الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أهم أعمدة المرحلة الانتقالية في سورية

عبدالله تركماني

2012 / 3 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


دلّ الحراك الشعبي السوري على أصالة حركة التغيير، التي لم تكن سوى نتاج تفاعل داخلي ونضالات طويلة ومعقدة لقوى وحركات سياسية وفكرية، على مدى عقود من الزمن. مع وجود أوضاع دولية مشجعة، خصوصاً الموجة الداعمة لقضايا حقوق الإنسان والحريات على المستوى العالمي، تلك التي ازداد رصيدها منذ انتهاء الحرب الباردة في العام 1989، حتى وإن تم توظيفها لأغراض سياسية، إلاّ أنها موضوعياً خلقت أجواء مناسبة دولياً للتغيير والانتقال الديمقراطي، بغض النظر عن ازدواجية المعايير وانتقائية السياسات.
لقد أكد السوريون، كغيرهم من شعوب العالم، أنهم يرفضون الاستبداد ويطالبون بالعدالة والمساواة وسيادة القانون والشفافية والمساءلة ومستوى معيشة مقبول. إلا أنّ تحديات كثيرة ستواجه سورية في المرحلة الانتقالية من الاستبداد إلى الديمقراطية، ولكن من الممكن التعاطي المجدي معها إذا ما توفرت إدارة عقلانية للموارد المادية والبشرية والاستراتيجية السورية.
ويُقصد بالمرحلة الانتقالية تلك الفترة التي تمتد بين إسقاط النظام السوري والتأسيس للدولة الديمقراطية، وتعترضها - بداية - تحديات تتمثل بالتنازع على مصير النظام المندثر وكيفية محاسبة رجالاته، خاصة أولئك الذين لوثوا أيديهم بدماء الشعب السوري وأفسدوا بالمال العام، وعلى الحلول المباشرة الواجبة لتأمين حاجات المجتمع وأمنه. وتكتنف تلك المرحلة مهمات متنوعة، كصياغة دستور جديد وتشريعات تضمن حقوق الإنسان والمواطنة وقضاء مستقلاً وإعلاماً حراً وتنمية مستدامة ومؤسسات نزيهة لضمان الأمن. وأكثر ما يهددها هو العمى الأيديولوجي لدى البعض والتعصب الفئوي لدى البعض الآخر، اللذان ينذران بنشوء بؤر متفجرة للنزاعات الطائفية أو المذهبية أو القومية، ما يفسح في المجال أمام تصاعد العنف وإسقاط مشروع الانتقال الديمقراطي برمته في أتون الفوضى والصراع الأهلي.
وهي مرحلة قد تطول أو تقصر، تبعاً لحجم المشكلات والصعوبات ولنوعية المعوِّقات السياسية التي تعترضها، والناتجة عن الآثار السلبية لنظام الاستبداد طوال أربعة عقود، وبخصوصية المجتمع السوري وتنوع مكوناته ودرجة تطوره الاقتصادي والثقافي، والأهم مدى تبلور البديل السياسي ونضجه. وكلما كانت هذه المشكلات واضحة وتمت معرفة أسبابها وملابساتها، كلما كانت القدرة على تجاوزها أسهل، ونجحت قوى التغيير في خلق تفاهم وطني عريض وإحباط الألغام الأيديولوجية التي خلّفها تباين الخيارات السياسية والفكرية وتجاوز سوء الفهم والتنافس المرضي بين الجماعات والأشخاص، كلما كانت التكلفة أقل.
إنّ طبيعة الفترة الانتقالية أنها مرحلة استعادة توازن المجتمع، وترميم ما تصدع من أعمدة الدولة التي سعى النظام السابق لهدمها. وهي التي يتم فيها إرساء الأساس الذي يبنى عليه المستقبل، وخطورتها أنها تتفشى فيها التحركات المضادة للثورة، والتي تعرف، في علم دراسات الثورات والتحولات التاريخية، بـ " فوضى ما بعد الثورة ".
ولأنّ الاستبداد والتسلط بنية وليس مجرد فرد أو نظام، فإنه ما لم تهتدِ سورية إلى أنّ تأسيس الانتقال الديمقراطي ينبغي أنْ يرتكز على ضمان الحريات الشخصية والعامة، وتداول السلطة، والحريات الدينية والسياسية للمواطنين، وإبعاد الدين عن أنْ يكون مادة للدعاية الانتخابية والحزبية. فإذا لم تتوجه سورية نحو الخيارات السابقة ستبقى بنية الاستبداد قائمة مهما تنوعت أشكاله، وبالتالي فإنّ نجاح الثورة السورية في تحقيق أهدافها لا يقاس - فقط - بقدرتها على الإطاحة بنظام الاستبداد بقدر ما يقاس بقدرتها على إقامة نظام بديل لذلك الذي قامت من أجل إسقاطه.
إنّ الحل هو إسقاط النظام القائم بنية وسلوكيات، مع الحرص على مؤسسات الدولة والممتلكات العامة وقطع الطريق على أي شكل من أشكال الطائفية ونزعات الانتقام الغرائزية ومماهاة السلطة الديكتاتورية الفاسدة بقطاعات سكانية واجتماعية بعينها. هذه مهام أساسية في المرحلة الانتقالية، إلى جانب المباشرة ببناء منظومة جديدة، سياسية وقانونية، تكفل للمواطنين جميعاً، بمن فيهم أنصار النظام الحالي ممن لم تتلوث أيديهم بدماء شعبنا والأموال العامة، حقوقهم في دولة قانون ومؤسسات وحريات.
ومما لا شك فيه أنّ المجلس الوطني السوري سيلعب دوراً محورياً في قيادة عملية التحول، عبر الدخول في مفاوضات مع الممثلين لقيادات المعارضة الأخرى أو أية شخصيات تحظى باحترام شباب الثورة، من أجل تشكيل حكومة انتقالية. وبالتالي يجب أن تفضي هذه المفاوضات إلى جدول زمني لإنجاز عملية التحول الديمقراطي التي تقوم أولاً على إعداد دستور مؤقت جديد للبلاد من جانب خبراء دستوريين وقانونيين وإصلاحيين سياسيين (ثمة شبه إجماع على أن يكون دستور عام 1950 هو أساس هذا الإعداد). وبعد ذلك تقوم الحكومة الانتقالية بوضع قانون جديد للانتخاب والأحزاب السياسية والذي يفترض أن يحكم عملية انتخاب جمعية تأسيسية لإعداد الدستور الدائم، وتشرف على الانتخابات لجنة وطنية مستقلة عبر إشراف قضائي ومراقبين محليين وعرب ودوليين.
إنّ ضمان الانتقال الآمن والسلمي إلى الديمقراطية يستند إلى عمودين رئيسين، تبعاً لما كتبه الدكتور رضوان زيادة: المصالحة من أجل ربح المستقبل، واستعادة الثقة بالمؤسسات.
ومن خلال استجلاء ملامح خبرة عربية مجهضة خاضتها حركات التغيير الديمقراطي في العالم العربي، يمكن التوقف أمام عدد من الدروس المستفادة، ومنها:
(1) - التخلص من وهم التغيير السياسي السريع، فمع أنّ هناك ظرفاً موضوعياً يدفع في اتجاه التحول الديمقراطي، إلا أنه يحتاج إلى عمل تراكمي متواصل.
(2) التخلص من وهم أنّ التغيير سيحمل حتما الديمقراطية، فليس ثمة ضمان أن يؤدي التغيير السياسي حتماً إلى تحقيق الديمقراطية.
وختاما، يمكن القول إنّ عملية التحول الديمقراطي في أمس الحاجة إلى توافر مجموعة من العوامل المهيأة لنجاحها وفي مقدمتها: التوعية السياسية المكثفة، والعمل الجماعي السياسي، وعقد تحالفات أوسع نطاقاً، والبحث عن وسائل سلمية للاحتجاج والمعارضة، وتوظيف الدعم الدولي لما يخدم المصالح الوطنية العليا. حيث تشكل هذه العوامل مداخل استراتيجية لا غنى عنها في إطار إحداث التحول الديمقراطي المنشود في سورية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لما كل هذه الدماء
فرج الله عبد الحق ( 2012 / 3 / 7 - 09:12 )
عزيزي الكاتب
تقول في مقالك
(2) التخلص من وهم أنّ التغيير سيحمل حتما الديمقراطية، فليس ثمة ضمان أن يؤدي التغيير السياسي حتماً إلى تحقيق الديمقراطية
وأسأل أنا المواطن لما كل هذه الدماء إذا كان الناتج دكتاتورية، انت تطالب الشعب الهروب من المطر ليجلس تحت المزراب
شكراً


