الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مصر ، عام على الثورة !!

عبدالله صالح
(Abdullah Salih)

2012 / 3 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


نسائم "الربيع العربي" التي هبت من تونس بعد أن دكت عرش دكتاتورٍ وسلطته القمعية، وصلت مصر فأطاحت بدكتاتور آخر. عام مضى على رحيل مبارك والثورة لازالت مستمرة، ولكن هذه المرة ضد قوى الثورة المضادة وفي مقدمتها المجلس العسكري ومن خلفهم الاخوان المسلمون والسلفيون ومن لف لفهم.
إن عجز الانظمة على الحفاظ على العلاقة بين العمل والرأسمال وبالتالي عجزها عن الحفاظ على الاستقرار وسط أزمات اقتصادية طالت وتطال الأكثرية من الجماهير فتصيبها بالفقر والجوع والبطالة وانعدام الخدمات الاساسية من صحية وتعليمية، هي تلك الأرضية التي انبثقت منها هذه الثورات بمشاركة واسعة من الشابات والشباب الذين لم يبق لهم أمل في بناء مستقبل يليق بهم كبشر، جيل يائس من العيش وسط غابة تتحكم فيها وحوش بشرية مفترسة تعيش حياة البذخ والرفاه غارقة حتى النخاع في تلك الحياة وتنعم بكل ما لذ وطاب على حساب الحرمان والفقر المدقع لغالبية الجماهير.
الثورات العربية فاجأت الغرب وأمريكا كما فاجأت دول المنطقة ككل ولم تكن في حساباتهم هذه التطورات والتغييرات الهائلة التي حدثت، لذا فإن التخبط في التعامل مع هذه الأحداث بات سمةً أساسية لسياسات تلك الدول إزاء ما يجري. فبعد أن أصبح واضحا بأن هذه الثورات تريد النيل من رأس هذه الأنظمة، سارعت أمريكا وحليفاتها تطالب هذه الرؤوس بالرحيل مدركةً بأن البقاء على سياسة دعم هؤلاء لا يعني سوى السباحة بعكس التيار، وهنالابد من تدارك الأمر قبل فوات الأوان. بدأ البحث عن حليف آخر، حليف لا يمس الكيان الاقتصادي لتلك البلدان التي إندلعت فيها الثورة، حليف لا يمس مصالح أمريكا وحليفاتها، حليف قادر على تفكيك هذه الثورات من خلال "آليات ديمقراطية"، حليف جديد هو الأكثر تنظيما مقارنةً ببقية القوى السياسية الأخرى وقادر على إجهاض الثورة، وهنا فإن الاسلاميين هم أفضل مرشح للعب هذا الدور وكأنهم الضالة المنشودة، إنهم يقفون في الصفوف الامامية لقوى الثورة المضادة، ولكونهم من ضحايا الانظمة السابقة، فهم يتميزون عن غيرهم بلعب دور ديماغوكي مضلل خاصة وسط الشرائح المعدمة من الشعب.
لقد تم إعادة انتاج نفس السلطة السابقة ولكن بمشاركة الإسلاميين الذين خرجت رؤوسهم من داخل صناديق الاقتراع، تلك الصناديق التي أعتبروها كافية للإستيلاء على السلطة واللعب بمقدرات الجماهير كيفما شاؤوا ذلك كون هذه الصناديق التي وضعتهم في المقدمة حسب سلّم الأكثرية والأقلية، هي الفيصل في لعبة "الديمقراطية" كما حدث في تونس والمغرب ومصر، كأن الديمقراطية هي لعبة الخروج من هذه الصناديق فقط. الديمقراطية، من الناحية النظرية، رزمة واحدة لا يمكن فصل اجزاءها عن بعض، هي انتخابات، ظهور قوى المعارضة، توفير الحريات الاساسية، كحرية التعبير، الحرية الشخصية، الحرية الفكرية، حرية العقيدة، حرية التنظيم والتظاهر...الخ، توفير الحد الأدنى من العيش، العمل، ضمان البطالة، صيانة حقوق المرأة، حقوق الطفل...الخ. القوى الاسلامية وبحجة كونها نالت أكثرية الاصوات تطالب خصومها بإحترام ارادة الأكثرية، تطالبهم بوقف عجلة الثورة الى أن يتم اعادة هيكلة نظامهم الاسلامي على غرار ما هو موجود في إيران أو في أفضل الاحوال على غرار ما هو موجود في تركيا وإلا فإن قوى الخصوم متهمة بالإنضمام الى معسكر أعداء الديمقراطية كما تطلق حركةحماس هذه التسمية على معارضيها!!!
إن الأرضية الاقتصادية التي تقف عليها الديمقراطية الغربية بإعتبارها الموديل الأرقى، هي توفير الحد الادنى من العيش للعاطلين عن العمل ما يحول دون هبوطهم تحت خط الفقر، أي ما يسمى بالضمان الاجتماعي، لذا فبمحض التوقف عن هذا الدعم الاقتصادي سوف تذهب هذه الديمقراطية أدراج الرياح حيث لا معنى للحرية من دون خبزوهذا ما نراه اليوم يحدث في اوروبا، اليونان وايطاليا والبرتغال على سبيل المثال.
إن إنهيار المشروع القومي العربي وفشله، ذلك المشروع الذي لم يبق له خندق سوى في سوريا وهو على وشك السقوط، أصبح اليوم في خبر كان وبات هذا الحلم القومي سراباً لا يعطي خبزاً لجائع ولا يوفر عملاً لعاطل ولا يعيد كرامةً لمن سُلبت كرامته.
المشروع الاسلامي الذي تتبناه تلك القوى التي وصلت الى الحكم في بلدان الربيع العربي لن يكون مصيره بأحسن من المشروع القومي، فمن الناحية السياسية يرتكز هذا المشروع على سياسة رفض الآخر، سياسة خنق الحريات، عامة كانت أم خاصة، سياسة الخطوط الحمراء بالنسبة للـ "المقدسات" التي لا يمكن المساس بها، سياسة السيف الذي يبرزكعلامة بارزة وسط شعارهم الأصلي، سياسة دونية المرأة، سياسة "الأمربالمعروف والنهي عن المنكر"،...الخ، كيف يمكن لنظام كهذا أن يصمد في هذا العصر الذي بات فيه العالم قرية صغيرة؟. أما من الناحية الاقتصادية فهم سيرثون خزائن مفلسة، ديون بأحجام خيالية لا يمكن سدادها بسهولة، سيواجهون أخطبوط البنك الدولي وصندوق النقد الدولي،كل ذلك وسط أزمة إقتصادية خانقة للرأسمالية العالمية. وسط هذه الأجواء هل يمكن أن يكون "الزكاة" حلاً لازمات اقتصادية تضرب في أعماق المجتمع؟، ربما سليجأ هذا المشروع في نهاية الأمر الى رفع شعار: أيها الجياع إصبروا على جوعكم وسيأتي الفرج من عند"الله"!!. وعندها ستبدأ النهاية. لقد أثبت التأريخ بأن الدكتاتوريات، أياً كانت، لا يمكنها أن تبقى حين تُجّوع الشعب بيد وتَقمعه باليد الأخرى لذا فإن الثورة آتية لا محال.

هذه المعطيات تجعلنا نعتقد بأن حظوظ الاسلاميين في بناء دكتاتورية على غرار ما هو موجود في ايران أمرٌ بعيد المنال إن لم يكن مستحيلاً، وهنا يكمن دور القوى الحقيقية للثورة وفي مقدمتها الطبقة العاملة والكادحون والحركة الشبابية وقوى اليسار.
ان استمرارية هذه الثورات ونجاحها في تحقيق أهدافها، رغم محاولات تغيير مسارها وقطع الطريق أمام تحولات أعمق كما هو الحال في النموذج المصري، مرهون بالتدخل الفاعل للطبقة العاملة ومعها كل الشرائح الثورية الاخرى، هذه الطبقة التي يجب ان تضطلع بمهامها التاريخية في هذه المرحلة الحساسة وتحسم أمر الثورة وتدفع بها الى تحقيق كامل أهدافها، تحتاج قبل كل شيء الى وسيلتها النضالية، تحتاج الى حزب شيوعي عمالي يقود نضالاتها، هذا الحزب الذي يعتبر الضمانة الوحيدة والمثلى للوصول بهذه الثورة الى نهاية المطاف نهاية تكون الطبقة العاملة قد قضت فيه على الملكية الخاصة وأسست حكومتها العمالية وحققت الثورة الاجتماعية للعمال، حققت مجتمعاً خال من الظلم والحرمان ، مجتمع الرفاه والحرية، وهو ما يجب أن نسعى اليه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سائقة تفقد السيطرة على شاحنة وتتدلى من جسر بعد اصطدام سيارة


.. خطة إسرائيل بشأن -ممر نتساريم- تكشف عن مشروع لإعادة تشكيل غز




.. واشنطن: بدء تسليم المساعدات الإنسانية انطلاقاً من الرصيف الب


.. مراسل الجزيرة: استشهاد فلسطينيين اثنين بقصف إسرائيلي استهدف




.. وسائل إعلام إسرائيلية تناقش إرهاق وإجهاد الجنود وعودة حماس إ