الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قانون الأحزاب الاردني وأسلمة الموقف السياسي

خالد حميد حسين البطاينة

2012 / 3 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


أصدر الشيخ يوسف القرضاوي فتواه الأخيرة في تحريم زيارة القدس والأقصى مقدما إدعاءا صريحا بأن الله يتبنى الموقف السياسي لحركة حماس وحركة الإخوان المسلمين ، ومتجاهلا حقيقة أن حادثة الإسراء والمعراج تمت بينما كانت الأراضي المقدسة خاضعة للإحتلال الروماني ومتجاهلا الأحداث التي سبقت صلح الحديبية والعديد من أحداث و تفاصيل السيرة النبوية .
الفتوى السابقة تقدم مثالا على التوظيف السياسي للإسلام . وتتضمن توصيفا ضمنيا لأي موقف سياسي مخالف لمضمونها بمخالفته لشرع الله ، وهنا مكمن خطورة تلك الفتوى لأنها تحول الموقف السياسي الى موقف غير قابل للجدل أوالرد .
والتوظيف السياسي للإسلام وأسلمة الموقف السياسي ليس أمرا جديدا لدى الحركات الإسلامية بشكل عام والإخوان المسلمين ، الذين ينتمي إليهم صاحب الفتوى ، بشكل خاص . ويعد الوسيلة الرئيسية لدى تلك القوى للوصول الى كراسي الحكم ، وهو الأمر الذي قد يقود البلاد العربية الى دخول مرحلة تشبه القرون الوسطى في أوروبا. ولا يمكن أن يكون وصول هؤلاء الى كراسي الحكم وسيلة لترسيخ الديمقراطية ، لأنه لا يمكن لهم القبول بالديمقراطية والتعددية بعد أسلمة مواقفهم السياسية ، بما يشير ضمنيا الى أن أي موقف مخالف لمواقفهم هو كفر وضلال ومخالفة لشرع الله .
ونشير في هذا السياق الى ضرورة تعديل الفقرة ب- من المادة الرابعة من مشروع قانون الأحزاب , والتي تنص على أنه "لا يجوز تأسيس الحزب على اساس طائفي او عرقي او فئوي... ". والاصل ، وكما يشير الزميل اسامة الرنتيسي ، ان يأتي النص بوضوح, "لا يجوز تأسيس الحزب على اساس ديني.." فتأسيس الاحزاب على اساس ديني, يشكل خطورة على النسيج الوطني, وحتى تسمية الحزب على سبيل المثال "الوسط الاسلامي" او " جبهة العمل الاسلامي" او غيرها, فيه محاولة تكسب سياسي بعد سيطرة حالة "التدين الشعبي" على الناس, والذي من خلاله تكتسح الاحزاب ذات التسمية الاسلامية صناديق الاقتراع, حيث يصوّت الناخب للحزب الاسلامي, ليس على برنامجه وتوجهاته وخطابه السياسي, بل على علاقة هذا الحزب بالتسمية الدينية فقط, ويستكمل الرنتيسي نقده لمشروع القانون بطرح السؤال التالي : هل يسمح قانون الاحزاب بتأسيس الحزب الديمقراطي المسيحي مثلا, او الحزب المسيحي الكاثوليكي?. ونضيف : أو "حزب جبهة العمل المسيحي" ؟
الانجاز التاريخي للاخوان المسلمين هو شعار "الاسلام هو الحل" : لكن هل هذا الشعار صالح كشعار سياسي ؟ نؤمن بأن الاسلام مكون اساسي في الحضارة والمجتمع ، ولكن لو أخذنا مثلا مشكلة البطالة ، فهل يعني ذلك الشعار أن حل المشكلة يتمثل بدخول المواطنين من أتباع الديانة المسيحية الى الإسلام ؟ وماذا عن المواطنين المسلمين الذين يعانون البطالة ؟ هل اسلامهم ناقص ، ويهدف المشروع السياسي لدى الاخوان الى استكمال أسلمتهم ؟ ليكون بذلك مشروعا دعويا وليس سياسيا . في الحقيقة ، فذلك الشعار لا يشكل الا وسيلة للتكسب السياسي ، ويشكل وسيلة للتهرب من تقديم مشروع سياسي عملي ومفصل يلتزم بروح الاسلام عبر تقديم الحلول للمشكلات التي يعاني منها المواطن ويحقق مصالحه .
