الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


آفاق المرأة والحركة النسوية بعد ثورات الربيع العربي

عبد المجيد حمدان

2012 / 3 / 3
ملف - افاق المرأة و الحركة النسوية بعد الثورات العربية - بمناسبة 8 اذار/ مارت 2012 عيد المرأة العالمي


آفاق المرأة والحركة النسوية بعد ثورات الربيع العربي
إلى الأخت بيان صالح - منسقة ملف شؤون المرأة ، مع خالص تحياتي
لعبت المرأة في ثورات الربيع العربي دورين متناقضين . تمثل الأول في مشاركتها الكثيفة والفاعلة في أحداث الثورات . مشاركة إن لم تكن قد تفوقت على نظيرتها للرجال ، من حيث الكم والفاعلية ، فقد تساوت معها ، ولم تقل عنها في أية مرحلة . وهذه المشاركة المثيرة للإعجاب والاحترام ، ضمنت للثورات نجاحا ، كان متعذرا تحقيقه بدونها ، رغم عدم انعكاسه على تمثيلها ، في الانتخابات التالية . وجاء الدور الثاني ، وفي الطور الثاني للثورات ، انتخابات مجالس الثورة ، برلمان ونقابات ومجالس تمثيلية أخرى ، صادما ، كونه جاء نقيضا ، وليس متعارضا فقط ، مع دورها الأول ، أثناء فعاليات الثورات . هنا ، في هذا الدور ، رمت المرأة بحجارة كثيرة أمامها ، دون أن تعي ، ربما ، أنها تعمل بيدها على إعاقة حركتها للأمام ، نحو حريتها ومساواتها والحصول على حقوقها الأخرى المهضومة على مدار قرون طويلة . فهي ، نقيضا لدورها في فعاليات الثورة ، انتخبت تيارات الإسلام السياسي ، الذي يقع إبقاء وضع المرأة على حاله ، وحتى إعادته خطوات كثيرة إلى وراء ، في صلب عقيدته ، ومن ثم في مركز رؤاه وبرامجه السياسية والاجتماعية والثقافية .
في بلدان الربيع العربي ، التي جرت فيها الانتخابات حتى الآن ، تصورات تقوم على خيالات رومانسية ، تقول بأن الجماهير ستحجب الثقة عن التيارات الإسلامية ، في حال قصرت برامجها عن حل مشكلات الجماهير المعيشية الطاحنة . وفي رأيي أن مثل هذا القول ، يتعدى الخيال الرومانسي إلى الوهم ، أو الركض وراء السراب . فهذه التيارات ، بالمكاسب التي حققتها ، امتلكت وسائل للتأثير على الجماهير أكثر كثيرا ، من حيث الكم والنجاعة والفاعلية ، مما كان لديها قبل ذلك . فهي مثلا بدأت في إطلاق فضائيات جديدة وخاصة لها . ومن الوهم التصور أنها ستعف عن السيطرة على الإعلام الحكومي ، واستخدامه لخدمة توجهاتها . وبالتالي لن تعدم الوسائل لتبرير قصورها ، في حال حدوثه ، وهو سيحدث بكل تأكيد ،وإلقاء التبعة على غيرها . ولنتذكر مسألة في غاية الأهمية ، وهي أن كل فكر ودعاية هذه التيارات ، يقوم على مقولة أن الدنيا فانية ودار عبور ، وأن الآخرة دار بقاء وخلود ، وأن العمل في الأولى يجب أن لا يكون لغير الثانية . وقراءة التجارب السياسية ، بتأن وإمعان فكر ، تقول أن هذه التيارات الإسلامية ، ربما ستكسب أكثر من جولة قادمة ، مهما اتسم آداؤها من ضعف الفاعلية ، في التصدي لحل المعضلات الاقتصادية والمعيشية والإسكانية والبيئية والصحية والتعليمية ....الخ القائمة . بما يعني أن حكم هذه التيارات قد يمتد لأكثر من عقد قادم من الزمن ، ستوضع فيه أكوام كبيرة من الحجارة في طريق تحرر المرأة ومساواتها بالرجل .
مع ذلك ، وفي معالجة هكذا قضية شائكة ، لا بد من الانتباه لوقائع ثابتة ، تجعل من المتعذر على أية قوة مناهضة لقضية تحرر المرأة تجاوزها . أولى هذه الحقائق مكاسب المرأة في التعليم ، والتي تعاظمت كثيرا في نصف القرن الماضي . في فلسطين اليوم كمثال ، تفوق أعداد البنات في المدارس والجامعات أعداد الأولاد . وتفوقهن عليهم في النتائج المدرسية والجامعية لا يحتاج إلى تدليل . هن أوائل كل الفروع تقريبا في الجامعات . وفي الثانوية العامة ، ومنذ أكثر من عشر سنوات ، يحتكرن قرابة 80 % من المراكز الأولى . وهذا التفوق العلمي ، الذي لا