الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثورة الصينية الثانية وتشكل الرؤية الماوية- الجزء الأول - نهوض وهزيمة الثورة الصينية الثانية:1925-1927

بيير روسيه

2005 / 1 / 15
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


تابع الفصل الأول - نهوض وهزيمة الثورة الصينية الثانية:1925-1927
انعطافة 1926:
مع نهاية 1924 وبداية 1925، انطرح بسرعة أكبر تقرير المدة التي سيستمر فيها تمازج المصالح المتبادلة تلك. ومع حلول سنوات 1926-1927. طرحت مسألة المحتوى الطبقي للتحرر الوطني بعبارات ملموسة وشرعت روح الإجماع التي كانت تطغى على الحركة الوطنية تتشتت.
و هكذا فقد كانت الفترة الممتدة من 1925 إلى 1927 نقطة انعطاف حاسمة كانت الحركة الشيوعية الصينية مضطرة إلى مواجهة هذا الامتحان التاريخي بعد خمس سنوات فقط من نشوئها. كان ذلك امتحاناً مخيفاً..يمم الحزب وجهه صوب موسكو ومبعوثي الكومنترن طلباً للمساعدة والإرشاد. في تلك الأيام، كان الشعور بالوحدة الشاملة للمصالح والانضباط الأممي قوياً. لم تتردد القيادة المركزية للكومنترن في التدخل في شؤون التكتيك فيما يتعلق بالمسائل الوطنية. وكانت قيادة الفروع القومية تمحض ثقتها للقيادة الروسية ذات الحظوة . إن هذا النمط من العمل في تلك الظروف يمكن فهمه ، إلا أنه ما لبث أن أصبح مصدراً لمشاكل كبيرة .
لقد تفجر صراع عصبوي قوي داخل الحزب البلشفي بعد موت لينين واستيلاء البيروقراطية الجديدة على السلطة ومع حلول المؤتمر الخامس للكومنترن تمت إدانة المعارضة التروتسكيّة وبدأت عملية إخضاع سياسي وتنظيمي للفروع القومية للكومنترن.
كانت الصراعات الداخلية في النظام السوفيتي تشهد هذا التطور الكيفي تماماً في وقت كانت الحركة الثورية الصينية بحاجة ماسة إلى دعم أممي فعال. ونتيجة لذلك فقد غدت هذه الحركة رهينة هذا الصراع، وهو صراع عصبوي كان غريباً عنها. ومنذ ذلك الحين فصاعداً، أخذت الرؤية البيروقراطية لروسيا الكبرى ، وهي رؤية الجناح الستاليني، تمارس تأثيراً كبيراً على تحديد سياسة الكومنترن إزاء الصين.
هذا الارتباط بين احتدام التناقضات الطبقية في الصين نفسها وانعطاف صراعات الكتل داخل الاتحاد السوفيتي كان له تأثير كارثيِّ على مسار الثورة الصينية.
الأحـداث :
في عام 1925، بدأت الحركة النقابية في مقاطعة كانتون وهي حركة كانت تحظى بحماية تشريعية، بالنمو بشكل أقوى. استؤنفت التظاهرات في شانغهاي وانعقد المؤتمر الرابع للحزب الشيوعي الصيني في شباط عام 1925 . وقد صوت لصالح التأكيد على نضالات العمال . وفي أيار من العام نفسه ، وفي المؤتمر الثاني الوطني للعمل، أعلنت النقابات عن عضوية 540000 عامل (كان ليو شاو شي نائب الرئيس العام للاتحاد العام للنقابات).
في 13 أيار 1925، فتح البوليس الإنكليزي في شانغهاي النار على تظاهرات أقيمت استنكاراً لاغتيال عامل صيني مضرب عن العمل على يد رب عمل ياباني، وقتل عشرة أشخاص. وأثار ذلك حركة استنكار واسعة معادية للإمبريالية. إن حركة الثلاثين من أيار هذه بدأت في المتروبولات الصناعية الكبرى وشملت اتحاد العمال وتنظيمات الطلاب وغرفة التجارة (البورجوازية الصينية الكبيرة) واتحاد التجار الصغار.
وقد شمل إضراب كبير الشركات الإنتاجية والتجارية والمؤسسات التعليمية. في تلك النقطة بدأت البورجوازية الصينية الكبيرة ، وقد أصابها الذعر ، بالحثّ على عقد مساومة ، إذ أبدت الحركة العمالية فعالية قوية حقاً.
تم الإعراب عن التضامن مع إضرابات شانغهاي في جميع أنحاء الصين ، من الشمال إلى الجنوب. والتحق العمال اليد ويون في المدن بعمال المكاتب والطلاب والتجار للقيام بنشاطات وطنية ومعادية للإمبريالية.
في 23 حزيران 1925، أطلقت القوات الفرنسية- البريطانية النار على تظاهرة وقتلت 52 شخصاً. حدث ذلك في الوقت الذي بدأت فيه حركة الإضراب والمقاطعة في هونغ كونغ و كانتون التي استمرت 15 شهراً، وتعد واحدة من أطول الإضرابات في تاريخ الحركة العمالية.
كانت الإضرابات ذات محتوى معاد للإمبريالية . هذا وقد لجأت البورجوازية الكانتونية إلى دعم الحركة لفترة من الوقت . إلا أن قيادة اللجنة المركزية للإضراب، "القوة الثانية"، في مقاطعة كانتون، كانت في أيدي الشيوعيين. وقد عينت كتائب من المضربين المسلحين لمراقبة السواحل. كانت الحركة وطنية بأهدافها ، بروليتارية بديناميتها، شعبية بقاعدتها. ولأول مرة حدث أن امتزجت النضالات الريفية و المدينية.
صار الحزب الشيوعي يمتلك نفوذاً جماهيرياً فعلياً . في 1925-1926 قفز عدد أعضائه من 1000 إلى 30000 شخص. لقد أثمرت سياسة "الجبهة الموحدة الداخلية" . غير أن نجاح الحركة الشعبية بالذات هو ما أفزع قطاعات متنامية من البورجوازية. لقد انفجرت صراعات عنيفة داخل الكومينتانغ، ولاسيما بعد موت صن يات صن في آذار 1925. فالجناح اليميني في الكومينتانغ عبّر بصراحة عن رغبته في شن حملة ضد الشيوعيين.
تجاهل الكومنترن اقتراحاً من "شن دوكسيو" يقضي بخروج الحزب الشيوعي من الكومينتانغ للحفاظ على استقلاليته التنظيمية.
عقد اجتماع للكومينتانغ في كانون الثاني 1926. وقد سيطر عليه سيطرة شبه تامة الجناح اليساري بزعامة وانغ جينغوي، غير أن المبادرة ظلت في أيدي اليمين. في 20 آذار 1926، قام تشانغ كاي شيك بالحركة في كانتون حيث أعلن الحكم العرفي وجرّد المضربين من السلاح واعتقل العديد من الشيوعيين. وفي أيار، قررت اللجنة التنفيذية في الكومينتانغ عزل الشيوعيين في جميع المواقع القيادية. وتعرض النشاط النقابي إلى مزيد من القيود الصارمة. وفي تشرين الأول ، تدخل الجيش لإنهاء الإضراب والمقاطعة في كانتون وهونغ كونغ.
ظلت موسكو متشبثة بسياسة الجبهة الموحدة رغم جميع هذه الصراعات . وفي آذار ، أقر الاجتماع العام السادس للجنة التنفيذية للكومنترن الاعتراف بالكومينتانغ كـ "حزب متعاطف" و بـ تشانغ كاي شيك كـ"عضو شرف". و قد كان ترو تسكي صوّت ضد ذلك في المكتب السياسي للحزب البلشفي. لقد كان تحليل الطبيعة الطبقية للكومينتانغ قد طرح دائماً بعض المشكلات. حينذاك وبما أن البورجوازية الصينية عمدت إلى توطيد أقدامها في قيادة هذا الحزب ارتأت اللجنة المركزية للكومنترن أن تصفه بعبارات متفائلة بصورة خاصة:
"إن حزب الكومينتانغ ، الذي يتحالف مركزه الأساسي مع الشيوعيين الصينيين، يمثل كتلة ثورية من العمال والفلاحين والإنتلجنسيا والديمقراطية المدينية على قاعدة وحدة المصالح الطبقية الخاصة بهذه الشرائح، في النضال ضد الإمبرياليين الأجانب والنظام العسكري - الإقطاعي كله من أجل استقلال الوطن وإقامة حكومة ديمقراطية ثورية واحدة".(14).
لقد أهمل القرار على المكشوف الاتجاه الذي يمثله الجناح اليميني في الكومينتانغ، مشيراً إلى أن "بعض الشرائح في البورجوازية الصينية الكبيرة ، التي كانت قد التفت مؤقتاً حول حزب الكومينتانغ قد ابتعدت عنه الآن" (15).
رفض الكومنتيرن طلب الحزب الشيوعي الصيني الاعتراف بحق تأليف أجنحة يسارية داخل الكومينتانغ. واحتفظ بورودين بمنصبه كمستشار لـ تشانغ كاي تشيك .
أيد الاجتماع السابع الموسع للجنة التنفيذية للأممية الشيوعية، الذي انعقد في تشرين الثاني-كانون الأول 1926 ، الخط الذي رسمه كل من ستالين و بوخارين.
إن الأطروحات المتعلقة بالوضع في الصين، وفي الوقت الذي تشير فيه إلى لجوء البورجوازية الصينية الكبيرة إلى الانعطاف نحو اليمين، تبدي تفاؤلاً كبيراً حول مستقبل النضال: "في هذه المرحلة ، تنتقل الهيمنة على الحركة أكثر فأكثر إلى أيدي البروليتاريا "، وينبغي بالتالي ألا يخرج الحزب الشيوعي من صفوف الكومينتانغ"."إن كل تطور الثورة الصينية ، طبيعتها وآفاقها ، يتطلب أن يظل الشيوعيون في الكومينتانغ ويكثفوا نشاطهم داخله". يجب عليهم أن يلتحقوا بحكومة كانتون" و"أن يناضلوا في سبيل تحويل الكومينتانغ إلى حزب حقيقي للشعب" وذلك عن طريق مكافحة الجناح اليميني" ومحاولاته الرامية إلى تحويل الكومينتانغ إلى حزب بورجوازي" وذلك من خلال دعم الجناح اليساري واستقطاب الوسط (16). لقد جرى إرسال ن.م.روي إلى الصين.
أثناء ذلك استمرت الحركة الجماهيرية بالتوسع. عقد المؤتمر الوطني الثالث للعمل في أيار 1926. وهذه المرة أعلنت النقابات عن عضوية 1.240000شخص. ومع حلول شهر نيسان كان العدد قد وصل إلى 2.800000 شخص . كانت النقابات تتمتع في الغالب بسلطة واسعة.
بدأت الاتحادات الفلاحية بالظهور عام 1924-1926 تحت حماية الكومينتانغ وبمساعدة حفنة من الشيوعيين، وفي آذار 1926، نشر ماو دراسته الموسعة الأولى؛ "تحليل الطبقات في المجتمع الصيني" (17). وفي نيسان، انعقد المؤتمر الوطني الأول للحركة الفلاحية. وقد أعلن عن انضمام مليون شخص ثلثاهم من مقاطعة غوانغ دونغ. وفي 1927 كان الحزب الشيوعي يمارس نفوذه على عشرة ملايين فلّاح صيني تقريباً.
عمل ماو تسي تونغ في الكومينتانغ لفترة طويلة ، انسجاماً مع خط الحزب. إلا أن أصالة آفاقه سرعان ما ظهرت عشية صدامات 1927. عمد إلى كتابة تقريره الشهير حول "الحركة الفلاحية في هونان" (18). حظي هذا التقرير بإعجاب حماسي من جانب فكتور سرج ، أحد المعارضين اليساريين البارزين. فقد كتب: "بين يدي وثيقة مثيرة للاهتمام عن الحركة الفلاحية في هونان (...) لقد سبق لي أن قرأت أشياء عديدة حول الثورة الصينية، ولكن لم يحصل أن وجدت تفكيراً شيوعياً ممتازاً إلى هذه الدرجة كما هو الأمر لدى هذا المناضل الشاب المجهول، ماو تسي تونغ. إنه يستعمل عبارات صارخة تعيد إلى الأذهان بشكل لا يقاوم عبارات لينين في أعوام 1917-1918 .ها هي ذي استنتاجاته (واستنتاجاتي أنا أيضاً) : "يجب أن تكون قيادة الحركة في أيدي الفقراء. لا ثورة بدون فقراء. الارتياب بالفقراء يعني الارتياب بالثورة، والتهجم عليهم يعني التهجم على الثورة . لقد تأكدت صحة إجراءاتهم الثورية بشكل لا يخطئ. إذا تعين علينا أن نرمز إلى إنجاز الثورة الديمقراطية بالعدد عشرة، فإن حصة المدينة والجيش لا بد أن تكون ثلاثة في حين تظل حصة الفلاحين في الريف سبعة".
وينهي فكتور سرج كلامه، الذي كتبه بعد إحدى الهزائم، قائلاً: "لو أن قادة الثورة تصرفوا تبعاً لهذا المفهوم الواضح عن النضال الطبقي، لكان ممكناً تحقيق ما لا يحصى من الانتصارات" (19).
مع انطلاق حملة الشمال في تموز 1926، انتشرت الحركة الجماهيرية في كل أنحاء الوطن بمزيد من القوة والحزم. ينبغي تفسير النجاحات السريعة التي حققها جيش حكومة كانتون باعتبارها نتيجة طبيعية للانتفاضات التي رافقت مسيرتها. كان النفوذ الشيوعي داخل الجيش، رغم قلة الشيوعيين، ما ينفك يزداد قوة وخاصة في الجيش القومي الرابع. وفي تشرين الأول 1926، نقلت الحكومة الوطنية مقرها من كانتون إلى ووهان.
كان الجناح اليميني في كانتون يمارس سيطرته على القوات المسلحة من خلال تشانغ كاي تشيك الذي راح يقيم مقراته في نان تشانغ، عاصمة مقاطعة جيانغسي. في أيلول عام 1927. وفتح تشانغ كاي تشيك المجال لأسياد الحرب لقمع الحركة الشعبية في وسط الصين وشمالها. وفي شباط، قام بهجمات متعددة ضد الشيوعيين في الوقت الذي كانت تتعرض فيه أول انتفاضة عمالية في شانغهاي إلى السحق.
بدا الصراع المفتوح داخل الحركة الوطنية بين القيادة البورجوازية للكومينتانغ والحركة الجماهيرية بقيادة الشيوعيين، واضحاً الآن للجميع. لقد أحدث الوضع المتبدل اضطراباً داخل الحزب الشيوعي، الذي بقي ساكتاً وعاجزاً عن المبادرة. لم يفعل الحزب في الواقع أكثر من إحكام الحبل حول عنقه. ومرت دراما هزيمة الثورة الصينية الثانية في ثلاثة فصول مذهلة:
الفصل الأول: شانغهاي.
في آذار 1927، أدى اندلاع انتفاضة في شانغهاي إلى انتقال السلطة إلى أيدي الاتحاد العام للنقابات والشيوعيين. لجأ المنتصرون إلى فتح أبواب المدينة أمام جيش تشانغ كاي شيك . ولم يتردد الأخير لحظة واحدة. حيث بادر في الحال إلى الاتصال بالبورجوازية المحلية وممثلي مصالح الإمبريالية الغربية والفئات المجرمة في القاع السفلي.
أما بالنسبة إلى الاتحاد السوفيتي ، فبالرغم من التحذيرات العديدة التي أطلقتها المعارضة . أكد ستالين في 5 نيسان بأنه من المستحيل أن يلجأ تشانغ كاي شيك إلى القيام بانقلاب. في 12 نيسان بدأت المذبحة وتم اعتقال الألوف من المناضلين العمال وإعدامهم فوراً على يد قطعان الجيش والعصابات المجرمة.
الفصل الثاني: ووهان.
انقسمت قيادة الكومينتانغ على نفسها مؤقتاً، انفصل جينوي عن تشانغ كاي تشيك. أصرت موسكو على ضرورة متابعة الجبهة الموحدة الداخلية، هذه المرة مع يسار الكومينتانغ. قرر الحزب الشيوعي الانصياع لأوامر موسكو في مؤتمره الخامس (27 نيسان-11 أيار 1927). أقامت حكومة وانغ جينوي مقراتها في ووهان، ومنها فرضت سيطرتها على مقاطعات هوبي وهوتان. وفي أيار، في الاجتماع الثامن للأممية الشيوعية، أكد ستالين، منتقداً المعارضة، بأن تلك الحكومة تشكل الآن "مركزاً ثورياً".
ولكن حكومة ووهان لم تتأخر كثيراً في الإفصاح عن نفسها. فلجأت في حزيران 1927 إلى سحق الحركة العمالية و الفلاحية ومطاردة الشيوعيين. وما لبثت أن أقامت صلحاً مع تشانغ كاي تشيك. وفي مقاطعات أخرى أيضاً، تعرض الشيوعيون إلى القمع. ففي زانغ زولين، مثلاً تم إعدام العديد من القادة، من بينهم لي دازهاو. وارتكب الحاكم العسكري في شانغ شا مجزرة حقيقية.
في 1 آب 1927، تمردت وحدات من الجيش الرابع ضد القيادة العامة. وقد قاد هذه الانتفاضة ضباط شيوعيون أو متعاطفون مع الشيوعيين مثل هي لونغ و يي تينغ بقيادة شوآن لاي. وقد عرفت الانتفاضة باسم انتفاضة شانغ. وقد اعتبر تاريخ وقوعها عيداً سنوياً لذكرى تأسيس الجيش الأحمر. في أيلول، انفجرت انتفاضة فلاحيّة في هونان، حيث كان ماو يمارس نشاطه. وقد عرفت تلك الانتفاضة باسم انتفاضة موسم الخريف. انسحب ماو إلى جبال جينغاشان على حدود مقاطعتي هونان و جيانغسي والتحق به إلى هناك شودي.
عاد يورودين و ن.م.روي إلى الاتحاد السوفيتي وسرعان ما تم استبدالهما بـ لومينادزه ، أحد رجالات ستالين الموثوقين. في آب ، عقد الحزب الشيوعي كونفرانساً طارئاً، وألقي اللوم على شن دوكسيو بسبب الهزيمة. وعين توكيوباي أميناً عاماً.
طرد ترو تسكي و زينوفييف من الحزب الشيوعي السوفييتي، وانتصر الجناح الستاليني.
الفصل الثالث: كانتون.
قررت موسكو فجأة، إزاء التغير الذي طرأ على الوضع، أن يجري تنظيم انتفاضة في الجنوب في كانون الأول 1927. إلا أن كومونة كانتون التي نتجت عنها لم تستطع البقاء طويلاً في وجه الهزائم المرعبة التي سبق وتعرضت لها الحركة الوطنية في باقي أنحاء الوطن. ومرة أخرى تعرض العمال إلى قمع رهيب. وفي 1928. أصبح توكيوباي كبش المحرقة الجديد وأدين لـ "انقلا بيته ".
تعليق أولي على الأحداث:
شانغهاي في شباط- ووهان في أيار- كانتون في كانون الأول:
كان عام 1927 عام القمع الدموي الرهيب للثورة الصينية الثانية. بلغ عدد الشيوعيين الذين تعرضوا للتصفية الجسدية 38000 شخص. كانت الهزيمة ثقيلة وكانت دروسها فائقة الأهمية.
تلقي أحداث 1926-1927 الضوء ساطعاً على دور البورجوازية في النضال التحرري.
الدرس واضح بشكل خاص لأن البورجوازية الصينية، بما فيها قطاعاتها التجارية والصناعية والمصرفية، كانت في تلك الفترة إحدى البورجوازيات ذات الدينامية العالية في البلدان المستعمرة ونصف المستعمرة، وكانت التقاليد الوطنية و الشعبوية للكومينتانغ لا تزال حية في الأذهان.
لم تصب الجبهة الموحدة بالانهيار نتيجة هزيمة ساحقة. إن نجاح الحركة بالذات هو ما أرعب البورجوازية. فبالضبط، حين كانت الحركة الوطنية والاجتماعية في قمة صعودها، لجأ الجناح اليميني في الكومينتانغ أولاً ومن ثم القيادة كلها إلى الانعطاف ضد الحلفاء السابقين والدخول في حلف فعلي مع القوات العسكرية الشمالية وكذلك قوى الإمبريالية لسحق الحركة الشيوعية.
