الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مصر .. وإيران .. هل يتحالفان ؟

محمود قاسم أبوجعفر
كاتب وباحث وشاعر

(Mahmoud Qasim Abu Jaafar)

2012 / 3 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


" فصل المقال "
مصر .. وإيران .. هل يتحالفان ؟

- منذ أيام قلائل مضت ، نشرت بعض وسائل الإعلام المختلفة ، تصريحاً صحفياً ، منسوباً للسفير الإيراني ، السيد " مجتبى أماني " ، رئيس مكتب رعاية المصالح الإيرانية بالقاهرة ، والذي أكد – من خلالها – على استعداد بلاده ، لاستعادة العلاقات الدبلوماسية ، مع مصر فوراً ، مؤكداً – في الوقت نفسه – على رغبة الرئيس الإيراني " محمود أحمدي نجاد " ، والسيد علي أكبر صالحي ، لاستعادة ، واستئناف العلاقات الدبلوماسية ، في – التو – الذي تعلن فيه مصر موافقتها على عودة العلاقات الدبلوماسية – المبتورة – مع إيران ، ليس ذلك فحسب ، بل إن " أماني " قد أشار إلى استعداد بلاده لدعم مصر – اقتصادياً – على الفور ، ليس بسبب التهديدات ، والضغوط الأمريكية – الراهنة – حيال مصر ، فحسب ، وإنما لكون مصر " شقيقة " لإيران ، على حد مكنونه الصادق ، والذي يدمي القلب ، أن " أماني " قد – وصف – المجتمع الإيراني ، بأنه " متعطش " لزيارة مصر ، لدرجة أنهم سوف يتدفقون لزيارتها ، بمعدل خمسة آلاف سائح ، بصفة يومية ، حتى لو تم – وضعهم – تحت مراقبة الأجهزة الأمنية المصرية ، أثناء زيارتهم ، وتنقلهم بشتى ربوع مصر المحروسة ، حال موافقة القاهرة على منحهم تأشيرات دخول إليها ، إذا كان ذلك – سيطمئن – السلطات المصرية لفرية دعاوى نشر التشيع المذهبي بين الأوساط السنية المصرية ، والمحزن ، أن " أماني " قد أبدى لنا ، مدى معاناة الإيرانيين ، منذ أمد بعيد ، موضحاً تعنت السلطات المصرية – المقصود - ورفضهم منح تأشيرات دخول لرجال السياسة والاقتصاد الإيرانيين ، تحت دعاوى وهمية ، وحجج داحضة ، واختتم " أماني " تصريحاته ، برسالة سكينة ، طمأنينة لأفئدة الجانب المصري ، مؤكداً على أن أمريكا وإسرائيل ، لا – تستطيعان – توجيه ضربة عسكرية لإيران ، حسب ما يرددان ويروجان – فرية – وتضليلاً ، وأنهما – يريدان – من اتهاماتهم ، وتهديداتهم المزعومة – فقط – إثناء إيران ، وعرقلتها عن تقدمها الاقتصادي والثقافي والنووي ، ناهيك عن سعيهم لذعر وتخويف طهران ، بشأن القضايا المهمة ، وعلى رأسها ، قضية فلسطين .

