الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفدرالية اول خطوة لعرقنة ليبيا

محمد عبعوب

2012 / 3 / 4
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


منذ سنة تقريبا، وبعد اندلاع ثورة 17 فبراير باسابيع، كتبت محذرا من عرقنة ليبيا*، بتحويل مسار ثورتها من ثورة للتغيير نحو الافضل ، الى فوضى تفضي الى تحويل البلاد الى كنتونات ومراكز قوى متصارعة، مماثلة للحالة العراقية الراهنة..

وقد حذرت وقتها من ان قوى عظمى واقليمية تسعى لامتطاء ثورة الشعب الليبي والانحراف بها عن اهدافها النبيلة المتمثلة في إقامة دولة القانون والحريات، وتحويلها الى أدة لتنفيذ أجندة هذه الدول التي تتلخص في الابقاء على البلاد في حالة صراع مزمن ومن كل الانواع، وفرض سيطرتها على المناطق النفطية والموانئ البحرية والجوية الضرورية لتحرك قواتها وتأمين امدادات النفط، اي استنساخ كامل للحالة العراقية الراهنة ..

القوى العظمى والقوى الاقليمية التي ترعى هذا المشروع الخطير قامت وعلى مدى الاشهر التي اعقبت التحرير الكامل للبلاد من سيطرة النظام السابق، قامت بزرع البذور الأولى لمشروعها السرطاني في البلاد، بتبنيها لقوى قبلية معينة وشراء ذمم البعض وتأجيج صراعات قبلية وعرقية وجهوية قديمة كان الليبيون قد تجاوزوها خلال ثورتهم ضد النظام، كما قامت هذه القوى ببث طوابير من كوادر مخابراتها تحت غطاء منظمات مدنية وانسانية متنوعة في مفاصل البلاد الاقتصادية والسياسية والعسكرية لجمع المعلومات الضرورية لإدارة مشروع عرقنة ليبيا .

وبفعل الانتشار السريع والمذهل لآفة التقوقع القبلي والعرقي والجهوي، وتراجع الانتماء الوطني بين الليبيين، أمكن لهذه القوى الاجنبية اختزال الزمن وإنجاز جزء كبير من مشروعها التدميري للبلاد في وقت قياسي؛ ففي اقل من شهر بعد إعلان التحرير اشتعلت حمى المحاصصة العرقية والقبلية والجهوية في تشكيلة المكتب التنفيذي الذي كلف بإدارة البلاد قبل تشكل الحكومة الانتقالية، وزاد أوار هذه الحمى بعد الاعلان عن تشكيل الحكومة.. وما إن بدات الحكومة في لم شتات أعضائها الذين فرضتهم قوى قبلية وعرقية وجهوية، حتى طفت على السطح قوى المليشيا المسلحة التي شكلت بتواجدها في المدن ، وخاصة العاصمة حكومة موازية للحكومة الشرعية، بل متجاوزة لها في فرض سلطتها كل في نطاقها.. ولم تكن القوى الاجنبية بعيدة عن كل هذا الحراك السلبي، بل كان يتم بمعرفتها وإشرافها، إذ تحولت عواصم معينة الى محج لوفود قبلية وجهوية تبحث عن الحلول لمشاكلها لدى من يديرها ويؤججها ، فيما استقبلت مناطق وفودا رسمية لدول اجنبية في غياب كامل لوزارة الخارجية، فيما تستقبل مطارات ليبية طائرات من كل نوع وجنسية لا تعرف الحكومة ولا الأجهزة الأمنية التابعة لها ماذا تنقل الى الداخل او الخارج ..

وتحولت الحكومة في ظل تواجد هذه المليشيات القبلية التي تقف وراء بعضها قوى أجنبية، تحولت الى حكومة على الورق، فلم تستطع هذه الحكومة حتى حماية أعضائها، فضلا عن إعادة هيبة الدولة في الشارع، كل ذلك يتم بفعل تماهي ممنهج بين بعض القوى المحلية المرتبطة بأجندات سياسية أجنبية وبين قوى اجنبية وإقليمية لها مصالح في الابقاء على ليبيا في حالة صراع مزمن يحول دون إقامة دولة قوية وفاعلة في المنطقة..

وخلال اقل من نصف سنة بعد التحرير ، تحقق لهذه القوى الاجنبية واحدا من اخطر واكبر اهدافها وهذه المرة ايضا بايدي ليبية، وهو مشروع تقسيم ليبيا والذي سيعلن عنه غدا الاثنين من بنغازي، تلك المدينة التي انطلقت منها شرارة الثورة على النظام المنهار لتتحول بهذا الاعلان وبعد أشهر من نجاح الثورة الى اول منبر يعلن منه تحقيق نبؤة الطاغية المقبور بتفكك وتقسيم ليبيا بعده.. وحتما ستقتفي المزيد من الجهات والمناطق اثر اقليم برقة وتعلن استقلالها بعد أن تكون قد فقدت الأمل في قيام دولة قوية وفاعلة تجمع ما تبقى من اشلاء هذا الوطن الذي تشظى وتفكك بفعل مخططات أجنبية وبأيدي ليبية أعماها جشعها وضيق أفقها عن إدراك خطورة المشروع الذي يستهدف امنهم ومستقبل ابنائهم وبلادهم ..

