الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


على هامش الثورة المصرية(45): مصر ما بين العبث والسخرية

عبير ياسين

2012 / 3 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


لا يمكن لأى متابع أن ينكر ما تميزت به الثورة المصرية من تعبير عن قدرة الشعب المصرى على التنكيت والتبكيت، فكلما زاد الهم والصدمة زادت الكوميديا والسخرية، وكلما زادت السخرية فى المشهد وجدت الكثير من المراجع التى يمكن العودة إليها والاستشهاد بها، وهى مراجع لا تتواجد فى الكتب والموسوعات فقط ولكن فى الفن خاصة عندما يتلامس مع مشاهد تبدو معبرة بقوة كأنها صممت خصيصا من أجل تلك اللحظة. ولهذا وعلى هامش قضية المنظمات الأجنبية العاملة فى مجال الديمقراطية وحقوق الانسان أو قضية منظمات المجتمع المدنى الشهيرة والتى تحولت من قضية وطنية لمسلسل ساخر استحضرت مشهد مميز من مسرحية الهمجى للفنان محمد صبحى عندما يظهر أمامه ممثل معبرا عن حالة شديدة من الضعف والهزال ولكنه يصر وبقوة على رفض تهديد محمد صبحى له بكلماته الشهيرة "ما تقدرش"، وهو الأمر الذى أزعج صبحى كثيرا وزاد من حدة غضبه لأقتناعه بقدرته التى تفوق قدرة خصمه بمراحل، وأيمانه بأن أى معركة ستحسم لصالحه حتى يكتشف أن قوة الخصم التى عبر عنها بثقة مستمدة من طرف ثالث هو رئيسه ممدوح موافى الذى يفوق صبحى قوة وقدرة ويؤدى ظهوره على ساحة المشهد لتغيير موازين القوى فيتراجع صبحى عن تهديداته فجأة وكأنها لم تحدث.

تلك الصورة تبدو على خلفية الطائرة العسكرية التى دخلت بدون تصريح بوصف أنها فى بيتها تقريبا، والمتهمين الأمريكيين الذين غادرو وسط إجراءات سريعة وتوديع خاص لا يتمتع به إلا كبار الزوار على ما يبدو فحتى المواطن المصرى لا يحلم بمعاملة بتلك السرعة والطريقة فى مطار بلده. فى حين غادر على وقع كلمات الأغنية الجديدة للنظام "لا ركوع.. لا تراجع.. مصر فوق الجميع" ولكن كلمات الأغنية تبقى مجرد كلمات من نوع الكوميديا الساخرة على طريقة لا تراجع ولا ركوع من أجل مكانة مصر، لا تراجع ولا ركوع من أجل كرامة المواطن، لا تراجع ولا رجوع عن أسقاط الثورة وإذلال الوطن وترسيخ مشاعر الاحباط والغضب.. وبهذا تبدو الصورة وكأن النظام لا يعرف الركوع ولكنه يعرف السجود من أجل الدعاء أن ينسى الشعب ما كان وما قيل، وأن تموت الثورة وتعود الأشياء للهدوء القديم!! فى حين يبدو أن الشعب بالمقابل مستمر فى السجود والركوع والدعاء أن يفرج الله الغم وأن ينصر الثورة وأن يخلص مصر من النظام الفاسد الذى يسيطر على المشهد باعتبار أن مصر لا يفترض بها أن تركع من أجل مصالح قلة تحكمها وتتحكم فيها، ولا أن تركع بالمطلق.

ولكن لأن الصدمة كبيرة بحكم المعركة الكبرى التى أدراها النظام خلال الفترة الماضية تحت مسمى مسلسل المعونات الأجنبية ومنظمات المجتمع المدنى واستهداف مصر والتجسس ضد مصالحها وخطط وخرائط تقسيم الوطن.. جاءت ردود الفعل فى معظمها ساخرة فالكثير من الألم مضحك أحيانا، والكثير من الضحك مبكى وهو حال جزء كبير من متابعى المسلسل الهابط أنا والمنظمات والمعونات. ولكى يستمر ملف العبث أو مسلسل العبث الدائر وبعد أن تعرض الجيش لأهانة واضحة وتأثرت علاقته بالمواطن وصورته التى كانت لدى الشعب المصرى لدرجة كبيرة كأحد الانجازات الكبرى للفترة الانتقالية التى يديرها المجلس العسكرى، دخلنا فى مسلسل العبث بصورة القضاء بشكل علني.

