الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإستبداد المنتخب .

صالح حمّاية

2012 / 3 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


الديمقراطية كنظام يعتمد على التصويت يفترض بالضرورة على الأقل حدا أدنى من الوعي لدى غالبية المواطنين ، وهذا حتى يمكن توقع خيارات عقلانية منهم في حال اختيارهم لمرشحيهم ، فغياب الوعي يولد بالضرورة غياب الخيار العقلاني وهذا أمر سيضر بالعملية الديمقراطية ، لهذا في حال غياب هذا الوعي أو تعذره كشيوع الأمية وتفشي الجهل بين المواطنين ، فالديمقراطية بحاجة إلى تقنين قوانين رادعة تمنع تسلل أي خيار غير عقلاني قد يكون مهددا للشعب في حال التصويت له ، على غرار المتطرفين و الانفصاليين و العنصريين ، فهؤلاء سيكونون بالضرورة سببا في حدوث مشاكل مستقبلية للشعب حتى وإن كانوا منتخبين من طرفه ، هذا عدى أن النظام الديمقراطي في حاجة إلى رادع يمنع وصول أمثال هؤلاء للسلطة فالقوى المتطرفة و العنصرية هي بالضرورة ضد القيم الديمقراطية ، ومن البديهي توقع انقلابها عليها ، فيما على النظام الديمقراطي أن يعمل على استدامته و تجذره ، بحيث لا يسمح لي طرف باستخدامه كوسيلة للانقلاب عليه .

في حال توفر هذا الشروط فقط يمكن الحديث عن نظام ديمقراطي مضمون النتائج و قابل للاستدامة يمكن أن يخدم المواطنين ، في المقابل أي إخلال بهذه الشروط يعني بالضرورة (و إن لم تكن الحتمية) ، توقع انهيار هذا النظام وعودته إلى الاستبداد مرة أخرى ، فغياب الوعي وغياب التحصين القانوني ضد القوى الفاشية قد ينتهي إلى اختيار غير عقلاني من طرف المواطنين حيث قد تتسلم قوى فاشية مقاليد الحكم ويعود المواطنون حينها وبإسم الديمقراطية إلى الاستبداد الذي هربوا منه ، استبداد ربما في صورة أبشع من ذي قبل .

على هذا الأساس و بالنسبة للدول الربيع العربي التي حاولت الانتقال للنظام الديمقراطي ، يمكن القول أنها وقعت في فخ "تدمير الديمقراطية بإسم الديمقراطية" ، فمع غياب الوعي في ظل تفشي الجهل و الأمية ، ليس من المتوقع أن تختار الشعوب العربية اختيارات عقلانية حال التصويت ، في المقابل وفي ظل غياب التحصين القانوني ضد القوى الفاشية ، حيث أن العلمية السياسية في كلا البلدين تركت مشاعا لكل من يريد العمل بدون أدنى ضوابط فصعود تيار متطرف للحكم وارد وبشدة ، فلا ضمانة لعدم حصول هذا .. و هو ما حصل للأسف ، و ما نراه يحصل حاليا من التهديدات التي توجهها الفاشية الدينية التي تسلمت مقاليد الأمور في مصر وتونس للمجتمع و للقيم الديمقراطية ، ليس سوى النتيجة الحتمية لعدم الالتزام بمبادئ تأسيس النظم الديمقراطية ، فالمنطلقات الخاطئة من البديهي أن تنتهي إلى نتائج خاطئة ، وفي ظل السماح للقوى الفاشية بالدخول للعبة السياسية فمن المتوقع أن يكون الخطاب حال فوزها خطابا فاشيا معاديا للمجتمع و للقيم الديمقراطية .

وعليه فمن المتوقع جدا أن ينهار النظام الديمقراطي البدائي الذي عقب سقوط الأنظمة الاستبدادية والذي تمت في إطاره الانتخابات التي أوصلت القوى الإسلامية للسلطة ، في مقابل من المرجح جدا أن تؤسس هذا القوى إلى استبداد ديني بدل الاستبداد السياسي السابق وان تقضي حتى على هذا النظام الديمقراطي البدائي على علاته ، فليس هناك أي ضمانة لعدم حصول هذا ، و حتى هذه القوى في خطابها لا تنفي هذا ، فالسعي الحثيث لتديين الدساتير ليس سوى هندسة معاكسة لقواعد اللعبة السياسية ، بحيث وبدل أن يقنن التنافس في إطار القوى المؤمنة بالديمقراطية ، سيقنن التنافس في إطار قوى الفاشية الإسلامية لتضمن استمرارية المشروع الإسلامي دونا عن غيره ، وهذا على غرار النمط الإيراني الذي يلعب فيه الإسلاميون وحدهم في الساحة السياسية دون أي تنافس مع البرامج الأخرى حتى وإن كانت أكثر فاعلية وخدمة للمجتمع .

وعليه في هذه الحالة فلن يكون هناك أي تجني إذا قيل أن هذه الشعوب قد صنعت جلاديها الجدد بأيديها عن طريق صناديق الاقتراع ، و أن النظام الديمقراطي الذي طالما حلمت به قد ذهب إدراج الرياح وبقرار طوعي منها ، وهذا للأسف يوحي بمضامين سلبية كانت قد شاعت سابقا ، خاصة تلك التي تقول أن المجتمعات العربية غير مؤهلة للديمقراطية ، وهي فكرة كانت تتهم بالعنصرية اتجاه العرق العربي ، لكن يبدو أنه وفي ظل النتيجة التي أل إليها الربيع العربي صارت هذه المقولة حقيقة لا مناص من الإقرار بها ، الإقرار بها على الأقل إلى أن يثبت العرب عكس ذلك .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجبهة الشعبية الجديدة تعد -بالقطيعة التامة- مع سياسات ماكرو


.. كيف نتغلب على الحزن بعد وفاة شخص عزيز؟ • فرانس 24 / FRANCE 2




.. تحالفات وانقسامات وجبهات.. مشهد سياسي جديد في فرنسا


.. بعد اكتشاف -أسماء الفيل-.. هل للحيوانات وعي ومشاعر يجب مراعا




.. بايدن وزيلينسكي يوقعان اتفاقية أمنية مشتركة على هامش قمة الس