وحتى تضمن تكريس مشروع التقسيم على الارض، وتزيد من تعميق هوة الخلافات بين الجهات والمناطق التي ستصبح دويلات قزمية تدور في فلك القوى الاجنبية الراعية لها، ستعمل هذه القوى وبأدوات ليبية على إشعال حروب محدودة تبقى دئما تحت سيطرتها بين هذه الكيانات الجديدة، وفتيل ووقود هذه الصراعات متوفر وبأنواع متعددة في كل جهات ليبيا، وهو ما سيبقي هذه الكيانات القزمية رهينة للقوى الدولية والاقليمية الراعية لمشروع عرقنة ليبيا.. ويمكن اليوم رصد خلايا سرطانية خبيثة لهذه الكيانات في اكثر من منطقة في ليبيا، وذلك في صورة الكيانات المتضخمة عسكريا وسياسيا لبعض القبائل والجهات والعرقيات التي استغلت فرصة انهيار النظام ومؤسسات الدولة لتستولي على كميات هائلة من السلاح والعتاد والمقرات الحيوية للدولة وفرض سلطتها متجاوزة الحكومة المركزية وغير عابئة بقرارتها ، وهو وضع سيغري هذه القبائل والجهات بسلوك طريق التقسيم والانفصال والإجهاز على ما تبقى من الدولة الليبية، وهو آخر مراحل مشروع العرقنة .

ولكن يبقى هناك أمل ولو ضعيف في وعي النخبة المثقفة والواعية في كل انحاء ليبيا لمخاطر هذا المشروع ، وهي نخبة تفتقر للتنظيم والقيادة الوطنية غير المشبوهة والتي لا تربطها اية روابط بأجندات خارجية، وهما شرطان مهمان يجب توفرهما في اي قيادة تقود هذه النخبة للدفع بها في معركة إجهاض مشروع عرقنة ليبيا.. فليبيا اليوم بعد أن خرجت من أسر الطغيان والفوضى الذي دام لأكثر من اربعة عقود، نراها تدفع الى منحدر خطير تتجاوز آثاره المدمرة ما خلفه النظام المنهار، وستكون عواقبه كارثية ليس على الجيل الحالي فقط بل على أجيال قادمة، ستديننا بخيانة دماء الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم من اجل تحرير ليبيا من الطغيان، فإذا بنا نحن اليوم نلغي وجودها كدولة موحدة ونحولها الى كيانات قبلية وعرقية وجهوية متصارعة تعاني من التخلف والفقر المزمن.. فهل تدرك هذه النخبة الدور الخطير الذي ينتظرها لتقوم بأهم دور في معركة المحافظة على ليبيا كدولة واحدة وتفعيل مؤسساتها وتوعية المواطن الليبي بمخاطر الارتباط بقوى أجنبية والارتهان لأجندتها ايا كانت هويتها او جنسيتها، وكذلك مخاطر التقسيم والاصطفاف القبلي والجهوي والعرقي، والعمل على إحياء روح الانتماء الوطني وتوجيه الطاقات نحو البناء ومحاربة التخلف والنظر الى المستقبل بدل البقاء أسرى لذكريات الماضي المريرة نجترها لإلحاق المزيد من الدمار ببلادنا ومجتمعنا الذي يتعرض اليوم لأكبر وأخطر مؤامرة وهي مؤامرة التقسيم والارتهان للأجنبي..

* الموضوع على الرابط التالي: http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=248504








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الفدرالية والتعددية والنفط للجميع ...
محمد بودواهي ( 2012 / 3 / 4 - 12:09 )
لقد حافظ الثوار على سلاحهم حتى يروا في أي اتجاه تسير ليبيا الجديدة .فالمعلوم أن مصطفى عبد الجليل وحاشيته الحاكمة في ظل المرحلة الانتقالية تشتم منهم رائحة التوجه السياسي الديني الإسلاموي العروبي الأصولي المتزمت وهو الاتجاه السياسي الدي ترعاه أجندة خارجية شرقية بامتياز .....ففي ظل الراهن السياسي الحالي وكل مؤشراته تدل على أن مصطفى عبد الجليل وأتباعه هم الدين يعملون بأجندة خارجية وتحت الوصاية الغربية والشرقية الإسلاموية معا ...أما الدين يدعون إلى ليبيا ديموقراطية ويناضلون من أجلها فبالتأكيد هم الدين يدعون إلى تبني النظام الفدرالي المعروف عالميا وكدلك الدين يتبنون العلمانية والتعددية السياسية واللغوية والثقافية ....باعتبار أن الشعب الليبي متعدد الإثنيات والقوميات ........وبدون تحقيق هدا فللجميع الحق أن يحافظ على مكامن القوة لديه حتى لا تتكرر مأساة العهد القدافوي الغير مأسوف عليه ...
إن النظام الفدرالي الديموقراطي الدي تتمتغ فيه المناطق بالحكم الداتي وفي ظل الدولة المركزية الواحدة هو أروع نظام سياسي عرفته التجربة السياسية لحد الآن .وفي الحالة الليبية يبقى النفط كثروة وطنية للجميع ..


2 - هل هناك من عالم عربي واسلامي؟
ميس اومازيغ ( 2012 / 3 / 4 - 12:59 )
يا رجل تقبل تحياتي/ سبق ان نشرت لي مقالة بهاذا الموقع المميز تحت عنوان[1948 والقنبلة الأنشطارية] ورابطها هوالتالي http://www.ahewar.org
/debat/show.art.asp?aid=294017
تطرقت وانا بصدد تحليل الموضوع الى الهدف من واظعي مخطط الفوظى الخلاقة بحيث ارجعت امره الى ادراك الحكيمين الغربي والأسرائيلي ضرورة تعرية واقع اقطارنا سيما في الشمال الأفريقي الذي اعتبر عالما عربيا زورا وبهتانا واستعين باهله في مناوئة اسرائيل بالرغم من ان التاريخ يخبر بما لا مجال فيه للشك بالهوية الحقيقية لأبنائه المفعول بمعظمهم تحت تاثير ايديولوجية القومجيين العرب هذه الهوية التي هي الهوية الأمازيغية التي عمل الأعداء على طمسها باذلين في ذلك كل المحاولات غير انهم فشلوا وما تلاحظه اليوم من مطالبات التقسيم ما هي الا ردود افعال عن خطأ الساسة البلداء الذين تنكروا لهذه الهوية منجرين وراء تبريرات احفاد الغزاة العرب لأقطارنا تحت المظلة الدينية بعد ان تمكنت منهم اساليب الأستيلاب لترى ابناء الأرض اليوم يخرجون الورقة الأساس لأسترجاع هويتهم بالتهديد بتقسيم اقليم الدولة لن يكون هذا في ليبيا فقط يا رجل بل في سائر تامزغا..يتبع


3 - تابع
ميس اومازيغ ( 2012 / 3 / 4 - 13:23 )
قلت ان امر المطالبة بالتقسيم لن يطال ليبيا فقط وانما تامزغا بكاملها حتى يتظح لأبناء الأرض ان ما سمي عالما عربيا اسلاميا انما هوادعاء ايديولوجي لا اساس واقعي له افلا تلاحظ مدى تشبث ممثلي انظمة الجزائر ,تونس وليبيا بالتسمية العنصرية الأستعمارية للأتحاد المغاربي؟ انهم اناس متشبعون بثقافة ألأستلاب ولم يتمكنوا من فك الأرتباط بفكر الغزاة هذا الفكر الذي لم يجني ابناء الأرض من ورائه الا التخلف في كل المجالات ومنذ 1432 سنة.ان المطالبة بالتقسيم كما تعتقد ليس هو الحل المرغوب فيه وانما هو الحنين الى الواقع ألأمازيغي لما قبل الأستعمار الغربي.ان الأنطلاق الى المستقبل واللحاق بركب الحضارة والتقدم لن يكون سهلا وهينا لشعوب اقطارنا لما عمل عليه ساستنا من شحن المواطنين بالخرافة وتزوير للتاريخ.ان العالم العربي الأسلامي الخرافي الذي سوقه القومجيون والخرافيون الدينيون قد حل اجل تعريته وتوظيح حدوده وفق الحقائق التاريخية. انك يا رجل لتلاحظ الفشل الذريع الذي مني به القومجيون وكيف سلم مشعل الأيديلوجية العنصرية الأستعمارية العربية الى ألأسلاميين. الذين يلعبون اليوم نفس اللعبة الخاسرة.

اخر الافلام

.. السيسي يحذر من خطورة عمليات إسرائيل في رفح| #مراسلو_سكاي


.. حزب الله يسقط أكبر وأغلى مسيرة إسرائيلية جنوبي لبنان




.. أمير الكويت يعيّن وليا للعهد


.. وزير الدفاع التركي: لن نسحب قواتنا من شمال سوريا إلا بعد ضما




.. كيف ستتعامل حماس مع المقترح الذي أعلن عنه بايدن في خطابه؟