وبالعودة للمسلسل فنحن أمام حالة يمكن أن يتواجد لها سيناريوهات محددة: أما أن القضية غير حقيقة بالمطلق ومجرد فبركة أو فوتوشوب حى، أو حقيقية بالمطلق وبكل ما قيل حولها من تهديدات للأمن المصرى، أو شبه حقيقية بمعنى أن بعض جوانبها حقيقية ولكن تم تضخيمها من أجل تحقيق بعض المكاسب. فى الحالة الأولى والأخيرة تبدو الاعتبارات السياسية سيدة الموقف وتبدو القضية مسلسل مكتمل الأركان قائم على أساس مخترع من أجل توجيه الانظار بعيدا عن قضايا أخرى داخليا وأكساب المجلس العسكرى والحكومة بعض المصداقية وتحسين صورتهم مع تقديم بعض عناصر "الطرف الثالث" الذى استمر هلاميا وغير قابل للمس لفترة طويلة، وأن صحت تلك الرؤية فأن مشكلة النظام فى مصر -مجلس عسكرى وحكومة- تتمثل فى بدء عرض المسلسل بشكل ساخن دون كتابة النهاية أو تفاصيلها بشكل يمكن تصديقه فجاءت ركيكة وسلبية. فى حين أن السيناريو الثانى والخاص باحتمال أن تكون القضية حقيقية يعنى أن كلمات لا ركوع سبب كاف لإدانة من صرح بها ومحاسبته ومحاسبة كل من شارك فى السماح بالتفريط فى حق مصر وترك من أراد بها وبأهلها شرا، فالتفريط والثمن المدفوع -مهما كان- لا يتناسب مع حجم الجرم أن صحت القضية، وبالطبع لا يتناسب مع حجم الأهانة سواء صحت القضية أو لم تصح فهناك تلاعب واضح بالوطن ووقته وقضاياه وعلاقات مصر وصورتها وهموم مواطنيها وأشيا كثيرة على هامش هذا المسلسل بالإضافة لما يدور حول القضاء من تساؤلات تحتاج لتعامل يتناسب مع قيمة مؤسسة القضاء ودور التقاضى العادل والحر فى المجتمع بصفة عامة وفى مصر بعد الثورة ومصر التى نرجوها بصفة خاصة.

فى نفس الوقت تبدو الصورة أيضا معبرة عن الواقع الموروث لعقود فمن جانب لدينا نظام فى مصر لا يحترم المواطن ولا يحترم قيمة ومكانة الوطن، نظام يسمح لنفسه بدخول معركة مهينة بعد أن أدار حولها مسلسل طويل بمشاركة أطراف متنوعة وبعد أن افردت له الحلقات بمساحات وأوقات مختلفة. نظام يفتقد ببساطة للمؤسسات ولفكرة دولة المؤسسات، ويتم فيه اتخاذ القرارات عبر الهاتف وعبر التوجيهات والضغوط وبناء على العلاقات والحسابات التى تأمر ببدء عرض المسلسل أو وقف عرضه وتغيير أبطاله والكومبارس المشارك فيه أثناء العرض وكأن المشاهد أو المواطن فى تلك الحالة ليس معنى بتلك القضية والوطن مجرد هامش. نظام تتنحى فيه هيئة محكمة لأسباب لازالت محل جدل بين وجود اعتبارات شخصية ووجود ضغوط عليا وأن كان التفسير الثانى هو المرجح فى ظل تنحى كامل هيئة المحكمة، ويتم تشكيل هيئة جديدة لزوم اتخاذ قرار السماح بالسفر وأكمال حلقات المسلسل بشكل مفاجئ لضمان نسبة أعلى من المتابعة على ما يبدو. وعلى الجانب الآخر، نظام أمريكى مؤسسى يهتم بمواطنيه ويدافع عنهم ويؤكد بعد خروجهم ورغم كل ما تم من جدل ونقاش وتحركات رسمية وغير سمية من أجل الأفراج عنهم، يؤكد على أن المنظمات التابع لها المتمهمين هى التى تولت دفع الكفالة لأنها مسئوليتهم وليست مسئولية الحكومة الأمريكية، فالحكومة تعبر عن الدولة وتدافع عن مواطنيها وحقوقهم -حقا أو باطلا قضية أخرى- ولكن تلك المعركة لا تبرر الخلط بين المؤسسات وبين الأدوار المفترضة ولا أن يتحمل دافع الضرائب الأمريكى ما لا يفترض به أن يتحمله، يضاف لهذا مشاهد رجال السفارة الأمريكية والتصريحات والمتابعة حتى الخروج والتصريحات المستمرة حول تطور الموقف بما يبرز أشياء كثيرة نفتقدها وكنا نظن أن الثورة ستكون كفيلة بتحقيقها ولكن لأن الثورة لازالت فى بداية الطريق فأن مسلسل الخطابة الوطنية لازال سيد الموقف فى مصر والوطنية التطبيقية سيدة الموقف فى غيرها.