يمكن كبحه ، يضع فكرة قصر وجود الأنثى على البيت ، وحجبها عن التعليم ، في خانة المستحيل . كما سيكون لهذا التفوق العلمي انعكاسات إيجابية ، بكل تأكيد ، على مسيرة تحررها اللاحقة . وثانية هذه الحقائق أن المرأة خرجت إلى العمل . وإعادة حبسها في البيت من عاشر المستحيلات . لم يعد المجتمع بقادر عن الاستغناء عن عمل المرأة ، التي احتلت مكانها في سائر فروع الإدارات والإنتاج . ولم يعد عملها مقصورا على مهنة أو اثنتين ، التمريض والتعليم ، كما كان الحال في النصف الأول من القرن الماضي . هي الآن تنافس الرجل في كل المجالات . هي أديبة ، إعلامية ، قاضية ، وزيرة ، طبيبة ، أستاذة جامعية ، قانونية ، مهندسة .....الخ ، وهذه المسيرة الرائعة للمرأة تصب في صالح قضية تحررها . والثالثة أن الحركة النسوية ، ومعها فكر وفعل القوى والأحزاب اليسارية والليبرالية ، كدس الكثير من المكاسب لقضية تحرر المرأة ، يحتاج القفز والانتكاس عليها ، إلى الكثير من الجهد ، إذ تتوفرلمقاومته أدوات وإمكانيات كبيرة .
لكن المرأة باختيارها الصادم في انتخابات ما بعد الثورة ، أضافت عقبات جديدة ، على طريق تحرره كما أشرنا . يتقدم هذه العقبات ، كما أرى ، حسن النية ، ولا أقول الظن ، بنوايا تيارات الإسلام السياسي ، مثل القول بطرحها إسلاما ليبراليا جديدا ، وحديثا يتناسب مع فكرة الدولة المدنية ، وهذا بدوره سيصب في مجرى قضية تحرر وتقدم المرأة . هناك حقائق يؤدي تجاهلها ، إلى خلق هذه العقبات الجديدة . في مقدمتها أن الفكر الإسلامي ، حسب نص عشرات الآيات ، يقوم على التمييز بين الجنسين ، بوضعه المرأة في مكانة أدنى من الرجل ، وبتأكيد عدم المساواة بينهما . كما أن هناك عشرات الأحاديث التي تعيد التأكيد على هذا التمييز لصالح الرجل . المسألة هنا مسألة عقيدة ، تستند إلى نصوص ، لا يستطيع المتأسلم ، مع كل ضغط الواقع ، وكل تأثير المحيط الإقليمي والعالمي عليه ، تجاهلها أو القفز عليها . وهو حين خرج في الَقَسَم ، في افتتاح مجلسي الشعب والشورى ، المصريين ، على النص ، وأضاف بما لا يخالف شرع الله ، أشار إلى التزامه بهذه النصوص ، وهي بالعشرات كما أشرت ، التي تؤكد على هذا التمييز .
المسألة الثانية أن كل فكر تحرير المرأة وحقوقها ومساواتها ، هو فكر غربي المصدر ، جرى الكثير من التحريض ضده في الفترات السابقة . وحين أخذنا بهذا الفكر ، كونه جزءا من التراث الإنساني ، لم نتنبه إلى حقائق رافقت نشوءه وتطوره . أهمها أن فكر المسيحية واليهودية كان يكرس ، هو الآخر ، دونية المرأة . والالتزام بالنصوص كان يحول دون مجرد طرح أفكار تحررها وحقوقها ومساواتها . والنقلة النوعية ، بشأن هذه الحقوق ، حدثت بعد الثورة الفرنسية ، أي منذ قرنين تقريبا ، وبعد تكريس مناهج العلمانية في الحكم ، وبعد الخروج على قدسية هذه النصوص ، عقب مناقشتها ومعارضتها ، ثم رفضها في النهاية . ولو لم يحدث ذلك لظل من غير الممكن ، مجرد طرح فكر تحرير المرأة .
عندنا ما زال الالتزام بهذا المقدس قائما . وفي مواجهة النصوص الكثيرة ، عشرات الآيات ، وعشرات الأحاديث كما أشرت ، تجري محاولات ضعيفة وبائسة ، للالتفاف ، من خلال تفسيرات ضعيفة ، وغير مقنعة ، لأحاديث فردية ، مثل النساء شقائق الرجال ، والتوصية بالمرأة ، وخذوا نصف دينكم عن هذه الحميراء ...الخ . ولأن التفسيرات خارجة عن السياق تبقى بلا أثر . فالنساء واقعا وفعلا هن أخوات شقيقات ، وغير شقيقات للرجال . وكان ، ويكون ، محتملا أن يثور الأخ ، الشقيق وغير الشقيق ، لكرامة أخته ، حين يهينها زوج جلف لم ينل حظا من التهذيب . وثورة الأخ هذا ، في ذلك الزمن ، زمن نشر الدعوة وبناء الدولة ، كان من الممكن أن تترتب عليه نتائج خطيرة . وعلى أي حال لا تحمل هذه الأحاديث أدنى إشارة إلى المساواة ، أو إلى كفالة الحقوق .
وإذن تشكل مناقشة المقدس ، والخروج عليه ، كما حدث في الغرب ، بداية الطريق لتحرير جمهور عريض عريض من النساء ، من القناعة بدونيتهن والرضا بها ، كما تؤكدها النصوص ، ونقلهن من موقف الدفاع الشرس عن هذه الدونية ، والنضال من أجل تكريسها ، إلى موقف رفضها ، والنضال من أجل المساواة .
المسألة الثالثة تتمثل في أن أكبر العقبات ، التي تواجه قضية تحرر المرأة ، تتمثل في رفض أغلبية كبيرة من النساء لها . وأكثر من ذلك ، قناعتهن بأن العقيدة الإسلامية ، بعشرات النصوص ، قرآن وحديث ، التي تؤكد هذه الدونية ، والتبعية للرجل ، هي صحيحة ، وتعطيها ما هو أفضل بكثير مما تدعو له حركات تحرر المرأة . في فلسطين مثلا ، يلفت الانتباه أن نسبة عالية بين المتعلمات ، لا يعتقدن فقط بصحة الفكرة الدينية ، بل ، وعلى عكس الرجال ، يغلقن عقولهن تماما ، أمام أية محاولة ، لمجرد النقاش في المسألة . كما يلفت الانتباه أن زوجات وبنات أعضاء حركات وفصائل اليسار ، يقفن في مواجهة أفكار رجالهن ، وضد أي محاولة منهم لإقناعهن بالمساواة ، ورفض وضع الدونية .
في ظني أن هنا تكمن المعضلة الرئيسية . بقاء النساء على هذا الحال يعني المحافظة على خزان تصويت للتيارات الإسلامية في الدورات القادمة . والانطلاق من التأكيد على قدسية النصوص ، يلغي كل جهد في اتجاه قضايا المرأة . والأنكى من كل ذلك إضفاء القدسية على ناقلي النصوص ، من الدعاة والوعاظ وغيرهم . إضفاء القدسية هذا يمنح هؤلاء الدعاة حرية في القول والفعل ، يجعل من مواجهة نتائجها جهدا ضائعا . والأدهى أن الداعيات والواعظات الجاهلات ، يتصدرن دائما جلسات النساء ، ويحشون أدمغتهن بكل ما هو خرافي وفاسد ، ودون أن تتجرأ واحدة على المعارضة ، رغم وضوح ما في كلام الواعظة من انعدام الدقة ، ومن التعارض مع أبسط أشكال المنطق .
إذن نحتاج جميعا ، رجالا ونساء ، حركات وقوى ومنظمات ، بدايات مماثلة لما جرى في الغرب . حوار مع المقدس . ورفع الغطاء عن هذا المقدس برفضه ، ووضع بديله . وحتى نصل إلى ذلك نحتاج للتعامل ، الآن وقبل الغد ، مع مسألة تصحيح مسار التعليم . التعليم في بلداننا العربية ، وليس المناهج فقط ، وإنما النظام القائم على التلقين ، القائم على تغييب العقل ، هو معضلة المعضلات . بقاؤه على ما هو عليه الآن ، مع أفضل المناهج ، سيبقي على المشكلة قائمة . هناك في كل قطر من أقطارنا ، ملايين من الناس عقولهم مغيبة . والتحرر ، أي تحرر ، يحتاج إلى عقول متفتحة . وتظل العقول المغلقة ، المغيبة ، تشكل أعدى أعداء قضايا التحرر ، وأكثر الحلفاء إخلاصا لتيارات الإسلام السياسي . ولنقولها صريحة مدوية : المؤمن بصحة المقدس ، رجلا كان أو امرأة ، لا يؤمن بقضية تحرر المرأة . والمستشارة التي تقبل تغطية رأسها ، لا تؤمن بمساواتها مع زوجها أو ابنها . والدكتورة ، عضوة مجلس الشعب ، التي قبلت بوضع وردة مكان صورتها في الإعلانات ، لا تؤمن بمساواتها مع الرجل ، ومن ثم ستناضل ضد من يعترض على دونيتها .
وأخيرا قد يقول القارئ : ولكنك نسيت التطورات العاصفة التي تحدث في سائر أقطار كوكبنا ، وأثرها على قضايا التحرر ، ومنها قضايا تحرر المرأة ، وأقول : لا لم أنسها ، ولكنني لا أحب التركيز عليها ، حتى لا أساعد من يميل إلى الاتكال عليها ، في قعوده عن مواجهة ما يجري على أرضنا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Ynewsarab19E


.. وسط توتر بين موسكو وواشنطن.. قوات روسية وأميركية في قاعدة وا




.. أنفاق الحوثي تتوسع .. وتهديدات الجماعة تصل إلى البحر المتوسط


.. نشرة إيجاز - جماعة أنصار الله تعلن بدء مرحلة رابعة من التصعي




.. وقفة طلابية بجامعة صفاقس في تونس تندد بجرائم الاحتلال على غز