2 - نرجو الاجابة
قلم رصاص ( 2012 / 3 / 7 - 12:24 )
عزيزي الكاتب هل يمكن ان تشير لنا الى المؤشرات او العوامل التي استندت عليها عندما فكرت بمرحلة ما بعد النظام؟
تكرم علينا وادمج معها الموقف الروسي والصيني وتفكك المعارضات السورية والقسم الموالي للنظام مع الاغلبيه الصامته التي لا تريد اسقاط النظام وكما لا تريد المشاركه بما تسميه ثورة .. حاول فضلا ان تناقش ايضا ما يحدث في مصر واليمن وليبيا وقبلها بالعراق كنتائج ايجابيه او سلبيه لما كنموذج للبلدان العربيه الديموقراطيه -بعدد عن ا قطر والسعوديه - :) سوف نطمح بمزيد من كرمك ونطلب منك ان تسمي لنا رئيس جديد للبلاد على اساس ان نظرتك المستقبليه تبدو ثاقبه وتختصر الوقت الحاضر على الاقل
تحياتي

اخر الافلام

.. سيناريوهات خروج بايدن من السباق الانتخابي لعام 2024


.. ولادة مبكرة تؤدي إلى عواقب مدمرة.. كيف انتهت رحلة هذه الأم ب




.. الضفة الغربية.. إسرائيل تصادر مزيدا من الأراضي | #رادار


.. دولة الإمارات تستمر في إيصال المساعدات لقطاع غزة بالرغم من ا




.. بعد -قسوة- بايدن على نتنياهو حول الصفقة المنتظرة.. هل انتهت