شعور النوبيين بحالة من الغبن الشديد .
ورغم أن النوبيين واصلوا التظلم ، ومطالبة الدولة الوفاء بالتزاماتها ، فإن هذا التظلم لم يرتق أبدا إلى حد المطالبة بالانفصال . وملفات المؤسسات الدولية ، رسمية وشعبية ، لم تعرف ، وهي لذلك تخلو من ، مطلبا قوميا نوبيا بحق تقرير المصير ، الأمر الذي يتطلب تفعيل الرأي العام ، لتبني هكذا مطلب ، فالضغط على الحكم في القاهرة لمنحه ، ثم التمهيد لتدخل خارجي لفرضه ، في حال تصاعد النضال للحصول على هذا الحق ، وتواصل تعنت الحكم المركزي برفضه . لو حدث هذا فقد يتوفر أساس لمخطط مؤامرة ، لاستحداث دولة نوبية في جنوب مصر . لكن حقائق الواقع تنفي هذا الأساس ، ببساطة لأن النوبيين لا يرون أنفسهم قومية مختلفة عن النسيج المصري العام ، بل يرون أنفسهم جزءا لا يتجزأ منه . والنوبيون لا يرون أن لمشكلتهم جذورا قومية ، وإنما تنحصر في إهمال المركز للأطراف ، كما الحال مع باقي الصعيد ، ومع سيناء والصحراء الغربية .
والتاريخ أيضا ينفي وجود قومية نوبية تتعارض مصالحها مع قومية مصرية . وهو ، أي التاريخ ، يشير إلى أن أسرة نوبية على الأقل ، حكمت مصر ، ضمن الأسر الفرعونية الحاكمة . وأن المنطقة لم تشهد انتفاضات نوبية ضد المركز . مع ذلك يشير تاريخ الفتح العربي ، وتعريب مصر ، إلى أن الفاتحين العرب اصطدموا بعناد أهل النوبة ، الذي أعجزهم عن فتحها وضمها إلى ملكهم الجديد . لكنهم مع ذلك عقدوا ، مع من وصفوه بملك النوبة ، معاهدات ، فرضت عليهم الجزية ضمن شروط مجحفة أخرى . ومع ذلك لا تشير هذه الحادثة ، وهي صحيحة ، إلى أن النوبيين يشكلون قومية ، تناقضت أو تصارعت في يوم ما مع قومية مصرية . ولا ينفي ذلك أن النوبيين ، وبعد التعريب الذي طال مصر كلها ، احتفظوا بلغة محكية خاصة بهم . كما احتفظوا بتراث فولكلوري خاص ، يماثلهم في ذلك أهالي المناطق المختلفة في مصر كلها .
باختصار لا توجد مشكلة قومية لأهل النوبة ، مطروحة على جدول أعمال العالم . وبالتالي لا يوجد سند واقعي لمخطط خارجي ، يقيم دولة نوبية في جنوب مصر . والعالم ، في كل تاريخه ، لم يشهد على قيام الغرب ، أو غيره ، لتحمل عناء المبادرة بتقديم منحة لشعب من الشعوب ، أو لقومية مسلوبة الحقوق ، تتمثل في إقامة دولة له ، لم يبادر إلى طلبها بنفسه . كل ما في الأمر أن النوبيين يشكون حالة الإهمال والغبن التي يعيشونها ، هذه الحالة التي ستنتهي بإقامة الديموقراطية في مصر ، واعتماد حق المواطنة ، وتوسيع اللامركزية في الحكم ، بتخفيف قبضة المركزية على الأطراف ، ومن ثم نيل حصصها في التطوير والبناء والعمران ....الخ .
الطائفية :
في مصر مشكلة طائفية حقيقية وصعبة ، عمرها بضعة عقود . وهذه المشكلة تزداد تفاقما ، مع مضي الوقت ، بدل أن تجد طريقا إلى الانفراج ، ثم إلى الحل . وهي ، بوضعها هذا ، تقدم سندا فعليا للمزاعم القائلة بالمخطط المؤامرة ، لتمزيق مصر إلى بضع كيانات . وبدل البحث عن حلول لها ، واصل أصحاب الزعم بالمخطط المؤامرة ، النهج المتبع بإنكارها ، أو الإدعاء بتضخيم الخارج لها ، حين تتعذر توابعها على الإنكار ، أو الإغفال . وأكثر من ذلك ظل هناك من يتهم غير أطرافها بافتعالها ، بدل السعي للوقوف على عوامل ظهورها ، والإسراع لإطفاء حرائقها . وبعد الثورة استخدمت قوى السلطة ، المعرقلة لتنفيذ أهداف الثورة ، الحرائق الطائفية ، مثلها مثل شكاوى الغبن الأخرى ، التي أشرنا لبعضها فيما سبق ، للتحريض على الثورة ، باعتبار أن مواصلة العمل لتحقيق المطالب ، يوفر الفرصة للتدخل الخارجي ، باستغلال المشكلة الطائفية ، لتنفيذ مخطط التمزيق المؤامرة المزعوم .
