الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيرة حرب ...1 .حين أضعت الطريق الى بيتنا

شاكر الناصري

2012 / 3 / 13
سيرة ذاتية


لم اكن مريضا او ثملا ولكني كنت عائدا من الحرب ولم اكن على يقين بأني مازلت حيا . فأضعت الطريق الى البيت.

في شباط من عام 1986 ، كانت جبهات الحرب مشتعلة ، الفاو أصبحت تحت سيطرة القوات الأيرانية فتحولت الى مقبرة هائلة تتكدس في ملحها جثث الجنود وكان كل ما يقوم به صدام حسين وقياداته العسكرية هو محاولات فاشلة لأستعادتها مهما كان حجم الخسائر رهيبا ومخيفا . لم يسلم سوى القليل من الذين أدخلوا في ذلك الجحيم . ربما رافقهم قدر رحيم او انهم أصحاب حظوظ سحرية .

لم اكن في الفاو ولم أدخل حربها لكن نثار جحيمها كان يطال الجميع .

الأجازات قطعت . الجميع يعدون ما تبقى لهم من أيام وفي أي محرقة سيلاقون حتوفهم . كنت شاهدا حين يكتشف الجنود انهم ومابين لحظة وأخرى سوف يخوضون في مستنقعات تلك المنطقة المالحة ، وأتذكرهم حين كانوا يستمعون الى صوت منال الألوسي وشلة الأتحاد العام لنساء العراق وهن يهللن عبر أجهزة الراديو الصغيرة .

رئيس العرفاء (صياي رزن حامي ) كان (يقسم ويعد ويصف ) للمبشرات بالموت وهن يحاولن رفع همم جيش يعيش تحت وجيم الأنكسار . (حمزة عباس ) كان يداري غضب صياي ويسعى لمنع صوته من الوصول الى أفراد حضيرة الأستخبارات العسكرية ،فيطلق صوته الآسر الحزين في فضاء وجومنا ورعبنا وهمهمات الموت الذي ينتظرنا عند عتبات الفاو ، كان يبكي حتى دون ان يكمل بيت أبوذية واحد ..
.بيمن ...بيمن ..بيمن بعد تأمن يكلبي ...شسوينا عندك ربي ..جا هي هيج ؟؟؟-

كل القطعات ،شمالا وجنوبا ،تتأهب للخوض في غمار تلك المعركة الكارثية ، أرتفعت معدلات الهروب من الوحدات العسكرية بشكل جعل الكثير من هذه الوحدات تعاني من نقص كبير في عدد جنودها ،أذ كان تنقل الوحدات العسكرية الفرصة المناسبة التي يقتنصها الجنود للتسلل من تلك الأرتال الطويلة . كما أرتفعت حالات الأصابات بين الجنود ،فالكثير منهم كان يعمد لكسر يده او ساقة وغيرها الكثير من الطرق التي تسهل حصولهم على أجازة مرضية وتنجيهم من موت محقق فكانوا يبدعون في ابتكار الأصابات والحوادث .

كان فوجنا ( الفوج الثاني لواء المشاة 807 ) ،يمسك بقاطع جبل هيرو الذي لايبعد كثيرا عن قلعة دزة ، قد أعيد الى منطقة قريبة من رانيا من أجل التدريب ومن هناك ارسلوني الى مدرسة قتال الفرقة الثانية في عين الدبس في كركوك للتدريب على سلاح جديد . كانت تلك الدورة فرصة للابتعاد عن الواجبات الكثيفة وعن البرد الرهيب في تلك المناطق وفرصة للتمتع بحمام السوك في وسط كركوك .
لم نكمل فترة التدريب على السلاح الجديد حتى تمت أعادتنا وعلى الفور الى وحداتنا ، فالمجزرة الكبيرة لاتنتظر كثيرا

جا هو تحرير الفاو واكف علينه : قالها احد الجنود وهو يستلم كتاب إعادته الى وحدته .-

حملت يطغي وعدت الى رانيا بحثا عن مكان وحدتي العسكرية . في السيطرة ابلغني الأنضباط العسكري انها أنتقلت الى العمارة وفي مناطق الشيب تحديدا.

لاتتأخر لان ما يرحمون احد متأخر او ضارب الغاية : قالها الأنضباط -
عدت من رانيا الى كركوك ومنها الى بغداد ومن ثم الى العمارة
لم يكن قاطع العمارة هادئا ابدا ، كان القصف والهجمات الأيرانية المتفرقة تفرض جوا من الذعر والترقب المخيف .
في قاطع اسمه ( خويسة ) عثرت على فوجنا العتيد وكان في تحركات وتنقلات متواصلة داخل القاطع

-شنهي هاي ما تلحك تفك اليطغ يكولون نقله : كثيرا ما رددها الجنود بتذمر وشتائم وكفرات متواصلة
لكن الجندي الذي لم يكمل خدمته الألزامية رغم انه من واليد 1948 (مريهج شامخ صيهود) كان له رأي آخر مختلف تماما
خايبين شمالكم ما لكو غير فوجنا المسعسل حتى يودونه للفاو وعلي نصير طشار و ما يضل النه أثر . يخافون نفشل الغيادة !!!!! ......-

في خضم كل ذلك كنت قد عبرت فترة 28 يوما التي يجب بعدها منح الجنود اجازة السبعة ايام وكانت اخر أجازة لي قبل ذلك بكثير.
يقال : أن صدام حسين قد أقتنع بنصيحة من ضابط مصري كبير مفادها ضرورة التوقف عن زج القطعات العسكرية في محرقة الفاو والقيام بالأجراءات الصحيحة لتحريرها بطريقة مناسبة .

مضت أيام ونحن ننتظر فتح الأجازات
اكملت فترة ثلاثة أشهر ولم يتبقى من الشهر الرابع سوى أيام معدودات دون النزول بأجازة فكنت اول اسم يطرحه أمر السرية (الملازم رياض جواد كاظم ) وهو يقدم وجبة المجازين . كان اصغر مني سنا ولكنه مثلي خريج الفرع الأدبي ومن نفس السنة الدراسية لكنه أختار الكلية العسكرية ليصبح ملازما فيقتل بعد ذلك في هجوم على جبل كالح .

أصبح الوصول الى كراج العمارة حلما عسيرا ،خصوصا ونحن نتكدس في جوف الأيفا . فكيف بالوصول الى الناصرية ؟.

ناصرية نفرين ...-

ذهبت مسرعا بأتجاه مصدر الصوت . فكان لصاحب سيارة متسيوبيشي صغيرة
تحركت السيارة فقلت لسائقها : شويه اسرع
بس نعبر السيطرة تدلل . الناصرية مو بعيدة أبو خليل حسبة ساعتين ، شكد صار ما نازل للبيت ؟
تقريبا اربع تشهر -
شلون ..ليش...؟؟ -
يعني ما تدري ليش ؟؟ مو الفاو وضيم الله .. سوق عيوني سوق ما بينه حيل ، خل نوصل -
كنت أشعر ان الطريق لاينتهي ، بل يتمدد فأصبح أشد وطأة من الساعتين التي حددهما لنا السائق . الدخول الى شارع عشرين تحول الى هاجس كبير .
ها اها وصلنا ابو خليل...-

كان السائق يتحدث معي ، فعاودت أنتباهي حيث كانت سيارة الميتسيوبيشي تسير قريبا من دائرة الأطفاء في شارع عشرين لكني كنت اشعر اني لااعرف هذا الشارع وكنت أبحث عن نقطة دالة تؤكد انه الشارع المقصود ، المحولة ، محولة الكهرباء التي تنتصب في الفرع المؤدي الى بيتنا ..
بلي وصلنا –
بالكراج مو ؟؟-
لالا قبل الكراج _
-يمك هنا ....

نزلت في بداية الفرع المؤدي الى بيتنا حيث المحولة ، لكني سرت بأتجاه آخر ،ابحث عن بيتنا رغم اني اعرف كل الوجوه التي تنظر لي ، اصحاب
المحلات والصبية الصغار

هله يمه ، اهنا هنا ، اهلك متسودنين : قالتها ام احمد وهي تبتسم من داخل دكانها الصغير –

-حبوبة وين رايح ...؟؟ كان صوت جدتي (رضية ) ،خالة ابي ، التي أعتادت ان تجلس في باب بيتها تنتظر عودة أبنائها الاربعة من جبهات الحرب

-ها .... أي حبوبة تيهت .....
تذكرت كل هذا حين سألني احد الاصدقاء ، هنا في كوبنهاكن عن بيتنا في الناصرية ، فقلت له لاادري ........................................








