الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في مصر مجددا بعد خمس واربعين عاما

عبد الجبار منديل

2012 / 3 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


في مصر مجددا بعد خمس واربعين عاما
الاستاذ الدكتور عبد الجبار منديل

في عام 1965 وصلت مصر لاول مرة قادما من موسكو شابا صغيرا وخريجا جديدا من جامعاتها .
كانت مصر انذاك تعيش عهد عبد الناصر حيث الشعارات الرنانة والاناشيد الحماسية التي تبشر المصريين والعرب جميعا بعهد جديد من التقدم والازدهار . وكانت القاهرة انذاك هي كعبة الكثير من الشعوب العربية والافريقية والاسيوية وكان عبد الناصر هو سادن هذه الكعبة . وكانت الدعاية تبشر الناس صباح مساء بكل مفردات النصر والانتصار وبان الخير العميم قادم وان السعادة على الابواب وكان الناس يرقصون فرحين بانتظار ذلك .
كانت الدعاية الرسمية للدولة المصرية حينذاك تركز على الطابع التفاؤلي لكل اوجه الحياة وتمنع اي نبرة تشاؤمية لذلك تم سجن الصحفي مصطفى امين رئيس تحرير اخبار اليوم لمدة غير محدودة لانه روي نكتة تسخر من بعض اوجه الحياة المصرية كما تم نفي اخيه علي امين .
وكانت النكتة وهي في فترة بناء السد العالي تقول بان المهندسين الروس كانو يرسون دعائم السد وبان المهندسين السويديين كانوا يضعون المكائن والمهندسين الفرنسيين كانو ينصبون التوربينات اما الجماهير المصرية فكانت تقف خارج السد وترقص وتغني (احنا اللي بنينا واحنا حا نبني السد العالي )
الان ماذا رايت بعد خمس واربعين سنة ؟ في عام 1965 كانت الشوارع هادئة والارصفة فارغة وكنا نركب وسائط النقل العام بحرية اما الان فانك عندما تسير بالشارع فأنت تخوض في بحر متلاطم الامواج او كأنك تخوض في معمان مظاهرة صاخبة ليس لها اول وليس لها اخر كما انه ليس لها اتجاه فهي تسير في كل الاتجاهات وهذا ما كان الخبراء يحذرون منه الدول النامية قبل عدة عقود حول اخطار الانفجار السكاني. اصوات ضجيج السيارات و منبهاتها ترتفع بشكل موسيقى نشاز تصم الاذان . دخان عوادم السيارات يختلط مع الغبار والرمل ليكون غمامة متحركة تلاحقك اينما سرت .
من الواضح انه تم خلال العقود المنصرمة الكثير من الاعمار والبناء ولكن ذلك لم يكن ليكفي المدينة التي لم تستطع استيعاب الهجرة السكانية المتزايدة التي ملاتها بعشرين مليون نسمة التى يتزاحم فيها الاسكان العشوائي مع العمارات الحديثة لذلك ترى مياه المجاري وسط احياء فقيرة فقرا مدقعا مجاورة لاحياء حديثة جدا ومزاحمة لها .
تناقضات هائلة على كل خطوة . اسواق عالمية حديثة تزخر بالماركات العالمية المشهورة وبجوارها اكوام من الازبال والقمامة المتناثرة . احدث موديلات السيارت بجانب هياكل متداعية لعربات تجرها الحمير . الصحف المصرية هي الاخرى ملأى بالتناقضات . ففي الوقت الذي تجد المقالات الطويلة باقلام رجال الدين التي تحذر من الغرب الكافر تجد مقالات الليبراليين التي تحذر من الموجة الدينية المتصاعدة . وفي الشارع تجد النساء المنقبات او المقنعات اللواتي يرتدين العباءة الخليجية او السعودية بجانب الفتيات اللواتي يلبسن بنطلونات جينز والكابوي .
في سنوات الستينات كان الجنيه المصري يعادل دولار ونصف ولكن الان الدولار يعادل ستة جنيهات . كان الدينار العراقي يعادل ثلاث دولارات مما يساوي جنيهين . الان الدينار العراقي لا سعر له . في تلك السنين كانت هناك محلات مصرية عريقة مثل عمر افندي وشيكوريل بجانب المحلات البلدية. الان توجد اسواق تجارية عملاقة ومولات اجنبية بجانب الاسواق الاستثمارية المصرية والخليجية بجانب المحلات الشعبية .
وتحولت شوارع القاهرة الى سوق كبيرة بين كل مطعم ومطعم مطعم اخر وبين كل مقهى ومقهى مقهى اخر حيث تسمع فيه اصوات الاراكيل وطرقات قطع الدومينو او الطاولي .
كل فئات الشعب ترفع اصواتها في كل مكان . في الساحات وفي الشوارع وفي المترو الشباب يرفعون اصواتهم ضد العسكر داعين اياهم بالمغادرة الى ثكناتهم ورجال الدين ترتفع اصواتهم ضد الشباب داعين اياهم الى ترك الساحات وترك الناس تمارس اعمالها والعسكر يدعون الجميع الى الهدوء وانتظار الانتخابات . ولكن لا احد يسمع . الجميع لا يسمع الجميع .
في الستينات كان الجميع يصفق ويغني لعبد الناصر والجيش ولكن الان الجميع في حالة غضب . كل واحد غاضب على كل واحد وكل فئة غاضبة على كل فئة . لا احد راض لا عن حاله ولا عن حال الاخرين ولا عن حال البلد . يتوقعون ان الصراخ والشتائم سوف تحل مشاكل البلد لذلك فان الجميع يصرخون معا ويشتمون معا وما على السائح الا ان يستمع .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -