الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


معذرة

احمد مصارع

2005 / 1 / 15
الادب والفن


بطل آسيا

ليتني بقيت صغيرا ً ولم اكبر بعد, لأن أخي حسين, بطل آسيا, بل بطل العالم كما حكت لي أمي, ولم يعد كذلك...
أخي حسين أقوى من البغل, أضخم من الفيل الصغير, أعلى من الجمل,
جسمه مجرد عضلات قوية وعروق نافرة ..
ملاكم وقبضته تحطم حجرة الفخار المشوي بضربه واحدة, وذراعاه
تحملان كيسين من الشعير بسهولة, حقا جسمه من كمال الأجسام 0
لكن لماذا كان البعض من أقربائي يقولون عنه صاحب مخ صغير جدا ؟!
فأنا لا أفهم لماذا هو كبير وقوي في كل شي إلا مخه الصغير !
كل البيض الذي تضعه عشرات الدجاجات يلتهمه عند الإفطار,
كل حليب البقرات المعدودة يشربه ,بل إن محصول البندورة ( الطماطم )
في مزرعتنا بأسره لا يكفي عصيره, صندوق تلو صندوق عندما ينتهي
من التدريب, وهو على ثقافة عاليه فبيتنا الخرابه والمزرعة, داخل البلدة الكبيرة
يحتوي على مكتبة, فيها عدد من مجلات رياضة كمال الأجسام ورفع الأثقال0 وصور الأبطال ذوي العضلات المفتولة0
وعلى ما يبدو فان أبي الفلاح وأمي الفلاحة وإخوتي الكبار الذين يشتغلون بالفلاحة بدؤوا يضيقون ذرعا من ثقل فاتورة طعام أخي البطل 0الذي كان يشتغل بجد متواصل لكي يتفوق على صور المجلات, ليصير أقوي ما يكون ويحوز على كأس البطولة ,وليحقق لبلدتنا الكبيرة نصرا زاهيا يجعلهم يفتخرون بأنفسهم وهم أهله وذويه 0
كنت صغيراً عندما نشأت الأزمة الكبرى بين أخي و أهلي و سكّان بلدتنا الكبيرة ,فأخي البطل حسين يريد الاشتراك في بطولة كمال الأجسام الآسيوية و مصممٌ على الفوز بالبطولة 0
مكان البطولة بعيد و المصاريف باهظة , بطاقة سفر و اشتراك و إقامة لأيام بل لأسابيع , من يستطيع تغطية هذه التكاليف؟!0
أهل بلدتنا الكبيرة مشهورين بالعناد, الواحد أعند من الآخر 0
و استطاع أخي البطل تحديهم جميعاً, إلى درجة التهديد, نعم هددهم و أذكر صوته غاضباً 0
- أنا لا أفهم 0 أنا لا أعرف 00 سوف تخلقون لي المبلغ من تحت الأرض 00من فوق السماء 00
أمي خافت عليه من ارتكاب حماقة, و أبي قطع كل خطوط الحوار معه 0
و إخوتي تهربوا و أعمامي لم يعد لهم وجود و أجدادي انقطعوا عنا و كأن لا أصل لنا و أهل بلدتنا الكبيرة الأقرباء , و كلهم أقرباء , أصبحوا كالغرباء الأجانب , و حسب رأيهم : كل واحد مسؤول عن نفسه فقط 0
لم يكن مخ أخي البطل حسين, صغيراً أبداً فلقد نفذ التحدي و التهديد الذي توعّد به فماذا فعل ؟!
لقد حمل على أكتافه بقرة حلوب ثمّ ارتقى بها على جدار المنزل , و وضعها على سطح المنزل و هبط و هو يزفر بشكل رياضي من شدّة الثقل و أذكره حين قال لأهلي :
- الآن أنزلوها إذا قدرتم 0
تخيلوا معي بقرة تخور خائفة على سطح المنزل و كأنها المخلوقة تستصرخ الضمائر الحية كي ينقذوها, يا للفظاعة, نحن مسلمون و الله أنزل أكبر سور القرآن باسم البقرة 0
أذكر أحد العماّل الزراعيين قال مدهوشاً:
- هذه البقرة المسكينة لا يستطيع أحد انزالها 0
