الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طريق ... ربيعكم يا عرب

حميد غني جعفر

2012 / 3 / 8
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


بعد أن فشلت أمريكا وحلفاءها الغربيون – الإتحاد الأوربي – وحلف شمال الأطلسي – في استحصال قرار من مجلس الأمن الدولي يجيز لها فرض عقوبات اقتصادية على سوريا ، وبدعم ومساعدة – المعارضة السورية - ماديا وعسكريا بدعوى فقدان الرئيس السوري لشرعيته ، وذالك تمهيدا لاستخدام القوة العسكرية وتكرار السيناريو الليبي على سوريا ، إلا أن استخدام – روسيا والصين – حق النقض – الفيتو – في مجلس الأمن قد أجهض تلك المحاولة .
لكن هذا الفشل لن يثني أمريكا وحلفاءها عن بذل كل مسعى خبيث وبمختلف الأساليب والأشكال ضد سوريا ، لتكون الحصيلة في آخر المطاف لصالح محور الشر هذا ، وهو بالضبط ما يهدف إليه – هذا المحور – في جر سوريا لتكون في إطار ما يسمى – ثورات الربيع العربي – الذي يتشدق ويتفاخر به الكثير من الزعماء العرب – وحتى بعض القوى السياسية في منطقتنا العربية تعبيرا عن فرحهم بسقوط الطغاة ، ونحن هنا لا ندافع – بطبيعة الحال – عن أية حكومة لا الحكومة السورية ولا غيرها فهذه الحكومات جميعها هي مصدر البؤس والشقاء و البلاء على شعوبها بفعل حبهم للسلطة والتسلط والمال والجاه والنفوذ فهي من أجل ذالك تتعامل وتتحكم بشعوبها بقوة– الحديد والنار – قمع وبطش وتنكيل وسجون ومعتقلات وإعدامات وكبت للحريات الشخصية والعامة ، يرافقه فقر وبطالة وجوع وجهل ومرض – هذا واقع مجتمعاتنا العربية عموما ، وللحقيقة والتأريخ لابد من التذكير هنا – لكل ذي بصر وبصيرة - بأن سوريا التي يحكمها – البعث – هي ليست كالعراق الذي كان يحكمه البعث أيضا لكنه ارتكب أبشع الجرائم بحق شعبه – من حروب وخراب ودمار وإبادة جماعية وقمع بوليسي رهيب لكل خصومه فلماذا لم تثار مثل هذه الضجة ضد نظام المقابر الجماعية وكلها تحت سمع وبصر الحكام العرب والرأي العام ، وأن الجامعة العربية ذاتها كانت قد رفضت استقبال وفد من المعارضة العراقية – السابقة – في الخارج – الذي أرسلته المعارضة ليشكوا إلى الأشقاء محنة الشعب العراقي ونظام المقابر الجماعية ، لكنها طردت الوفد ، ويبدو أن الظرف الدولي لم يكن مناسبا – آنذاك – ولم يحين قطف ثمار الربيع العربي بعد !! وأدواته غير جاهزة فكانت في – طور التصنيع والإعداد - حتى بدأت بالطاغية المقبور – صدام – وفي فسحة من الحرية والديمقراطية لتكون النموذج والحافز ، حتى جاء دور الطغاة العرب الآخرين – زين العابدين بن علي – حسني مبارك – القذافي – علي عبد الله صالح – وهكذا تباعا مع متطلبات الظرف والأدوات المطلوبة ، سقط هؤلاء الطغاة غير مأسوف عليهم مشيعين بلعنات شعوبهم والتأريخ ، لكن الأسف كل الأسف والألم الذي يعتصر قلب كل وطني واع غيور هو ما آلت إليه بلدانهم وشعوبهم من مصير ... دماء ودمار وخراب واحتلال وهؤلاء كانوا السبب الأول والرئيسي في عودة الهيمنة الامبريالية إلى منطقتنا العربية من جديد ، وفق صيغ وشعارات وآليات جديدة ، ما كانت أمريكا والغرب يؤمن بها في يوم من الأيام ، بل كان الغرب من أشد أعدائها – إلى الأمس القريب - الحرية - الديمقراطية – العدالة الاجتماعية – حقوق الإنسان – انتخابات دستورية - ...الخ ووجدت هذه الشعارات الصدى الواسع لهذه الشعوب المقهورة والمحرومة من أبسط حقوقها في الحياة خصوصا وهي ترى ما حصل في العراق من حرية و ديمقراطية عبر وسائل الإعلام ، وما يهمنا هنا هو هذا الهوس والضجيج في مختلف وسائل الإعلام عن ثورات مايسمى – الربيع العربي – ولكن نتساءل ، ما قيمة تلك الحرية حرية الرأي والديمقراطية إذا لم تجد الآذان الصاغية من المسؤول ؟ ففي حوارية طريفة بين شخصين سأل أحدهما الآخر – ما الفرق بين الديكتاتورية والديمقراطية فأجاب الآخر بأن الديكتاتورية ... تخاف تحجي تموت ... والديمقراطية تحجي ولا أحد يسمعك حتى تموت ... إذن الحصيلة واحدة – أما الموت شنقا – أو الذبح بالقطنة – والذبح بالقطنة هو أكثر إيلاما وقسوة من الموت شنقا ، وكما أسلفنا – فإن الغرب بزعامة أمريكا سوف لن يدخر جهدا ومسعى لممارسة ضغوطاته وتأثيراته – وبالترغيب والترهيب – على الزعماء العرب السائرين في فلكه لجر سوريا وإخضاعها لثورات ما يسمى – الربيع العربي – لاستكمال الحصيلة النهائية في صالح الغرب وهيمنته على المنطقة من جديد ، وظهرت – فعلا – وعبر وسائل الإعلام المختلفة أولى المؤشرات على نتائج تلك الضغوطات والتأثيرات ، منها قرار السعودية بإعادة العلاقات الدبلوماسية مع العراق ومساعدته في العودة إلى حاضنته العربية ليلعب دوره الإقليمي وهذا ما جاء على لسان الناطق باسم الحكومة بأن إعادة العلاقات الدبلوماسية مع السعودية هو ليس تحول ، لكنه تعزيز للعراق في أن يلعب دوره الإقليمي ، فلماذا الآن ؟ وفي تصريح – غليون – رئيس المجلس السوري قائلا – أن الحكومة العراقية قد أبلغتنا بسحب مبادرتها – السابقة – التي تقدمت بها لحل الأزمة في سوريا ، على أن الأسد غير محظوظ للبقاء في الحكم - ثم جاء تصريح السيد المالكي بأن الوضع في سوريا لابد أن يتغير وسمح بمرور الأسلحة – عبر أراضيه – إلى المعارضة السورية وكما تشير الأنباء أيضا إلى أن المالكي قد يعلن اعترافه رسميا بالمجلس السوري كممثل شرعي وحيد للشعب السوري في قمة الأشقاء العرب ، وهذا التغير المفاجيء في موقف الحكومة العراقية هو من المؤشرات ذات الدلالة ... فموقف الحكومة العراقية كان إلى الأمس القريب بجانب سوريا – رسميا – حتى أن وسائل الإعلام قد أشارت إلى وجود مقاتلين عراقيين وإيرانيين إلى جانب سوريا ، وصدرت تهديدات من – المجلس السوري المعارض – للعراق – في حينها - يضاف إلى ذالك تصريحات المسؤولين الكبار في الدولة و التي دعوا فيها إلى وقف العنف وإجراء إصلاحات جادة والبدأ بحوار مع المعارضة السورية هذا كان الموقف الرسمي المعلن ، فلماذا هذا التغير المفاجيء في الموقف ؟ يبدو أن الأشقاء العرب وهم على أبواب قمتهم العتيدة المرتقبة فإنهم يحشدون ويعدون العدة ... !! .
ومن هنا فإن سوريا اليوم هي ضمن خارطة الطريق المرسومة في البيت الأبيض منذ العام – 1990 – والتي بدأت باحتلال العراق لتشمل كل الأنظمة التي شاخت وهرمت وما عادت تتماشى مع المستجدات الدولية وعودة عالم القطب الواحد ، ولابد من التغيير ليتماشى مع التقسيم الجديد للعالم بين دول محور الشر، ونشر العولمة المتوحشة ، ووفق الشعارات الجديدة التضليلية – التي ذكرناها - لتخدير يقظة الشعوب .ولقد وجدت أمريكا والغرب في الواقع المأساوي المزري لمجتمعاتنا العربية وحالة الفقر والجهل والمرض وغياب أو بالأحرى – تغييب – قوى اليسار العربي المناضلة الحية والأصيلة من ديمقراطيين تقدميين وشيوعيين ، وجد الغرب في ذالك الأرض الخصبة - في الدعوة لديمقراطيته المزعومة .
لكن لابد أن تعي الشعوب يوما أن ثوراتها قد سرقت والتف عليها أولائك المتصيدين الذين ليس لهم من دور أو مشاركة فعلية – على الأرض – في قيادة تلك الثورات الشعبية وبتفجير بركان الغضب العارم لشعوب تلك البلدان الثائرة على مستعبديها وجلاديها من الطغاة المستبدين الفاسدين والذين كانوا قد وقفوا على التل متفرجين حتى جاء دورهم ليتصدروا المشهد على أنهم صانعوا النصر والمنقذين لشعوبهم ،وحقيقة الواقع أن الشعوب هي صانعة النصر بتضحياتها ودماء أبناءها البؤساء المحرومين ، ولابد أيضا لقوى اليسار العربي أن تنهض وتستعيد دورها من جديد في توعية وتعبئة الجماهير الكادحة البائسة من عمال وفلاحين وكسبة وطلبة وعموم الشبيبة من الأجيال الصاعدة ، فلكل جواد كبوة – ولابد أن ينهض جواد اليسار العربي من كبوته التي طال أمدها ، فبدون وحدة اليسار بكل قواه التقدمية والديمقراطية لا يمكن للشعوب المقهورة والمحرومة من تحقيق انتصارها الحاسم على الإمبريالية لبناء مستقبلها في حياة حرة كريمة .


حميد غني جعفر









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما شكل المقاربة الأمريكية للدفع باتفاق سياسي لإنهاء الحرب في


.. خلافات معلنة بين بايدن ونتنياهو.. ما تأثيرها على الانتخابات




.. واحات جنوب المغرب -الساحرة- مهددة بالزوال!! • فرانس 24 / FRA


.. السفينة الأميركية -ساغامور- تحمل أولى شحنات المساعدات من قبر




.. #متداول.. مستوطنون يقطعون الطريق بالحجارة أمام شاحنات المساع