الامام محمد عبده " وهو أحد أهم رموز النهضة الاسلامية في بداية القرن الماضي ، قال مقولته الشهيرة بعد زيارته الى فرنسا ، وهي " أنه ،في فرنسا ، هناك إسلام وليس هناك مسلمين بينما في البلاد العربية فهناك مسلمين وليس هناك إسلام " وكان يقصد بذلك أن الديمقراطية والعدالة والحضارة السائدة بالغرب هي الاقرب الى روح الاسلام بينما غيابها في البلاد العربية يجعلها أبعد عن الإسلام رغم وجود المسلمين والمتأسلمين وتجار الاسلام السياسي في البلاد العربية وهم الأخطر على الإسلام كما يرى الامام محمد عبده الذي عبر عن تلك الحقيقة في بيت شعر يحمل الكثير من المعنى حين قال :
لكنه دينٌ أردتُ صلاحهُ ........... أُحاذرُ أن تقضي عليهِ العمائمُ
وخطورة هؤلاء على الدين تتمثل في حقيقة أنهم يربطونه بسلوكهم السياسي فعملهم هو العمل الاسلامي كما يشير اسم الحزب ، ومنهجهم في الحكم ، ومشروعهم هو المنهج والمشروع الإسلامي ، مما سيعني في حال فشل ذلك المشروع فشل الدين الاسلامي وهذا ما لا نقبل به . لذلك نطالب بفصل المشروع السياسي والموقف السياسي عن الدين الاسلامي ، ونسبته الى القائمين عليه ، رفقا بهذا الدين .بحيث لا يتم وصفه بالعمل الاسلامي بل بعمل هؤلاء المتأسلمين الذين يستخدمون تلك التسميات في المزايدة على القوى السياسية الاخرى . فجميع الاحزاب العاملة في المجتمعات الاسلامية ، تعكس التراث والحضارة العربية الاسلامية التي ينتمي اليها منتسبوها ومؤسسوها بالضرورة ، وان لم يتم اعلان ذلك بالتسميات : وقد يكون اعلان ذلك محاولة اقصاء للاخر الذي بالضرورة لن يكون عمله اسلاميا . لا يجوز لنا كمسلمين أسلمة طروحاتنا السياسية ، لاننا لا نمثل الدين الاسلامي ولا نقبل أن تجير اخطائنا وفشلنا وأطماعنا لتنسب الى الدين الإسلامي .
في مرحلة المد الاشتراكي والشيوعي حاول تجار الاسلام السياسي توظيف الاسلام والدفاع عن الاشتراكية من خلاله فصدرت كتب تحمل عناوين مثل "الاشتراكية في الاسلام" ، والان في عصر الرأسمالية يحاول هؤلاء تقريب الاسلام من المنهج الرأسمالي ، وقد تصدر في الأيام القادمة كتابات تحمل عناوين مثل " الرأسمالية في الإسلام " ، وخصوصا في ظل التقارب الكبير بين الولايات المتحدة والحركات الاسلامية ، وهي التي مهدت لهم الطريق الى كراسي الحكم في العديد من البلاد العربية . تلك التقلبات في المواقف ظاهرة معهودة ، ونتوقع أن نشهد العديد من أمثلتها في المرحلة القادمة ، خصوصا في ظل السعي المحموم لدى هؤلاء المتأسلمين للوصول الى كراسي الحكم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البيت الأبيض: واشنطن لم تتسلم خطة إسرائيلية شاملة تتعلق بعمل


.. اتفاق الرياض وواشنطن يواجه تعنتا إسرائيليا




.. إسرائيل وحماس تتبادلان الاتهامات بشأن تعطيل التوصل إلى اتفاق


.. خطة نتياهو لتحالف عربي يدير القطاع




.. عناصر من القسام يخوضون اشتباكات في منزل محاصر بدير الغصون في