و لو باستخدام رافعة 00( ما هي الرافعة ! )
كل سكان بلدتنا الكبيرة تدافعوا لرؤية هذا الحدث العظيم, فهم لأوّل مرّة يرون بقرة فوق سطح منزل بلا درجٍ و لا سلّمٍ 00 فماذا تصنع ؟
بل من رفعها و وضعها هناك 00؟ و تلك المعجزة 00
هناك من ضحك حتى استلقى, و هناك من نظر متألماً لحال البقرة المنكوبة و يوجد من هو حائر !00 كيف حصل هذا ؟ و لا أدري ؟ و كنت طفلاً صغيراً كيف انتشر الخبر و تناقلته وكالات الأنباء في بلدتنا الكبيرة 0
أخي البطل حسين يريد المشاركة بالبطولة الآسيوية لكمال الأجسام أو رفع الأثقال و يريد جمع المبلغ اللازم للسفر و المشاركة بالبطولة 0
حضر أعيان البلدة الكبيرة بصحبة عدد من المخاتير و عاينوا المكان و تعرّفوا على أصل المشكلة , و وجدوا فيها بعض أوجه الحق 0
و تم جمع المبلغ اللازم لأخي البطل حسين , حسيننا , و سُلم إليه بما يزيد عن حاجته و أذكر قول أحد الأعيان :
لا نريد أن نفهم إلا شيئاً واحداًً 0 فأرينا كيف تنزل هذه البقرة من على سطح المنزل 0
و أذكر إجابة أخي البطل حسين حين قال :
- سأنزلها بسهولة, من على السطح 00 هل تحسبونني سأنزّلها من السّماء 00؟!
رأيته يصعد إلى السطح بخفة و لا أدري بماذا دمدم , ثم حمل البقرة و أنزلها أمام أعين الجمهور المشدوه , ولم يصب بأيّ فتقٍ أو تمزّقٍ في عرق 00
و سمعت بعضهم يقول:
- يا لطيف 00 ما أقواه!00
سافر أخي مودعاً بحفاوةٍ من بلدتنا الكبيرة نحو مراكز عملاقة للقارة الآسيوية , و اشترى الناس الصحف و المجلات ليتابعوا أخباره و هم قلّما يشترون الصحف , و رأوا اسمه من بين المشاركين بالبطولة , و يقول بعضهم إنّ بعض المجلات نشرت صوره , و لكنني لم أرها أبداً 0
و أسمع بعض أطباء و مهندسي و معلمي و مثقفي بلدتنا الكبيرة يقولون أنهم لم يروا اسم أخي البطل حسين بين أسماء الأبطال البارزين, رغم أنه حين عاد لم يكن سعيداً من أعماق قلبه يتهرب من الإجابة على أسئلة الناس المحددة بدقة:
- ماذا حققت من نتيجة يا بطل 00 يا حسين 00
و كان يجيب بين الفينة و الأخرى :
- اسألوا عني الصحف و المجلات 00
و الأول مرة أعرف أن لأخي البطل مشجعون حقيقيون وراء غروره و شعوره بالقوة الفائقة حين سمعته يسرّهم , و كنت طفلا صغيراً و ليتني بقيت كذالك 0
- يا أحبابي, لقد كدت أفوز ببطولة آسيا, و ربما ببطولة العالم لولا أن حضر بعض الأبطال فمنهم من رفع فيلاً صغيراً ووضعه على سطح منزل أهله, و منهم من رفع بعيراً 000
أقوياء 00 أكثر مما تتصورون 0
وبالنسبة لي أنا و أمي فانّ صورة أخي بطل آسيا و العالم لن تتغير مهما كانت الظروف 0
احمد مصارع
الرقة - 2004








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غادة عبد الرازق: الساحة الفنية المصرية لم تعد بنفس قوة الماض


.. الفنان درويش صيرفي.. ضيف صباح العربية




.. -بحب الاستعراض من صغري-.. غادة عبد الرازق تتحدث عن تجربتها ف


.. أمسيات شعرية - الشاعرة سنية مدوري- مع السيد التوي والشاذلي ف




.. يسعدنى إقامة حفلاتى فى مصر.. كاظم الساهر يتحدث عن العاصمة ال