- وفي الواقع ، فإن العلاقات الدبلوماسية ، بين مصر وإيران ، قد أصابها العطب والفتور والجفاء ، منذ أكثر من ثلاثة عقود زمنية ماضية تقريباً ، وقد اتسعت هوة الفجوة بينهما ، لحد القطيعة والمعاداة ، منذ تولي الرئيس المصري المخلوع " مبارك " مقاليد الحكم ، في أوائل ثمانينيات القرن الماضي ، والذي يندى له جبين الأمة جميعها ، أن السبب الحقيقي في قطع رحم تلك العلاقة الشقيقة الحميمة ، بين القاهرة وطهران ، يرجع مرده لأسباب ، ودوافع ، لا تمت لتباين المذاهب الدينية ، أو الشرائع السماوية ، أو – حتى – فرية دعاوى سعي طهران للهيمنة على الدول العربية والإسلامية بصلة ، مثلما كان يردد ، ويروج له النظام السياسي المصري البائد ، من خلال ترسانته الإعلامية الجبارة آنذاك ، وإنما لأسباب ، ودوافع – عقيمة – متقوقعة ، تجافي مثل تلك الادعاءات ، والافتراءات الكاذبة المضللة ، جملة وتفصيلاً ، وإن كنتم في ريب من قولي ، فما عليكم ، إلا أن تسألوا أنفسكم سؤالاً واحداً ، مفاده :- إذا كان النظام السياسي المنحل السابق ، قد رحب ، واحتضن ، وسمح لأرباب الديانة البهائية المخترعة ، لأن يرتعوا ، ويلعبوا ، ويمرحوا – في وضح النهار – بحديقة الميرلاند – العامة – الشهيرة ، الكائنة بحي مصر الجديدة بالقاهرة ، دعماً للحريات الشخصية والثقافية والدينية والفكرية ، حسب زعمه وافتراءه الكاذب ، فقد كان عليه – من باب أولى – أن يسمح بنشر المذهب الشيعي الإسلامي في وطننا ، من منطلق أن أرباب المذهبين ، السني والشيعي ، يدينون بدين سماوي واحد ، وهو الإسلام ، ناهيك عن أنهم – بحكم الواقع – يقفون جنباً إلى جنب ، أثناء تأديتهم فريضة الحج ، الركن الإسلامي الأساسي الخامس للإسلام ، بغض النظر عن تباين المذهبين ، وبغض النظر عن الجزم بقرب وصواب أحد المذهبين لرسالة الإسلام الصحيح ، لا سيما ، أن الأزهر الشريف ، الذي يعد – في تقديري – المؤسسة الإسلامية السنية الرسمية المعتدلة ، قد اعترف ، واعتمد ، وأقر المذهب الشيعي ، كمذهب إسلامي معتمد ، والذي يثير الريبة والشك والتساؤل ، هو أن النظام " العميل " السابق ، قد احتضن مواطني الدولة العبرية ، ولبى لهم كل نزواتهم ، بالمخالفة – أحياناً – للقوانين ، والأحكام القضائية الملزمة ، بل وتركهم يتنقلون ، ويفعلون ما يشاءون ، بحرية – مستفزة – دون أدنى حد من الرقابة الأمنية ، في حين أنه كان – دائماً – ما يأبى ، ويرفض أي محاولات للتحالف والتعاون البناء ، بيننا وبين الجانب الإيراني ، استجابة – فقط - لتعليمات وتوصيات وضغوط الإدارة الأمريكية .

- وعلى حد يقيني ، فإن المزاعم ، والادعاءات المتباينة ، التي كان يبثها ويطلقها رموز النظام السياسي السابق ، بشأن سعي إيران للهيمنة ، ونشر المذهب الشيعي ، وغير ذلك ، من افتراءات كاذبة مضللة ، بعيدة كل البعد عن الصواب والحقيقة ، ولو أن طهران تسعى – بالفعل – لنشر ، وفرض المذهب الشيعي " عنوة " بين الأوساط الإسلامية السنية ، لما وجدنا الكثير من الأقليات الدينية – الجمة – المتباينة ، يعيشون – جنباً إلى جنب – بجوار الأكثرية الشيعية بإيران ، ومن بينها " البهائيين ، والمندائيين ، والزرداشتيين ، واليارسانيين " ، هذا بالإضافة لأرباب المذهب الإسلامي السني ، الذين يمثلون 10% من سكان إيران ، ناهيك عن اليهود والمسيحيين ، ولو أن إيران تسعى – حقيقة – لبسط نفوذ العرق الفارسي فحسب ، لما وجدنا الكثير من الأقليات العرقية المختلفة ، كالأكراد ، والتركمان ، والبلوش ، والأرمن ، والعرب ، وغيرهم ، من قاطني شمال ، وجنوب غرب إيران ، يعيشون بحرية وسلام ، إلى جوار الأغلبية الشيعية على أرض إيران ، ولو أنها تسعى لفرض وترويج لغة قومية معينة ، كالفارسية على وجه الدقة ، لما شاع أكثر من " 110 " لغة متباينة ، متداولة ، ومن بينها اللغة الفارسية في إيران .