من هذا المنطلق فإن الدرس الذي أعطته الصين عام 1927 نسخة مكررة للدرس الذي سبق أن أعطته روسيا في عام 1905. وهو أن قيادة البورجوازية تشكل الطريق المسدود أمام الثورة الديمقراطية الوطنية.
و هكذا، فإن تجربة الثورة الصينية الثانية تكشف عن أهمية الطبيعة الطبقية لقيادة الحركة الوطنية، أي المحتوى الاجتماعي لحركة التحرر. ولكنها تلقي الضوء أيضاً على إمكانية وضرورة تحالف طبقي يضمن دعم الأغلبية للثورة في بلد تشكل فيه البروليتاريا أقلية ضئيلة.
إن المقصود هنا وقبل أي شيء آخر هو تحالف العمال مع الفلاحين ولكن لابد أيضاً من الأخذ بعين الاعتبار الدور الذي تلعبه الانتلجنسيا الثورية والطلاب والفئات نصف البروليتارية في المدن والأرياف، إضافة إلى الجنود والضباط الصغار في بلد كالصين يعيش على حافة الحرب.
ولهذا فإن الثورة الصينية الثانية ترسم لوحة التحالفات الطبقية التي من شأنها أن تضمن النصر لنضال التحرر الوطني.
على أن تجربة 1921-1927. تظهر من الجانب الآخر الأهمية التي تنطوي عليها سياسة الجبهة الموحدة، المبنية على أساس أهداف ملموسة، مع قطاعات من البورجوازية في إطار الحركة الوطنية. يجب ألا يقودنا سحق الثورة الصينية الثانية إلى تجاهل حقيقة أنه كان على الحركة الشيوعية المشاركة في الحركة الوطنية في تلك الفترة وأن تتفاوض بشأن تحالف قتالي مع الكومينتانغ للقيام بذلك. فبمعزل عن مثل ذلك الفهم، لا يمكن تفسير القدرة التي تمكن بها الحزب الشيوعي الصيني من بناء نفسه بسرعة في الفترة 1924-1926.
و ترو تسكي نفسه لم ينكر الحاجة إلى إتّباع تكتيك الجبهة الموحدة هذا. لكنه في حين دعا الحزب الشيوعي الصيني إلى مغادرة صفوف الكومينتانغ، واصل عام 1926 محض دعمه للتحالف مع هذا الحزب - الحكومة في إطار حملة الشمال. و قد ظل متمسكاً بهذا الموقف بحماس طوال سنوات الثلاثينات في وجه عناصر أقصى اليسار في الأممية الرابعة. لقد كتب يقول: "يزعم رجال الصف الثاني أننا غيرنا موقفنا حول المسألة الصينية. و يرجع هذا إلى أن هؤلاء المساكين لم يفهموا شيئاً من موقفنا في 1925-1927. فنحن لم ننكر قط أنه كان واجباً على الحزب الشيوعي المشاركة في حرب البورجوازية والبورجوازية الصغيرة في الجنوب ضد جنرالات الشمال، عملاء الإمبريالية الخارجية. ولم ننكر قط ضرورة تكتل عسكري بين الحزب الشيوعي الصيني و الكومينتانغ، بل بالعكس كنا السباقين إلى طرح ذلك. ولكننا طلبنا أن يحتفظ الحزب الشيوعي باستقلاليته التنظيمية والسياسية كاملة، وهذا يعني أنه ينبغي على الطبقة العاملة، سواء خلال الحرب الوطنية ضد الإمبريالية الخارجية أو أثناء الحرب الأهلية ضد العملاء الداخليين للإمبريالية، أن تحضر للإطاحة السياسية بالبورجوازية دون أن تتخلى لحظة عن المواقع الأمامية على الجبهة العسكرية" (20).
وهكذا فإن أحد الدروس الأساسية للثورة الصينية في حقل التحالفات والجبهات المتحدة يكمن في وجوب التمييز الدقيق بين الأهداف الإستراتيجية (تشكيل القيادة البروليتارية، إنشاء كتلة طبقية ثورية من العمال والفلاحين والإنتلجنسيا الثورية وأنصاف البروليتاريا والبورجوازية الصغيرة المفقرة) والاحتمالات التكتيكية التي قد تتطلب، عند نقطة معينة، الدخول في تكتل مع القوى السياسية البورجوازية وبأنه لا بد أن يلجأ المرء، داخل التكتل، إلى إيجاد السبيل الذي يقود إلى وضع الأساس السياسي للصراع الطبقي القادم.
كان عام 1926 حقاً لحظة انعطاف رئيسي: انفجار الصراع الطبقي داخل الحكومة الوطنية . الفترة السابقة، التي تميزت بتطابق مصالح عناصر متعددة في الحركة الوطنية، أخلت السبيل أمام نزاع كبير حول قيادة الحركة واتجاهها. هذا الانعطاف تطلب تغييراً سياسياً ملائماً من جانب الحليفين المؤقتين. لقد أدركت قيادة تشانغ كاي تشيك هذا الأمر وراحت تعمل بشكل مدروس للهجمة المعادية للشيوعية.
الحزب الشيوعي لم يستوعب ذلك. وبدلاً من الاستعداد للصراع المقبل وخاصة بترك صفوف الكومنتانغ، لجأ إلى تعديل خطه السابق في الجبهة الموحدة باتجاه انتهازي. لقد اعتبر الكومينتانغ الإطار الوحيد الذي يمكن عقد التحالفات الإستراتيجية ضمنه. و لهذا انصبت سياسة الحزب على القيام بشكل كامل بتعزيز الحفاظ على هذا الإطار الخاص للوحدة، كل ذلك في وقت أصبح فيه الاستقلال التام للقوى الشيوعية مسالة حياة أو موت. ذلك هو السبب المباشر للهزيمة الساحقة في 1927.
لا يمكن تفسير هذه السياسة الانتحارية بتدخل عناصر غير متوقعة. كان تشانغ كاي شيك قد رتب أوراقه أمام الجميع قبل سنة بكاملها من أحداث شانغهاي. كان النزاع متوقعاً وكان. والحق يقال، قد تم التكهن به في الاتحاد السوفيتي من قبل المعارضة وفي الصين من قبل العديد من الكوادر.
