الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عصر بريجنسكي ... الحرب الثالثة في الافق (الجزء الثاني)

جواد كاظم البكري

2012 / 3 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


عصر بريجنسكي ... الحرب الثالثة في الافق
(الجزء الثاني)
د. جواد كاظم البكري
مركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية

بدايةً فأن صحيفة (ديلي سكيب) والتي نشرت حديث بريجنسكي، هي من الصحف الاميركية التي تصدر في منطقة تعتبر منطقة نفوذ خالص للوبي اليهودي، وهي صحيفة ناطقة باسم اللوبي اليهودي في نيويورك، وهذا أحد المبررات المنطقية لحذو بريجنسكي على اطلاق مثل هذه التصريحات، فقد تعود الرأي العام العالمي على اطلاق الساسة الأمريكان بتصريحات ترضي اللوبي اليهودي في مناطق نفوذهم، ولكن هذا لايلغي أخذ هذه التصريحات مأخذ الجد.
فتحتَ وطأة خسارة حربين وأزمة الدولار والذعر المصرفي والتضخم والركود تحاول النخبة الحاكمة في الولايات المتحدة توحيد نفسها حول أوباما لعكس الاستراتيجية والأيدولوجية إلى حد كبير، والهدف هو التخلي عن العدو التقليدي منذ 11- سبتمبر (والتهديد الاسلامي) والانتقال من التركيز على منطقة الشرق الأوسط وتحويل الهدف تجاه روسيا والصين وحلفاؤهم في المواجهة العالمية لعهد بريجنسكي والتي وضع اوباما كرئيس صوري لها.
وقد تزامنت هذه التصريحات مع تصاعد وتيرة النقاشات في أروقة مجلس الامن حول الملف السوري، الملف الذي كان موقع خلاف بين الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي من جهة، والصين وروسيا من جهة أخرى، وهنا يجب أن تُناقش قضيتان أساسيتان؛ تتعلق القضية الأولى بالأسباب التي أدت إلى رفض روسيا والصين قرار مجلس الأمن بفرض عقوبات على سوريا، وتتعلق الثانية بالثمن السياسي الذي يمكن أن يبدل المواقف الروسية الصينية المعارضة، طالما ان المصالح هي المتحكم في تشكيل أبعاد العلاقة بين سوريا وروسيا من جهة، وبينها وبين الصين من جهة أخرى، فروسيا تمتلك قاعدة بحرية ضخمة في مدينة طرطوس وسط غرب سوريا، وقد تم توسيعها في المدة الأخيرة، ويضم الأسطول الروسي في طرطوس طائرات سوخوي وميج وطائرات عمودية مضادة للغواصات ومنظومات من الصواريخ المختلفة المضادة للطائرات والسفن الحربية والغواصات، ولروسيا تاريخ طويل مع سوريا في تجارة السلاح، وتعتبر دمشق من المشترين الرئيسيين للأسلحة الروسية، ووفقا للبيانات حصلت دمشق على نحو 7% من إجمالي مبيعات السلاح الروسية للخارج خلال العام الماضي التي بلغت قيمتها عشرة مليارات دولار.
أما الصين فتمتلك مع سوريا إرثا تاريخيا ضخما وتعاونا مشتركا منذ إنشاء طريق الحرير في العصور القديمة، وهو مجموعة من الطرق المترابطة كانت تسلكها القوافل والسفن وتمرّ عبر جنوب آسيا رابطةً تشآن في الصين مع أنطاكية في سوريا، وقد أوجد التعاون المستمر بين البلدين نوعا من الثقة السياسية المتبادلة والتعاون الاقتصادي والثقافي الواسع عبر الدعم المتبادل في القضايا الجوهرية التي تخص قضاياهم، ولكن هل يمكن الاستناد إلى الإرث التاريخي وحده لتفسير موقف سياسي معين؟
التجارب السابقة في عدد من الأماكن بالعالم تنفى ذلك، وعلى كل حال يمكن إدخال العلاقات المميزة كطرف في المعادلة التي أفرزت الفيتو الصيني، ولكن قد يكون السياق العام للثقافة الصينية مدخلا مهما في فهم كيفية تعامل بكين مع مستجدات الأحداث الدولية، إذ يعمد بعض المحللين إلى إرجاع السلوك السياسي للصين إلى الثقافة المحلية لهذا البلد الحضاري الكبير الضارب بجذوره في عمق التاريخ، فالاعتدال والحكمة هو سمة هذه الثقافة التي تتميز أيضا بضعف إيمانها بجدوى التحرك السريع المفاجئ والذي يخلق حالة من الفوضى ولا يؤدي الى الاستقرار، وتضاعف إيمان السياسيين بهذه الثقافة بعدما عانت البلاد على امتداد زمن طويل من ويلات المنازعات والحروب وتخضبت الأراضي الصينية بأنهار من الدماء. ويمكن الاعتماد على نهج التفكير هذا إذا ما سلط الضوء على بقعة من بقاع العالم ودراسة الموقف الصيني نحوها.
ولذلك يمكن قراءة موقف الصين وروسيا الرافض للتوجه الغربي بفرض عقوبات أكثر صرامة على سوريا من خلال هذا المنظار الذي قد يتحمس له البعض ممن يضعون أساسيات نظرية المؤامرة في صلب أطروحاتهم لتحليل مستقبل العلاقات الدولية، لكن المشكلة الأساسية التي تواجه تحليل بريجنسكي تكمن في تصادم مثل هذه الرؤية مع معطيات سياسية أخرى بل وتنفيها على الرغم من أهميتها البالغة، وإذا ما اتسع إطار الصورة قليلا لا يمكن الارتكان إلى فكرة التدخل الأمريكي والسيطرة على سبع دول شرق أوسطية من أجل استغلال مواردها الطبيعية كما يؤكد بريجنسكي، فالعوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية السيئة في دول الربيع العربي هي التي قادت شعوب هذه الدول للثورة، وقد تكون الازمة المالية العالمية أحد الأسباب في اندلاعها، وفكرة المخططات الأمريكية الغربية للتقسيم والتدخل لإحداث فوضى بالشرق الأوسط استعدادا لمواجهة كبيرة مع الروس والصينيين لا تنسجم كليا مع التطورات الحاصلة في المنطقة ولا مع طموحات الأمريكيين، فالعلاقات بين الولايات المتحدة ومصر وتونس وليبيا واليمن بعد الثورات تمر بمرحلة صعبة للغاية، كما تؤكد تحقيقات أمريكية أجريت مع عدد من مسؤولى الاستخبارات الأمريكية فشل الجهاز في توقع أحداث الربيع العربي بالشكل الذي سارت عليه، وعلى الجانب الآخر يبدو الحديث عن رغبة روسية او صينية للتصارع الجيو-استراتيجي مع الولايات المتحدة نوع من الجدل غير المنطقي قياسا على الأزمات الداخلية في روسيا وصراع نظام بوتين ضد المعارضين وعدم قدرة موسكو سياسيا واقتصاديا على تحمل مواجهات من هذا النوع في المرحلة الراهنة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بين الاتهامات المتبادلة والدعم الكامل.. خبايا العلاقة المعقد


.. الشيف عمر.. أشهر وأطيب الا?كلات والحلويات تركية شغل عمك أبو




.. هل ستنهي إسرائيل حربها في غزة.. وماذا تريد حماس؟


.. احتجاجات طلابية في أستراليا دعما للفلسطينيين




.. أصداء المظاهرات الطلابية المساندة لغزة في الإعلام • فرانس 24