الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مفهوم الشيوخ للاقتصاد(*)

محمد باليزيد

2012 / 3 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


في الإشارة إلى موضوع "الرخص"، وبالذات ما يهم الشيخ الزمزمي من هذا الموضوع، كتب نورالدين لشهب، الخميس 01 مارس 2012 - 21:47 ، في الجريدة الإلكترونية: "هيسبريس" مقالا تحت عنوان:" الزمزمي يؤكد امتلاكه رخصة نقل ويعتبر نشر "اللائحة" عملا عابثا" جاء في المقال بعد سطور: " وفي رده عن سؤالنا عن الخدمة التي قدمها للبلاد كي يحصل على هذه الرخصة أُسوة بغيره من المستفيدين من رياضيين وفنانين، أجاب البرلماني السابق عن حزب النهضة والفضيلة : " منذ 30 سنة وأنا أحث الجمهور في الوعظ والدعوة والمحاضرات.. فمنذ ثلاثين سنة أو تزيد، والخدمة التي قدمتها هي أهم من الرياضة ومن الأعمال الأخرى التي يقدمها الآخرون.. فكل واحد يقدم للبلاد خدمة حسب موقعه واختصاصه".
صحيح جدا أن "الوعظ والدعوة والمحاضرات" أهم بكثير من الرياضة ومسائل أخرى تعتبرها الجهات الرسمية "عطاء للبلاد" يستحق صاحبها الاعتراف له بخدمته الوطن. لكننا، وإن لم يشأ الشيخ الزمزمي وضع هذا السؤال، نتساءل بكل جدية: هل الرخص، بكل أنواعها، هي المكافأة المناسبة لمثل هذه الأعمال؟ إن "خدمة الوطن" تتجلى، وكما عبر عن ذلك الشيخ نفسه، في مجالات عدة، فالممرض مثلا، الذي ليست له أية موهبة أخرى أو ربما ليس له الوقت لممارسة أية موهبة أخرى، لكنه يمارس عمله بكل تفان وإخلاص وإحساس بالمسؤولية والتعاطف مع المريض، هذا الممرض يخدم وطنه من دون شك. فهل سيلتفت موزعو الرخص بأن دخله يحتاج إلى الدعم برخصة؟ قطعا لا. ومن جهة أخرى، فالرياضي، الذي يجري وراء الميداليات والألقاب المدرة للربح والمكافآت الوطنية والدولية، إنما يجري وراء المال وليس بنية أن يخدم وطنه. و يعلم كل ذي عقل بسيط أن جري بطل حول ملعب ملتحفا بعلم وطنه ليس هو، بالنسبة لهذا البطل، الهدف الأول المنشود. إعطاء الرخص، مكافأة، إذن لهؤلاء الأبطال، من وجهة نظرنا، شيء بعيد عن التفسير السطحي، ولا نعتقد أن الشيخ يثق بهذه السطحيات، الذي يروج له ويمر عليه الشيخ مرورا سطحيا لأن "هو نفسه مالك رخصة". إعطاء الرخص، والمكافآت بكل أنواعها، الهدف منه هو إعطاء قيمة للرياضة التي نعرف جميعا ما تملؤه من مكان في "الثقافة الإديولوجية" لكثير من الأنظمة. وحين يقول الشيخ بأن "عطاءه أهم من عطاء الرياضي" علينا أن نتساءل ونسأل الشيخ: أهم هنا هل تعني كميا أم كيفيا؟ ولتوضيح السؤال أكثر نقول: تعطى المكافآت للرياضيين لأن عطاءهم يدعم الثقافة التي يراد لها أن تسود. فهل ما يعطيه الشيخ هو في نفس الاتجاه وهو أشد قوة وتأثيرا؟ أم أن ما يعطيه الشيخ هو في الاتجاه المعاكس لهذا، أي أن وعظ الشيخ ينشد مجتمع مختلفا فهو إذن لن يحصل على المكافأة من الذين لا يطمحون سوى لتكريس السائد؟
النشر هو من الشفافية وكان على الشيخ أن يطالب بأن تكون تلك شفافية كاملة وفي كل الميادين وليس أن يعتبرها "عبثا" حيث مسته وحيث لم تتطرق سوى لرخص "غير ذات أهمية" حسب تعبيره،[ " هناك عشرات الرخص التي تُدرُّ الملايين لم يكشفوا عن أسمائها مثل مقالع الرمال والصيد في أعالي البحار ورخص خاصة بالتسويق والتصدير لم يتكلموا عنها، ومع ذلك فالرخص التي تم الكشف عنها لا تساوي أجر برلماني وربما أقل".]
ما الفرق بين، من جهة، قول خليفة من العصر الأموي، أو العباسي أو غيرهما، لعامل له أو أحد زبانيته: "اذهب، لقد أعطيتك خراج الإقليم الفلاني." ومن جهة أخرى أن تعطي وزارة، في قطاع النقل مثلا، رخصة استغلال، مع الاحتكار(2)، فالخليفة لا يمنح خراج إقليم ما إلا لمن أبان عن خدمة كبيرة للخليفة/الأمة. ألا يعلم شيخنا الزمزمي أن الرخصة، في أي مجال، لها، على الأقل، ثلاثة آثار مهمة وهي:
_ أنها تعني إعطاء "ريع" لصاحبها على حساب كل مستخدمي أو المستفيدين من خدمات ذلك القطاع.
_ أن نظام الرخص يعني تكوين فئات اجتماعية تقتطع رخاءها من ضيق غالبية السكان .