الحقيقة هي أن القيادة السوفييتية الستالينية هي التي أصرّت على دعم اتجاه "الجبهة الموحدة الداخلية" في وجه الاعتراضات، معطية هذا الاتجاه أكثر فأكثر مضموناً انتهازياً. هذا ويتحمل المكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني من جانبه بعض المسؤولية عن هزيمة 1927. إلا أن اتجاه الحزب وخطه كانا يتقرران في موسكو وكان المركز الستاليني يرى عنه أن خطه مجهز بأدوات تنفيذه (حتى ولو عنى ذلك اختيار القادة الصينيين الذين كانوا معدين ليتحولوا أكباش فداء حال وقوع الهزيمة).ص24 وهكذا فإن الثورة الصينية الثانية تعطي علاوة على ما قيل، مثالاً صارخاً عن النتائج التي أدى إليها صعود الستالينية وراء حدود الاتحاد السوفييتي. فمع صعود البيروقراطية، ووراء ستار من الجمل الثورية، تغلبت "وجهة نظر روسيا الكبرى" (أي وجهة نظر الجناح الستاليني) على وجهة النظر الأممية. وما كان في السابق تناقضاً ثانوياً (مثلاً بين الدبلوماسية الحكومية والأممية) أصبح الآن تناقضاً رئيسياً. و ما كان قد صار أساليب داخلية خطيرة، (مثلاً طريقة حصول المناضلين الصينيين العائدين من موسكو على المنصب بشكل تلقائي) تحول الآن إلى سياسة منهجية تهدف إلى إخضاع الأحزاب الوطنية لمصالح البيروقراطية الروسية. ذلك هو المجرى الذي ينبغي ضمنه تفحص مسألة دخول الحزب الشيوعي الصيني إلى الكومينتانغ.
في الأصل، ومنذ اتخاذ القرار كجزء من المنظور الثوري، فإن الأمر لم يكن مطروحاً كمسألة مبدئية بل كخيار تكتيكي. وهذا الخيار أثار في الظاهر مشاكل في الصين أكثر مما في جاوه. حين طرح سنيفليت على الحزب الشيوعي الصيني فكرة دخول الكومينتانغ، كان هذا الأخير تنظيماً يفتقر إلى أسس حقيقية. ومع ذلك ، وكما أشار هو في 1925 ،فقد كانت البورجوازية الصينية في تلك الفترة أقوى بكثير مما كانت عليه قرينتها الجاوية في العشرينات (21).
إن الأمل في "الهيمنة" على الكومينتانغ كما سبق ليسار "سراكات إسلام" أن هيمن لسنوات قليلة سابقة في جاوه، كان محض وهم.. كان لا بد لعمل الشيوعيين داخل الكومينتانغ أن يؤدي عاجلاً أم آجلاً إلى الاصطدام مع قيادة الكومينتانغ اصطداماً طبقياً. و الأكثر من ذلك أنه بمجرد الدخول إليه فإن ترك هكذا حزب لم يكن شيئاً سهلاً. بدلاً من ذلك، لو كان الحزب الشيوعي الناشئ لجأ إلى ترسيخ جذوره في الحركة القومية وحركة العمال والفلاحين بشكل مباشر وتحت رايته الخاصة، لكان ذلك أفضل بما لا يقاس.
كان هناك ما يبرر الدخول إلى الكومينتانغ لو أن ذلك كان فعلاً السبيل الوحيد أمام الحزب الشيوعي الصيني الناشئ كي يتحول إلى حزب جماهيري حقيقي. و لكن كان لابد عندئذ من الاستعداد للانسحاب بطريقة تمكن الحزب من التصرف بسرعة وسهولة عندما تلوح الكارثة. في 1931، أكد ترو تسكي في رسالة إلى المعارضة اليسارية الصينية، أن "دخول الحزب الشيوعي الصيني إلى الكومينتانغ كان خطأ منذ البداية. واعتقد أنه من الضروري الإقرار بذلك علناً - في وثيقة أو أخرى- ولا سيما أنه في هذه الحالة، تشارك المعارضة الروسية في تحمل المسؤولية إلى درجة كبيرة"، إذ أنها وافقت، بصدد هذه النقطة، على الدخول في مساومة مع الزينوفييفيين في إطار المعارضة الموحدة لعام 1926 (23).
ومع ذلك فقد اعترف ترو تسكي، في الوثائق الخاصة الأولى التي كان يدعو فيها إلى الانسحاب من الكومينتانغ، بأن الدخول في ذلك الحزب كان له ما يبرره في الفترة السابقة. إن ملاحظته في هذا الصدد جديرة بالاهتمام:
"فيما يتعلق بالصين، كان حل مسألة العلاقة بين الحزب الشيوعي مع الكومينتانغ يختلف تبعاً للمرحلة التي كانت تمر بها الحركة الثورية. إن المعيار الأساسي بالنسبة إلينا ليس الحقيقة الثابتة عن الاضطهاد القومي بل الصيرورة المتبدلة للصراع الطبقي، سواء داخل المجتمع الصيني أو على طول خط المواجهة بين الطبقات والأحزاب في الصين من جهة والإمبريالية من الجهة الثانية".
"...كانت مشاركة الحزب الشيوعي الصيني في الكومينتانغ صحيحة تماماً في الفترة التي كان لا يزال، أي الحزب، يشكل مجرد مجموعة دعائية صغيرة تحضر نفسها فقط من أجل نشاط سياسي مستقل في المستقبل، في الوقت نفسه الذي يسعى فيه للمشاركة في نضال التحرر الوطني الجاري".
إلا أن تلك الفترة كانت انقضت وكانت "المهمة السياسية الملحة للحزب الشيوعي الصيني الآن هي الكفاح من أجل قيادة مستقلة مباشرة للطبقة العاملة المتيقظة-طبعاً لا من أجل إخراج الطبقة العاملة من مجرى النضال الثوري الوطني، بل من أجل تأكيد دورها لا كمقاتل عنيد وحسب بل كقائد سياسي مهيمن في النضالات الجماهيرية الصينية"(24).
كل هذه القضايا الكبيرة في الإستراتيجية والتكتيك سوف تظهر مجدداً، في سياق جديد، خلال الحرب الصينية اليابانية. وبالرغم من أن ذلك تم عبر مثال سلبي أكثر منه إيجابي، فإن الثورة الصينية قد ألقت الضوء على الدور الحاسم للحزب كقيادة طبقية في النضال التحرري إضافة إلى القوى الثورية المسلحة. هذا الدرس أيضاً سيكون له تأثير حاسم على الخيارات الأساسية التي ستطرح نفسها في الثورة الصينية الثالثة.
من جيانغسي إلى يانان 1928-1935
الانسحاب:
نتيجة الهزائم المتلاحقة التي منيت بها الحركة الثورية الصينية في عام 1927 فقد راحت تنسحب من الساحة انسحاباً كاملاً. و كان ذلك يعني الاعتراف بالفشل في وقت كان فيه الصراع ضد المعارضة على أشده. ورجحت كفة الأوامر العصبوية مرة ثانية: كان على الحزب الشيوعي الصيني لسنوات عديدة لاحقة أن يدرس الهجوم الثوري المضاد. لقد دفع ثمن هذه السياسة غالياً.
ظلت موسكو محتفظة بسيطرتها على المكتب السياسي للحز ب الشيوعي الصيني، لكنها فقدت مؤقتاً السيطرة على الجيوش الحمراء التي كانت تحتشد تحت إمرة ماو تسي تونغ في المناطق الأصعب منالاً في الجنوب. وهكذا بدأ يتشكل التيار النضالي الجديد الذي سيكتب له الهيمنة على تاريخ الحزب الشيوعي الصيني في الثلاثينات.
