الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخصومة والعداوة

حميد المصباحي

2012 / 3 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


الخصم والعدو
في الفكر السياسي,منذ القدم,استطاع التمييز من خلال الصراعات,بين الخصومة والعداوة,فالخصم تتنافس معه,وتعتبره مشاركا لك في المصير,وتحرم على نفسك التفكير في إبادته,أو القضاء عليه,فما الذي يفرض هذا التعامل؟عندما اكتشفت المدنية,وبدأ الناس ينتظمون وفقها,أدرك الفكر البشري أنها تفرض أسلوبا حضاريا في التعايش بين الناس,فاهتدوا إلى القوانين للحسم في الإختلافات,وتعارض المصالح بين الأفراد والجماعات,فلا يعقل أن يكون الوطن مشتركا بين أعداء,إنه يفرض نبذ العدوان,كيفما كانت درجة الصراعات وحدتها,ومن هنا اعتبرت كل استعانة بالأجنبي خيانة,لايقبل بها المواطنون,ولا الساسة الذين يتحولون إلى زعماء لهذه الجماعة أو تلك,لتظل الخصومة السياسية حاضرة في المناوشات,بل حتى عندما تصل لدرجة المواجهة المسلحة,فإن لحمة الإتفاق تظل ممكنة,بل واجبة بين أبناء الوطن الواحد,ويتنزه الطرفان على الإستعانة بالأجانب,والقبول بتدخلهم,أو توجيهاتهم وأسلحتهم مهما كانت الحاجة إلى ذلك ملحة,احتراما لحرمة الوطن واالبلد,حتى لايتحول إلى معترك لتصفية الحسابات,وتتعمق جروح الخصمين,مما يجعل من الإحتكام للعقل والقانون مستبعدا,إذ تتولد الرغبة العارمة في الإنتقام والثأر,بين الطرفين,وتزداد التباعدات والتمزقات بين الخصوم,مما يؤدي لتقسيم الأوطان والثروات,وتفاديا لهذه النتائج الكارثية,يحرص الخصوم على التنافس,وعدم تحويله إلى مواجهات عنيفة,لفظا وفعلا,ويمنع التحريض على القتل والإبادة,وكل الوسائل التي تفاقم الصراعات,وأولها تجنب الإشارات العرقية,أو جعلها في خدمة الممارسة السياسية,وكذلك التصنيفات الدينية,التي تجعل السياسة فعلا وحشيا,يحول الخصوم إلى أعداء,كالإتهام بالكفر والردة وغيرها من الأوصاف المشيطنة للخصم في نظر الأتباع والمتعاطفين مع هذا التيار أو ذاك,لتفادي هذه الكوارث حاول الفكر الحداثي,عدم استغلال ما هو عرقي أو ديني أو ثقافي في الخصومات السياسية,وابتدع أسلوب الإنتخابات للتعبير عن الرأي وميولات المجتمعات البشرية,بدل القوة الفزيائية والخداع والتحايل,وتأسست الدولة المعاصرة كحصيلة لمجهودات الإنسانية في الفكر السياسي منذ اليونان,على المواطنة,والقوانين,بدل القوة,والقبيلة والعصبية,لكن هذا لايعني إلغاء الديانات واالثقافات أو التحامل عليها,فالدولة العلمانية لاتستطيع القضاء على الدين المتجذر في المجتمعات البشرية,سواء كانت غربية أو شرقية,لأن الديانات جزء من الثقافات والتاريخ الإنساني,لكن الدولة الحديثة توقف استغلاله السياسي,ليكون تراثا للجميع,وليس لأحد الحق في ادعاء حمايته أو الذوذ عن حماه إلا وفق اتفاقات محددة,وتأويلات خاصة لتحديد المشترك فيه,وهنا تجتهد الدول في كيفية التعامل مع الديانات,فهناك من اعتبرته شأنا خاصا,غير قابل للتداول فيه سياسيا,فهو علاقة روحية بين الله وعباده,وهناك من اعتمد بعض ثوابته الأخلاقية وجعلها نبراسا بها يهتدي الأفراد في المعاملات الإجتماعية,أو مرجعية في بعض مناحي الحياة,كالزواج والطلاق والإرث,وحتى الإمارة بمعناها الديني المحصور دستوريا في بعض الرمزيات التي توحد المجتمع,وتبعد الراغبين في جعله معتركا للفتاوي والإجتهادات اللاعقلانية كما يحدث في المشرق العربي,مما يشوش ثقافة المجتمعات,ويجعلها رهينة المماحكات الطائفية أو المذهبية,فهذه العوامل سرعان ما تحول الخصم إلى عدو,مما يفسح المجال لسحق الأخوة الوطنية,واستبدالها بالأخوة العقدية,كمبرر للتحالف مع الأجنبي باعتباره أخا في الدين,ننتصر به وننتصر له,وهنا تفقد السياسة بعدها المدني,تصير ساحة حروب ولو لفظية,لكن اللفظ شحنة عدوانية قد تتحول بفعل سعراتها إلى فعل عنيف وعدواني.
لذلك,فالتمييز بين الخصومة والعداوة,يتضح أكثر,عندما يتم تبيان العداوة,التي هي نتاج صراعات,تتجاوز المصالح,وإن اتخذت شكلا لها في أحيان كثيرة,فالعدو,هو الطامع في أوطان غيره,مهما كانت المبررات,والراغب في استغلال ثروة ليست له,والمتآمر على سلامة الآخرين وأمنهم الجسدي وحتى الحضاري,إنه ذاك الذي يعتبر الأوطان امتدادا لمصالحه,التي لايعير اعتبارا لغيرها,ينشد ضعفها للتحكم فيها وجعلها تابعة له,تصارع لأجله وتعادي من يعاديه,لتظل رهينة له,بخيراتها وسياساتها وانحيازاتها الإقتصادية واالسياسية والثقافية,هنا تظهر العداوة,وليس التعاون وتبادل الخبرات والمعارف العلمية,مع احترام تام لثقافته وتاريخه ووجوده ووحدته,التي إن مسها حتى أخ في العقيدة صار عدوا,يقتضي العقل الحذر منه والثقة فيه,صحيح أن العالم حاليا,يحاول التقليص من العداوات,والإقرار بالإختلاف بين الثقافات والحضارات,لكن العداوات لازالت قائمة,وتتخذ أشكالا مختلفة,باختلاف الدول والحضارات,ولم تستطع العولمة الحد من الميولات الهدامة في العلاقات بين الدول والأمم,بل إن العالم,أكثر من أي وقت مضى,يمضي حاليا إلى تقاطبات أكثر استعدادا لممارسة العنف ودعمه لتصفية الحسابات مع الدول الرافضة لفتح حدودها للرأسمال المعلمن,وثقافات الإستهلاك,وهو يدير ظهره دائما للراغبين في بناء اقتصادات فاعلة ومصنعة وتكنولوجيا علمية لتطوير الذات وتحقيق كفاية في المجالات التي تحتاجها المجتمعات الإنسانية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ستارمر يتولى رئاسة وزراء بريطاينا بعد 14 عاما من حكم المحافظ


.. اشتعال النيران في منزل بكريات شمونة شمال إسرائيل إثر سقوط صو




.. ما دلالات تقدم المرشح الإصلاحي بزشكيان على منافسه المحافظ جل


.. هل يرغب نتيناهو بالتوصل لاتفاق بشأن وقف الحرب على غزة؟




.. ما الضغوط التي تمارسها أمريكا لدفع إسرائيل لقبول الصفقة؟