والمتابع للأحداث الطائفية في مصر ، يقف ، بالإضافة لحقيقة أن النظام يستخدمها لتثبيت وجوده ، استنادا إلى القاعدة التي تطبقها كل الأنظمة المعادية لشعوبها ، وهي قاعدة فرق تسد ، يقف على حقيقة أخرى ، تتمثل في استساغة مبدأ استقواء الكثرة على القلة ، رغم المعرفة باستناد هذا المبدأ على أحط أشكال الجبن ، وأكثرها دناءة وحقارة . وإلا ما الذي تعنيه هجمات الجماعات الإسلامية المتكررة ، على الأقلية المسيحية ، بدعاوى وضيعة ، من مثل الانتصار للأخت كاميليا أو الأخت عبير ، الذي أحبت وغيرت دينها ، فوقف أهلها في وجهها ، وليتطور هذا الانتصار إلى اعتداءات بالحرق والنهب والتدمير ، بما في ذلك على كنائس ومحلات تجارية ، وحتى إجلاء عائلات عن مساكنها ، وبيع ممتلكاتها في المزاد العلني ؟ ما الذي تعكسه مثل هذه الأفعال المتكررة سوى استقواء الكثرة على القلة ، في غياب قيام الدولة بمهامها ، وفي مقدمتها إحقاق العدل بالانتصار للضعيف حتى يأخذ حقه من القوي ، تطبيقا للمبدأ الشرعي الذي تخرق جماعات الاستقواء سمعنا به في كل آن ؟
يستند أصحاب الزعم بالمخطط المؤامرة ، إلى واقع أن ضخامة الشعور بمرارة الظلم ، تدفع بمسيحيين في المهجر ، إلى طلب العون ، أملا في تخفيف حدة الظلم الذي يتعرض له ، إخوة لهم يواصلون العيش داخل مصر . وفي حين يصف دعاة إسلاميون طلب العون هذا ، بالاستقواء بالخارج ،يتفاخرون بحقهم في الاستقواء بعالمهم الإسلامي ، أي بالخارج ، ثم بعد ذلك يواصلون فعل كل ما يزيد حدة الظلم ، المرتكب ضد الأقلية ، مرارة على مرارة . ويلفت الانتباه موقف قيادات القوى التي ينتمي إليها هؤلاء الدعاة ، عندما يتفوهون بِ، أو يحرضون على ، فعل يؤدي إلى زيادة حدة الاحتقان الطائفي . فبدل أن تخرج هذه القيادات بشجب علني وواضح ، لما صدر عن هذا الداعية أو ذاك ، وبدل أن تعمل على توعية الجمهور بالخطر المترتب على ذلك القول ، ومن ثم تطالب الجمهور بعدم القبول ، تخرج مدافعة عن القائل ، وبزعم أنه " بيهزر" أي يمزح ، أو انه كان مبسوط حبتين ، رغم أن هذا الانبساط أو الهزار ، قد يؤدي إلى كارثة . ويكون من حق من يقع عليه مثل هذا الظلم ، أن يرى بأنه ممأسس ، ويتبع برنامجا ، أفرزته رؤيا فنهج ، يستهدف إزاحة هذه الطائفة من الحياة العامة . وحين تقف السلطة متفرجة على كل ذلك ، فعلى المرء أن يفهم ، أن ما يحدث هو جزء من سياسة مقرة لهذه السلطة . ولأن أحداث الفتنة تتالى ، متمثلة في حرق كنائس ، والاعتداء على أفراد وأسر ، ونهب وحرق للممتلكات ، دون أن تبدي السلطة ، ومعها قوى حزبية ينسب التحريض ، وقيادة الفعل لأشخاص محسوبين عليها ، أي رد فعل ، أو محاولة لمعرفة ومحاسبة الجناة ، يكون من حق من يقعوا تحت طائلة هذه الأفعال ، أن يصلوا لاستنتاج كهذا ، وليفرض المنطق عليهم البحث عن عون خارجي ، ما دامت الأبواب موصدة أمام العون الداخلي ، لدفع هذا البلاء . ويأخذ هذا المنطق اندفاعات أقوى حين يخرج دعاة ، مسموعو الكلمة ، يخيرون الآخرين بين قبول هذا الحال ، وبين التفتيش عن وطن بديل ، وشد الرحال للرحيل إليه .
دولة أسيوط القبطية :
ويدهش المراقب للشأن المصري ، ما يوصف بنصائح تطالب المسيحي برفض ما يوصف بالنزوع للاستقواء بالخارج . فالناصحون هؤلاء يصرون على أن يكون الانتماء للدين هو أساس المعاملات . وهؤلاء وهم يقرون بانتسابهم لعالم إسلامي ، ويقولون بحقهم الطبيعي والمشروع في الاستناد إليه ، والبحث عن العون منه ، ويعترفون بذات الوقت بعالم مسيحي ، مسيحيو بلدهم جزء منه ، ينكرون عليهم حقهم في طلب العون منه ، أو ما يصفونه بالاستقواء به . وأكثر من ذلك يزعمون أن طلب العون منه ، هو ما يشكل الدعامة الأساسية ، لما يوصف بالمخطط المؤامرة لتمزيق مصر . ويقولون أن هذا المخطط ، إذا ما نجحت المؤامرة ، وحدث تدخل عسكري غربي في مصر ، تمهد له الثورة بغضبها من سياسة المجلس العسكري ، ستقام بموجبه دولة للأقباط في محافظة أسيوط .
والثورة ، من جانبها ، تطرح الحل الناجز لمسألة الفتنة الطائفية . وهذا الحل يستبعد ، وإلى الأبد ، أية مؤامرة تستهدف وحدة مصر . وهو حل بسيط يتمثل في إقامة ديموقراطية حقيقية ، تقر مبدأ المواطنة ، وحق المساواة بين الجميع على أساسها . ولأن هذا الحل يلغي تقسيم الناس ، ومن ثم تعيين حقوقهم ، على أساس ديني ، ترتفع كثرة من أصوات دعاة تيارات الإسلام السياسي برفضه ، بدعوى أنه وضعي ولا يتفق مع شرع الله ، الذي ، في رأيهم ، يضع المسلمين في بلد هم فيه أكثرية ، فوق الآخرين ، فيعطيهم حقوقا فوق حقوق هؤلاء الآخرين . هنا سنتجاوز السؤال : في حال صحة الزعم بوجود مخطط مؤامرة لتمزيق مصر ، فمن هو الطرف الذي ، في واقع الحال ، يقدم لها المبررات ، ويضخ في شرايينها نسغ الحياة ؟ سنتجاوز هذا السؤال إلى السؤال الأهم : ترى كيف لقوة احتلال ، مهما عظمت ، أن تقيم دولة قبطية في محافظات الصعيد ، أو في أسيوط وحدها ؟
دعونا في البداية نذكر القارئ بأن لفظة قبطي ، التي تطلق على المسيحي المصري ، تعني في لغة مصر قبل التعريب ، مصري . والمسألة لا تحتاج إلى بحث في التاريخ ،ومنها أن الدولة الرومانية كانت تصف مصر بأرض القبط ، أو أن مصر بالإنجليزية Egypt . قبطي إذن هو المصري الذي تعود جذوره في مصر إلى أكثر من سبعة آلاف سنة حضارة ، وعشرات ، إن لم يكن مئات ، آلاف السنين قبلها . أي أن القبطي صاحب حق أصيل في البلد ، يفرض المنطق أن لا ينازعه عليه أحد . وحين يأتي من ينازعه على هذا الحق ، وبدعوى دينية ، فإن ذات المنطق يفرض الضرب على يده بيد من حديد .
ونعود للسؤال : كيف ، وبأية وسائل ، وباستخدام أية قوى ، وبأية تكاليف ، يمكن تنفيذ مخطط إقامة دولة للأقباط في محافظات الصعيد ؟ وهل النجاح في ذلك يعني نهاية أم بداية الإشكاليات ؟ وهل توفر فرص أفضل للمستعمرين ، أم تعدهم بأحمال أكبر وأعظم ؟ وهل .. وهل كثيرة أخرى .
دعونا نتخيل فرضية جدلية ، ثم نحاول تصور كيفية تنفيذها . لنفترض أن الوضع تدحرج حتى حدث تدخل عسكري خارجي ، من الناتو مجتمعا ، أو أمريكا لوحدها . ولنفترض ، في مخالفة للواقع ولكل منطق ، أن التدخل نجح في إخماد أدنى مظاهر الاحتجاج ، ولا نقول المقاومة ، ضده . ثم لنفترض بدء مخطط إقامة الدولة القبطية في محافظات الصعيد . ولنتخيل ما الذي يتوجب فعله ، وخطوات تنفيذ هذا الفعل .