من 1928 إلى 1932، اندلعت حرب أهلية طويلة دفعت القوى الشيوعية إلى الوقوف في وجه الكومينتانغ في جنوب الصين. وكان على الجيش الأحمر في نهاية الأمر أن يخرج من دائرة الجيوش المحيطة البيضاء ويباشر انسحاباً طويلاً قاد هذا الأخير إلى يانان في أقصى الشمال الغربي. تلك كانت المسيرة الطويلة التي استطاع الجناح الماويّ في سياقها أن يظفر بالقيادة.
في أثناء ذلك، كان الضغط الياباني على الصين ما ينفك يزداد ويتوسع. وما لبثت أن اندلعت الحرب بين الصين واليابان بعد سنتين فقط من وصول القوى الشيوعية إلى يانان.
الأحداث :
1928-1930 : الهجوم على المراكز المدينية.
عقد الحزب الشيوعي الصيني مؤتمره الخامس في موسكو من 28 حزيران إلى 11 تموز 1928. وأصبح لي ليزان "الرجل الأول" في ا لمكتب السياسي في تشرين الأول نشر ماو بحثه : "كيف تستطيع السلطة السياسية الحمراء البقاء في الصين؟ "(25) . في عام 1929، انطلق الجيش الأحمر بقيادة ماو و شودي من جبال جينغ غان شان واستولى على جزء من مقاطعة جيانغسي: تلك كانت جمهورية جيانغسي السوفييتية.
في المدن شرع الكومينتانغ يقيم نقابات "صفراء". وتعرضت الحركة العمالية الثورية إلى القمع وتناقصت صفوفها. في عام 1929 التأم مؤتمر العمل لعموم الصين في موسكو.
رأت القيادة الوطنية للحزب الشيوعي الصيني (ومبعوثو الكومنتيرن) أن وضعاً ثورياً جديداً بدأ ينضج في البلد. وكان الهدف المرسوم هو الاستيلاء على المدن الرئيسية الثلاثة في وسط الصين (تشانغ شا، ووهان، نان شانغ) عن طريق الجمع بين الهجمات العسكرية والحركة الإضرابية العامة.
في عام 1930، قررت القيادة الوطنية للحزب الشيوعي القيام بالهجوم على المراكز المدينية. احتلت قوات بنغ دي هاو مدينة تشانغ شا. إلا أنها سرعان ما اضطرت إلى التخلي عنها وإخلائها. وتقرر الانسحاب بعد أن اجتمعت قوات ماو و شودي و بنغ.
في المدن ازداد الوضع صعوبة أكثر فأكثر. شجبت اللجنة المركزية اليسارية القصويّة عند لي ليزان، آخر كبش محرقة في السلسلة.
*1931: الخطوات الأولى لقيادة وانغ مينغ.
حل وانغ مينغ وجناحه، "البلاشفة الـ28"، محل لي ليزان على رأس الحزب الشيوعي الصيني. وكانوا قد عادوا تواً من موسكو حيث اختارهم لذلك بافل ميف، خلافاً لإرادة أغلبية الطلاب الصينيين الذين كانوا يقيمون في الاتحاد السوفييتي، حيث انحازوا إلى جانب المعارضة المناهضة للبيروقراطية(26).
قام هؤلاء "البلاشفة الـ28" بتشكيل الجناح الستاليني الحقيقي داخل الحزب الشيوعي الصيني. وكانت سلطتهم تنبع من الدعم الذي يتلقونه من موسكو.
في أيلول 1931، شرعت اليابان بغزو منشوريا في ما عرف لاحقاً باسم "حادثة موكدن" وحولت المنطقة إلى محميّة: مانزوغو.
في 7 تشرين الثاني، انتخب ماو رئيساً للجمهورية السوفيتية في جيانغسي في المؤتمر الأول للسوفييتات الذي انعقد في جويشين.
لم يلبث تشانغ كاي شيك أن شن سلسلة من حملات الإبادة، ضد المناطق الحمراء في جيانغسي: الحملة الأولى في أواخر 1930، والثانية في أيار 1931. والثالثة في تموز 1931. وقد حشد فيها تشانغ كاي شيك أكثر من 300000، ولكنه تلقى مرة أخرى خسائر فادحة.
*1932-1934: المقاومة وهزيمة جيانغسي السوفيتية.
في كانون الثاني 1932. هاجم اليابانيون شانغهاي واحتلوها بعد حصار دام ثلاثة أشهر.
خلال سنتي 1931-1932 تركت القيادة الوطنية المدن ولجأت إلى المراكز التي كان يسيطر عليها الجيش الأحمر. تعرض قادة المعارضة (شين دوكسيو، بينغ شوزي) إلى الاعتقال والإدانة على يد الكومينتانغ.
بعد توقيع اتفاقية مع اليابانيين في أيار 1932، شن تشانغ كاي شيك حملة إبادة رابعة ضد "المناطق السوفييتية" في حزيران من العام نفسه، وكان لا بد من إخلاء القواعد الحمراء في المناطق الآهلة من مقاطعات هينان وآنهوي وهوبي، أما منطقة جيانغسي فقد قاومت وصمدت.
في 1933 ، احتلت اليابان منطقة جيهول وتحركت إلى مقاطعة تشاهار.
لم يمنع كل ذلك تشانغ كاي شيك من التوقيع على "هدنة تانغوو" مع طوكيو في أيار 1933. ثارت المشاعر القومية الصينية. وما لبثت أن قامت حكومة وطنية متمردة في مقاطعة فوجيان في تشرين الثاني. لكن الحزب الشيوعي الصيني رفض دعم المتمردين الذين تعرضوا إلى السحق على يد تشانغ كاي شيك في كانون الثاني 1934.
في منطقة جيانغسي السوفييتية نشب نزاع عنيف بين جناح وانغ مينغ (الذي محض التمتع بسلطة القيادة الوطنية، والقيادة المحلية لـ ماو تسي تونغ. في كانون الثاني 1934، أزيح الماويون عن المواقع القيادية النافذة. ومع ذلك فقد بقي ماو شكلياً رئيساً للجمهورية.
قام الكومينتانغ بشن حملته الخامسة للإبادة في كانون الثاني 1934، وقد أعدت تجهيزات قوية لهذه الحملة. فصلت القاعدة الحمراء في جيانغسي- فوجيان عن الداخل. تم اتخاذ قرار التخلي عن القاعدة في آب 1934. شق الجيش الأحمر طريقه عبر الحصار. في تشرين الأول، بدأت المسيرة الطويلة.
*1934-1935: من جيانغسي إلى يانان.
في كانون الثاني، وخلال المسيرة الطويلة، انتخب ماو إلى اللجنة الدائمة للمكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني في جلسة للمكتب السياسي الموسع عقدت في تسوتي في مقاطعة غويزو. كانت موازين القوى داخل الحزب الشيوعي الصيني قد تغيرت تغيراً حاسماً. زودي، بنغ دها وي، "الجنرال الأعور" ليوبيشونغ، كانوا يسيطرون على الفصائل الأساسية للجيش الأحمر.
