الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثورة الشعبية في سبعة ايام وبدون معلم !

عارف معروف

2012 / 3 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


شاع في ستينات وسبعينات القرن المنصرم، في سوق الكتب والمكتبات ، نوع من الاصدارات التجارية التي تزعم القدرة على تعليم اللغات : الانكليزية ....الفرنسية...الروسية بل وحتى الصينية ، في سبعة ايام وبدون معلم ! وربما انقصها بعض الناشرين الى ستة ايام او حتى خمسة. وثمة من تفنن في نمطية العنوان الى " كيف تتكلم ال( .. ..)بطلاقة وبدون معلم ..." الخ . كانت تلك الكتب نوعا زائفا من المعارف ومنهجا مبتذلا ، بالطبع ، لايعني بمسالة اللغة وحقيقة تعليمها بقدر عنايته بترويج سلعة تجارية تحقق الكسب الرخيص وتطمن حاجة نوع معين من القراء بل وتستغلهم لتحقيق غايتها في الربح السريع !
واذا كانت تلك الاصدارات، التي تجاهلت مستلزمات تعلم اللغات واتقانها كتراكم معرفي ودرس منهجي وممارسة حيوية لابد منها ، لصالح غايات الناشرين التجاريين القريبة وجيوبهم المشرعة وطلبات سوق متدنية الوعي ، آنذاك ، قد اخذ تاثيرها وانتشارها يتضائل والاقبال عليها ينكمش ثم يضمحل بسبب ثبوت بطلانها كوسائل جادة و شيوع وسائل واساليب اكثر جدية ومصداقية في تحقيق الغاية : تعلم جدي ومنهجي للغات بالنسبة للمهتمين من غير ذوي الاختصاص . فان ناشرين آخرين، معاصرين ، من نوعية مغايرة ، بدأوا ، كما يظهر، في تبني هذا الاسلوب المتهافت والزائف ونقله ، بحرفيته ، الى صعيد آخر ، اكثر خطرا بكثير ونحن على اعتاب عصر جديد !
فالثورة الشعبية، مثلا ، لم تعد حدثا مفصليا يعكس ضرورة تاريخية وصيرورة اجتماعية ورفض وتفجر تدفع اليه كل الظروف لحالة انسداد اقتصادي او اجتماعي او سياسي. ولم يعد احد يهتم او يناقش ، في ظل ، برمجة فكرية جديدة وتنميط ثقافي راهن تجهد في اشاعته سيالة الصور والاخبار والتحليلات والدراسات .. التي يحفل بها طوفان الاعلام العالمي المعاصر...بمسألة الظرف الثوري وحقيقة توفره او الغاية الاجتماعية ومدى انعكاسها في مطالب وغايات الثوار ، بل وعّد كل ذلك نوعا من اللغو الفارغ والتعقيدات او الحذلقات التي تحفل بها " لغة ميته " لادعياء ثقافة متقهقرة ! وسرى، بدلا من ذلك ، " وعي " جديد في صفوف المهتمين من مثقفين وسياسيين وغيرهم... من يمينهم وحتى يسارهم : الثورة الشعبية حدث ممكن التحقيق في سبعة ايام وبدون معلم . وهو صنف يمكن استيراده جاهزا واعداده على عجل مثل الشوربة الجاهزة... تماما !
فالثورة الشعبية والتحول التاريخي ، باتت في عصر الفيس بوك والتويتر شيئا مختلفا كليا . حتى ان احد الاخوة السياسيين من قادة اليسار كتب، فرحا ، مستبشرا " لو ان جيفارا حي اليوم ، اذن لرمى بندقيته جانبا وتأبط اللاب توب معتمدا الفيس بوك بدلا عنها "!!