يقول المنطق بوجوب توفر أغلبية قبطية في تلك المحافظات ، هي غير متوفرة الآن . ولأن المسيحيين – الأقباط – الذين تتجاوز نسبتهم العشرة بالمائة من السكان ، موزعون على مصر كلها ، مدنها ، بلداتها ، قراها ونجوعها ، تقضي إقامة دولة لهم ، المباشرة في عمليات نقل لملايين منهم . وفي المقابل ، وحتى تتحقق لهم أكثرية في المحافظات التي ستشكل أرض الدولة ، يتوجب المباشرة في عمليات نقل معاكس لمسلمي تلك المحافظات . ولنفترض أن الاحتلال نجح في لجم أية معارضة لفعله هذا ، فلا بد من أن نسأل : بأية قوى يمكنه أن يتم هكذا عمليات نقل بهذه الضخامة ؟ وبأية تكاليف ستتم مثل هذه العمليات ؟ ومن ثم ما هو العائد عليه من كل ذلك ؟ ثم ولنفترض أن كل ذلك تم برضا طرفي معادلة الانتقال ، وقامت الدولة الجديدة ، التي لا ضمان لعدم نشوب نزاعات مستقبلية لها مع جيرانها ، فمن أين ، وكيف ستتوفر لها الحماية ؟ ولأنها صناعة أجنبية خالصة ، فهل سيتوجب على الصانع كفالة ، ضمان وتوفير الحماية لها الآن وفي المستقبل ، قريبه وبعيده ؟
المدقق لا بد يلاحظ أن الأمور لن تستقيم ، حتى مع فرضية لا علاقة لها بالمنطق أو الواقع ، كهذه . والإعلاميون والمثقفون ، ومن لف لفهم ، الذين يحذرون منها ، ويُنَظِّرون لها ، يعرفون تمام المعرفة ، استحالة وجودها ، قبل استحالة تنفيذها . فلماذا إذن يفعلون ما يفعلون ؟ الجواب بسيط : هناك اتفاق بين قوى مختلفة ، وعلى رأسها رأس السلطة الحاكم ، برفض أهداف الثورة ، ومعارضة تطبيقها ، وفي مقدمتها إقرار وتحقيق ديموقراطية حقيقية ، يتقدمها إقرار مبدأ المواطنة ، والعمل على تطبيق حقوق المساواة على أساسها . وأسهل الطرق إشغال العقول المغيبة بترهات من نوع مؤامرة تقسيم مصر ، وحل الفتنة الطائفية ، بدولة قبطية في صعيد مصر . هنا يصطاد النظام أكثر من عصفور بحجر واحد : تحريض على شباب الثورة ، رفض لأهدافها ، ضمان ديمومة نظام سقط رأسه ، وتطالب الثورة بإلحاق جسده بالرأس ، والإبقاء على نار الفتنة فالتقسيم بين أبناء الوطن ، هذا الإبقاء الذي يستدعي الإبقاء على النظام ، الذي وحده يملك القدرة على تخفيف لهيب حرائق الفتنة .
إلحاق بليبيا :
ولعل القارئ يتذكر تحذيرات القذافي من مخطط مؤامرة لتقسيم ليبيا ، تهيء الثورة الفرصة لتطبيقه . وانتصرت الثورة الليبية ، وحافظت ليبيا على وحدتها . ولكن ، ويا لغرابة القدر ، طلع علينا في مصر ، من يزعم بأن مخطط المؤامرة على مصر ، يتضمن ، بين ما يتضمن ، إلحاق محافظة مرسى مطروح ، وصحراء مصر الغربية ، بما فيها واحات سيوة ، بليبيا . أي أن المؤامرة على ليبيا تحولت من تقسيمها إلى دويلات ، على أساس قبلي ، إلى توسيعها على حساب مصر ، وعلى نفس الأساس القبلي ، بدعوى أن القبائل على الحدود المشتركة ، ذات أصول مشتركة . هل يستحق مثل هذا الزعم النقاش ، رغم انخراط جهات مختلفة ، على رأسها مثقفون ، في التحذير منه ؟ لا اعتقد ذلك . وفقط شخص خلع دماغه ، ووضعها في سلة المهملات ، يمكن أن يقبله . ومثل هذا الشخص تغدو محاورته نوعا من العبث . وللأسف في وطننا ، كما في مصر ، بدأ هذا النوع من الناس يشكلون نسبة عالية من الجمهور . وبكل مرارة يلاحظ المرء كيف أن جهود هائلة ، تعمل على تخليص الناس من عقولهم ، أو في صورة أبسط ، تغليفها بسوليفان ، وتسليمها للخالق ، كما تسلموها في البدء ، بكرا بدون استعمال .