عمد شو آن لاي، الذي كان عضواً في المكتب السياسي السابق، إلى تجريب حظه مع الفريق القيادي الجديد. إلا أن القيادة الماويّة كانت تستولي الآن على زمام الأمور. ومع هذا، فقد ظل وانغ مينغ، الذي كان يتمتع بحماية الجناح الستاليني، أحد نواب الرئيس في الكومنتيرن.
بعد معارك طاحنة مع الكومينتانغ والصراع العصبويّ داخل الجيش الأحمر- ضد زانغ تاو هذه المرة- استطاعت القوى الشيوعية أن تعيد لمّ شملها في الشمال الغربي، أولاً في باوان ومن ثم في يانان في مقاطعة شينسي التي أصبحت عاصمة المنطقة الحمراء الجديدة. وكان ذلك نهاية المسيرة الطويلة في تشرين الأول 1935.
***
كانت المسيرة الطويلة التي تعد ملحمة بطولية قد غدت الآن جزءاً من أسطورة انسحاب طويل قاد فصائل متعددة من الجيش الأحمر من قواعدهم الأولية في جنوب الصين إلى يانان في الشمال الغربي بعيداً عن المناطق الساحلية التي كانت في قلب الحياة السياسية و النضالات الاجتماعية خلال هذه السنين من الثورة والثورة المضادة.
ولهذا فقد كانت نقطة البداية على الأصعدة الجغرافية و السوسيولوجية والتنظيمية للثورة الصينية الثالثة مختلفة تمام الاختلاف عن تلك الخاصة بالثورة الثانية.
ومع ذلك، فقد حدد الميراث الثوري لنضالات فترة 1925- 1927 (الفترة المعروفة بالحرب الأهلية الثورية الأولى) والمقاومة في 1928 إلى 1937 (الفترة المعروفة بالحرب الأهلية الثورية الثانية)، وبطرق مختلفة، مجرى نضالات 1937-1945 (الفترة المعروفة بحرب المقاومة ضد اليابان). وهذا ما يجب تحليله الآن بتفصيل أكبر من أجل فهم جذور الماويّة.

هوامش الفصل الأول:
1-انظر ، بشكل خاص، لوسيان بيانكو: أصول الثورة الصينية. باريس .غاليمار1976. كذلك يمكنك الرجوع إلى جاك غويلرمان: تاريخ الحزب الشيوعي الصيني 1921-1949، نيويورك 1972.
2- رولاند ليو: 1949، ماو يأخذ السلطة، بروكسل 1980.
3-بيان مشترك لصن يات صن ويوفي في 26 كانون الثاني 1925 . ورد في تاريخ توثيقي للشيوعية الصينية . نيويورك . اثينوم1973.
4- يمكن الحصول على سلسلتي الأطروحات إلى المؤتمر الثاني للأممية الشيوعية إضافة إلى محاضر نقاشات الاجتماعات الموسعة في : المؤتمر الثاني للأممية الشيوعية، المجلد الأول. لندن. نيوبارت 1977. بعض جوانب عمل اللجان وكذلك علاقة لينين و ن.م.روي موثقة في كتاب : برانكو لازيتس وميلوراد دراشكو فيتش: لينين و الكومنتيرن، تانغورد. معهد هوفر 1972. انظر أيضاً: بيير فرانك : تاريخ الأممية الرابعة، باريس، لابريش.
5- توجد قرارات المؤتمرين الثاني والثالث للكومنتيرن في : موضوعات ، قرارات وبيانات المؤتمرات الأربعة الأولى للأممية الثالثة. لندن. (توجد ترجمة عربية ، منشورات دار الالتزام).
6- انظر مثلاً: هيلين كارير دنكوس وستيوارت شرآم: الماركسية وآسيا 1853-1964، باريس ، وأيضاً أ.ه.كار: تاريخ روسيا السوفييتية، 14 مجلداً. لندن. ماكميلان.
7-في مؤتمر شعوب الشرق ، أكد سافاروف ، موجهاً كلامه إلى ممثلي الكومينتانغ: "إننا نتعامل معكم ، يا أنصار الكومينتانغ، كحلفاء لنا ، أصدقاء ورفاق، ونخبركم في الوقت نفسه ، بصراحة ووضوح ، أننا ندعم وسنستمر في دعمنا لنضالكم طالما كان ذلك نضالاً وطنياً و ديمقراطياً. ولكننا سنواظب ، في الوقت نفسه، على ممارسة عملنا الشيوعي المستقل في تنظيم جماهير البروليتاريا وأنصاف البروليتاريا في الصين". فقرة مأخوذة عن غويلرماز. مصدر سابق.
8-هذا البيان موجود في: تاريخ توثيقي ..ص 71-72.
9-إشارة سابقة ، مؤرخة في 31 كانون الثاني 1923، أكدت ضعف الحركة العمالية الصينية وبالتالي أهمية التحالف مع الكومينتانغ ، ولكنها حذرت من خطر "تصفية" الاستقلال السياسي والتنظيمي للحزب الشيوعي الصيني. إن مقارنة بين الإشارتين تظهر التطور الفكري لدى الكومنتيرن. انظر بهذا الصدد : غريغور بنيتون: "اثنان من أوائل قياديي الشيوعية الصينية تعرضا إلى التصفية (مقال صحفي): "الصين الفصلية" عدد 102. حزيران 1985.
10- هينك سنيفليت: المسألة الصينية 1920-1923، ملاحظات بقلم هارولد اسحق، مقابلة مع سنيفليت في 19 آب 1935. دفاتر ليون ترو تسكي 15 أيلول 1983.
11- انظر إلى الملاحظة الواردة في المقدمة المكرسة لوثائق سنيفليت في الفترة 1922-1935. دفاتر ليون ترو تسكي 15 أيلول 1983.
12- "مقتطفات من تقرير مادينغ (سنيفليت) إلى اللجنة التنفيذية للأممية الشيوعية حول مهمته في الصين (11 تموز 1922)" دفاتر ليون ترو تسكي 15 أيلول 1983.
13-إضافة إلى الدراسات العامة المذكورة سابقاً انظر هارولد اسحق: مأساة الثورة الصينية. الطبعة الثانية. نيويورك . آثينوم 1968. بنيامين شوارتز: "الشيوعية الصينية ونهوض ماو" نيويورك 1951. وكذلك الوثائق الواردة في بيير برويه:"المسألة الصينية في الأممية الشيوعية" باريس 1976.
14- ورد في ه. كار: "تاريخ روسيا السوفييتية". الفصل الثامن بعنوان: الاشتراكية في بلد واحد (1924-1926)، المجلد الثالث. ص765.
15- المصدر السابق ص 703.
16- يوجد نص هذا القرار في برويه: مصدر سابق ص 65-78.
