الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جمالية الحوار في - مطعم اللحم الآدمي - للقاص المغربي الحسن بنمونة.

مصطفى لغتيري

2012 / 3 / 9
الادب والفن


جمالية الحوار في " مطعم اللحم الآدمي " للقاص المغربي الحسن بنمونة.
ما الذي يجعل قصة قصيرة أكثر نضجا من مثيلتها؟ طبعا تختلف الإجابة على هذا السؤال من ناقد إلى آخر و من قاص إلى آخر ، لكن يبقى في تقديري المتواضع أن تكنيك الكتابة هو الفيصل في تفضيل قصة عن أخرى ، فالموضوعات لا تحدد قيمة النص بل طريقة كتابه ، و أعتقد أن هذا التكنيك يروم بالدرجة الأولى ابتعاد الكاتب - قدر الإمكان عن التجريد و الغنائية المفرطة و البوح و التداعيات ، و لا يتحقق كل ذلك إلا بتجسيد الأحداث ، و النزوع نحو الدرامية و تعدد الأصوات ن، فكلما تحقق للنص شيء من ذلك استطاع نيل إعجاب قارئه.
و يعد الحوار من بين التقنيات المفيدة في هذا المجال ، إذ يسمح - إن حسن توظيفه- للشخصيات بأن تكون وجها لوجه مع الملقي دون أن ينوب عنها السارد أو القاص ، ليحكي له ما تفكر فيه أو ما ترغب القيام به .و الحوار تقتبسه القصة من الكتابة المسرحية ، التي لا يخفى على أحد مدى الدرامية التي تتمتع بها ، حتى أن هناك من يطلق عليها الدراما هي نفسها ، و هذه الدرامية ليست سوى الصراع في أبسط تعريف لها.
و قد فطن القاص المغربي حسن بنمونة في مجموعته القصصية "مطعم اللحم الآدمي " إلى أهمية الحوار في الكتابة القصصية ، فجعل منه تكنيكا غالبا و مهيمنا في الكثير من قصصه ، و قد استهواه ذلك حتى جعل منه اللحمة الأساسية و المكون الرئيس لنصوص بعينها ، كما هو الشأن في قصص انقلابات ثقافية- آه منا نحن النعامات - حوار صامت- خدمات- سحابة صيف- كن يقظا..
و يتخذ الحوار في المجموعة القصصية أشكالا عدة ، فقد يساهم- مثلا- في بناء الحدث و ينوب عن السرد في ذلك ، كما هو الحال في قصة المحو ، يقول القاص في ص 31
زار رجل شيخا هرما في بيت اعتلى ربوة تطل على القرية تعج بالحياة
- مابك يا بني؟
- ارتكبت خطايا ..و انا أريد محوها.
-ماذا ارتكبت؟
- قتلت رجلين ، و سرقت بيوتا آمنة و وشيت بأبرياء
صاح في وجهه غاضبا
- كفى .كف..أهذا كل شيء؟
أجل مولاي
أمسك به ثم اتجها صوب بئر بدت مهجورة . دفعه من خلف فسقط فيالحضيض....

و في قصص أخرى يعمد القاص إلى توظيف الحوار للكشف عن مكنونات الشخصيات و ما تفكر فيه ، لهذا كان الحوار استكشافيا لا يساهم بالضرورة في تطوير الأحداث كما هو الشأن في قصة الدمى البشرية التي يقول فيها في الصفحة 27
قبلت ظهر يده شكرا و امتنانا ، فالكتاب كلهم يقولون إنه أبوهم الأدبي
- ماذا تكتب؟
- أكتب قصصا.
- للااأطفال
-لا للكبار
- و ما شأنك بالكبار؟
- لأنني كبرت
- لم توهم نفسك أنك فتى؟
- سأفعل إن شاء الله.
أحيانا يخيل إليك أنك تكتب للأطفال . قد يحدث العكس. لا أحد يرسم قدره