- والحقيقة أن السبب الحقيقي – لبتر – العلاقة الشقيقة بين القاهرة وطهران ، يرجع لأسباب ودوافع سياسية - فردية – هشة زهيدة فحسب ، ومن أبرز تلك الأسباب العقيمة ، هو أن الرئيس المصري الراحل ، أنور السادات ، قد طلب من الملك الإيراني السابق " شاه " إيران ، تزويده بمواد بترولية ، أثناء حرب أكتوبر 1973م ، فما كان جواب " شاه " إيران حينئذ ، إلا أنه قد أمر السفن الإيرانية بالعدول عن مسارها ، وهي في عرض البحر ، لتتجه صوب مصر ، بدلاً من إرسالها لبعض الدول الغربية ، ولأن " السادات " كان مصرياً أصيلاً ، فقد حفظ للملك الإيراني هذا الود والجميل الإنساني ، مما دفعه لاستقباله ، وموافقته على طلب لجوءه السياسي لمصر ، إبان الثورة الإسلامية الإيرانية ، بعد أن رفضت معظم دول العالم استقباله ، ودخوله ، كلاجئ سياسي ، وبطبيعة الحال ، فقد أدى ذلك لبغض ، وكراهية ، وجفاء النظام السياسي الإيراني – آنذاك – حيال شخص السادات ، ونظامه السياسي فحسب، لا سيما ، بعد رفضه تسليمهم " الشاه " ، ومن ثم ، عدم تمكنهم من محاكمته ثورياً ، ونتيجة لذلك ، فقد احتفل النظام السياسي الرسمي الإيراني باغتيال السادات ، وأشادوا بدور قاتله " الإسلامبولي " ، مما زاد من حدة التوتر والاحتقان بين القاهرة وطهران ، ومن هنا – نستخلص – أن الخلاف ، والصراع العدائي ، بيننا وبين طهران ، مبني – فقط - على قرارات أنظمة سياسية فردية ، على غرار خلافنا الراهن بين الكويت الشقيق ، لتستغل الولايات المتحدة الأمريكية تلك الذرائع السياسية، فتفرغها من مضمونها الحقيقي ، من أجل تفتيت ، وإنهاك أمتنا الإسلامية الأبية .

- وبلا ريب ، فإن طهران لن تعزف ، ولن تتخلى – يوماً – عن ثوابتها الأساسية ، أو قوميتها الوطنية ، أو لغتها الرسمية ، أو حضارتها الفارسية ، وفي المقابل ، فإن القاهرة – أيضاً – لم ، ولن تفرط – قط – في ثوابتها ، أو قوميتها ، أو لغتها ، أو حضارتها العريقة ، لكن هذا لا يعني – بأي حال من الأحوال – استحالة التحالف والتعاون البناء بيننا وبين طهران ، لا سيما أن بيننا وبينهم رابطاً – متينا ً – أقوى من العرق ، أو الجنس ، أو اللغة ، أو الحضارة ، وهو رابط العقيدة والدين المشترك ، وفي نفس الوقت ، فإن علينا ، كمجتمع متحضر ، أن نرسي ، وندعم قيم الحريات الشخصية ، والدينية ، والفكرية ، والثقافية ، لندع المجتمع المسلم – يفاضل – بحرية آدمية ، بين المذهبين الإسلاميين المتباينين ، ليختار ، وينتهج – في النهاية – المذهب الإسلامي الأقرب لمنطقه ورشده وصوابه، دون إملاءات أو ضغوط من أشخاص ، أو منظمات ، أو – حتى – أنظمة سياسية مستبدة ، ولنستظل – جميعاً – تحت مظلة الدين الإسلامي الحنيف ، لذا ، فإنني أدعوا أولي الألباب ، من أبناء وطننا ، بأن يعملوا على – طي – صفحة الماضي القاتمة ، وأن يفتحوا صفحة بيضاء ناصعة ، وأن – يغتنموا – المبادرة الإيرانية الإيجابية الطيبة ، حتى نحقق التعاون ، والتحالف المنشود بيننا وبين الجانب الإيراني ، فنستطيع – حينئذ – الوقوف صامدين ، كالجبل الوتد ، على قلب رجل واحد ، في وجه الأنظمة السياسية الاستعمارية الطامعة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيديو يتسبب بإقالة سفير بريطانيا لدى #المكسيك #سوشال_سكاي


.. فيديو متداول لطرد السفير الإسرائيلي من قبل الطلاب في جامعة #




.. نشرة إيجاز - مقترح إسرائيلي أعلنه بايدن لوقف الحرب في غزة


.. سلاح -إنفيديا- للسيطرة على سوق الذكاء الاصطناعي




.. -العربية- توثق استخدام منزل بـ-أم درمان- لتنفيذ إعدامات خلال