الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ازمة اليسار من سوريا

عيسى ربضي

2012 / 3 / 7
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


لم ار اليسار في العالم العربي اكثر تفاوتاً بالمواقف من موقفه من سوريا منذ تفاوته من الموقف من قرار تقسيم فلسطين. حينها " أفتى" أئمة اليسار مع وضد وشرعنوا ورفضوا مبررين رفضهم او موافقتهم بمقولة لأحد اولياء الماركسية الصالحين والمبشرين بالشيوعية. ترى اليوم اليسار عاد ليتباين في مواقفه مما يجري في سوريا بعضهم مطلقاً على ما يحدث ثورة الكرامة واخر ينعتها بمؤامرة على المقاومة وحلف الممانعة واقلية ترى غير ذلك وهو ما سنعود له.
يقع اليسار اليوم وتحديداً القريب من سوريا والذي يعيش فيها في مأزق فكري وسياسي لا يبدو انه استطاع الخروج منه حتى الان لا فكريا ولا حتى سياسياً. وتنّوع اليساريين إلى عدة اطياف؛
الطيف الأول هو اليساري الملتزم بقرار حزبه والذي انتظر الحزب كي يقرر له موقفه ومن ثم تبنى هذا الموقف ودافع عنه وكأن الحزب ليسى سوى قرار قيادي بدون أي ديناميكية. هذا الطيف ليس ملتزماً بقرار حزبه كونه احد اسس التنظيم اللينيني للحزب مثلاً بل من منطلق ضعف الرؤية الفكرية والاطلاع السياسي وهذا ما يجعل هذا الطيف غير قادر على المبادرة او اتخاذ موقف الا بارتباطه بالقرار الحزبي. قد يقول البعض محقاً ان العضو الحزبي من الطبيعي ان لا يجاهر بمواقف مخالفة لمواقف حزبه الا ضمن القنوات التنظيمية لكن اتخاذ موقف شخصي من أي قضية يمكن العضو الحزبي من تقييم موقفه ووضعه في الحزب. فالحزب الثوري الحقيقي ليس بحاجة إلى اتباع بل إلى مبادريين قياديين وطلائعيين.
الطيف الثاني هو من اتخذ موقفاً مما يجري بسورياً واعتبره ثورة ودعمه محقاً من منطلق رؤيته الفكرية لطبيعة نظام البعث الحاكم وفهمه لطبيعة الصراع بين الانظمة البرجوازية الذيلية والشعب. من الطبيعي ان يتخذ اليساري موقفاً مناصراً للشعب ومطالبه بلا تردد ومناهضاً للأنظمة الاستغلالية التي تقهره منذ عقود. واستمر هذا الطيف بدعم ما يجري بسوريا بدأً من الحراك الشعبي العفوي إلى العنف المسلح مستنداً إلى تسميات العنف الثوري في الادبيات اليسارية ليكون داعماً بلا شك لكل تحرك ضد النظام. بعض الرفيقات والرفاق قالوا بالكلمة نؤيد ونتحالف مع الشيطان في سبيل اسقاط النظام – وكأن الشيطان اسواء من انظمة القمع – لكن هذا الموقف ينطلق من ان الغاية تبرر الوسيلة هذا الموقف البعيد كل البعد عن الفكر العلمي الجدلي. واستمر هذا الطيف من اليسار بدعم أي تحرك ضد النظام حتى بعد ان تكشفت حقيقة دعم انظمة اكثر رجعية من سوريا مثل قطر والسعودية لحركات سلفية طائفية تعلن بوضوح موقفها الظلامي للمنطقة بأسرها وليس فقط من سوريا. فقامت حركات سلفية ونفعية بتأسيس حركات مسلحة تحمل اسماء طائفية متعددة معبرة عن هويتها السنّية وتمادت في تسمياتها لتتسمى بأسماء مثل كتائب حمد امير قطر!!! وما زال هذا الطيف من اليسار يصرخ ما بال اليسار ينهزم عن نصرة الثورة في سوريا؟ لم يعد هذا الطيف من ايسار يستطيع التمييز بين ثورة الشعب والانقلابات العسكرية – التي جلبت العديد من انظمة القمع لسدة الحكم ومن بينها بشار وحمد – ولم يستطع لا استقراء المستقبل كما يفترض باليسار ان يفعل بل ان يتعلم من التجارب الحالية القريبة مثل تجربة الثورة في ليبيا. ان خطر هذا الطيف من اليسار ليس فقط في ضبابية رؤيته – رغم ان له من المنظرين الكثير ممن يكن لهم الاحترام بين اوساط اليساريين – بل ايضاً في عدم استناده على التحليل الماركسي لطبيعة العلاقة التي تجمع اليساريين بالنظام السوري. بعض اوساط اليسار في فلسطين تعتبر العلاقة مع النظام السوري علاقة تحالف وصراع وقد بنت موقفها مما يجري في سوريا بهذه الجدلية لكن حتى هذا لم يكن واضحاً متى يكون التحالف ومتى يكون الصراع مما ترك الآرضية مكشوفة للعبث بها خصوصاً بسبب تأخر او عدم وضوح الموقف مما يجري بسوريا.
الطيف الثالث من اليسار لايقل خطورة عن الطيف الثاني، هذا الطيف الذي ابدى مطلق التأييد للنظام البعثي مذكراً ايانا بموقفه المشابه من نظام البعث العراقي. هذا الطيف يبني موقفه على ان سوريا تقود " حلف الممانعة" وتؤمن الحماية للمقاومة في لبنان وفلسطين إلى حد ما. وقد نسي اتباع هذا الطيف العلاقة الجدلية مع هذا النظام – تحالف صراع - ونسي ان هذا النظام ، وهو يحارب بعض المرتزقة المدعومين من قطر والسعودية والمدفوعين من قبل الامبريالية العالمية لتشكيل " شرق اوسط جديد" اكثر تبعية، فهو يحارب ايضاً الحراك الثوري الشعبي بنفس الهمجية والرعونة. لم يدرك اتباع هذا الطيف ان النظام اذ يستميت في قتاله فهو يدافع عن وجوده ليس الا. والا ماذا يعني استمرار النظام بالحفاظ على هدوء جبهة الجولان؟ وماذا يعني استمراره بلغة الدبلوماسية في محاربة الهجمة الامبريالية عليه؟
ان النظام البعثي ليس ثورياً بالمفهوم الماركسي وان كانت مصالحه وضعته في مواجهة قد تصبح دامية مع الامبريالية العالمية مؤقتاً حيث تفترض الأخيرة قدرتها على استبدال هذا النظام بنظام اكثر انفتاحاً على الامبريالية واكثر استعداداً للتسليم بوجود الكيان ليس كجار على حدوده انما كجزء محوري سيادي من النسيج السياسي فيما يسمى الشرق الاوسط الجديد. ولا شك ان الامبريالية تسعى لاستبدال النظام بأخر اكثر تبعية لتسهيل مهمة محاصرة ايران وتصفية أي وجود لقوى مقاومة على الساحة اللبنانية. ولا شك ان الامبريالية العالمية لعبت دوراً محورياً في تجنيد الحركات الاسلاموية في تونس ومصر للضغط على حركة حماس وتحييدها بعد فشل مهمة القضاء على المقاومة – وليس حماس – في غزة عام 2006، فتكون بذلك قد جندت قوة لا يستهان بها من " المقاومة" المفترضة بغزة – حماس تحديداً – لضرب بقية حركات المقاومة الرافضة للتسليم بهذا الانحراف عن قيم المقاومة ومبادئها، وبذلك تضعف المقاومة ان لم تنتهي في سعي من قبل حماس للحفاظ على وجودها ومصالحها كتيار انتهازي سلفي يرفع شعار المقاومة ويمارسها ويكون حملاً وديعاً حين تستدعي مصالحها ذلك. وبالعودة إلى سوريا، يبقى طيف لا يؤخذ موقفه بالحسبان وهو الطيف الرابع من اطياف اليسار.
فالطيف الرابع يؤيد الحراك الثوري الشعبي في سوريا بل ويلعب الدور الريادي به، لكنه يدرك اهمية انجاز مهام الثورة من قبل التيارات الثورية الديمقراطية في سوريا بدون تفويض للزعامات الأكثر ديكتاتورية بالعالم من قطر وامثالها كأذيال للامبريالية وممولين لمصالحها، ان يحتلوا سوريا ويقسموها إلى ولايات طائفية. وبوادر هذا التقسيم واضح من التشكيلات العسكرية الطائفية التي تحمل اسماء طائفية وهابية وتقوم بأعمال عنف ضد الطوائف غير السنية مع تركيزها على الشيعة في المرحلة الحالية كون الشيعة تمثل هوية حزب الله في لبنان وحكام ايران فيكونون بذلك قد بدأوا حربهم الطائفية ضد الشيعة لكن من المؤكد انها لن تقف هناك وسيكون بقية الطوائف والملل وبلا شك اليساريين المستهدفين في المرحلة اللاحقة. وقد يكون ما يحدث في ليبيا اليوم نموذج حي لهذا التقسيم الطائفي والتنصل من جميع القيم غير المذابة في الوهابية كما حصل بتدمير تمثال عبد الناصر كرمز للقومية وتدمير ممتلكات المسيحيين والصراعات القبلية....الخ.
فيكون موقف هذا الطيف اكثر انسجاماً مع الهوية اليسارية الثورية واكثر قرباً للموقف الثوري من ثورات الشعوب كقاطرات للتاريخ متسلحاً بمبداء التحالف والصراع وفهم طبيعة الحركات السلفية كحركات اعمق تبعية واكثر اجراماً تجاه الحراك الثوري الشعبي وهو ما يظهر جلياً في تونس ومصر من تشكيل الشرطة الدينية ومنع حرية التعبير وتحريض فئات من الشعب على الحراك الثوري تحت بند: التكفير. ملخص موقف هذا الطيف: مع الثورة الشعبية، ضد انظمة الطغاة، ضد تقسيم سوريا وتطويفها، ضد استباحة سوريا كما حصل في ليبيا.
ملاحظة اخيرة لقوى اليسار يجب التنبه لها وهي التغيير الجذري في خطاب الحركات الدينية بعد الثورة وهو تغيير غير مستغرب من حركات انتهازية وصولية واصولية حيث تغيير موقفها مبني على مصلحتها ورغبتها في الوصول للسلطة وتعطشها لتكون بديلاً للسلطة البرجوازية " غير الدينية" الحالية. فمراجعة سريعة لخطاب حركتي الاخوان المسلمين في مصر والنهضة في تونس تظهر جلياً انقلابهما على خطابهما السابق ليس بالموافقة على اتفاقيات كامب ديفيد كثمن لقبول الامبريالية بالاخوان في السلطة في مصر ولا رفض تجريم التطبيع في تونس لنفس السبب فحسب بل ايضاً لعبها دور الشرطي على شعبها ودور التحريضي على المقاومة وانغماسها في سياسة تطويع حماس وغيرها من الحركات الدينية.
اذا اراد اليسار البقاء فليس عليه التخلي عن مبادئه وقيمه بل عليه ان يكثف نضاله السياسي والاجتماعي وان يبني كادر يساري واعي ومناضل وان ينغمس في مواقعه الطبيعية بين العمال والفلاحين وفئات الشعب المهمشة لا ان يسترخي مقلباً معاجمه السياسية والنظرية بحثاً عن وسيلة للبقاء تحت نعال السلطة الجديدة ذات الرداء الديني هذه المرة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تساهم ألمانيا في دعم اتفاقية أبراهام؟| الأخبار


.. مروان حامد يكشف لـCNN بالعربية سر نجاح شراكته مع كريم عبد ال




.. حكم غزة بعد نهاية الحرب.. خطة إسرائيلية لمشاركة دول عربية في


.. واشنطن تنقل طائرات ومُسيَّرات إلى قاعدة -العديد- في قطر، فما




.. شجار على الهواء.. والسبب قطع تركيا العلاقات التجارية مع إسرا