بقي أن نقول في هذا المجال ، أن أمر مخطط المؤامرة وصل حد وقوف نواب في برلمان الثورة ، يصرخ أحدهم ، بصوته الجهوري ، محذرا من مخطط ، ما زال قائما ، لتقسيم مصر إلى خمس دول ، ومذكرا أن كونداليزا رايس ، وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة ، تحدثت عنه . ومرة أخرى مثل هذا القول ، رغم صدوره عن نائب ، ورغم تأكيده عن ملكيته لوثائق خاصة به ، لا يستحق المناقشة ، لكونه هراءا في هراء ، كما سبق وبينا آنفا .
إسقاط الدولة :
ويبدو أن الذين روجوا لمخططات التقسيم المؤامرة ، كانوا على ثقة بأن الجمهور الملتف حول الثورة ، لن يشتري هذه البضاعة ، لتأكده من فسادها . ولذلك فقد جرى الترويج لبضاعة أخرى ، في تزامن مع الترويج للبضاعة الأولى . وكمثال تحدثت وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية الرسمية ، يوم 22 / 12 الماضي عن مخطط لإسقاط الدولة قائلة أن " المخطط يقوم على استدراج الشباب الطاهر ، والخاسرين في الانتخابات البرلمانية ، بهدف إفشال كل العملية الديموقراطية وإسقاط الجيش ومن ثم إسقاط الدولة ". ومضت تقول :" الجهات الأمنية السيادية تمكنت خلال أيام من رصد هذه الاتصالات والتحركات ، وتأكدت من أن الهدف منها تحويل البلاد إلى فوضى عارمة وحرب أهلية بين الشعب والقوات المسلحة ، تمهيدا لصدور قرارات بتدخل قوات أجنبية للفصل بين الشعب وقواته المسلحة " .
وفي العادة لا تستحق مثل هذه الأقوال الوقوف عندها . فالكلام ، حتى في تراكيبه اللغوية ، غير مترابط ، ويبدو بلا معنى . فمثلا ما معنى " تحويل البلاد إلى فوضى عارمة وحرب أهلية بين الشعب والقوات المسلحة " ؟ فالتاريخ يعلمنا أن القوات المسلحة قد تكون طرفا في الحرب الأهلية ، أما أن يكون الشعب والقوات المسلحة هما طرفاها ، فهو كلام لا يعدو أن يكون هراء في هراء . والأمر ذاته عن استدراج الجيش وإسقاطه وإسقاط الدولة .
لكن لأن أطرافا عديدة ، ومنها نواب في مجلس الشعب الجديد ، اتخذوا من فزاعة إسقاط الدولة راية يحملونها ويرفعونها في كل مناسبة ، وبلا مناسبة ، يتوجب الوقوف عند مفاهيم يتم طرحها ، وتستهدف التضليل ، قبل إثارة البلبلة ، فإغراق الشارع في متاهات ، تبعده عن مساندة الثورة ، والدفع لتحقيق أهدافها . منها ، وبداية ، مفهوم الدولة ، ومسائل بقائها وسقوطها .