وفي كتيب الثورة الجديد ، في مانويلها البراق ذو الطباعة الفاخرة والتغليف الانيق لانقرأ اليوم ايا مما كتُب في او عن الثورات والانتفاضات والتجارب الانسانية الكبرى والانعطافات الجذرية . لاشيء عن الاقتصاد والمجتمع والطبقات والمصالح والفكر والغايات والوسائل . ولن نعثر على اي اسم من اسماء القادة والمعلمين ،الاولين او الاخرين ، انما فقرات وتعليمات قصيرة ومحددة ووجيزة لا تتعدى صفحة او صفحتين . انه ، كما ترى ،عصر الفيس بوك والتويتر والاعلام الفضائي :

" كيفية صنع ثورة او السيطرة على ثورة او استبدال ثورة "
" في سبعة ايام وبدون معلم "

لاغراض الشروع : من المفضل توفر بيئة مناسبة ، ولو جزئيا :- طاغية غير قادر على تفهم مطالب الاصلاح اوالاستجابة لها . حالة كبت سياسي وثقافي فئوي اوعام . مطالب اجتماعية لا تجد السبيل الى ان تطمن . ضائقة اقتصادية . فساد سلطوي. غليان شعبي ينذر بالخطر.او ربما حالة احتجاج جماهيري سلمي كبير وذو مطالب حقيقية ..الخ .ولكن في حال عدم تيسر اي من هذه العوامل ، وكانت "الثورة "صنفا مطلوبا بالحاح، لغايات ستراتيجية ذات صلة ، فيمكن البدء بالعمل على اساس اية نقطة : منشقين ( بما في ذلك فرد واحد ، شرط ان يكون شخصية عالمية ولامعة او بضعة افراد من ذات الصنف ). حقوق انسان . مساعي تسلح مثيرة للريبة . او غير ذلك من اسباب يجد المهتم ان لا حصر لها ،بالفعل، شرط توفر النية والعزم :-

*اليوم الاول:- في الحالات المنتخبة لاغراضنا : تسليط الاضواء وانارة كل جوانب الحالة باقصى قدر ممكن . على الاعلام ان يلعب دوره الايجابي ليس في نقل الوقائع بحيادية ، هذه اساليب سلبية ..قديمة وعاجزة وانما الاسهام في صنعها وتثويرها .. هذه هي رسالة الاعلام الايجابي الفاعل .

*اليوم الثاني: – يقتضي الامر ايجاد جهات ورموز صديقة ، ممثلة للنسغ الصاعد والحالة المطلوبة ، يمكن العثور على الكثير . واذا لم يتوفر فامكانية خلقه قائمة . لا تنسوا رسالة الاعلام الايجابي الفعال . كان جوزف بريستلي يقول "اعطني صحيفة يومية كبرى ومجلتين اسبوعيتين واسعتي الانتشار وانا قادر على ان اجعل من اول صعلوك اقابله في عرض الطريق زعيما تلتف حوله الجماهير " .مسكين بريستلي .. لدينا اليوم وسائل لم يحلم بها .. قنوات تلفزيونية فضائية باعداد مهولة . بث فضائي على مدار الساعة . وكالات انباء بمراسلين في كل مكان.. للتصوير والتسجيل والنقل مع امكانية تحويل الاشخاص ،العاديين تماما، الى مراسلين صحفيين بواسطة الهواتف المحمولة المزودة بالكامرات ..امكانيات خيالية على التلاعب البرامجي بالصوت والصورة بل وخلق الاحداث " الموثقة " من العدم ان اقتضى الحال . في الحالات التي نشأت دون تدخلنا وخشية فقدان السيطرة يجب تركيز الجهد على خلق زعماء ومجموعات ساندة ومدها بكل اسباب الدعم . يتعّين كذلك التشويش وخلق معارك جانبية . المزيد من الفوضى والبلبلة والشقاق . في الحالات التي تخرج على السيطرة، بالفعل ، هناك سلاح مجرب ، مؤامرة الصمت والدعم الخفي للجانب الموالي كي يقوم باخراس المحتجين والى الابد ، ان امكن ، باساليبه ولكن دون اثارة الشكوك وبعيدا عن توريطنا .

*اليوم الثالث: - يتعين انتخاب مناطق محددة يتوفر فيها اكبر قدر من الشروط المناسبة لبدء الثورة ... يمكن ان تبدأ بمجموعات محلية صغيرة منظمة وقادرة على الحركة السريعة . تسندها لاحقا مجموعات دعم مدربة ومتخصصة، يتعين تعزيز الحركة شعبيا وترسيخها جماهيريا ، لابد من التفتيش عن هوية مفارقة ، عاطفية وجامحة وغير عقلانية ان امكن والنفخ فيها باقصى امكانية . سيوفر ذلك زخما كبيرا لايمكن وقفه اضافة الى فائدته في خلق ردود افعال موازية لدى الاخرين . ينبغى جر الامور باتجاه الاقتتال والتصعيد ينبغي بذل اقصى الجهد للوصول الى نقطة اللاعودة بالعمل على استفزاز وتوريط جميع الاطراف بالدماء .

