الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإعلام في ليبيا / من عهد -الرجل المريض- إلى عهد -الرجل الميت-

المختار بن جديان

2012 / 3 / 3
الصحافة والاعلام


عادة ما تستمد الأقلام قوتها الفكرية من عقول نيرة تستطيع أن تميز بين الغث والسمين، وأن تختار المُصلح عن المُفسد، وأن تدفع بالكلم إلى ما ينفع، وأن تجتاح مخيلات الآخر بعقلية مُستنبطة من فكر رصين يرتب الأفكار ويوليها حظها المناسب.
لقد حاد القذافي عن مبادئ ثورته التي أعلنها في إعلانه عن الثورة الإدارية والثقافية سنة 1973 حين وصى خيرا لمستقبل ليبيا بالقضاء على ما سماها بالرجعية في المؤسسات التعليمية، فلم نره بين أيامنا سوى رجعيا دمويا يقتل شعبه بسلاح وعد نفسه وإياهم بأن لا يرفعه سوى على المعتدين، ليُثبت جهله بقانون الثقافة التي من خلالها يُبنى الإعلام على الأساس الصحيح، فقُبحا لما قدمه هذا الجماهيري لليبيا حين أحكم الخناق على القلم بسلاح يفرغ مِداد الحياة.
وطيلة الفترة التي تلت في ليبيا أي الواحد والأربعين عاما المنقضية، كان الإعلام فيها مجرد وسيلة تتناقض وقانون ثورته إن كان معمولا به أصلا، فقانون المطبوعات في ليبيا وفق ثورة العقيد الرحال المخلوع معمر القذافي ينص على أن -الصحافة حرة ومستقلة ولا يجوز فرض الرقابة عليها- في حين أنها عانت هذه المسكينة طيلة هذه الفترة من كسادٍ فكري اجتاح مطبوعاتها واخترق قوانينها لتصبح بذلك السلطة الواحدة والأربعين بدل أن تكون السلطة الرابعة.
بداية ضعف الصحافة في ليبيا أو دعونا نقول جميع وسائل الإعلام بهذا البلد النفطي يكمن في عدم توفير الرسالة الإعلامية الحقّة، إخراجاً وإلقاءً ، إضافة إلى أن النظام السياسي بقيادة –قائد الثورة- يسيطر على جميع هذه الوسائل ويُؤممها ، ليُقصي بذلك دور الإعلام الخاص الذي عادة ما يُضفي موازنة إعلامية شيقة وتنافسٍ يبدو ضروريا لمنع تلك الرتابة التي يمكن أن تصيب المجتمع في تلقيه الرسالة الإعلامية، ونجد أيضا أن رجال الإعلام في المؤسسات الإعلامية الليبية هم ممن ارتادوا مدرسة المحسوبية ونجحوا فيها بامتياز كبير ليجلس الصحفي على كرسي لا يمُته بأية صلة، وليبقى ذوو المواهب والقادرين على صنع الحدث وتقديمه قابعين خلف قضبان السكوت لا يصولون ولا يجولون، وفي حالة تفجير ذلك الصمت يُسجنون فقط لأنهم قالوا كلمة حق قد تُصلح شعبا ولكنها قد تورط مسؤولا.
اليوم وبعد ان رحل الحكم الجماهيري لمعمر القذافي نرى بفضل الله إعلاما جديدا يؤسس لغد أفضل، قوامه ليبيا اليوم وليس الغد و ليبيا الحرة وليس الثورة، إنها ليبيا التي في زواياها دائما ما توارت تلك العقول الباهرة التي ترى الحدث بعين وثيقة وتُقدمه في أحل ثوب لأكثر من لابس، وتستوعب جميع اللغات وتعطي الأمر حقه ولا تتدخل في شؤون الحلال من الحرام ولا ترفع سلاحا في وجه جمهورها.
لقد عاشت ليبيا على مشروع ثقافي مُتميز خلال مختلف الحقبات الاستعمارية التي مرت بها، ففي زمن الاحتلال العثماني أسّس المثقفون الليبيون صُحفا كان لها دورا كبيرا في بلورة الوعي الاجتماعي ورسم خارطة طريق ثقافية واضحة من بينها جريدة – المرصاد - ، بالإضافة إلى انه كان لصدور أول صحيفة ليبية شعبية سنة 1897 دور بارز في وضع الحجر الثقافي الأساس لهذا البلد، ثم نذكر أول صحيفة علمية برزت في ليبيا سنة 1898، وكانت هذه الصحيفة تمتاز بخط تحريري ثقافي علمي يسهر عليه مجموعة من العلماء الليبين ذوي الكفاءة القيادية في مجال العلم والثقافة.