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - !شارع 20
علي فهد ياسين ( 2012 / 3 / 13 - 09:42 )
شكرا ياشاكر
وشكرا للصديق الذي سألك عن بيتكم في الناصرية
فأجبتنا جميعا بلقطات سينمائية حاذقة من الفلم الطويل الذي عشناه خلال سنوات الرعب المتعدد الاشكال والاساليب حين كان العالم يطبل للجلادين وهم يدفعون الآلاف للموت المجاني والبلاد للخراب العام
لاادري أن كان رافقني قدر رحيم أم حظ سحري كما أشرت أنت
لأنني كنت هناك خمس وأربعون يوما لاتوصف


2 - نعم يا علي هو فلم رعب
شاكر الناصري ( 2012 / 3 / 13 - 14:15 )
عزيزي علي ..امتناني العميق لملاحظتك ..نعم هو فلم رعب طويل كنا نأمل ان ينتهي في يوم ما أو زمن ما لكنه يتطاول ويتمدد حتى لانعرف له منتهى . ايامنا التي عشناها هناك كانت هي الذعر والخوف الرهيب ، اياما كنا نتمنى فيها الموت حتى لا نشاهد المزيد من البشاعة وسحق كرامة الانسان ...
محبتي لك


3 - حرب لا معنى لها
جواد الديوان ( 2012 / 3 / 13 - 18:30 )
عانيت كثيرا من عملية فتح الجمجمة بعد اصابة بشظية وعلى مشارف سربيل زهاب في نيسان 1981. وبعد فترة نقتهة واصلت الخدمة في مستشفى البصرة العسكري (النفسية والعصبية) فقد كانت مكرمة من القائد الضرورة ان يبقى الجريح او المعوق لحين تسريح اقرانه من الخدمة. وفي 1985 اصبحت طالب ماجستير في كلية طب بغداد ولم اشهد معارك الفاو. سيدي عشت مع مقالك افلام الرعب تلك، وربما ساسجل مشاهداتي في مستشفى البصرة العسكري في معرك شرق البصرة وكشك البصرة والمحمرة وغيرها. ومنها معاناة الجرحى ونقلهم بالقطار لكل المحافظات ولحين وصولنا لبغداد. محبتي


4 - لنسجل كل ما في الذاكرة
شاكر الناصري ( 2012 / 3 / 13 - 18:55 )
الاخ جواد الديوان ..تحية لك ..كنت مترددا ولفترة طويلة في كتابة ما عانيته خلال الحرب اللعينة وما تركته من آثار سيطول الزمن لكنها ستبقى . ثمة جزء ثان سانشره قريبا وهو نص قاس جدا عن تلك الحرب .سجل كل مشاهداتك ،ثمة تاريخ لم يكتب عن تلك الحرب هو تاريخ من عاشوها وعاشوا في جحيمها ..سجل كل ما عانيت حتى تعرف الاجيال القادمة كيف كان في العراق دكتاتور لايتوانى عن خوض الحروب ولا يتردد في ذبح الشعب من أجل كرسيه ومكانته ونفوذه القميء ..تمنياتي لك


5 - well done
sadiq aziz ( 2012 / 3 / 14 - 19:24 )
well done Sami.....sadiq aziz

اخر الافلام

.. فرنسا تحاول فرض إصلاح انتخابي على أرخبيل تابع لها وتتهم الصي


.. الظلام يزيد من صعوبة عمليات البحث عن الرئيس الإيراني بجانب س




.. الجيش السوداني يعلن عن عمليات نوعية ضد قوات الدعم السريع في


.. من سيتولى سلطات الرئيس الإيراني في حال شغور المنصب؟




.. فرق الإنقاذ تواصل البحث عن مروحية الرئيس الإيراني إبراهيم رئ