الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النمر الإسرائيلي في قفص الفلسطينيين 2

فايز صلاح أبو شمالة

2005 / 1 / 13
القضية الفلسطينية


النمر الإسرائيلي في قفص الفلسطينيين
(2)
د. فايز صلاح أبو شمالة
عشية رأس السنة، وبعد أن اقتحمت المجموعة الإسرائيلية بيتنا في حي الأمل في خان يونس، وأتمت تفتيش المكان بعد اختطافنا في أحد الغرف رهائن، اندفعت مجموعة أخرى إلى داخل الطابق العلوي من البيت، وهم يلوحون بسلاحهم، ويحملون آلات هدم ثقيلة، لفت انتباهي إلى ذلك ابني محمد فايز الذي ولدته أمه وأنا في السجون الإسرائيلية، واندهشت لما أرى، كان يمكن أن تقوم الجرافة بالهدم، أو أن تطلق قذيفة على المكان فينهار برمته، لماذا يحملون هذه المعدات الثقيلة؟ وفيما لو تم هدم بيتنا، أين سنذهب؟ ومن سيعوضنا عن بيتنا الذي امتص كل تعب العمر؟ ومن أين سنعيد تأثيث المكان الجديد؟ لقد هاجمني ماضي المعاناة، وكيف كان (كرت الطعمة) الخاص بوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين مصدر التغذية الوحيد بالنسبة لجيلنا؟ فقد هاجرت أمي آمنة الرنتيسي من قرية يبنا سنة 1948، وهاجر أبي صلاح أبو شمالة من قرية بيت دراس، وتم زواجهما تحت خيمة في خان يونس سنة 1950، تلك السنة التي يذكرونها بسنة الثلجة، فقد سقط الثلج على خيام اللاجئين وأغرقهم بالتجمد، فهل ستتكرر النكبة، وتهاجر آمنه بعد خمس وخمسين سنة من بيتها بعد هدمة على يد أبناء من طردوها من اليهود، ما أوحش الهجرة من البيت، وما أمضى سيف الحنين! وكأن اللاجئين الفلسطينيين سنّوا ذاكرتهم على مسن الوجع، فكلما سمعوا صوت الرصاص تذكروا قراهم، وكلما سقط الثلج وأحسوا بالبرد تذكروا فلسطين، وكلما لوح الخوف بسيفه حول الأعناق عادوا لذاكره التراب يحتمون بها، بل وصل الأمر بالفلسطيني أن يبكي على الوطن إذا تناول الطعام وأحس بالشبع، إنها الأرض التي أطعمتهم من جوع وأمنتهم من خوف.
بعد دقائق أتم الجنود مهمتهم في دك بعض مواقع البيت بالمهدات التي يحملونها، والتي بتنا نقدرها من مكاننا، إنهم يثقبون الجدار في ثلاثة مواقع كي تطل منها بندقية القناص على الاتجاهات الثلاث، والدليل على ذلك كما أشار محمد فايز هو؛ تلك الحماية التي يضعها الجنود على ركبهم أثناء القنص، وهذا ما تأكدنا منه بعد مغادرتهم البيت، فقد تم فعلاً ما قدرناه، ولم يخطئ الجنود موضع الحفر إلا في المطبخ، حيث فشلوا في ثقب السور، فبعد تكسير السراميك، ومحاولة الثقب، أدركوا أن الجدار مسلح، فغيروا مكان الحفر، وأتموا مهمتهم، فلم يكن أي عمل مرتجل، دخلوا وفق خطة محددة، ساروا على هديها حتى النهاية.
استرجع ما سبق من اندفاع الجنود الإسرائيليين إلى مهمتهم المحددة بوضوح دون تردد في مكان معادٍ، ومجهول بالنسبة لهم، استرجع ما سبق مع الغيظ والحسد، وأنا استقبل مع بعض شخصيات خان يونس السيد أبو مازن المرشح لرئاسة السلطة الفلسطينية لدى زيارته لمحافظة خان يونس التي يبلغ تعدادها ربع مليون، إذ كان حشد المواطنين والحراس والمسئولين وطلاب المدارس قد قارب إلى ألفين أو أكثر أمام مبنى بلدية خان يونس، وكنا ننتظر في مكتب رئيس البلدية كي نستضيفه قبل أن يلقي كلمته أمام الجماهير؛ التي وصف فيها إسرائيل بالعدو الصهيوني، وفجأة اقترح أحدهم أن يكون استقبالنا له مع الجماهير، وأن نقف صفاً أمام باب البلدية كي نصافحه أولاً أمام الناس، ومن ثم نصعد معه لاستضافته، وساد هرج ومرج، ورفض وقبول، وفي النهاية نزلنا جميعاً إلى مدخل البلدية، ولكن؛ وبعد أن اصطف الجميع منتظرين، بدأ صف المستقبلين يطول حتى لكاد يصل إلى صفد، مع بعض الزحام والتدافع أحياناً.
انسحبت من بين المستقبلين ودخلت مبنى البلدية المرتفع عن مكان تجمع الجماهير، وذلك كي أشرف من بعيد على المنظر، وفجأة تدخل الحرس الخاص، وقطع ثلثي المستقبلين تاركاً طريق السيارة إلى مبنى البلدية مفتوحاً، ليبقى عدد من المسئولين على يسار باب البلدية الخارجي في استقبال أبي مازن، ولكن عندما اقترب الموكب؛ وترجل أبو مازن، لم يبق مكان لمستقبل، تزاحم على الموكب من تزاحم، ودخلت السيارة مسرعة إلى مبنى بلدية خان يونس، ليصعد أبو مازن مع الحرس إلى مكتب رئيس البلدية مع عدد قليل من أولئك الذين رفضوا الانتظار في طابور المصافحة، ولكن حالة الإرباك والارتجال التي سادت أبقت رئيس البلدية والمحافظ وبعض المستقبلين خارج سور البلدية لفترة من الزمن، لا يعرف بعضهم الدخول، ولم يدخل بعضهم نهائياً.
في المقارنة بين موقفين أضع إصبعاً على جرح ما زال ينزف عذاباً منذ عشرات السنين!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تحذر من -صيف ساخن- في ظل التوتر على حدود لبنان | #غر


.. البيت الأبيض: إسرائيل وحماس وصلا إلى مرحلة متقدمة فى محادثات




.. تشاؤم إسرائيلي بشأن مفاوضات الهدنة وواشنطن تبدي تفاؤلا حذرا


.. هل يشهد لبنان صيفا ساخنا كما تحذر إسرائيل؟ أم تنجح الجهود ال




.. بسبب تهديد نتيناهو.. غزيون يفككون خيامهم استعدادا للنزوح من