الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نظرة ود عابرة

جوزفين كوركيس البوتاني

2012 / 3 / 4
الادب والفن


ضمني للحظة ذلك الغريب العابر. منحني نظرة ود عابرة افتقدتها منذ زمن بعيد، أو بالأحرى، لم اعد اهتم بالذي يدور حولي.. ضمتني عيناه بقوة غريبة، وشعرت بدفء يجري بأوصالي...عيناه خضراء بلون الربيع، واسعة كالبرية، نظرته دافئة؛ تذكرني بالأماكن الاستوائية- إنها لنظرة فضولية، تلتقط أنوثتي وقلبي الصدأ. تلك النظرة...حمحم وهز رأسه، وهو يرسل سلامه لي. كعادتي، لا أجيد الرد، وعندما أجده، فهو ليس سوى الصد واللامبالاة. آه كيف لا أبالي وعيناه تسكبان كل ذلك الود في أعماقي. وغاب عني لحظة وددت أن استجيب لدعوته تلك وأبادله السلام. أردت أن اعرف من هذا الغريب الذي يضم العالم بأسره في عينيه، وجاءني الجواب عفويًا من امرأة دخلت توًا خلفه، وهي تحمل رأسًا أشقراً. فوق جسدها الضئيل، و وجهًا يملؤه الحبور، وهي تسأل برقة موظف الاستعلامات عنه قائلة: "هل وصل الأستاذ؟"
وأجابها الموظف بفائق الاحترام من خلف مكتبه الكبير: "نعم سيدتي، وصل قبلك بلحظات."
ثم هزت رأسها بإيجاب وغابت، وهي تسير بثقة نفتقر نحن إليها. بل من النادر ان نجد امرأة تملك هذه الثقة.
تسألت مع نفسي: "ترى من أين كل هذه الثقة؟" تملكتني الغيرة وضحكت على بلاهتي. كيف لي ان أغار على رجل لا اعرفه؟ هل هذا معقول؟ أي هراء هذا؟
**
وعلمت فيما بعد إنهما زوجان فرنسيان قدما من فرنسا ليعملا في هذا البلد المنكوب والمغلوب على أمره. إنهما يديران هذه المنظمة "الإنسانية" لخدمة هذا الشعب التعب، وقد أكون أنا واحدة منهم..وشعرت بقرارة نفسي بأنني مدينة لهما، فتكفي نظرته إلي...وددت إرسال شكري له ولعيناه الخضراوتان؛ إنهما بلون بستان جدي..آه، أحاول أن أتذكر لماذا أنا هنا...وتراني تذكرت بعد ان قدم صديقي الذي كنت انتظره في الاستعلامات. كان يعمل هناك أيضًا، وقدم نحوي وهو يحييني وكم أسعدني لقاءه. جلس بجانبي، بدأنا نتحاور بشتى المواضيع، وانتهى لقاءنا بوداع. شد على يدي قائلاً: "غدا سأشد الرحال إلى ألمانيا بغية علاج زوجتي. كما تعلمين، زوجتي مصابة بمرض عضال... وأخي المقيم هناك قام بتجهيز كل شيء. عليَّ بمرافقتها لعله يجدون دواءًا لها... سأترك ابنتي الصغيرة عند أمي..."
تمنيت له الموفقية والشفاء العاجل لزوجته الحبيبية. تصافحنا كل منا يخفي عن الآخر ما في داخله من الود والاحترام، ثم غادرت المبنى وعدت أدراجي، وكلمات صديقي معلقة في مخيلتي ونظرة ذلك العابر الغريب الذي ضمني للحظة تدعوني إلى المجهول، مثل رحلة صديقي التي لا يعرف إلى أين ستقوده... لا يعرف إن كانت ستشفي زوجته أم لا... وصدق من قال: "إن النظرة الأولى إن لم نجتازها قد تقتحمنا و تقضي علينا."
وأنا اقتحمتني نظرة ذلك الغريب وزلزلتني وذكرتني بأنني لازلت امرأة بالرغم من كل الظروف التي مررت بها... ولكم أسعدني ذلك الغريب، ويا لغرابة الحدث! ولكن هذا ما حدث معي...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنان بولندي يتضامن مع فلسطين من أمام أحد معسكرات الاعتقال ال


.. عندما يلتقي الإبداع بالذكاء الاصطناعي: لوحات فنية تبهر الأنظ




.. إسرائـ.يل سجنتني سنتين??.. قصة صعبة للفنان الفلسطيني كامل ال


.. عمري ما هسيبها??.. تصريح جرئ من الفنان الفلسطيني كامل الباشا




.. مهرجان وهران للفيلم العربي يكرم المخرج الحاصل على الأوسكار ك