إذا ما قارنا بين الحضور الإعلامي في ليبيا زمن الاحتلال العثماني وزمن الاحتلال الجماهيري لوجدنا أن الإمبراطورية العثمانية قدّست الجانب الثقافي في أن أسست مطابعا ودور نشر مُتطورة نسبيا في ذلك الوقت، بالفعل قد تكون ذات رقابة قاسية إلا أنها رقابة مشروعة وفق منطق الاحتلال، واللامشروع حسب رأيي أن يخلق -معمر القذافي- رقابة على من ثار من اجلهم.
من جهة أخرى عاش الإعلام الليبي زمن الاحتلال الايطالي بالرؤية الإعلامية المناضلة فقد برزت الكثير من الصحف تحت مسمى – الصحف المناضلة – من أمثال جريدة -ليبيا المصورة- سنة 1935 والتي كانت بوقا للدعاية الايطالية في الأول، لتتحول بعد ذلك إلى صحيفة شعرية وأدبية تنشر الأشعار التي تنادي بطرد المستعمر عن البلاد، ونذكر أيضا الكثير من الصحف الأخرى من بينها – اللواء الطرابلسي، الرقيب، الوطن، البلاغ-، هذا على غرار بروز الوجوه الأدبية المثقفة والتي كان لها دور بارز في وضع ليبيا على الطريق الثقافي الرصين، ومن أمثال هذه الأعلام الثقافية نذكر -أحمد رفيق المهدوي ، وهبي البوري- من بنغازي، الذين شكلا قاعدة أساسية في بناء النهضة الثقافية الحديثة في ليبيا.
ثم جاءت فترة الانتداب أو ما سمي بفترة الوصاية على ليبيا سنة 1942 لتزداد النقمة الثقافية في ليبيا وليتواصل مشروع النضال الفكري مع الكثير من الصحف مثل صحيفة –الوطن- الناطقة باسم جمعية عمر المختار آن ذاك، بالإضافة إلى صحيفة -شعلة الحرية- الناطقة باسم المؤتمر الوطني عن مطالب الشعب في الاستقلال وتوحيد البلاد والارتباط العربي.
إن ما شهدته الصحافة في ليبيا زمن الحقبات الاستعمارية المُتباينة تاريخيا وفكريا وثقافيا، لدليل قوي على ما تزخر به هذه البلاد من رؤية صامدة تنبثق من مهد مُثقف، إلا أن -معمر القذافي- أطفئ شموع هذا الدرب في أن سلط على الثقافة والفكر والإعلام -مطرقة عالمية ثالثة-، حيث أنشأ قوانين قال بأنها حماية للثقافة في ليبيا في حين أنها ظهرت على عكس ما أرادها الشعب، فقانون رقم 75 لسنة 1973 بشان تأميم الصحف والدوريات الخاصة والمستقلة أو الأهلية يُولي تسييرها الكامل للدولة، ونجد قانون رقم 10 لسنة 1993 والذي سماه بقانون التطهير، إلا انه كان قطعا واضحا لأوصال المعارضة في ليبيا، وأخيرا وليس آخرا قانون رقم 5 لسنة 1991 بشأن تطبيق مبادئ الوثيقة الخضراء الكبرى، وهي المُستمدة من الكتاب الأخضر الذي أسّس لما يُسمى بإخراج ليبيا من ظلاميات الحكم الرجعي، إلا أنه أغدقها داخله و أطفئ النور في وجه كل من أراد أن يرتقي ببلاده للرقي والتقدم.
هكذا كان الإعلام في ليبيا ضمن مقاربات تاريخية غريبة وطريفة، لكنه ها هو اليوم بخطى ثابتة يتقدم إلى الأمام زاحفا، سطراً سطراً، كلمةً كلمةً، حرفاً حرفاً، ليطهر ليبيا الأرض الطيبة من ذلك الكساد الذي عانته طيلة ما يقل عن نصف قرن كامل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما هي الأسباب التي تؤدي إلى الإصابة بالتوحد؟ • فرانس 24


.. مدير مكتب الجزيرة في غزة وائل الدحدوح: هناك تعمد باستهدافي و




.. الشرطة الفرنسية تدخل جامعة -سيانس بو- بباريس لفض اعتصام مؤيد


.. موت أسيرين فلسطينيين اثنين في سجون إسرائيل أحدهما طبيب بارز




.. رغم نفي إسرائيل.. خبير أسلحة يبت رأيه بنوع الذخيرة المستخدمة