وما لا يدركه النظام الممتد فى صورته ما بعد مبارك أن الشعب على طريقة محمد صبحى قرر أن النظام "ما يقدرش"، وأن الشعب فقط قادر على حماية مصر وحماية أمنها وكرامتها... وأن تلك الكرامة لا تدار بالخطابات حيث مقولات "لا نركع" يتبعها "سوف نركع تلك المرة" كما جاءت التعليقات ساخرة على طريقة الفنان الرائع عبد الفتاح القصرى الذى يتشابه فى مشهد خضوعه أمام زوجته مع مشهد خضوع محمد صبحى أمام ممدوح موافى، ولكن رغم التشابه الشكلى فى فكرة الركوع يوجد اختلاف كبير لم يدركه النظام المصرى فى تعامله مع قضية المنظمات والمعونات حيث خلط النظام بين موقف القصرى حيث الخضوع للزوجة التى يعرفها الزوج جيدا ويعرف حدود قدرته فى مواجتهها بناء على خبرة طويلة، وبين موقف محمد صبحى النابع من لحظة لقاء عابر فى الشارع ورؤية قاصرة تعتمد على اللحظة ولا تعرف خلفياتها، فى الحالة الأولى نحن أمام ركوع محسوب ومعروف سلفا، وفى الحالة الثانية نحن أمام ركوع مفاجئ بحكم اللحظة. والنظام بدوره تعامل مع الموضوع على أساس أن الركوع عابر على طريقة محمد صبحى فى حين أنه كان أمام ركوع ممتد على طريقة عبد الفتاح القصرى لأنه يعبر عن نظام ممتد من عقود طويلة، وعلى طريقة التطور الطبيعى للركوع المستمر منذ عقود. وبشكل عام، لازال النظام يثبت أن كتاب مبارك فى الحكم هو مرجعيته الأساسية، وأنه لم يقرأ بعد فصل الثورة الذى تم أضافته على المشهد ولهذا تأتى تصرفاته تائهة وغير منطقية لانها تنطلق من كتاب قديم وتحاول أن تحيا فى ظل واقع جديد والنتيجة تخبط وسخرية وغضب يصنع ثورة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الزميلة عبير
جاسم الزيرجاوي-مهندس أستشاري ( 2012 / 3 / 4 - 10:07 )
الزميلة عبير
تحية لك وللقراء
أن ثورة شباب مصر قد تم سرقتها من البونابرتية العسكرية بمباركة اللاهوت
يصفق ويرقص اللاهوت لبونابرت مصر الجديد

اخر الافلام

.. كيف تساهم ألمانيا في دعم اتفاقية أبراهام؟| الأخبار


.. مروان حامد يكشف لـCNN بالعربية سر نجاح شراكته مع كريم عبد ال




.. حكم غزة بعد نهاية الحرب.. خطة إسرائيلية لمشاركة دول عربية في


.. واشنطن تنقل طائرات ومُسيَّرات إلى قاعدة -العديد- في قطر، فما




.. شجار على الهواء.. والسبب قطع تركيا العلاقات التجارية مع إسرا