الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أمنيات مواطن فلسطيني غلبان

محمد أيوب

2005 / 1 / 15
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


في بداية العام الجديد
في ليلة رأس السنة الجديدة ، تناولت في وجبة العشاء بالتحديد طبقاً من الفول وفحل بصل وبعض الفجل مع رغيف من الخبز ، كان ذلك أثناء اجتياح الجزء الغربي من حي الأمل بخان يونس ، لم نشاهد احتفالات رأس السنة في الفضائيات بسبب انقطاع التيار الكهربائي ، كان صوت القصف يطرد النوم من عيوننا ، ومع ذلك كبس علي النوم فجأة ، نمت دون أن أسحب الغطاء على بطني ، كان الفول والبصل يغليان في جوفي وكأنهما خليط من الأسمنت والزلط داخل خلاطة باطون .
رأيت فيما يرى النائم أنني عثرت على مصباح علاء الدين السحري ، لم أصدق عيناي ، بقيت في حالة ذهول لفترة ليست بالقصيرة ، ترى ماذا أفعل بالمصباح ؟ وماذا أفعل إذا دعكت المصباح فجاءني خادمه قائلا لي: " شبيك لبيك ، سعدك بين يديك ، أطلب وتمني". أجهدت فكري فيما يمكن أن أطلبه قبل أن أدلك المصباح حتى لا أقع في المحظور وتهرب الكلمات مني ، لا بد من خطة واضحة ومبرمجة للطلبات ، يجب ألا أفعل مثل حكوماتنا التي ترتجل الأمور ارتجالاً ، فكرت في الانطلاق من واقع الحال ، وعليه كان أول طلباتي هو أن نعيش في أمن وأمان ، وأن يتوقف هذا الموت المجاني الذي يزورنا فجأة ويذهب فجأة ، فالناس في بلدنا يموتون بالصدفة ويعيشون بالصدفة ، تسقط القذيفة في الشارع فتصيب زيدا وتخطئ عمراً أو العكس .
أما الطلب الثاني فقد أسعفني فيه غوار الطوشة حين تذكرت مسرحيته التي يخاطب فيها والده بعد أن سأله عن الأحوال : قال غوار بطريقته المحببة ما معناه : كل شيء تمام يا والدي ، كل شيء متوفر عندنا ، والله يا أبي ما ناقصنا إلا شوية كرامة ، قررت أن يكون طلبي الثاني هو أن نعيش حياة كريمة تتوفر لنا فيها مقومات الحياة التي تليق بالبشر دون إحساس بالظلم بعد أن ترفرف رايات العدالة الاجتماعية ويصبح الناس متساوون في الحصول على فرص العمل ، متساوون أمام القضاء ، أريد حياة كريمة لكل أبناء وطني بغض النظر عن اللون أو الدين أو الجنس أو المعتقدات الفكرية والانتماءات السياسية .
فكرت في مطالب أخرى ، فالغلابى من أمثالي طماعون ، لا حدود لطمعهم خصوصا إذا أتيحت لهم فرصة مثل التي أتيحت لي بالحصول على المصباح ، كنا ونحن أطفال نحلم بليلة القدر التي هي خير من ألف شهر ، كان الكبار يدغدغون مشاعرنا ويعدوننا بأن تتحقق آمالنا في هذه الليلة ، كانوا يقولون لنا أن ليلة القدر تظهر على شكل عمود من النور يهبط من السماء ، فلا تضيعوا الفرصة في هذه الليلة ، اطلبوا من الله ما تتمنون أن يتحقق لكم ، لم نكن نعرف وقتها ما هي الطلبات التي يجب أن نطلبها ، ولكنهم كانوا يغششوننا ويلقنونا أمانيهم وطلباتهم هم ، يقولون لنا : " اطلبوا من الله : بيت مال ، وبيت رجال ، وحجة للنبي المختار، كان البدوي القديم يكمن في قلب هذه الطلبات ، فالعقلية العشائرية ما زالت تعيش في أعماقنا ، لذلك كنا نطلب من الله أن يزيد في عدد رجالنا وأن يزيد في أموالنا ، لأن الرجال والمال هم عماد القوة في المجتمع البدوي والمجتمع الإقطاعي وشبه الإقطاعي .
