الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مرة أخرى عن الشعبوية البنكيرانية

زكرياء الفاضل

2012 / 3 / 4
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


تثير هذه الأيام وسائل الإعلام المغربية ضجة مفتعلة حول لائحة أسماء بعض المستفيدين من هبة ملكية عبارة عن رخص لامتلاك بعض وسائل النقل العمومي، وتتعمد هذه المنابر الإلحاح في مضغها وتلويكها بلا ملل لتجعل منها حدث الساعة في عمل ونشاط الحكومة الملتحية، بل تسعى لتقديمها على أساس معجزة القرن الواحد والعشرين التي لا سابقة لها. فما هي استراتيجية هذا الحدث المصطنع؟
في مقال سابق عبرت عن رأيي حول السياسة الشعبوية لحكومة بنكيران وبيّنت كيف يختلق السيد الوزير أحداثا مثيرة لإبعاد انتباه المواطن المغربي عن إخفاقاته السياسية والاقتصادية. و"حدث الساعة" هذا لا يخرج عن إطار هذا النهج الشعبوي للسيد بنكيران وحكومته، إذ الكل يعلم أن نتائج الحكومة "المتقية" خلال المائة يوم الماضية أسفرت عن نتائج عكسية لما توقّعه المغاربة من الحكومة الجديدة: اعتقالات وقمع وخروقات لحقوق الإنسان والمواطن وتفاقم أزمة العاطلين وتقييد حريات الرأي والتعبير وتهديد للصحافة ونعتها بالعدو وتملق لخصوم أمس واعتبار احترامهم من احترام الملك وتراجع عن وعود سابقة (تصريحات الحكومة بكون الدولة لا يمكنها تشغيل كل العاطلين أصحاب الشواهد..) وتراجع عن تبني النهج الديمقراطي لحكومة العدالة والتنمية وضمان حرية الاحتجاج (قمع المحتجين بطنجة والناظور على سبيل المثال)، وقد نفهم هذا التراجع للحكومة المتدينة إذ الإسلام يحرم التبني، لكنه كان بإمكانها كفالة النهج الديمقراطي في سياستها ونظام الكفالة حلال ولا تعارضه الشريعة.
كل هذه الإخفاقات دفعت بحكومة العدالة والتنمية لابتكار خطة شعبوية جديدة للتحايل على المواطن المغربي، ولم تجد غير لائحة المستفيدين من الهبة الملكية لتتظاهر بمحاربة الفساد واقتصاد الريع. ولا أدري أ هو غباء فطري أم استغباء اصطناعي، لكن الحكومة لم تفكر بأن هؤلاء لم يرغموا الملك على منحهم هبة ما وأنّ المذنب الأول والأخير في هذه القضية هو المانح، وليس الممنوح، لعلمه بثراء هؤلاء ومع ذلك منحهم هبته. فلماذا لم تحاسب الحكومة المانح واقتصرت على الممنوح. فالمسألة بسيطة للغاية وتظهر من خلال جملة فعلية أيضا غاية في البساطة: منح المانح الممنوح منحة؛ فمنح فعل ماض متعدي والمانح فاعل والممنوح مفعول به أول والمنحة مفعول به ثاني. فكيف تحاسب الحكومة الورعة والمتقية المفعول به وهو الذي فعل به أي وقع عليه فعل الفاعل وهذا يعني أنه الضحية وتترك الفاعل؟ أم أن هذه الحكومة كفعل منح متعدية؟ أليست هذه شعبوية من الطراز الأول؟
بالرغم من أني لست من المتعاطفين مع الفقيه الزمزمي، بل على العكس من ذلك، إلا أني أشهد له بقول حقيقة ما بعدها حقيقة وهي أن على حكومة العدالة والتنمية أن تباشر مهامها التي من أجلها انتخبتها تلك الأغلبية من 45% المشاركة في الانتخابات الماضية. فالذين منحوها أصواتهم لا ينتظرون منها كشف لوائح الأغنياء المستفيدين من عطاءات الملك، بل تشغيل العاطلين وتحسين الدخل الفردي والرفع من مستوى العيش للمواطن ومحاربة الفساد لضمان حقوق المواطنين والتصدي لتهريب أموال الشعب إلى أوروبا وغيرها وتوفير الأمن والأمان للمغاربة والوفاء بالوعود التي وزعتها يمينا وشمالا في الحملة الانتخابية وتوفير حرية التعبير وانتهاج الديمقراطية في العمل السياسي وفصل السلطة عن الثروة.. حتى تحقق العيش الكريم لشعبنا. أما الكشف عن لوائح من يستفيد من عطاءات الملك فتحايل مكشوف والتفاف على تطلعات الشعب معروف لأن الشعب يعرفهم ويحقهم من دون أية لائحة.
لو أن الحكومة الجديدة وجهت خطابا عتابيا لعاهل المغرب مع كشف هذه اللائحة لسلّمنا بحسن نواياها، بل ولساندناها في مجهودها. أما وأنها اكتفت بنشر اللائحة وتجاهلت الفاعل الرئيسي في العملية فهذا ما يضع نواياها في الميزان وأهدافها من العملية تحت مجهرالتحليل السياسي، الذي يرجح محاولة حكومة بنكيران ضرب عصفورين بحجر: ا – تغطية إخفاقاتها السياسية والاقتصادية بحدث مفتعل؛ ب – خطف انتباه المغاربة من الكتاب الذي سيصدر قريبا، والمغاربة بانتظاره على أحر من الجمر، عن الملك وشركته القابضة، مما يعني أنه قد يكون للقصر يد في عملية كشف لائحة المستفيدين من هبته خصوصا إذا أخذنا بعين الاعتبار الفترة الزمنية التي تم فيها الكشف عن هذه اللائحة والمتزامنة مع الدعاية الإعلامية للكتاب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مؤتمر باريس حول السودان: ماكرون يعلن تعهد المانحين بتوفير مس


.. آلاف المستوطنين يعتدون على قرى فلسطينية في محافظتي رام الله




.. مطالبات بوقف إطلاق النار بغزة في منتدى الشباب الأوروبي


.. رئيس أركان الجيش الإسرائيلي: هجوم إيران خلق فرص تعاون جديدة




.. وزارة الصحة في غزة: ارتفاع عدد الضحايا في قطاع غزة إلى 33757