الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن السوبر ماركت وموقف اللاموقف والمفتاح

عطا مناع

2012 / 3 / 13
القضية الفلسطينية


بقلم- عطا مناع
تحضرنا يا كنفاني رغماً عنا، نحاول دون جدوى الهرب من عالمك إلى العالم الذي ليس لنا، نفتش عن الخلاص الذاتي وقيم الوجه السريعة التي طغت على محيطنا، نسير بغير هدى نتشدق بالتاريخ وأشياء أخرى، غير مدركين أن الديمومة تحتكم للتراكم والفعل الذي يختلف عن العواء في وجه الصحراء، يا كنفاني لقد قلتها اقرعوا جدران الخزان بعيداً عن العواء الذي يعود صداه برداً في داخلنا.
يا كنفاني، قلتها وتتطايرت شظايا، الإنسان قضية، والإنسان موقف، لكنك عدت ألينا وقلت أن الخيمة عن الخيمة بتفرق، معادلة يصعب الوقوف عليها وأمامها، رغم خلوها من أي ضبابية،ورغم أن الجديد يأتي من رحم القديم وليس نفياً له، تلك هي المعادلة التي لا مهرب منها.
هل تشاركنا في جمعية، جاءني السؤال مباشرة، دققت واستفسرت لأفهم المقصود من الكلام، الجمعية تعني أن يتشارك عددُ من الأشخاص في مبلغ مالي لحل أزمة مالية، بدون تفكير قررت أنني أعيش أزمة ومالية ولا يحمل اللة نفساً إلا وسعها، ولكن حب الاستطلاع لدي دفعني للسؤال عن المبلغ ليأتي الجواب 60 شيكل، وكم عدد المشاركين في الجمعية؟؟ 15 شخصا، أي أن الحديث يتم عن ألف شيكل، نقطة وأول السطر.
مضى اسبوع على قصة الجمعية، وكما تعلم يا صديقي فان الحياة تطحن المطحون، وتفرض عليك قيم ثقافية تنغمس فيها رغماً عندك رغم رفضك لها وانزعاج جيبك منها، وما هي الحياة إلا مجموعة من القيم لها علاقة بقوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج، والمصيبة أن تعيش في مجتمع يفتقر للحد الأدنى من ذلك، فكيف سيكون الحال، يتداخل البناء الفوقي بالبناء التحتي وتضيع البوصلة لتصبح لقمة سائغة للقطط السمان وفئران السفينة التي تفرض عليك ثقافتها.
قال لي الحياة ثقافة، والثقافة سوبر ماركت والعكس صحيح، كلام غريب عجيب لا يخطر على بال!!!! هل معقول أن تعرض الثقافة والمواقف كما ألبان تنوفا واجبانها على الرفوف في السوبر ماركت!!! بعد تفكير عميق تدرك أن في هذا الكلام وجهة نظر، وألا كيف يمكن أن نفسر الحضيض الذي نحن فيه؟؟ كيف يمكن أن تتحول الأيدلوجية والفكر وفلسفة الحياة التي هي أم العلوم لبنطلون مثلاً تلبسه على مقاس المناسبة؟؟؟؟ وكيف نفسر تحول قرع الخزان يا كنفاني إلى عواء في وجه الصحراء؟؟؟ وكيف نهجر طريق الحق الذي كنا نحن القلة السائرة فيه؟؟؟ وكيف يتحول الموقف إلى خيال للاموقف.
هو أبو الخيزران والاقتصاد السياسي الذي نفصله على مقاسنا، وهو القرد الذي تحدثت عنة في مكان أخر، وهي ثقافة اللاموقف التي تحول الامبريالية والصهيونية والرجعية العربية من معسكر الأعداء إلى معسكر الأصدقاء، وان تتطلع إلى التغريبة الفلسطينية وصاحبها حاتم العلي كمراقب وليس كلاعب، أحاول أن أتخيل كيف أنجبني أبي الذي عاش مع ستة أنفس في غرفة واحدة وقبلها في خيمة؟؟؟ وأحاول آن استحضر البعد الإنساني لهذه الشريحة من البشر وخاصة النساء؟؟؟ هل عاشوا؟؟؟؟ وإذا كانوا كذلك كيف عاشوا!!!! وبماذا استعانوا على حياتهم التي خلت من السوبر ماركت وتنوفا؟؟؟؟
اليوم أدرك أنهم ليسوا مجرد عواء كما نحن، واليوم أدرك أنهم كانوا قضية وموقف وخيمة، كانوا يمتلكون السلاح الذي عجزت عن إنتاجه اعتى القوى، سلاح الموقف والقضية والخيمة والنظرة الثاقبة وشاطئ عكا، والمفتاح الذي يغادرنا اليوم إلى ألمانيا ليحول عوائنا لصرخة الم في وجه الصحراء ومن سقط منا.
تنشق أيها المفتاح وأنت تكحل عيونك بها بعضا من هواءها، والق بعض الألم والتحية على شجيرة أبت النمو لحين اللقاء، واحكي قصة من هجرها جسداً للذين يقوا فيها تراباً وشقائق نعمان، والعن العواء وثقافة السوبر ماركت والقطط السمان ومن أشاح بوجه عنها، وذكرها بالذي كان وبالمارون عبر كلماتها، ومسد ببعض الشغف على زعترها والعلقم.