ولكن العبد الفقير الذي هو أنا ، ركب رأسه وخرج من عباءة القبلية والعشائرية ، فقررت الانتماء إلى أمة كانت خير أمة أخرجت للناس ، ومع ذلك لم أستطع التخلص من عقدة البداوة الكامنة جذورها في أعماق كل منا ، فقررت أن أطلب بعض الطلبات الخاصة ، وإلا فإنني لا أستحق شرف الانتماء للعروبة ، ولا أستحق أن أكون عربياً أو فلسطينياً .
ماذا أطلب يا ترى ؟ أجهدت ذهني ، وبعد لأي قررت أن أطلب من خادم المصباح أن يتم دفن جثماني في مسقط رأسي في يافا ، وأن يساعدني على العودة إلى مدينتي الحبيبة ولو في كفن أبيض كالثلج ، كما قررت أن أطلب من خادم المصباح أن يحمي بيتي من الأذى فلا يهدم على رأسي ورءوس لأبنائي وألا نتشرد منه في غرف المدارس أو القاعات العامة أو الخيام ، ولكن طمعي ليس له حدود ، يجب أن أطلب شيئاً شخصياً آخر ، خطر على بالي أن أحصل منه على طاقية الإخفاء حتى أستطيع عبور الحواجز دون انتظار لفترات طويلة ، ودون أن أضطر للمبيت على الحاجز أو في معبر رفح الحدودي ، فقد جربت النوم على الكرسي ثلاث ليال سويا ، لم أضع جسدي على الأرض ، فقد تنافس الناس في الحصول على قطع من الكرتون ليناموا عليها بدلا من الفراش في البرد القارس ، شعرت ببرد شديد ، بحثت عن بطانية صوفية أتدثر بها فلم أجد ، ولكن الله أسعفني فوجدت بالطو قديم مع رجل باعني إياه بثمانين شيكلا عدا ونقدا ً.
هل أكتفي بما سأطلبه ، أخشى أن أغضب خادم المصباح إن أكثرت من طلباتي ، ولذلك قررت أن أفرك المصباح بكلتي يدي ، وما إن فعلتها حتى ارتعدت فرائصي حين هجم علي خادم المصباح بهيئته المرعبة صارخا بأعلى صوته : شبيك لبيك ، سعدك بين يديك ، هرب الكلام مني وجف ريقي ، أردت أن أشرب فلم أجد ماء بجانبي ، لملمت شجاعتي ولكن طمعي غلبني ، نسيت كل الطلبات إلا طلباً واحداً ، قلت لخادم المصباح : أرجو أن تحملني إلى بيتي في يافا أنا وأسرتي حتى أموت وأدفن هناك !
سخر مني خادم المصباح ، أطلق ضحكة مدوية : هأ هأ هااااا ، شعرت بالارتباك وأنا أسأل خادم المصباح : هل قلت ما يدعو إلى الضحك أم أنني أخطأت في حقك ؟ قال : هذا الطلب لا يقدر عليه سوى الرئيس بوش بمصباحه السحري الجديد ، الديمقراطية على الطريقة الأمريكية .
حاولت أن أضرب كفا بكف ، وبدلا من ذلك أصاب كفي زوجتي ، هزتني لتوقظني ، ولكني كنت في سبات عميق ، ولما استيقظت كان الفول قد فعل فعله ، فقد أصابني الانتفاخ ، ولا بد من الرد على قصف الدبابات بقصف من نوع آخر .
الموقع الإلكتروني : www.ayoub.ps
د . محمد أيوب








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دمار شامل.. سندويشة دجاج سوبريم بطريقة الشيف عمر ????


.. ما أبرز مضامين المقترح الإسرائيلي لوقف إطلاق النار في غزة وك




.. استدار ولم يرد على السؤال.. شاهد رد فعل بايدن عندما سُئل عن


.. اختتام مناورات -الأسد الإفريقي- بالمغرب بمشاركة صواريخ -هيما




.. بايدن: الهدنة في غزة ستمهد لتطبيع العلاقات بين السعودية وإسر