توحي الكتابات ، والخطابات والحوارات ، حول زعم إسقاط الدولة ، أن الدولة هي مؤسسة الجيش مرة ، وهي مؤسسة الأمن مر ة أخرى ، وهي الاقتصاد مرة ثالثة ، وهي نظام الحكم الذي رفعت الجماهير النداء بإسقاطه في كل المرات . والسؤال ما هي الدولة ؟ وهل تسقطها الثورات ، كانت ما كانت مساراتها ؟
كلنا بتنا نعرف أن المجتمعات البشرية عاشت حقبا طويلة من الزمن بدون دول . والدولة مسألة حديثة العهد ، أقدمها يعود لسبعة آلاف سنة ، المصرية مثلا ، وغيرها - الصين ، بلاد فارس ، وما بين النهرين ، العراق الحالية – لخمسة آلاف سنة أو أكثر قليلا . وتتشكل الدولة من مجتمعات بشرية ، تملك وتعيش على أرض محددة ، فرضت حاجات تطورها إنشاء نظم تتولى تنظيم العلاقات ما بين أفرادها وتجمعاتهم ، ومع جيرانها ، بما في ذلك حماية أرضها من الأطماع الخارجية ، وفيما بينها . أي بلغتنا الحديثة نشأت ونمت مؤسسات الحكم ، التي صارت تعرف بمؤسسات الدولة ، أو الدولة في تبسيط للأمر ، ثم ساد في التداول على الألسنة. هذا كله معا أفرز مفهوم الدولة ، التي أخذت في الرقي والتطور مع الزمن ، ولتصل إلى شكل الدولة الحديثة ، قبل قرابة القرنين فقط . ومع نشوء الملكية الخاصة والطبقات ، جرى تغير على دور المؤسسات التي أنشأتها المجتمعات ، لرعاية العلاقات فيما بينها ، ومع محيطها . ولأنه نشأت مؤسسات حفظ الأمن الداخلي ، وفض النزاعات ، ومؤسسة حفظ الأمن الخارجي ، أي الجيش ، فإن مهامها تحولت من خدمة مصالح أفراد المجتمع كافة ، إلى خدمة وتثبيت مصالح الطبقة المالكة ، وفرض استغلالها على الطبقات الأخرى . والثورات التي قامت ، على مر التاريخ ، استهدفت إعادة دور هذه المؤسسات إلى نشأته الأولى . وحين يتعذر ذلك ، عملت الثورات على إسقاط كامل النظام ، وتفكيك هذه المؤسسات وإعادة بنائها من جديد . وفي العصر الحديث ، هدمت الثورة الفرنسية مؤسستي الأمن والجيش ،بالإضافة لمؤسسات أخرى ، بينها القضاء والقانون ، ثم أعادت بناءهما على أساس مهامهما الجديدة ، أي تثبيت مكاسب الثورة وتطويرها . وكررت الثورة البلشفية نفس الفعل ، مغيرة أدوار هذه المؤسسات من حماية مصالح طبقتي الإقطاع والبرجوازية ، إلى حماية مصالح ، وتثبيت مكتسبات الطبقة الجديدة الصاعدة ، تحالف البروليتاريا الصناعية وفقراء الفلاحين . وجاءت الثورة الصينية ، لتكرر فعل الثورة البلشفية . وفي كل الثورات التي تفككت فيها مؤسستا الأمن الداخلي ، والجيش ، والذي صاحبهما فيه انهيار للاقتصاد وإفلاس للخزانة ، لم تسقط الدولة ، وكان النظام الحاكم هو الذي سقط . والذي حدث بعد ذلك أن الثورة المنتصرة أعادت بناء هذه المؤسسات ، بمهمات جديدة ، وكذلك بناء الاقتصاد ، ولتصبح الدولة ، بعد بضع سنوات ، أقوى مما كانت عليه بكثير .
وكما أشرت في حلقة سابقة ، لا تضع ثورات الربيع العربي أهدافا أمامها ، مقاربة لأهداف الثورات الفرنسية والبلشفية والصينية والكوبية . لكن الضرورة تدفعها ، وهي ترفع شعار إسقاط النظام ، لإعادة بناء بعض ، والأصوب كل ، مؤسساته على أسس جديدة . وللأسف ترى بعض هذه المؤسسات ، وبينها الجيش ، أن إعادة البناء ، تغيير العقيدة والمهام في الغالب ، هو إسقاط لهذه المؤسسة ، يذهب القائمون عليها إلى الزعم بأنه إسقاط للدولة ، بما يعني رؤية تتمثل في أن إسقاط النظام ، الشعار الذي رفعته الثورة ،يعني إسقاط الدولة ، والاستنتاج بضرورة الحفاظ على النظام الذي خرجت الثورة لإسقاطه ، للحفاظ على الدولة ذاتها .
هذا المفهوم هو صلب المسألة ، وهو ما تؤشر إليه تلك الشهادات التي تغدقها أطراف مختلفة على دور الجيش ، أو القوات المسلحة في الثورة . فهناك مثلا من يصف هذا الدور بغير المسبوق في تاريخ الشعوب جميعها ، وعلامة مضيئة في تاريخ مصر والمصريين ، حسب قول للدكتور محمد مرسي رئيس حزب الحرية والعدالة . وهناك من يذكر بأنه وقف على النقيض من دوري الجيش الليبي والسوري ، متجاهلا حقيقة أن الجيش الليبي تفكك وذهبت ريحه ، والدولة الآن تحاول إعادة بنائه ، وأن الجيش السوري ربما يلاقي نفس المصير . ويتجاهل القائلون حقيقة أن الجيش التونسي أدى دورا أفضل بكثير ، حين حمى الثورة من جهة ، ونأى بنفسه عن تسلم مهام ، وإدارة الحكم من جهة أخرى . وفعل الجيش اليمني نفس الشيء ، رغم الإغراءات الكثيرة ، بدور مخالف .