- أنا؟ لست أدري . ما كتبته كان لعبا بالدمى ، أعني الدمى البشرية....
و قد يصبح هذا الحوار عجائبيا أو غرائبيا، يجري على لسان الحيوانات ، تماهيا مع قصص كليلة و دمنة ، و فابلات لافونتين ، كما حدث في قصة " آه منا نحن النعامات " التي أثبت القاص في تصديرها تأثيره بالقاص التركي الساخر عزيز نيسين ، و خاصة بقصته " آه منا نحن الحمير ، يقول القاص في ص 41.
- انظري ..يا لهول ما أرى..غريمي.
- من ؟ أهو صياد النعام؟
- زوجي الذي يهددني بالرجوع إلى بيت الزوجية.. أمقته مقتا شديدا .. أود لو أقطعه إربا إربا
- هوني على نفسك يا أختاه.
- إنه يدنو منا.. آه منكم أيها النعام المصاب بالجرب.
- لا تدعي الغضب يشل بدنك.. ادفني رأسك في التراب.
- لو كان ركلا لهان الأمر.. و لكنه تراب.
و يستمر هذا الحوار العجائبي في حوار صامت بين إله الخصب و إله القحط ، يقول القاص في ص 45
- لا أدري ما أصاب هؤلاء البشر؟ أنا إله الخصب أرسل إليهم المطر لأرى النبات يشق التراب ، فلا أكاد ألمح شيئا يذكر.
- فهل تتهمني بالخيانة ، و كأنني أنا إله القحط من يقتل زرعهم ؟
- أريد أن أعرف السبب .. ماذا يجريهناك؟
- لن أكتمك سرا إذا قلت لك إنني عطلت أفعالي الدنيئة .. لم أعد أهتم بالبشر.. صرت مشغولا بمرضي و عوزي.
و إذا كان القاص الحسن بنمونة قد اختار تغليب كفة الحوار على السرد و الوصف في كثير من قصصه ، فإنه قد التجأ في قصص أخرى إلى خلق نوع من التوازن بين هذه المكونات ، حتى لا تفقد القصة القصيرة هويتها و هذا ما نجده مثلا في قصة "فاوست" ص 61 ، حيث يقول السارد
" ها هو صاحب المنزل يخف إلى الباب زاعقا في أولاده و أحفاده .. يطالعه وجه غير مكترث بما يدور حوله ، ينبعث منه الألم ..و لكنه غير مبال.
- سيدي .. جئت لأقول لك..
- من أنت ؟
- ألا تذكرني؟
- كلا سيدي .. من أنتظ
- قبل ثلاثة عقود أقرضتني مالا.. أ لا تذكر هذا؟
- لا أذكر شيئا.
- جئت لأكفر عن ذنبي . أعرف أنني آلمتك لأنك أحسنت إلي.. و لكن لنعقد اتفاقا يقضي بأن تمهلني سنة كلما وقع بصرك علي.
و تمضي نصوص المجموعة على هذا المنوال توازي بين السرد و الوصف و الحوار حينا و تغلب كفه أحدها حينا آخر ، لكن تبقى ميزة توظيف الحوار في هذه المجموعة الجميلة جلية و معبرة ن و قد منحت الكثير من النصوص بعدا دراميا واضحا فعمق البعد الموضوعي للقصص و منحها تعددا في الأصوات و الرؤى تحاشيا لهيمنة الصوت الواحد و الوحيد الذي غالبا ما تسقط في شباكه الكثير من القصص.و القصاصين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز جسديًا على صديقته في


.. حفيد طه حسين في حوار خاص يكشف أسرار جديدة في حياة عميد الأد




.. فنان إيطالي يقف دقيقة صمت خلال حفله دعما لفلسطين


.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز -ديدي- جسدياً على صدي




.. فيلم السرب للسقا يقترب من حصد 28 مليون جنيه بعد أسبوعين عرض