الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاذاعي و الفنان التشكيلي -عز الدين كطة-: ولادة الذات من الضوء

علاء كعيد حسب
شاعر و كاتب صحفي

2012 / 3 / 1
الادب والفن


الفن التشكيلي لغة، تتخذ من الألوان أبجدية للتعبير، و من الفضاء الأبيض الشاسع مجازا لترجمة ذاتها من منظور جمالي. و ليخلق الفنان صلة مع عوالمه الحسية، يتوجب عليه التحرر من اللحظة بكامل إرهاصاتها المادية و المعنوية، و يتجسد فيه الماضي و الحاضر دون حاجة إلى هروب مفتعل آني و زائف، لا يتعدى أن يكون وهما. هذا التجاوب المطلوب لولادة أي عمل فني مميز، نلامسه في أعمال الإذاعي و الفنان التشكيلي "عز الدين كطة"، الذي جعل من اللوحة أفقا لمقارعة الذات من خلال تجريدها من كل مفاهيمها الخاطئة و بعدها اللاإنساني.

الغوص في أعمال الفنان التشكيلي"عز الدين كطة"، رحلة مع شعراء و فلاسفة و قديسين و فصول و طقوس خاصة. فبينما نلامس عذوبة الجمال في الوجود، نتحسس انهيار الإنسان و نتعطر برائحة المأساة المتعفنة بين ثنايا البشرية. و هو لا يستفسر بذلك ذاته بقدر ما يثور عليها و يهز أسسها، كأنما يدفع بالنهاية إلى نهايتها. و في اختياره للطابع التجريدي، إشارة قوية للتوجه الذي يرتبط به جماليا. فهو يعلن الروح سرا، بل غاية يجب استكشافها و تنصيبها معنى و دلالة، لكل شيء و أي شيء.

و رغم ما قد توحي به لوحاته من بؤس و حزن دفينين، إلا أن حضور الضوء و الألوان الفاتحة في بؤرة كل عمل، يجعل من عمله الفني تجسيدا للواقع الإنساني بإيجابياته و سلبياته، مؤكدا ازدواجية الحياة من خلال متناقضاتها اللامحدودة. و من الجميل في أعمال "عز الدين كطة" إطلالة المرأة، تلك المرأة التي نعيش معها و لا ندرك وجودها، التي تسكننا إلى الأبد. و كإحياء لعناصر كونية تتعدى الواقع و قتامته، يسترسل "كطة" في بلورة صيغة ترتبط بروح الإنسان الأولى، عبر تضييق الخناق على مسار الألوان و تدرجها، و مزج ما هو تجريدي بما هو انطباعي. و بذلك يتيح الفرصة لحواسنا لتفسر ماهيتها، و تتوقف عند كل جزء من تفصيلاتها التي لولاها لما تفردت أو تطورت.

و في المجهول، حيث تتضح هواجسنا و تتبلور، تتحرك الريشة وفقا لعاطفة الفنان، و تذوب روحه بين نتوءات الضوء و تعرجات الألوان. لهذا تظهر اللوحة بحجم قدر و روح عصر، كصرخة أو نداء. و هذا التميز، هو ما يجعل من الفنان التشكيلي"عز الدين كطة" فنان مميزا و صاحب رؤية أعمق من أن يصلها فكر ساذج أو نظرة سطحية، لأنه واحد من الذين يعترفون باللاوعي كفضاء لترجمة الوعي، و في هذا إشارة لاستمرارية الروح و خلودها و فناء الجسد و ما يمثله من حضور للمادة. لهذا تترك أعماله بحكم ما تحمله من تجارب و أحاسيس، في ذاكرة متأمليه، وشما معقدا و قاتم العوالم، غير مفهوم، يشبه في كينونته الفراغ، سرعان ما يتحول عند كل وقفة صامته أمام إنسانيتنا إلى كيان متحرك من الانطباعات القوية و المتقلبة، قد تجرد كل مفاهيمنا السابقة عن الفن و الجمال، من قالبها الشكلي.

حين تسمو الروح عن كل ما هو عابر، تنطلق للأفق الحسي بكل حرية و جمال، و تصنع من الغموض الذي يبدو للبعض عدما، عالما قائما بذاته. و من هذه الدرجة المتقدمة من الرقي و النقاء، يشيد الإذاعي و الفنان التشكيلي "عز الدين كطة" مكانته الخاصة و أسلوبه المتفرد في التعبير، ما يجعل منه فنانا خاصا يعد محبي الفن التشكيلي بالسفر إلى أبعد نقطة في عاطفتهم و أعمق بؤرة في تفكيرهم، و بهذا تنتصر الروح أخيرا على نقيضها الأزلي..الجسد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع


.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو




.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05


.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر




.. جريمة صادمة في مصر.. أب وأم يدفنان ابنهما بعد تعذيبه بالضرب