بديهي أن القول بمطالبة المجلس العسكري تسليم السلطة ، لا تحمل ، ولا يمكن أن تحمل توجها لإسقاط الجيش . ولا أحد يحب مصر يتمنى ذلك . لكن وكما أكدت تجارب التاريخ ، ومن منظور المفاهيم ، لا يسقط الدولة تفكك مؤسسة الأمن . كما لا يسقطها تفكك مؤسسة الجيش . ولا يسقطها تفكك كل مؤسسات النظام الذي ترفع الثورة شعار إسقاطه . الثورة المنتصرة تعيد بناء مؤسسات الحكم على أسس جديدة . وهذا البناء الجديدة يعيد الدولة أقوى بكثير مما كانت عليه . وإسقاط الجيش في ثورات الربيع العربي ، يتم بطريقة واحدة ، كما أوضحت التجربة ذاتها . وقوفه مع النظام القديم ، وضرب قوى الثورة . هذا طريق يؤدي لا محالة ، بفعل قوى داخلية وخارجية ، إلى إسقاط هذه المؤسسة وتفكيك مكوناتها . ومصلحة المجلس العسكري في مصر، قبل غيره ، أن لا يقدم على ذلك .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تسلم يمينك
سامي بن بلعيد ( 2012 / 3 / 2 - 03:52 )
لا يوجد لدي ما اضيفه
إلا كل الاحترام والتقدير لهذه النظرة التأملية الناضجة


2 - رغم ذلك فهنالك مؤامرة للتقسيم
عتريس المدح ( 2012 / 3 / 2 - 17:43 )
لا أدرى الى ماذا يرمي هذا التنظير، فالكاتب لايمكن التشكيك بوطنيته وانتمائه للمعسكر التقدمي المنحاز للجماهير الواسعة والعريضة، اذا ما الامر عندما يؤكد الكاتب على عدم وجود مؤامرة لتقسيم العالم العربي وتقسيم ليبيا وتقسيم مصر وغيرها من باقي البلاد،فهل اذا لم يحصل ما حذر منه القذافي اواذا لم ينجح في مصر دليل على عدم وجود مؤامرة التقسيم ،كلا ياعزيزنا أبو وديدة!نعم قد تستعمل الانظمة العربية هذه الفزاعة في اطار الدفاع عن نفسها لتخويف الجماهير من اهداف الاستعمار بالحرب الاهلية أو الاثنية، هل يمكن أن يقول السيد الكاتب أن هذالا يحصل بالعراق أو لم الغرب واسرائيل في فصل شمال السودان عن جنوبه مع استمرار الخطر لفصل غربه، اليس الامر كذلك في لبنان ، أليس الامر كذلك في فلسطين ولغاية اللحظة، ألم يكن كذلك ما يحدث في سوريا ، ما هومشروع شرق ألأوسط الجديد وماذا يفعل فيلتمان في المنطقة مع بعران الخليج و ماهي الفوضى الخلاقة ؟يكفي من ذلك تساؤلات لانعتش ذاكرة الكاتب
في اعتقادي أن الكاتب يدرك ذلك لكن لا أدرى لم لايعترف به! هذا غريب يا حاج أبو وديدة


3 - رد على عتريس
عبد المجيد حمدان ( 2012 / 3 / 3 - 18:42 )
لماذا يا عتريس تختبئ وراء اسم مستعار . هل تخجل من اسمك أم أنك ما زلت تعيش حالة ثورية تقضي بسرية اسمك . نعم ليس هناك مؤامرات تقسيم إلا في خيال حكامنا ، ومن صنعهم . التقسيم ممكن أن يحدث بسبب غياب العدالة ، بسبب استمرار الظلم الذي يوقعه هؤلاء الحكام بشعوبهم ، ويخصون القوميات غير العربية بالقسط الأكبر منه . ولعلك ما زلت تذكر أن الطموح القومي كان حتى ثلاثين سنة مضت ينادي بوحدة عربية من المحيط إلى الخليج ، وحدة تعيد لحم ما كان الاستعمار قد تسبب في تقطيعه . الآن نتحدث عن مؤامرات لتفتيت الأقطار التي كان الاستعمار قد أنشأها . هل إلى هذا الحال وصل حلم الوحدة العربية ؟ والأهم هو : ما الذي يفعله حكامنا الذين يصرخون بخطر تمزيق أوطانهم ؟ ما الذي يفعلونه لإفشال تلك المؤامرات المزعومة ؟ ترى هل الدواء في الإبقاء على عروشهم ، واستمرار نهبهم للبلاد ، ومواصلة ظلمهم للعباد ؟ هل إذا حدث ذلك وقبل الناس هذا الظلم البين تختفي المؤامرات ، ويعود صانعوها إلى جحورهم ؟


