الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


احلام الحضارة ام احلام الهامش والمهمشين( تامل 3) ت- أطباء الحضارة وعبء تشخيص الحلم

محمد قرافلي

2012 / 3 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


أحلام الحضارة أم أحلام الهامش والمهمشين
(تأمل3)
ت- أطباء الحضارة وعبء تشخيص الحلم الحضاري
انكب جماعة أطباء الحضارة على حضارتهم سنين وقرون كل من موقعه وزاويته، وبحسب رأسماله وزاده النظري ووفق منظوره، فماذا كانت النتيجة النهائية: هل ثمة تقرير يرضي أولا جماعة الأطباء ويضع حدا لحروبهم الهوجاء ويجعلهم يوحدون جهودهم للنهوض بذلك العبء؟ أتوجد ثمة قرائن ودلائل وإثباتات لتحصيل أدنى حد من الاقتناع حول تلك الحالة؟ وهل تمتلك جماعة الأطباء أدنى حد من الجرأة للإفصاح عن حقيقة الحالة وإراحة الضمير أولا وإراحة الناس من نار الانتظار وحرقة السؤال. تعج حياتنا اليومية بحكايا الناس مع الأطباء، تجد البعض من الناس جاب البلد طولا وعرضا وهو يحمل داءه وعلاته يمشي مكبا تورمت قدماه وانحنى ظهره من طول الانتظار في مخادع الأطباء كل واحد يزوده بصور فوتوغرافية وإشعاعية بأحدث الوسائل الرقمية إلى درجة انه صار يبحث عن طبيب رحيم وبدون قلب يصرخ في وجهه ويهينه ويصيح :
اغرب عن وجهي إنك والموت سيان ومثلك لا يستحق الحياة وذلك قدرك و لن تتماثل إلى الشفاء فما عليك سوى الاستعداد للموات ومواجهته وأني قد دونت علاجا لحالتك غير متوفر بمخادع بيع الأدوية، اذهب إلى جهة الريح ولا تلتفت تم افتح المكتوب، خرج مبتسما باحثا عن الريح وحينما فتح المكتوب وجد: وإذا لم يكن من الموت بد فمن العجز أن تموت جبانا، وضع المكتوب بجانبه الأيسر ولأول مرة أحس بقلبه يرقص مرحا ومضى خلف الريح دون أن يلتفت !
عماذا تمخض جهد أطبائنا بعدما اختلوا في محراب حضارتنا وبعد جهود تجريب واختبار لعلهم أخيرا يتوصلوا إلى الخبر اليقين مثل هدهد سليمان الذي قضى زمنا في التقصي والتحري. بعد مس و جس وسبر وحدس ذهب اغلبهم إلى أن روح هذه الحضارة ليس بها أية علة أو مرض مما تحفل به مدونات الطب القديم أو الحديث أو المعاصر وأن حواسها سليمة وتتمتع بعنفوان الشباب والخلود. إذا كان كذلك فأين مكمن الخلل؟ وما سر هذا السبات الطويل؟
إن العيب ليس منها وفيها إن العيب منا وفينا، نعيب زماننا والعيب فينا، وحتى نستعيدها نحتاج إلى عملية مزدوجة، أولا أن نصالح ذواتنا مع تلك الحضارة وأن نوثق الصلة بها وأن نفتح قلوبنا من جديد لهوائها وروحها كي تسري فينا وسترى العجب العجاب، ومن جهة ثانية فإنها تحتاج إلى عملية تلميع وتطهير من الأوساخ والشوائب التي تراكمت عليها نتيجة قرون النسيان والإهمال، فهي تشبه المعدن الأصيل، كالذهب لا يفقد بريقه فقط يحتاج إلى مزيد من الصيانة والترميم والإصلاح والصقل ليصير أشد لمعانا وأكثر جدة من ذي قبل ، وبالتالي فإن الرهان يبدو اكبر ويقتضي تأصيلا على مستوى التسمية ونظام القول فهي تتمتع بقوة لا مثيل لها على مستوى نظم القول