17- غالباً ما عاد ماو ونقح "آثاره المختارة" المنشورة أثناء حياته (المجلد 1-4) قبل إعادة طبعها ، أحياناً بشكل طفيف وأحياناً أخرى بعمق كبير. نص "تحليل.." المنشور في الأعمال المختارة لـ ماو تسي تونغ - المجلد 1. بكين . دار النشر باللغات الأجنبية 1975. ص 1-13، هو واحد من الوثائق التي تعرضت إلى تبديل عميق في 1951، وهذا الأمر يجعل تحليل تطوره الفكري أصعب. لقد أشرنا إلى ترجمات احترمت النص الأصلي، لا سيما المجموعة الوثائقية الواردة في ستيوارت شرام: الفكر السياسي عند ماو تسي تونغ. هارموندز ورث. بننويت 1969.
18- ماو، الأعمال المختارة . المجلد 1-1975 ص 23-62. من أجل مقتطفات من النص الأصلي. انظر شرآم المصدر السابق ص 25-259.
19-"صراع الطبقات في الثورة الصينية" -3 ورد في Clarte′ العدد (12)-15 آب 1927. أورده فكتور سرج في : الثورة الصينية 1927-1929. باريس. سافيلي-1977. في تلك الفترة كان فكتور سرج يقوم بتنسيق النشاط الأممي للمعارضة اليسارية والمقطع الذي يشير فيه إلى الأهمية الحصرية لكل من المدن والأرياف قد حذف من النص الأصلي لأعمال ماو. وقد أقدم الأخير ، الذي جرى اتهامه بترك الخط "البروليتاري" لصالح خط "فلاحي" ، على إضافةٍ بشكل منهجي للتأكيد على دور الطبقة العاملة والقيادة الشيوعية عندما نقح أعماله في الخمسينات. قارن الترجمة الواردة في شرآم: مصدر سابق ، مع النص المنشور في أعمال مختارة، بكين.
20-"حول الحرب الصينية اليابانية"- 23 أيلول 1977. ليون ترو تسكي: "حول الصين" . طبع بلوك و إيفانز مع مقدمة لبنغ شوكسي، نيويورك، موناد 1976.
21-هينك سنيفليت. مصدر سابق ص 91.
22-لاحظ الطريقة التي يحلل بها وضع الكومينتانغ في تقريره إلى اللجنة التنفيذية للكومنتيرن في 1922. مصدر سابق ص 84-85.
23- " إلى المعارضة اليسارية الصينية" 8 كانون الثاني 1931. ليون ترو تسكي "حول الصين".
24- الحزب الشيوعي الصيني و الكومينتانغ" 27 أيلول 1926. ليون ترو تسكي: "حول الصين" 1976. ص 114.انظر أيضاً رسالته إلى رادك في 30 آب 1926. ص 111 من نفس الكتب. هذه الوثائق هامة لأنها ، بعكس نصوص أخرى لفترة 1926-1927، لا تدعو إلى انسحاب عاجل من الكومينتانغ ، كتابات شخصية . إنها تبين أن ترو تسكي كان يدعو بوضوح إلى انسحاب الحزب الشيوعي الصيني منذ عام 1926، وهي حقيقة تساءل العديد من المؤرخين حولها انطلاقاً من وثائق المعارضة الموحدة التي بحوزتهم . ولكنها تكشف أيضاً أن ترو تسكي قد طرح المسألة العامة لمشاركة المجموعة الشيوعية في حركة الكومينتانغ بعبارات أكثر مرونة بكثير مما تنطوي عليه رسالته لعام 1931 التي تتحدث عن مسألة مبدئية.
25- ماو، الأعمال المختارة. المجلد 1-1975.
26- حول هذا الموضوع ، انظر وانغ فان هسي : الثوري الصيني. منشورات جامعة أكسفورد-1980 . مؤلف هذه المذكرات كان في روسيا أثناء الصراعات العصبوية التي حصلت هناك بعد انضمامه إلى التروتسكية ، استطاع العودة إلى الصين قبل أن يتم التضحية به، بعكس غالبية رفاقه ، الذين اختفى معظمهم في فترة التطهيرات.
27- شن دوكسيو، مؤسس الحركة الشيوعية الصينية ، التحق بالمعارضة اليسارية . بصدد شن دوكسيو وتطوره السياسي. انظر: وانغ فان هسي: "شن دوكسيو، أبو الشيوعية الصينية". ورد في غريغور بنيتون: "زهور برية، أعشاب ضارة، وأصوات متمردة من جمهورية الصين الشعبية". لندن. مطبعة بلوتو 1982. يحتوي العدد 15 من دفاتر ليون ترو تسكي الوارد ذكره ورسالة بيير برويه عن شن دوكسيو والأممية الرابعة علاوة على ترجمة لوثائق تخص القادة الصينيين.
نشر لي فيغون مؤخراً دراسة شاملة عن شن دوكسيو بعنوان: " شن دوكسيو مؤسس الحزب الشيوعي الصيني". برينستون. منشورات جامعة برينستون. 1983. أصبح بنغ شوزي فيما بعد واحداً من أشهر القادة التروتسكيين الصينيين. نشر المجلد الأول لمذكراته في فرنسا: كلود كادار وشينغ بينغ خيانغ: "مذكرات بنغ شوزي، صعود الشيوعية في الصين" . باريس غاليمار 1983. راجع غريغور بنيتون الكتابين الأخيرين في "اثنان من القادة الأوائل للحزب الشيوعي الصيني تعرضا إلى التصفية" (مقال صحفي). الصين الفصلية العدد /102/ حزيران 1985. ظهر نقد لهذه المقالة بقلم كلود كادار و بنغ خيانغ: "ملاحظات على مراجعة لمذكرات بينغ شوزي" إلى جانب رد بقلم بنيتون ظهر في الصين الشهرية العدد /107/ أيلول 1986. فيما يتعلق بشن دوكسيو و بينغ شوزي. انظر أيضاً: "قاموس بيوغرافي للحركة العمالية العالمية". الصين. نشر لـ.بيانلو وي. شينر. باريس المنشورات العمالية والمؤسسة الوطنية للعلوم السياسية 1985 ص 108-124. يتضمن العدد 102 من "الصين الشهرية" مقالاً بقلم بيتر كوهفوس بعنوان : " شن دوكسيو وليون ترو تسكي : أضواء جديدة على علاقتهما".ص33

تنضيد واصل العلي
سوريا، مدينة حمص








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تصريح الأمين العام عقب المجلس الوطني الثاني لحزب النهج الديم


.. رسالة بيرني ساندرز لمعارضي هاريس بسبب موقفها حول غزة




.. نقاش فلسفي حول فيلم المعطي The Giver - نور شبيطة.


.. ندوة تحت عنوان: اليسار ومهام المرحلة




.. كلمة الأمين العام لحزب النهج الديمقراطي العمالي الرفيق جمال