الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كانت المرأة سيدة العالم، لذا وجبت إزاحتها

خالد جمعة
شاعر ـ كاتب للأطفال

(Khaled Juma)

2012 / 3 / 8
الادب والفن


المرأة كانت سيدة العالم منذ نصف مليون سنة، منذ الوقت الذي اعتدلت فيه قامة الإنسان بعد أن كان يمشي على أربع، ونزل عن الشجرة ليتخذ من الكهوف مسكناً ويبدأ في استئناس الحيوانات ويكتشف بعد ذلك النار والزراعة، كل هذا الوقت وإلى ما بعده بكثير كانت المرأة في مكانٍ يصلحُ للآلهة فقط، وحين بدأ تفكير الإنسان في العبادات الأولى، لم يكن هناك إله ذكر واحد، بل إن الحضارات التي تحتوي على آلهة ذكور لم تظهر إلا حديثاً في التاريخ البشري، أي منذ ما يقارب ثمانية آلاف سنة.

لم تكن عقلية البشر وقتها تربطُ بين الرجل وعملية الإنجاب، وكانوا يعتقدون أن المرأة تحمل من ضوء القمر، لذا فإن السيدة التي لم تكن ترغب في الحمل، كانت تغطي نصفها الأسفل عندما تنام كي لا تنجب، وحدث أن انتقلت مجموعة من الناس من جنوب العراق حيث الماء والأنهار، إلى شماله حيث الصحراء، وقاموا بزراعة بعض المحاصيل التي ماتت سريعا ولم تنبت، وبهذا اكتشف الإنسان العلاقة بين الماء والزراعة؛ ليكتشف لاحقا العلاقة بين الرجل والإنجاب، لذلك نجد أن مني الرجل يطلق عليه في الأناشيد السومرية "ماء القلب"، وما زالت هذه الكلمة تستخدم إلى اليوم في بعض المجتمعات ومنها المجتمعات العربية حين تستخدم تعبير "ماء الرجل"، وحتى في القرآن الكريم نجد آيةً تقول "خُلِقَ من ماءٍ دافقٍ يخرجُ من بين الصلبِ والترائب".

عند هذه المرحلة من التاريخ البشري بدأت رموز الآلهة الذكورية بالظهور في المنحوتات، لكنها ظلت إلى وقت طويل تمثل قضيباً فقط، بمعنى أن هذا ما كانت تحتاجه المرأة من الرجل في عملية الإنجاب، وبعد أزمان طويلة بدأ الإله الذكر بالظهور صغيراً إلى جوار الأنثى إلى أن ساواها ثم تفوق عليها وبعد ذلك اختفت الإلهة الأنثى تقريباً من الوجود في الحضارات اللاحقة.

قد بدأت الحكاية قديماً حين حاول الرجال إلصاق تهمة الخروج من الجنة بحواء، والنص القرآني واضح وصريح إذ أن الشيطان "وَسْوَسَ لهما"، وأظنُّ أن كلمة لهما في العربية تدل على مثنى، ولما كان آدم وحواء هما الوحيدان اللذان كان الله قد خلقهما من البشر حتى ذلك الوقت، فإن هذه الكلمة يجب أن تدل عليهما معاً، وهذا تصريح قرآني لا يمكن المجادلة فيه لمن يؤمنون بالله وكتبه ورسله واليوم الآخر.

بالطبع، ليس هناك ادعاء بتفوق المرأة على الرجل من حيث كونها الإلاهة الأولى، فقط كان هذا ناتجاً من قدرة المرأة على الإنجاب الذي يعني خلق حياة جديدة بينما يفتقد الرجل لهذه القدرة، ومع الوقت بدأ العقل البشري يستوعب أن هذه العملية ناتجة من تفاعل بين الجنسين في طقس هو الأسمى في علاقتهما، ولكن بدلاً من دخول الرجل كشريك في عملية الخلق، بدأ في محاولة التعويض عن مرحلة حرمانه الطويلة من الألوهة، وذلك بنزع صفة القداسة عن المرأة، وذلك ما تجلى في التعاليم اليهودية بشكل واضح، والتي جاءت كخلاصة إحساس تاريخي ممتد زمنيا من قبل الرجل أن هذا المخلوق الذي هو المرأة قادر على إنتاج ما لا يمكن للرجل أن ينتجه، وليس هناك من دليل أوضح من الدعاء اليومي كل صباح للمتدين اليهودي "الحمد لك يا إلهي أنك لم تخلقني إمرأة".

