الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بلاغة الارتياب في -شبه لي- للشاعرالسوري سامي أحمد.

مصطفى لغتيري

2012 / 3 / 6
الادب والفن


تمتلك القصيدة العربية المعاصرة كثيرا من مشروعيتها من خلال انفتاحها على المستقبل ، إذ لم يعد التراث الشعري العربي القديم مانحا للشرعية ، فأصبح -نتيجة لذلك- انخراط القصيدة المعاصرة في التجريب و انفتاحها على آفاق جديدة ، شكلا ومضونا، الانشغالين القويين اللذين يهيمنان على الشعراء ، ليؤسسوا لأنفسهم أصواتا خاصة و متفردة بعيدا عن التقليد و الاستلاب..
يفرض هذا الاعتقاد نفسه على القارئ كلما توغل عميقا في تجارب القصيدة المعاصرة ، التي يبدو أنها قطعت أشواطا كبيرة في تشكيل هوية جديدة للشعر العربي ،لا علاقة لها البتة مع ما حكم شعرنا العربي من تصورات على امتداد تارخه الطويل .
إن المطلع على ديوان الشاعر السوري سامي أحمد الموسوم ب "شيه لي" ، سيشعر لا محالة بأنه أمام تجربة شعرية ذات نكهة خاصة و مختلفة ، ميزت كل قصائد الديوان تقريبا و وسمتها بميسم خاص ، فاعتماد الشاعر على الكتابة الشذرية و انتهاج أسلوب الهايكو منحا القصائد مسحة من التفكير و الدقة ، يقول الشاعر
لم علي أن أقول للظلام
أن يعترف لي
بأشيائه و أقفاصه و مناماته
وسادة للسديم؟
لقد تخلصت الكتابة الشعرية عند سامي أحمد من الغنائية المفرطة ،التي تميز الشعر العربي عموما ، و خطت لنفسها خطا تأمليا يتميز بتفكير عميق ، يختزن نظرة عميقة للذات و العالم من حولها ،بعيدا عن العواطف الجياشة و الأحاسيس المفرطة في قسوتها ، يقول الشاعر
لم علي أن أشهد بالخواء
و أرتدي كل هذا الجسد
و أن أتقنع بهذا الوجه
و غالبا ما يخرج الشاعر بقبسات مضيئة ، يصوغها في ما قل و دل من قبيل
لأنني أكبر
تكرهني طفولتي
و حتى حينما يلجأ الشاعر إلى الصورة الشعرية فإن تعامله معها يختلف عن التعامل الدارج على ألسن الشعراء ، فصور سامي أحمد تنبني بلبنات العمق الذهني الواضح ، يقول الشاعر
هاهي نجمة ترمي بأسمائها
فوق أهدابي
و ليلها قبري
كما تتميز هذه الصورة الشعرية بكثير من الغرابة ، خاصة حينما تجمع بين المتنافرات ، حتى أن الذائقة التقليدية لا تستسيغها ، وحدها الرؤيا الحداثية للشعر تحتفي بفتوحاتها ، التي تنأى بالشعر عن التقليد و الببغاوية ، يقول الشاعر
عصفوران ينامان تحت الوسادة
نهداك المائلان في العراء ينقران الزجاج
يستلقيان على رصيفي بلا تردد
و في قصيدة أخرى يقول
أنا السلم المعلق على الغبار
و الباب الذي لم يصرخ بعد
أنا المعلق بثياب متعبة
و بعقول تجهل المعنى
و قد يلجأ الشاعر في صوغ قصائده إلى تعابير عادية، لكنها عندما تنتظم في القصيدة تخلق دهشة مضاعفة ، دهشة بساطتها و دهشة عمقها ، و كأنها اكتسبت أبعادا جديدة بانتظامها في القصيدة ، يقول الشاعر
شبه لي
أن الشمس في بلادنا
تشرق من الشرق
و الأرض تدور
شبه لي أن لي بلادا
و حينما يتناول الشاعر بعض الثيمات ، التي تستهوي عادة الشعراء كالحب مثلا ، فإن الشاعر ينجح في إثارة إعجابنا بلمسته الفنية البسيطة و البديعة ، يقول الشاعر
الحب في ضيعتي
تفوح منه رائحة الحبق
إنها بلاغة شعرية جديدة يساهم الشعراء المعاصرون في تأسيسها ،كل منهم بمقدار -و ضمنهم بالطبع- الشاعر سامي أحمد ..هذه البلاغة تعتمد البساطة و العمق ، و تخلق في القارئ الكثيرمن الدهشة و الشك و الحيرة ، و ذلك باعتمادها على تعابير غير مألوفة ، يقول الشاعر
مرت جنازتي في الطريق
أمام بيتي
فحييتها كما يفعل الطغاة
و يقول في قصيدة أخرى
كموج يخلع صراخه
أجرد كمائني
من حسد الثعلب
و تمضي قصائد الديوان على هذا المنوال ، مفجرة في القلب و الذهن الكثير من الدهشة و الحيرة و السؤال ، و خالقة متعة القراءة ، التي تطفر من ثنايا القصيدة كفراشات حرضها دفء الربيع و سخاؤه..
و يطيب لي أن أختم هذه الوقفة العجلى عند ديوان الشاعر السوري سامي أحمد " شبه لي " بقصيدة اختار الشاعر أن ييختم بها ديوانه الجميل ، و تحمل عنوانا لها "مفارقة"
ما الجسد الذي سأرتديه
عندما أنام معها
ما السورة
التي سأتلوها على أعضائي
كي لا تنام
نساء كلما جامعتهن
حبلن بالفراق
نساء حبالى بالشك
يسبيهن اليقين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حفيد طه حسين في حوار خاص يكشف أسرار جديدة في حياة عميد الأد


.. فنان إيطالي يقف دقيقة صمت خلال حفله دعما لفلسطين




.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز -ديدي- جسدياً على صدي


.. فيلم السرب للسقا يقترب من حصد 28 مليون جنيه بعد أسبوعين عرض




.. الفنانة مشيرة إسماعيل: شكرا للشركة المتحدة على الحفاوة بعادل