_ أن إدخال نظام الرخص على قطاع ما يعني بالمطلق إعطاء حق الاحتكار في هذا القطاع وهو ما ينافي بالمطلق النظام الرأسمالي، على علته، ويدخل البلاد في نظام "اقتصاد الامتيازات". ذلك الاحتكار الذي يسمح للفئة المحتكرة بأن تتلاعب بالأسعار تحت راية "حرية السوق!!" وتسلب الضعفاء ما تريد.
إن كون رخصة الشيخ "لا تساوي شيئا أمام رخص البعض المسكوت عنها" لا يبرؤه من كونه يشارك في تحويل النظام الرأسمالي إلى نظام امتيازات وريع. وإنما يدل على أنه لو منحت له "رخصة مهمة" لتسلمها حامدا الله وشاكرا إياه الذي ألهمه ما يعظ به الناس.
يقول الشيخ منتقدا الحكومة الحالية:"[ ولكن السؤال الذي أطرحه ــ يضيف الزمزمي في تصريح خاص لـ"هسبريس"ــ إن هذه العملية، الكشف عن الرخص، ماذا وراءها؟ فهؤلاء الناس قاموا بعمل عابث.. عمل عابث طبع.. "أنا أرى بأن هذه الحكومة ومنذ وصولها لمقاعد الحكم، وهم يتملقون الجمهور بأمور إشهارية لإثارة العواطف، فهذا يسوق سيارته بنفسه، وهذا لا يزال مقيما في بيته القديم، وهذا يصلي في مسجد حيه]" ونحن هنا مع الشيخ إذا توقفت الحكومة عند حدود الكشف عن الرخص ولم تتجه اتجاه القضاء على "اقتصاد الريع" الذي يطبل له على أنه "الرأسمالية والاقتصاد الحر". لست من القائلين بأفضلية الاقتصاد الرأسمالي لكن أسوء منه بألف مرة اقتصاد الريع والامتيازات والمحسوبية.
إلى جانب كل ما قلته يجب أن أشير إلى مسألة تتعلق بهذا المجال، مجال الرخص، إنها مسألة "قدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير". كثيرا من الرخص تمنح لمواطنين، أو منحت وما زال الأبناء والأحفاد يستغلونها، تحت هذه الراية. فهل يعقل أن يبقى الأحفاد، ولا حتى الأبناء، يستفيدون من ريع قدم لآبائهم لكونهم مقاومين. [هذا مع افتراض أن الذين أخذوا الرخص لهم علاقة فعلا بالمقاومة]. إن جدا قاوم من أجل تحرير الوطن لم يقاوم من أجل أن يصير المغاربة عبيدا لأحفاده، وإن كان ينوي هذا فلتأويه جهنم وتتلف الرياح ما ترك. فالاستعمار البين أفضل من عبودية مقنعة.
إن مقالع الرمال وأسماك البحار والمعادن تحت الأرض .... وحق الاستثمار في قطاع ما، كل هذا يجب أن يكون ملكا للمغاربة جميعهم وأن لا يكون مجال عيش طفيليات على حساب كل المواطنين.
*) لقد كتبت "مفهوم الشيوخ" بدل "الاقتصاد الإسلامي" ذلك لأسباب أهمها:
_ أولا أن نعت تفسيرات هذا الشيخ أو ذاك، مع العلم أن الأمر هنا لا يتعلق بتفسير ولكن بسلوك والفرق بين التفسير والسلوك كثير!!، بأنها "الاقتصاد الإسلامي" فيه إجحاف كبير لهذا الأخير. ذلك أن تعدد وجهات النظر واختلافها جوهريا يجعل من الصعب ربطها ب"مقدس" يجب أن يكون وحيدا.
_ ثانيا أن مصطلح "الاقتصاد الإسلامي" في حد ذاته يحتاج لكثير من التمحيص والتريث قبل الحكم بوجوده أم لا. والمقصود هنا بكل وضوح هو السؤال: هل هناك اقتصاد إسلامي فعلا؟ قد يبدو هذا التساؤل جد متطرف ولكن التمعن في المعطيات، دون حكم مسبق، يساعد على الفهم. والسؤال يقود إلى الجواب. ودون أن نناقش هنا بتفصيل هذه المسألة، ربما لا نملك الأدوات الكافية لذلك، سأطرح ملاحظة بسيطة: لقد عاش المسلمون، سواء كأقلية أو أكثرية، تحت ظل أنظمة اقتصادية جد مختلفة، فهل نستنتج من ذلك كل أن هؤلاء المسلمين كانوا ضالين؟ نستنتج من هذا السؤال أن العيش بالدين الإسلامي، كعقيدة، لا يستلزم ظروفا اقتصادية كي يصح.
2) لا نعني هنا بالاحتكار أن ذلك الشخص وحده هو من يملك حق استغلال ذلك المجال، وإنما الاحتكار من طرف كل أصحاب الرخص. فبمجرد إدخال نظام الرخص في قطاع ما يعني أن لا أحد مسموح له الدخول دون رخصة. هذه الرخصة التي لا تعطى إلا لمن "يستحقها" وليس لكل من يريد أن يكسب عيشه الحلال في هذا القطاع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة ..هل يستجيب نتنياهو لدعوة غانتس تحديد رؤية واضحة للحرب و


.. وزارة الدفاع الروسية: الجيش يواصل تقدمه ويسيطر على بلدة ستار




.. -الناس جعانة-.. وسط الدمار وتحت وابل القصف.. فلسطيني يصنع ال


.. لقاء أميركي إيراني غير مباشر لتجنب التصعيد.. فهل يمكن إقناع




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - نحو 40 شهيدا في قصف إسرائيلي على غ