الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القاهرة وواشنطن متلبستان بالجرم المشهود

نادية الشربيني

2012 / 3 / 4
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


بعد ضبط قاهرة العسكر وواشنطن النظام العالمي معا بالجرم المشهود ورصد اللحظة وهما ملفوفتان بالملايات أمام أنظار الشعب، أصبح لزاما علينا أن نعترف أن مصر دولة غير ذات سيادة وأنها دخلت على يد المخلوع ومجلس عسكره عصر جمهوريات الموز كما صرح الدكتور البرادعي. رغم أن قصة التمويل الأجنبي لا تعدو كونها تمثيلية رديئة التأليف والإخراج والأداء. فمنظمات المجتمع المدني جميعا تعمل تحت سمع وبصر ما يسمى بالدولة المصرية منذ سنوات طويلة. وقد كان معظمها متنفسا للمقهورين والمظلومين، وما أكثرهم في بلادنا، وبعضها يعمل تحت رعاية أمنية وربما بأجندات متنوعة لا نملك تصنيفها. وقد كانت تلك المنظمات شوكة في جنب النظام، الذي لم يباد بعد والذي ما زال جاثما على صدورنا، وفي نفس الوقت، كانت ورقة يلاعب بها النظام المجتمع الدولي كي يبدي أمارات الولاء لأسياده من ناحية، ومن ناحية أخرى يتزيا بمظهر من الديمقراطية الزائفة تحقق له حدا أدنى من التواجد في المحافل الدولية ويقيه شر الانعزال بسبب دكتاتوريته وفساده.
أما قصة مداهمة منظمات المجتمع المدني، رغم رفض الوزيرة خالدة الذكر وخالدة الكرسي، أبو النجا لكلمة مداهمة، فقد كانت ضربة عنترية بلا مضمون ضد من كانوا جزءا من نشر ثقافة حقوق الإنسان في وطن يراد له أن يكون مقبرة لتلك الحقوق. وقد لاكت وسائل الإعلام في سيرة المجتمع المدني بالسوء وأصبحت الكلمة سيئة السمعة في سياق حالة التجهيل والتشويه اللغوي والثقافي لمفاهيم سامية وإيجابية. ثم تطور الفيلم حتى وصلنا للكرشندو: الوفد العسكري يعود إلى القاهرة قبل استكمال محادثاته، أمريكا تهدد بقطع المعونة عن مصر، مبادرة حسان لجمع المعونة من بياعي الفجل بالقوة، أبو النجا صامدة أمام جحافل بني أنجلوساكسون، المشير يعلن الاستقلال التام أو الموت الزؤام، أما رئيس الحكومة صاحب الصلاحيات الرئاسية فقد وقف أمام البرلمان كي يعلنها مدوية مصر لن تركع. وشغلت القضية العقول والأذهان واستهلكت نوابا صدحوا بأسمى عبارات الامتنان للشريفة أبو النجا ولمجلس ولي نعمتها المخلوع الأبي الحر.
كان دهاءا بدائيا وحركات "نص كم" لا تخيل على أحد، ورغم رداءة المنتج الذي تورط فيه إلى جوار صاحب القرار الأوصياء على شعب مصر المسمين بنوابه والإعلاميون متعددو الوظائف والمحللون السياسيون ورواد العمل المدني ورجل الشارع، وضاع وقت الجميع في مناقشات حول سراب لا وجود له ولا أساس. وكان الغرض خلق حالة دعم وطني حول مجلس يقتل المواطنين ويعتقلهم ويطاردهم معنويا ويغض البصر عن قتلى جيشه. وما زلنا نذكر صورة الدائرة المستديرة التي ضمت السيدة "السافرة" أبو النجا والشيخ حسان، الذي لم يطالب بالحديث إليها من وراء حجاب، وهو الرافض للظهور مع السافرات على الشاشات، والنائب بكري، صاحب العروق النافرة غيرة على شرف أبو النجا، ومحمود حسان، شقيق الشيخ، ولم تخل الصورة، بطبيعة الحال، من الرأس، الجنزوري، صاحب تصريحات الركوع. وعلينا ألا نتوقع أن يخبرنا أحد الآن بمصير هذه المبادرة الذي قدم قربانا على مذبحها أحد نواب الثورة النائب زياد العليمي.