أيها المجنون، ما لك وللثقافة والمفتاح، أيها المخبول انظر حولك وأمعن النظر فأنت جزء من الكل، أنت مجبول بثقافة اللاموقف، وأنت تقتات على فتات القطط السمان والجرذان، وأنت لا زلت تتشدق بالكنفاني الذي لم يعد ينتمي إليك فهو ألان ترابها وأنت الظل الذي يستظل بالظل، هو الحكاية وأنت بسطة ثقافة تعرض على أرصفة المزاد العلني والسري، اترك غسان كنفاني وأصحابه لحالهم وضاجع الرذيلة واللاموقف.

قبل ثلاثة عقود كان صديقي محسوب على البرجوازية الصغيرة، فكراً وممارسة ، لكنة كان بروليتاري أيضاً، قلت قبل ثلاثة عقود، وألان صديقي لا يجد له مكاناً على اعتبار أن البرجوازية الصغيرة التي يفترض أن تكون بيضة ألقبان ذهبت في خبر كان، التقيت بصديقي وبعض الأصحاب، فهمت اللعبة جيداً وأدركت الحالة، بعضنا منا يرفعون شعار هذا من فضل.....، والبعض الأخر يقول لم يجني علي أبي ولا وطني، فانا ملح الأرض وان طال الزمن، وأنا الموقف والخيمة والقضية، وأنت المحمول على الأكتاف يوماً إليها بعد الاغماضه الأخيرة لي بعضاً منها، هذا هو حال الذين غادرونا وحكايتهم كالتالي.
لا زلت اذكر بعضاً منهم قبيل الاغماضه الأخيرة، كنت وغيري نتساءل عن تلك الكلمات التي ينطقون بها، هي كلمات غير مترابطة، لكنها توحي إليك أنهم يحدثون الماضي بكل تفاصيله، أحيانا يبتسمون رغم الألم، وغالباً يرتسم الألم على وجوههم، هي لحظات تدفعك للتأمل أنت الذي تعتقد أن الحياة أمامك، لحظات تدفعك للتعمق في قدسية المشهد الذي أمامك، أيعقل أن يتقمصهم الم الحنين ويتغلب على أبجدية الحياة أمام الموت، بماذا يفكرون قبيل الاغماضه الأخيرة؟؟؟؟ وكيف استحضروا حياتهم رغم التعب، إنها الوصفة التي لا توفرها لك ثقافة السوبر ماركت والانتفاع والتضحية باللحظة مقابل الفتات، أنة المفتاح.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حلم الدولة الكردية.. بين واقعٍ معقّد ووعود لم تتحقق


.. ا?لعاب ا?ولمبية باريس 2024: سباح فلسطيني يمثل ب?ده ويأمل في




.. منيرة الصلح تمثل لبنان في بينالي البندقية مع -رقصة من حكايته


.. البحث عن الجذور بأي ثمن.. برازيليون يبحثون عن أصولهم الأفريق




.. إجلاء اثنين من الحيتان البيضاء من منطقة حرب في أوكرانيا إلى