ووصفت المرأة بالدنس، والمخلوق الأقل شأناً، وجرَّ هذا الوصف نفسه على العلاقات الجنسية التي أصبحت محور اهتمام الفلسفات جميعها، وفي الديانات الأكثر تطرفاً وخصوصاً الديانات البدائية التي تبناها العقل البشري نجد موضوع الجنس والخبز تقريبا لا ثالث لهما في جميع الطقوس، حيث يشكلان الغريزة الأساسية للفطرة البشرية مما يجعل من معالجتهما من قبل أية فلسفة ضرورة تضمن لهذه الفلسفة الاستمرار، وإلا فإن الأمور ستفلت ويتصرف كل فرد وفق ما يراه مناسبا لحالته ووضعه.

ولو نظرنا إلى الطبيعة الاقتصادية للعلاقات الاجتماعية، وكيف تم بناء هذه العلاقات خلال مراحل تطور الكثير من الحضارات عبر الأزمنة المختلفة، لرأينا ما يذهلنا، فمع التحولات التي كانت تشهدها البشرية من اختفاء التوازن العددي بين الرجل والمرأة بالطبع لصالح المرأة دائماً لأن الرجال يموتون في الحروب بكثرة، فإن المجتمعات التي يحدث فيها هذا الخلل في التوازن تقوم سريعاً بالسماح للمرأة بالعمل، وحتى بإنجاب طفل غير شرعي تتبناه الحكومة أو من ينوب عنها، وذلك لحاجة المجتمع إلى ذلك العنصر الجديد، أما في المجتمعات التي لا تعاني من ذلك، فقد بقيت المرأة حبيسة بيتها وثقافتها.

فهل يحمل الرجل حقداً على المرأةِ ناتجاً من تجاهله الطويل في مسيرة التطور البشري وبالتالي يحاولُ تعويض هذا التجاهل بالضربِ وممارسة العنف ضدّ هذا الكائن الذي من المفروض به أن يحميه؟ أم أن الرجل فقط يحمل بنيةً جسدية هي في العموم أقوى من بنية المرأة وبالتالي يجب عليه استغلالها في إثباتِ رجولتِه؟ وأية رجولة تلك التي تقوم على تفوق جسدي؟

الرجل ليس عنيفاً بطبعِهِ، بل الثقافة التي يحملها ويتم تربيته بواسطتها هي التي تحوله إلى مخلوق عنيف، حتى أن بعض المعتقدات تعتبر العنف ليس نقيصة بل ميزة، وهذا أدى إلى نشوء العنف ضد المرأة ليس فقط كظاهرة؛ بل كفكرة عميقة تكاد تصل حد القداسة، فيكاد الولد يولد حاملاً وعي مجتمعه بتفوقه على المرأة؛ ومن هنا تبدأ الأزمة التي يعززها المجتمع بدوره كلما كبر هذا الولد، ولعل أغرب المفارقات التي تواجهنا في قضية العنف والتربية هي قيام المرأة نفسها بتغذية روح التفوق في أبنائها الذكور منذ الطفولة على حساب بناتها الإناث، وبالتالي فإن هذه السلسلة ستستمر دون كسر إلا حين يقتنع المجتمع بأكمله أن عجلة النمو لن تدور إن لم تكن المرأة جزءاً منها.

فمن يتخيل جسداً يتعطل نصفه بالكامل ويبقى قادراً على أداء وظائفه الحيوية بشكل طبيعي؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حزن على مواقع التواصل بعد رحيل الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحس


.. بحضور شيوخ الأزهر والفنانين.. احتفال الكنيسة الإنجيليّة بعيد




.. مهندس الكلمة.. محطات في حياة الأمير الشاعر الراحل بدر بن عبد


.. كيف نجح الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن طوال نصف قرن في تخليد




.. عمرو يوسف: أحمد فهمي قدم شخصيته بشكل مميز واتمني يشارك في ا