الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا الخلط بين الجامع و الجامعة ؟

أم الزين بنشيخة المسكيني

2012 / 3 / 7
كتابات ساخرة


ماذا لو كان في هذه الحكاية أكثر من تاء صغيرة للتأنيث ؟ و ماذا لو كانت الواو المندسّة بين الجامع و الجامعة هي أكثر من مجرّد حرف للعطف و الوصل ؟ و حين تخبّئ الحروف الصغيرة في السواهي بعضا من الدواهي ، صار لزاما علينا أن ندفع بألعاب اللغة الى معارك أخطر على مصير العقل و سياسة الحق و حصانة العلم و هيبة العلماء في هذا البلد ..
تاء صغيرة مربوطة جيّدا ، انتصبت وحيدة على السطر تفصل المقال بين الجامع و الجامعة ..أيّة لعبة تلعبها هذه التاء ؟ هل هي لعبة التأنيث فحسب ؟ و هل رُبطت هذه التاء بما يكفي كي تحمينا من دوار الفصل و الوصل و الجمع و الجماع و الطلاق و الاختلاط و الجلد و الأمر و النهي ..ماذا تستطيع هذه التاء ازاء تحصين حقوق العقل ؟
انّ ما حدث هذه الأيّام في بهو الجامعة التونسية من اعتداء على حرمة فضاءات المعرفة و من تهديد لحدائق العقل ، يدلّ على أكثر من درس .و يبدو أنّ العلاقة بين الجامع و الجامعة في بلادنا
اتّخذت لنفسها شكلا مغايرا ..فقد زحف الجامع على الجامعة على نحو مفاجئ و في نوع من ارادة الاستيلاء عليها ..انّ الجامع الذي يقتحم في أيامنا هذه حرمة الجامعة و يسمح لدعاته بالتدخل في سياسة الحقيقة و في نظام الجامعيين و مجالسهم العلمية و قراراتهم البيداغوجية و الأكاديمية ، هو لا يكتفي فقط بالدفاع عن المنقّبات ، بل هو يهدد استقلالية الجامعة و حصانة العقل البشري في ديارنا ..اذ كيف نطلب من الجامعة أن تنهض بشؤون العلم و الثقافة و العقل و نفرض عليها رقابة رجال اللاهوت معا ؟ و بوسعنا أن نذهب الى أنّ وراء هذه المسألة المعقّدة ثمّة ما يؤشر على صدام خطير بين الدين و العلم ، و بين النقل و العقل و بين الذاكرة و الحداثة ..هل عادت الينا مشاكلنا القديمة ؟
يبدو اذن أنّ وراء هذا الخلط بين حرية الجامعة و قداسة الجامع ،سوء فهم في توزيع الأدوار و سياسة سيّئة العواقب بدأت من الخلط بين الدين و السياسة و وصلت الى الخلط بين المقدس و الدنيوي و بين المطلق و البشري و بين المشاعر الدينية و المعارف الكونية ..كيف يصير ممكنا في ثقافتنا تحرير الجامعة من الجامع و تحرير الحقيقة من رقابة الفقه ؟
انّ عودتنا الى اللحظة الصفر باختراق الجامع ثانية لامكانيات التشريع العقلي لثقافتنا يدلّ في عمقه على أنّ دولة الاستبداد البائدة قد أساءت كثيرا في أسلوب الفصل بين المقدس و الدنيوي و بين العبادة و المعرفة..ذلك أنّ التنوير العنيف الذي مارسته على الجامع و على الجامعة معا كان علاجا فاشلا في تدبير صحّي و في تصميم انضباط حقوقي و مدني ملائم لصيانة حرمة الجامع و لتحصين حرية الجامعة..علينا اذن أن نأخذ هذه المسألة مأخذ الجدّ فكلّما فشلنا في فصل المقال بين الجامع و الجامعة كلّما سقطنا ثانية في الصدام العقيم بين الهوية و الحرية و بين الدين و السياسة و بين السلفية و الحداثة ..انفصام باتولوجي رهيب يصيب شعبنا و يدفع به الى معارك مغلوطة و هاويات لا قرار لها ..ينبغي أن يبقى الجامع مكانا لتأمين علاقة المؤمن بربّه ، و ينبغي أن تلتزم الجامعة بنشر المعارف و العلوم الكونية ..و في حين يحصن الجامع معالم الهوية العربية الاسلامية ، تتكفل الجامعة بتحصين حقوق العقل البشري في أوطاننا من أجل ضمان امكانيات ايجابية لانتماء كوني الى الانسانية الحالية ..ان الجامع يصون الهوية في حين تضمن الجامعة الانتماء الى الكونية ..
كيف السبيل الى ذلك ؟ كل العمليات القيسرية فاشلة في الفصل العنيف بين الجامع و الجامعة ..من ذلك العلمنة الجذرية التي مارسها الاستبداد البائد،وهو ما جعل الثورة تتحول الى ضرب من الثأر..كل مشاريع الصدام العنيف شبيه بتدخّل البوليس الذي نعتقد أنّه سيردع أشخاصا "سلفيين" في حين أنّ وراء هؤلاء تاريخ طويل من القمع .. فبعض القنابل الغازية لا تفعل الاّ اسالة بعض الدموع التي لا تكفي للحسم بين النقل و العقل و السياسة و الدين و المؤمنين و العلمانيين..ينبغي على الجامعات أن تحزم أمرها وأن تنهض بثورة ثقافية طويلة الأمد بوسعها أن تراهن فيها على أساليب مغايرة في سياسة الحقيقة و في تحصين أسوار العلم ..فالمسألة أعقد من اجراءات أمنية أو عقابية بل في الأمر حاجة الى تشريع روحي جديد يفتح العقل في ثقافتنا على الحرية و الابداع و الكونية ..
ينبغي علينا أن نكف عن التحديق بالعلماء و كأنّهم فقهاء ..و أن نكفّ عن الخلط بين علوم الشرع و علوم العقل ..و أن نرسم خطّا فاصلا بين الجامعة و الدين و بين الجامعة و سياسة الأحزاب حفظا لحقوق العلم و العلماء ..فالأمم الحديثة لم تحصّل مقام الكونية الا بحسمها الحازم بين الدولة و الكنيسة و بين الايمان و التفكير و بين الطقوس و المعارف .حذار من خطر الخلط بين الجامع و الجامعة ، شدّدوا على تاء التأنيث جيدا و الا فشل العقل وكسدت سوق الحقيقة و عاد الباطل و الطغيان يخبط خبط عشواء في البلاد و العباد و الدوابّ و في العلوم و الفنون و كل الورود الجميلة ..حذار فانّ الورود لا تزهر حذو القبور ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ا?صابة الفنان جلال الذكي في حادث سير


.. العربية ويكند |انطلاق النسخة الأولى من مهرجان نيويورك لأفلام




.. مهرجان كان السينمائي - عن الفيلم -ألماس خام- للمخرجة الفرنسي


.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية




.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي