الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غواية الرجل و فتنته في -رعشات- للقاصة سناء بلحور

مصطفى لغتيري

2012 / 3 / 4
الادب والفن


"القصة القصيرة جدا جنس المستقبل" .. تكررت هذه العبارة على أكثر من لسان ، و لم يكن ترديدها بدافع التعصب لهذا الجنس الوليد ، بل بسبب نظرة متأنية، مؤطرة بمعطيات موضوعية أدبية و ثقافية على الخصوص ، أهلت و تؤهل القصة القصيرة جدا لتتبوأ مكانة متقدمة ضمن الأجناس الأدبية ، و منها الاهتمام المتزايد بها كتابة و نقدا و ملتقيات ، فضلا عن نزوع العالم نحو الاختزال و الدقة في كثير من مناحي الحياة ، و الأدب - بطبيعة الحال-في صلب هذه المناحي ، كما أن القصة القصيرة جدا برهنت عن مرونة ملفتة في التعاطي مع شتى الموضوعات و الثيمات.
تندرج المجموعة القصصية " رعشات " للقاصة سناء بلحور الصادرة سنة 2012 عن دار التنوخي ضمن الحركية المتميزة التي تعرفها القصة القصيرة ، فقد استطاعت قصصها السابعة و الخمسين المضمنة بين دفتي المجموعة أن تمنح فعل القص طعما مختلفا و فريدا ، بارتكازها على حساسية أنثوية مفرطة ، و اهتمام لامع بما يمكن للرجل ان يحدثه في نفسية الانثى و ما يبثه فيها من خلال تحريض العواطف و الأحاسيس ، و ما يمكن -بالتالي- أن يسم القصص نتيجة لذلك.
فالقصة القصيرة جدا عند سناء بلحور هي بحق رعشات ، يسببها التوق إلى الرجل و الانسحاق -على استحياء-في عالمه ،و الحذر
-أحيانا- من السقوط في فلكه ، تقول القاصة في قصة " فراشات":
أمس نامت في جسده.. استيقظت بلآلام مبرحة ، و كأنها حبلى بماء عينيه ..بعد أيام تكاثرت الشرانق حولها ، و خرجت منها فراشات بألوان الحب ، تتكلم لغة الحب و تبسبس س ، س ، س..
هذا الحضور المخاتل للرجل على امتداد القصص ، يتخذ في كثير من الأحيان بعدا رومانسيا قويا ، يولد صورا شعرية قوية ، تجعل من القصص مشاهد بصرية متميزة ، و ذات نكهة خاصة ، تقول بلحور في قصة "نجمة":
نجمة تنام في قلبه و لا يراها أحد سواه ..يبتسم لها كل يوم.. و يمنيها حبا..ذات صباح سافر ..و من شدة خوفها طارت النجمة في سمائه حيث حياتها ..ارتفعت و اخذت ترقبه من بعيد قريب بعينين دامعتين.
و تأبى القاصة أن تحدد لهذا الرجل هوية خاصة ، فلا تكاد تطلق عليه اسما أو تميزه بوظيفة أو سمة إلا فيما ندر ، ، و تفعل العكس حينما يكون هذا الرجل بعيدا عن الإغواء ، و لا يمكن أن يشكل خطرا على الذات ، حينذاك فقط تسجنه ضمن هوية خاصة ، كما فعلت مع "بلعيد" ، في القصة التي تحمل نفس الاسم:
هاته الليلة وصل رجل يحبه كل الناس ..خصوصا الأطفال..دخل البيت ، فأشعلت الأم شمعة بيضاء طويلة ، استدار حولها الأطفال ، و غنت اغنية الصباح ..نهرها الزوج ، و أطفأ الشمعة بدعوى أن الآخرين لا يملكون شموعا.. نكست المرأة رأسها بحزن..بكى الأطفال و تشردوا..و حل بلعيد في هدوء ثقيل ..و نزل الظلام.
أما حين يشكل هذا الرجل تهديدا ما، أو حين يكون مصدر ارتعاشات محتملة ، فإن القاصة تكتفي بأن تؤشر عليه بضمير زئبقي و مخاتل ، خوفا من أن يصبح حضوره قويا و مكشوفا و مضاعفا ، تقول سناء بلحور في قصتها "ماء":
تتصفح البوم الصور.. أناملها ترتعش ..داعبت ملامح وجهه ..شعرت بقشعريرة..ابتسمت الصورة ، فتوهج وجهها ، و شعرت بعطش شديد ..سال فيض من ريق طري عبر شفتيه.
رشفته بلهفة ..فكان ماء القلب..
و قد توغل القاصة في لعبة الإخفاء ، فتلجأ الى الرمز ، لتجعل منه معادلا للعبة"المحرمة " كما حدث في قصة "ماء و هواء":
التقى هواء بماء..تحول الماء هواء و طار..
تحول الهواء ماء فغرق ، واستحال البحر لؤلؤا منثورا ، يترنح في الأفق.
هذه العلاقة بالآخر / الرجل ، قد تتوتر أحيانا ، فتميل القاصة إلى الانتقام من نرجسية الرجل ، فتصوره بشكل ساخر ، لتؤكد لنفسها أنها هي - أقصد المرأة- من يتحكم في اللعبة ، و أنه هو - أعني الرجل- مجرد طارئ ، و بهلوان ، أو كركوز تحركه بخيوط ذكائها ، و إن بدا له غير ذلك..تقول في قصة "متهور":
مذ عرفته و هو يتحدث عن نفسه ..يصفها بكامل الأهمية.. قللت يوما من شأنه ، فسمعت أناه تصرخ بحماقة..
زادت يوما من شأنه ، فرأت أناه تعلو باتجاه ارتفاع أحدب..وضعته بين أناه الحمقاء و أناه المتنتفخة ..فصار متهورا.
و مما يثير الانتباه في هذه المجموعة القصصية الجميلة انعكاس ثيماتها و أجوائها الرومانسية على أسلوب كتابتها ، إذ استطاعت القاصة أن تحقق لنصوصها نوعا من الخفة و الدقة في الأسلوب. أهلها لتكتسب الكثير من الانسجام شكلا و مضمونا ، و من بين التقنيات التي ساهمت في تحقيق ذلك ، و منحت النصوص بعدا شاعريا لا يخفى على المتلقي نجد إيقاع التكرار ، الذي اتخذ في النصوص أشكالا مختلفة ، لفظية و معنوية ، مثل تكرار لفظة خريف الذي وظفتها القاصة بفعالية في بناء معنى القصة:
للخريف رائحة يعرفها.. هي الرائحة نفسها ، يشمها كلما سكنه الشجن ..للخريف رائحة التراب الخائن.. للخريف مرارة شجرة الدفلى ..للخريف برد مسموم يقصم الأطراف..للخريف نظرة مستكينة ..للخريف هجوم الصعاليك و أحزان الأرامل..و خريفه في القلب.
كما اختارت القاصة أن تكرر لفظة الضمير و جملته في قصة "عنف"، مما منح القصة بعدا شعريا ، تراكميا ، يجعل المعنى ينبني بشكل تدريجي حتى فاضت الدلالة في قلب و ذهن القارئ ، تقول القاصة:
هي تشعر بعنف الغياب بعد وفاة أمها..
هي تشعر بعنف الغياب بعد زواج أبيها..
هي تشعر بعنف الغياب رغم كل المحيطين بها..كلما نادتهم ما استداروا..أدركت آنذاك أنهم بأسماع صماء.
أما على مستوى تكرار الدلالة ، التي لجأت إليها القاصة في كثير من النصوص بأشكال مختلفة ظاهرة حينا و مضمرة حينا آخر.. و نأخذ كمثال على ذلك قصة "رسائل".
الكلمات تدغدغ جسدها ..تعضها ..ألم لذيذ يجتاحها ..يرتفع نبض قلبها ينخفض مرتفعا عند آخر نقطة تنهي الفكرة.. تدخل في جذبة ، و تتبعثر كل مشاعرها على حوافي البياض ترتاح..لا ترتاح .. في انتظار ساعي االبريد.
و تبقى في الأخير "رعشات " للقاصة المغربية سناء بلحورمن المجاميع القصصية القصيرة جدا المتميزة ، و التي تساهم بشكل كبير في تبويء جنس القصة القصيرة جدا المكانة التي يستحقها في مشهدنا الثقافي المغربي و العربي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيديو يوثق اعتداء مغني الراب الأميركي ديدي على صديقته في فند


.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز جسديًا على صديقته في




.. حفيد طه حسين في حوار خاص يكشف أسرار جديدة في حياة عميد الأد


.. فنان إيطالي يقف دقيقة صمت خلال حفله دعما لفلسطين




.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز -ديدي- جسدياً على صدي