*اليوم الرابع: - تصعيد وصخب اقليمي واممي، اعلامي وسياسي : مجازر ومذابح يندى لها جبين الانسانية ، لايمكننا ، من منطلق الشعور بالمسؤولية ترك الامور تجري هكذا ، لابد للمنظمات المعنية وبالذات الامم المتحدة من التدخل ، على الاقل لايجاد مناطق حماية للمدنيين او ممرات لاغراض الاغاثة الانسانية !

*اليوم الخامس: – المناطق المحمية تقصف بوحشية والممرات الانسانية والمعونات تنهب ، ابادة جماعية للنساء والاطفال والشيوخ قطع ومصادرة جميع الاحتياجات الانسانية ، لابد للقوات الدولية من ان تفعل شيئا، الجيش الحكومي مشلول وليست لديه امكانية للانشقاق او الانقلاب ( نقاط تجمع ومعسكرات تدريب على الحدود ، اطنان من الاسلحة المعدة والمحورة بطريقة مدروسة لتناسب الحالة والقادرة على تحويل ميزان القوى لصالح جيش الثوار او حركة التمرد، ، بعد تحييد طيران ودروع النظام . مجموعات الدعم والخبراء والقادة الميدانيون المحنكون المتنكرون بازياء ومظاهر وطنية وصلت الى الكثير من نقاط الوثوب والتحكم ).

*اليوم السادس:- العالم كله معنا ، لاتعبأوا بالاصوات القليلة الصاخبة والضجيج الذي يثيره البعض فهذه لم تتمكن من فعل اي شيء مضاد خلال الفعاليات السابقة . قوات النظام تتداعى . وهو يفضح عجزه بتنظيم مجازر وابادات جماعية ويحرق بعض السجناء والاسرى احياء ( يمكن ترتيب كل ذلك ، ولدينا اكوام من الجثث ) يمكن كذلك احراز وتصوير انتصارات قبل حصولها بالاستفادة من المدن السينمائية واجراء التحويرات المطلوبة. ان ذلك سيعزز الروح المعنوية لدى ثوارنا ويحطم معنويات الاعداء .

*اليوم السابع: – لقد استراح الرب في اليوم السابع ، بعد معجزة الخلق . نحن كذلك لدينا معجزتنا الصغيرة ، ولكن لا وقت للراحة .الدخان الاسود يملأ الافاق ورائحة الشواء البشري في كل مكان . الانقاض والنفايات تملأ المدن ورعب من تفشي اوبئة . لابد من غض النظر عما يمكن ان يحدث من انفلات ونهب وسلب و تبلور لجماعات وعصابات مسلحة بممارسات وحشية مروعة . بل على العكس ، قد تكون هذه الوقائع بعض المفاتيح المطلوبة لغايات مستقبلية . اتركوا الحالة تفرز امكاناتها وتشكل قوامها ، بالاحرى تقيء كل دماملها المتقيحة سواءا القديم والمتجذر منها او ما تمكنّا من خلقه ،على عجل ، خلال الفترة السابقة ، الخليقة الاجتماعية لابد ان تبدأ دورتها من جديد بمواصفات اخرى . ليس من شأن الملايين من الدهماء التعقل او ادارة امورها بنفسها ، انها لاتبصر ابدا. لكن تركها دون ان ُتلجم امر خطير هو الاخر . يتعّين علينا ترويعها و امتصاص قدراتها ثم توهين بل وبلبلة فكرها لصالح زعامات ورموز متعاونة وموالية ليس من شاننا التدخل في طبيعة الخلق . راقبوا فقط واستثمروا الحالة القادمة شرط ان تبقى تحت السيطرة اما في حالة العكس فيتعين الانتقال الى صفحات اخرى !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فصائل المقاومة تكثف عملياتها في قطاع غزة.. ما الدلالات العسك


.. غارة إسرائيلية تستهدف مدرسة تؤوي نازحين بمخيم النصيرات وسط ق




.. انتهاء تثبيت الرصيف العائم على شاطئ غزة


.. في موقف طريف.. بوتين يتحدث طويلاً وينسى أنّ المترجم الصينيّ




.. قتلى وجرحى في غارات إسرائيلية على مخيم جباليا