إن قضية التمويل هي حلقة في مسلسل "سوب أوبرا" لا ينتهي حيث يتفاعل عدد محدود من الأبطال في مساحة محدودة من الدراما لا تتيح كثيرا من الإبداع بل تقدم تسلية وقتية رخيصة تعتمد على إثارة فورة مشاعر لحظية وتغييب وعي كان يمكن الاستفادة به في خلق حياة أفضل للبشر. كثيرون جرحت مشاعرهم عندما أعلن القضاء المصري أن الجريمة المخلة بالشرف التي ارتكبتها الحكومة بمباركة وتسهيل إخواني هي إهانة كبرى لاستقلاله وأنه يعاني من تغول السلطة التنفيذية. كما أن البعض رأى أن طريقة سفر الأمريكيين على متن طائرة عسكرية خاصة، هبطت على مطار القاهرة بدون استئذان، هو نوع من التمييز، خاصة أن الكل نسي أن القضية ما زالت منظورة أمام المحاكم وأن المتهمين اليوم هم أولاد البطة السودة من المصريين، الذين يرزحون وحدهم تحت ثقل هذه التهم المختلقة. وما دام الأمريكيين شركائهم في الجريمة قد حلقوا عائدين أحرارا إلى بيوتهم، فبأي منطق عدالة تستمر محاكمة المصريين وحدهم على ذات الجرم؟
المؤلم في الأمر كذلك أن كثيرا ممن لا زالوا يغارون على كرامة بلدهم يطالبون بالتحقيق في مهزلة سفر الأمريكيين رغما عن أنف القضاء. وهنا نذكر صرخات الصحفي وائل الابراشي اليائسة، في برنامجه الحقيقة، وهو يظن أنه يمكن ايقاف عملية نقل الرهائن، التي كانت أقرب إلى ضبط حالة فعل فاضح في الطريق العام بالجرم المشهود، واستدعت نكاتا فاضحة على ألسنة المصريين. ولم ينبس القانون ببنت شفة لأنه قانون العشوائية، ولأن القصة من أولها لآخرها تمثيلية لعب الكل فيها دورا بمن فيهم السيناتور الجمهوري ماكين الذي اثنى على دور الإخوان في الصفقة - الكفالة، التي مكنت ابن وزير النقل الأمريكي، وأحد المتهمين في القضية المسخرة، من إخراج صناديق من الأوراق معه في صالة المطار المستباح، مما وضع الإخوان في حرج بالغ ودعاهم إلى الإشارة بالاصبع الوسطى إلى أبو النجا ووزارتها والتلويح بتشكيل وزارة بديلة لن ترى النور لأنها ليست ضمن صفقتهم مع العسكري ولأن وجودهم الحالي قابضين على عنق البرلمان وخارج إطار السلطة التنفيذية يضمن لهم استيلاءا قريبا على الحكم دون أن يعرضوا أنفسهم لسياط التذمر والغضب الشعبي.
والآن علينا أن نلملم جراحنا وندرك أن مصر ليست دولة ذات سيادة وأنها لا تملك قرارها وأنها تعاني أسوأ أنواع الاحتلال، الاحتلال الفيروسي حيث يستولي الفيروس على الخلية ويوجهها حيثما يريد. نحن نخلق جلادينا لأننا نقبل بجلدهم إيانا ونقبل برؤية وجه أبو النجا لعشرين عاما ونقول اعطوا لمهندس الخصخصة فرصة، ثم نسلم قيادنا لمن يضع يده في أيدي هؤلاء وأيدي أسيادهم عبر البحار. أول طريق الاستقلال يبدأ ببناء مؤسسات عصرية وتعديل حزمة القوانين وتطبيق سياسات العدالة الاجتماعية. روشتة طموحة لكن ممكنة، إن انتشر الوعي بها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أجواء من البهجة والفرح بين الفلسطينيين بعد موافقة حماس على م


.. ما رد إسرائيل على قبول حماس مقترح مصر وقطر لوقف إطلاق النار؟




.. الرئيس الصيني شي جينبينغ يدعم مقترحا فرنسيا بإرساء هدنة أولم


.. واشنطن ستبحث رد حماس حول وقف إطلاق النار مع الحلفاء




.. شاهد| جيش الاحتلال الا?سراي?يلي ينشر مشاهد لاقتحام معبر رفح