الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثورات العربية بين مطرقة الأنظمة وسندان الغرب..! - الحلقة الخامسة

عمر ياسين

2012 / 3 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


الثورات العربية بين مطرقة الأنظمة وسندان الغرب..! - الحلقة الخامسة
الاجتهاد وتراكم المعرفة في الفكر الاسلامي
عمر ياسين
يقوم الاجتهاد في الفكر الاسلامي على استنباط قاعدة او حكم ، لمعالجة قضية ما لم يتنزل فيها حكم في الكتاب او السنة بنص صريح ، او الاخذ من نص عام جاء مجملاً ، فيؤخذ بالتفريع عنه بعلّة تجمع الأصل الى الفرع ، وعليه يمكن الاخذ بالتفريع قياساً على حكم سبق الأخذ به يتماثل معه في مقاصده واهدافه مع الحالة المستجدة .

ونظراً للأهمية القصوى التي يُمثلها الاجتهاد في الامور العقيدية والفقهية ، واتّباع الناس لها في امورهم العبادية والاجتماعية والمعيشية ، والأخذ بالتحرّز في الأحكام ، شدد المجتهدون على انفسهم وغيرهم في الشروط التي يجب ان تتوفر في المجتهد الذي يتصدى لهذا الامر ، فأوجب بعضهم على المجتهد ان يكون عالماً بالكتاب ، ومقاصد النص ، واسباب نزوله ، ومحيطاً بتتابع ورود معانيه في مجمل النصوص حيث أتى ، والأخذ بالثابت من السنة عن الرسول( صلى الله عليه وآله وسلم ) قولاً وفعلاً ، ومواقع تطبيقها وحالاتها باعتبارها الاصل الذي يبنى عليه ويستَدُ اليه الاجتهاد.

وبتراكم الاجتهادات في حالات متنوعة وأزمنة مختلفة ، تتراكم المعرفة الفكرية للأنسان وللأمة ، فيستعين بمعرفة سابقة على تكوين معرفة جديدة .

فالاجتماع البشري خلال بحثه الدائم عن الافضل ، يستكشف معارف نظرية جديدة ، فيأخذ منها ما ينفعه ، وبتكرار الحاجة المجتمعية ، واجتهاد العقل في استنساب الأفضل من المعارف ، يصبح الفكر في تجديدٍ لا يتوقف ، ذلك ان التطور في الفكر الاجتماعي والسياسي في مسيرة كل امة ، ينتج عن حركة المجتمع ومقدرته على إحداث التغير .

وبمقدار ما يستجيب الفكر المنبثق عن الشريعة لحاجة الأمة ، ويصوغ القواعد والقوانين المتوافقة مع مكتسباتها الفكرية والبناء عليها ، لمواكبة التطورات الحادثة ، بقدر ما يحقق لها تواصلاً دائماً في رقيها وتحضرها ، وتأكيد وجودها وهويتها .

فمرجعية المسلمين في التأسيس للقواعد المنظمة لشؤون مجتمعهم ، وما يتمثل فيها من قيم العدالة الاجتماعية القائمة على العدل والمساواة وحقوق الافراد وحريتهم ،التي جاء بها الكتاب جلية واضحة لا تقبل التأويل.

وفي اتجاه أخر ، ربما ارتبط الاجتهاد في الرأي في استنباط بعض القواعد من رؤية مجتزأة من السياق العام للنص ، والترابط بين مقاصده الشاملة ، والتأثير المتبادل فيما بينها ، واجتماعها معاً في المقصد الكلي ، فيؤدي العمل بالمجتزأ منها وتطبيقها في الواقع ، الى خرقٍ في مجموعة الاهداف المكونة للعنوان الأساس ، وهنا يصبح إبطالها ، ووقف العمل بها ، وإحلال قاعدة اخرى مكانها امراً واجباً .

وهذا ما تنبه اليه الخليفة الثاني عمر بن الخطاب ، حين تغيّر حال الامة الاقتصادي والاجتماعي ، من حال واهن المقدرة لبيت مال الامة في العهد الاول ، الى حال من السعة والاقتدار في عهد عمر بن الخطاب ، فاقت مقدرة اهل الرأي من كبار الصحابة على التعاطي معها ، ولم يكن لهم سابقة عهدٍ بهذا الطارئ الاقتصادي ، فاجتهد الخليفة في إحلال قاعدة جديدة ، تُفاضلُ بين الناس بأعطاء البعض منهم حقوقاً من بيت المال ، ميّزتْهم عن غيرهم من افراد الامة ، مكان القاعدة السابقة ظنا منه بالتوسيع على الامة فيما يصلحها .

وتبيّن له بعد تطبيقها في الواقع ، آثارها الضارة على المجتمع وما سيتأسس عليها من تمايزٍ طبقي يطيح بقاعدة المساواة ، فأقر بخطأه ، واعلن العودة الى النظام الاول في قسمة العطاء بالمساواة بين افراد المجتمع .

وقال ((والله لو عشت لمثل هذا اليوم من قابل لألحِقنّ اخرها بأولها ، والسابق باللاحق )) فقد اظهر الاجتهاد في استنباط قاعدةٍ لجزء من النص ، وبناء قاعدة عليه ، دون الاخذ بعموميته ، الخروج بالنص عن مقاصده الشمولية التي ارادها الشرع ، وافسد مقاصده الاخرى .

وقد اظهر التطبيق ترابط قاعدة العطاء بقواعد نظرية اخرى جاء بها النص ، مما ادّى الى إحداث فوارق مادية واجتماعية في المجتمع ، وهيأ النفوس لنيْل رغباتها في التملّك ، ثم في القيادة ، ونَزعَ بها الى الحرص على ما امتلكتْ ، وإيثار مصالحها على مصالح المجتمع كله .

ولم يتمكن الخليفة من اجراء عملية التغير( نظراً لتغيبه بالموت ) فقد استثمرت الطبقات الناشئة عامل الزمن لحماية نفسها من التغير ، والحماية تتطلب القوة والمقدرة كمصدر اساس للحماية ، وهذه لن تتأتى لها إلا بسيطرتها على السلطة ، وبتداخل هذه المراحل واجتماع المنتفعين للعمل عليها ، بدأ الصراع بين الامة وحاكمها ومن وآلاه ، وبدأت الأسس الأخلاقية والاجتماعية والسياسية ، التي قام عليها الحكم في العهدين الاول والثاني تتهاوى واحدة تلو الاخرى امام تعنت السلطة .

من خلال هذه الرؤية انطلقنا في مقالتنا السابقة في تاريخ الدعوة لِنتبَيْن ، من استقرائها اين وقع الاجتهاد في النص ، ومدى ادراك مقاصده ؟ وأين التقت الأمة وأين افترقت ؟ وهل كان الاختلاف في الأصول والاركان ، أم في الفروع ؟ وما مدى التدخل الديني في الدنيوي ؟ والأسس التي قام عليها النظام السياسي والاجتماعي في العهد الاول وما تلاه ، وهو الاقرب الى التنزيل ومعايشة الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) - قرباً واحتكاماً - بمن لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحيٌ يوحى .

وتوخينا من هذا الاستقراء ، أن نتعرف على ما توصل اليه الخلفاء الاربعة من نصوص اجتهاديه ومعرفية ، عملوا بها فأصابوا، إم توقفوا فيها واختلفوا ، أم أن التأويل أخذ طريقه بعيداً عن شمولية مقصد النص واستجابته لمصلحة الأمة ، فأتخذ مساراً آخر ، أسس بعضه لما حدث من بعد ، سياسياً واجتماعياً ، وسنختار لهذا مثالاً من امثلة اخرى سنتعرض لها في بحث اخر ، لنصل من خلالها واستقرائها وتَتبُعها الى تحديد العوامل التي أسست لنظام بديل
الاول : اجتهاد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب بالرأي في العطاء ، مخالفاً بهذا الاجتهاد ، ما جرى عليه الحال في عهد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والخليفة الاول .

وكان عطاء المسلمين من بيت المال في عهديهما ، يقوم على المساواة المطلقة في التوزيع ، لا فرق بين أحد وآخر، فالرجال والنساء والارقاء كلهم سواء ، وحين طُلب منه البعض أن يميز المهاجرين والسابقين عن غيرهم في العطاء قال (( أجرهم على ذلك عند الله ، وأنما الدنيا بلاغ )) .

ثم جاء العهد الثاني من الخلافة ليتعاطى مع معطيات التطور الاجتماعي والاقتصادي في المجتمع ، آخذاً باجتهادٍ عقلي ، رأى فيه أن يكون الثواب على قدر الجهد والمنفعة ، وفضّل السابق على اللاحق ، وذوي القربى عن غيرهم من الناس في العطاء .

وقد شكل هذا التمايز بين الافراد بداية لنشوء الطبقات المتميزة مادياً واجتماعياً ، وفي التطبيق ظهر عدم صلاحية هذا الاجتهاد ، لِما أحدث من تغيرات حادتْ عن النظرية الاولى ، التي أسست لقيام المجتمع على أسس غير مسبوقة في العدل والمساواة .

وما ان خلا المشهد لهذه الطبقات الناشئة حديثاً - بموت الخليفة - حتى استثمرت عامل الزمن لحماية نفسها فما كانت لتخاطر بالظهور والتعبير عن رغباتها وطموحها ما دام الخليفة حياً بينها ، فقد احاط الخليفة زعماء هذه الطبقات بقيود لا تُتيح لهم حرية الحركة حتى في اسفارهم وخروجهم من - المدينة – عاصمة الخلافة ، تَحَرّزاً مما قد يُحيق بهم من اختلاطهم بالناس في العواصم التي فتح الله عليهم ، وما بها من بذخ في الحياة وزخرفها .

لهذا سنبدأ البحث في مرحلة بداية الانقلاب السياسي ، لنتعرف على مكونات هذا التغير ومدى تصالح الاجتهاد او تصادمه مع النص ، تلك العوامل التي استطاع البعض من خلالها الاستحواذ على السلطة ، والغطاء الذي استترت به ، والاسباب التي نتج عنها تفريق الامة ، والاسس التي تحصّنت بها كل فرقة مُعلنة انها وحدها هي الفرقة الناجية .

وعليه فقد نستكشف سبل الالتقاء المشترك اوالممكنة منها ، للبناء عليها مع التيارات والمذاهب المختلفة ، لتصحيح المسار ما امكن الاخذ ذلك .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. زيلينسكي: -معارك عنيفة- على -طول خط الجبهة- | #مراسلو_سكاي


.. استشهاد الصحفي بهاء عكاشة بقصف إسرائيلي استهدف منزله بمخيم ج




.. شهداء ومصابون جراء غارات إسرائيلية استهدفت مربعا سكنيا بمخيم


.. نشطاء يرفعون علم عملاق لفلسطين على أحد بنايات مدينة ليون الف




.. الاحتجاجات الطلابية على حرب غزة تحقق مطالبها في أكثر من جامع