4 - الى الكاتب المحترم
عتريس المدح ( 2012 / 3 / 3 - 19:06 )
هذا هو اسمي و لا أختبيء خلف شيء أخجل منه، و لست ثوريا يخشى على نفسه فقد دفعت من عمري الكثير، والثورية ليست ملصقا أو تهمة أدرؤها عن نفسي ، ان كنت لا تعرفني فهذا لا يعني أي شيء لانني لم أكن يوما يزاحم على مكان أو يحاول ابراز دور أو اسم ، أنا قاريء أحاول أن أقيم ما تؤول اليه الامور والتعليق أو النقد الذي أحاوله لا يمكن أن يصب في خانة النيل الشخصي منك ، لكن يبدو أنه قد أضاق صدرك بما انتقدته من نقص في مقالتك، فهذا حال المثقف البرجوازي الصغير الذي يرد على نقد بسؤال،ان اغفالك لمخططات التقسيم افهم منه انك ترى التقسيم بجانبه الجغرافي فقط بينما مخططات الامبريالية والغرب ولا يمكن لك أن تنكرها تعني التقسيم العرقي والاجتماعي والديني والجغرافي الذي ان لم تنجح فيه فورا والان فهي تعمقه بجوانبه العرقية والاجتماعية والدينية في سبيل السرطان الاسرائيلي الغريب حاملة طائرات لطلائع هجومها في المنطقة، لقد جانبت الصواب أيها الكاتب وتعليقي واضح لاانحياز فيه لنظام بل الى هم وطني من هجمة مرتدة استعمارية رجعية، فهذا ايها العزيز ما أسقطته في مقالك وفي اعتقادي أنك جانبت الصواب فيه،حيث أنك مسؤول ودافعك هو التنوير


5 - تعليق أخير
عبد المجيد حمدان ( 2012 / 3 / 5 - 10:03 )
اعتدت أن لا أقول أو أكتب ما لست مقتنعا بصحته ودقته . وبعدذلك أقول أن التقسيم العرقي لا تصنعه المؤامرات الخارجية ، كما لا تصنع هذه المؤامرات تقسيمااجتماعياأو دينيا ، وإن صنعت في زمن أفول عصرالاستعمار تقسيمات على أساس جغرافي . التقسيمات الثلاثة الأولى يصنعها فساد النظم الحاكمة ، الاستغلال الطبقي ، وانعدام العدل في توزيع ثمار الانتاج يصنعها الظلم والتعصب الأعمى الكريه ، ويصنعها الاستعلاء القومي الأحمق والبليد . وكلها منافذ يوفرها الحكم الفاسد لعودة الأجنبي من الشباك بعد خروجه من الباب. لاتلومن الأجنبي إن فعل ذلك . ذلك أدعى إلى الثورة على النظم الفاسدة وإقامة نظم العدل والحرية والكرامة .ذلك أدعى لمساندة الشعب الثائر بدل التلكك بالحديث عن مؤامرات خارجية ، التي هي تحصيل حاصل في ظروفنا العربية .


6 - يا عزيزي الكاتب ابو وديدة
عتريس المدح ( 2012 / 3 / 5 - 11:15 )
اذا لم ترد الاقتناع بأن هنالك هجمة امبريالية تسعى الى سايكس بيكو جديد فهذا شأنك، مع ضرورة ادراك وذلك دون أنني لم أغفل ما أوردته بمقالك الاصلي و بردك عن موضع العدالة الاجتماعية والاقتصادية والاستغلال الطبقي وفساد الانظمة

اخر الافلام

.. الأردن يحذر من تداعيات اقتحام إسرائيل لمدينة رفح


.. أمريكا تفتح تحقيقا مع شركة بوينغ بعد اتهامها بالتزوير




.. النشيد الوطني الفلسطيني مع إقامة أول صف تعليمي منذ بدء الحرب


.. بوتين يؤدي اليمين الدستورية ويؤكد أن الحوار مع الغرب ممكن في




.. لماذا| ما الأهداف العسكرية والسياسية التي يريد نتنياهو تحقيق