وعلى مستوى التوليد والتشقيق وقدرة على تشريع أدبيات القول وأخلاقياته وتداولياته وتواصلياته .... كما نحتاج إلى استلهام روحها في السلوك وفي العمل وفي العروج والخلوة في محرابها وتذوق مقاماتها والتقلب في حالها وأحوالها، ولن يقف الأمر عند هذا الحد بل الأهم من ذلك ينبغي على أن تحل روحها الكونية في الكائنات والموجودات وتصير لسان حال المدينة ونواة العمران البشري ومحوره، وتنكس وتشطب المدينة من كل ما هو دخيل وغريب أو على الأقل التحصين والتمنيع قصد تحقيق وتحقق التقليع والإقلاع. وحينما تتوغل تلك الروح في أرجاء المعمور، في البر وفي البحر، في الهواء وفي الماء ستزهر علوما ومعارف خاصة وأصيلة، تجسد روح الحضارة تختلف في منطلقاتها وفي جوهرها عن علوم اليوم لأنها محكومة بفلسفة خاصة تصل السماء بالأرض والبداية بالنهاية والحاضر بالغائب والمرئي باللامرئي والعقلاني بالعرفاني والبياني بالبرهاني وتعمل على توليف ذلك في معزوفة وسيمفونية لم يحلم بهام موزار ولا من أتى قبله أو من سياتي من بعده. وبالتالي يتحقق الانعتاق والخلاص وعندئذ يحق لنا رفع رؤوسنا عاليا ونصدح بصوت الظافر والفاتح: انظروا هذي حضارتنا، وهذا حلمنا، وذي علومنا، وذاك اقتصادنا، وهذا طبنا، وتلك سياستنا المدنية الدينية والدنيوية وتلك روح فلسفتنا....هي لكم مثل نور الشمس ومثل صفاء سماء الشرق وصدق شاعريته وعبق روحانيته. انعم به من حلم وطالما حلمنا به وراودنا طيفه وسحرنا عبيره، فالأندلس وقصور الحمراء ليست ببعيدة عنا وكلنا اليوم نحلم وطأها فاتحين ومظفرين وليس حفاة عراة حارقين وخائبين !
يبدو حلما مقنعا وأكثر ترسخا وتمشيا مع منطق الحياة ومع حركية التاريخ وأكثر راهنية خاصة أن ديدن الحضارات أنها تنحو صوب الأصالة والتأصيل وقلما تجد حضارة في التاريخ لم تسلك هذا المنحى، فكل حضارة تدعي أنها أصيلة ومتميزة عن غيرها وأن طينتها تترفع على المقايسة أو المماثلة اللهم إذا كان الغرض من ذلك هو تكريس الخصوصية والتميز، فالألماني يعتبر حضارته الجرمانية أم الحضارات، والفرنسي يعتبر حضارته حضارة الأنوار، والهندي يرى حضارته أم الحضارات وحلمه البوذي اصل ومنبع كل الأحلام، والصيني كذلك يحن إلى حلمه الكونفيشوسي، والبابلي والفرعوني لازالا يعتقدان أنهما الأمثل رغم انقراض حضارتهما فما بالك بحضارتنا التي تنبض حياة وقدمت للبشرية مالم تقدمه حضارة أخرى، ومن يستطيع إنجاب وولادة ما هو عظيم فانه يظل عظيما ويستمر في العظمة وينتهي عظيما، فطوبى للعظمة وللعظماء !
يتبع.........








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل ينتزع الحراك الطلابي عبر العالم -إرادة سياسية- لوقف الحرب


.. دمر المنازل واقتلع ما بطريقه.. فيديو يُظهر إعصارًا هائلًا يض




.. عين بوتين على خاركيف وسومي .. فكيف انهارت الجبهة الشرقية لأو


.. إسرائيل.. تسريبات عن خطة نتنياهو بشأن مستقبل القطاع |#غرفة_ا




.. قطر.. البنتاغون ينقل مسيرات ومقاتلات إلى قاعدة العديد |#غرفة