الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سنتان من الحياة العائلية في براغ

سعاد خيري

2012 / 3 / 13
سيرة ذاتية


سنتان من الحياة العائلية في براغ
استقبلنا زكي في براغ وعدد من الاصدقاء وذهبنا الى بيتنا الجديد في بوهنتسا التي لا تنساها وداد. فهي تقع على مرتفع يطل على براغ القديمة ونهرها الجميل, فلتافا. وسجلت الاطفال في المدرسة السوفيتية رغم انهم لايعرفون الف باء اللغة الروسية. وبصعوبة ادخلت يحيى الى الصف التاسع على انه انهى المرحلة المتوسطة واجتاز الامتحانات العامة بتفوق. ولم استطع ادخال وداد حتى الى الصف السادس الذي اجتازته وانما قبلت في الصف الخامس. وبدأ العمل المضني في تدريسهم اللغة الروسية ومسايرة برنامج الدراسة الاعتيادية. فكنت اترجم لهم كل كلمات الدرس واعلمهم لفظها. وكان الصراع على وقتي يشتد بينهما حتى استحوذت وداد عليه كله. فقد حررني يحيى بعد فترة وجيزة واخذ يتدبر امره بنفسه. فهو يتمتع بقابلية فطرية في تعلم اللغات بسرعة. واعتقد ان لتنوع اللغات التي مرت عليه في طفولته الاولى تأثير في ذلك.وتأكد لي ذلك خلال سنوات الغربة . فاولاد اللاجئين الذين يتنقلون من بلد الى اخر يجيدون عدة لغات. وما ان تحررت من تدريس الاطفال في السنة الثانية حتى عملت في مجلة قضايا السلم والاشتراكية , كمشرفة على الترجمة العربية للمجلة , كما عملت بلجنة تنظيم الخارج للحزب الشيوعي .
كان علي ان اجدد الفيزا بعد سنة , فسافرت الى النمسا واستضافتني شروق العبايجي في بيتها يومين. وكم كنت اتمنى ان اعوض ما حرمني منه عند زيارتي الاولى الى فينا عام 1961 خوف الهاربين معي من امن السلطة العراقية حتى في الخارج. ولكن خوف شروق من كشف السلطة استضافتهم لي حرمني مرة اخرى من التمتع بليالي الانس في فينا كما جاء في اغنية المطربة اسمهان . وقضينا وقتا ممتعا بالحديث عن حياتي مع عمتاها ناهدة وانعام في بغداد بعد خروجي من السجن. وحدثتها عن ابيها الذي اكن له كل الاحترام . فقد كان انسانا رائعا وعاملني بكل احترام وود اكثر من اخواته, حتى خفق له قلبي فترة وتحول الى مزيد من الاحترام والود بعد ان علمت بقرب زواجه. وتبادلنا اخبار الاهل والاقارب والاصدقاء.
وبعد فترة من عودتي الى براغ سافرت الى بولونيا بمهمة اشراف على المنظمات الحزبية . وبقيت اتنقل من اجتماع الى اخر لحل المشاكل التنظيمية دون اي استراحة او زيارة اي من معالم وارشو. وفي الليل كان الرفيق المسؤل ياخذني الى شقة ويبدأ بانشاد الاناشيد البعثية وهو يعد لي الفراش في الممر الى باب الشقة مع القاء التحذيرات المبالغة ولاسيما من فتح الباب لاي طارق. فقد كانت السفارة العراقية في تلك الفترة تنظم الاعتداءات وحتى الاغتيالات للعراقيين المعارضين للنظام. ويخرج ويقفل الباب بعدة اقفال. وفي ذلك الجو الارهابي كنت انام لاعاود صباحا العمل بمعيته. وفي طريق العودة الى براغ بالطائرة ارتفع ضغط الدم لاول مرة في حياتي واصابني صداع عنيف واستفراغ ولم تجدي كل الاسعافات وما ان وصلنا براغ حتى نقلت الى المستشفى وهناك سألني الاطباء متعجبين, ماذا جرى ليرتفع ضغطك الى هذا الحد الخطر!!
فعالجوني بالنوم ثلاث ايام متوالية وخمسة عشر يوما من المراقبة وبعدها تقرر ارسالي الى مصح . ولكن وداد رفضت قائلة , نحن لا نستطيع العيش بدونك!! فعدت الى البيت. وضحيت بعملي في مجلة قضايا السلم والاشتراكية لا ستطيع مواصلة العمل الحزبي والعناية بالعائلة. فعلى الرغم مما كنا نعتقده من ان المدارس السوفيتية تعد الطلبة بشكل مثالي ولاسيما في مدارس اولاد السفراء فقد كانت الحقيقة ليس بذلك المستوى . فخلال فترة وجيزة اصبح ليحيى عدة صديقات واخذ يدخن سرا ويرفض السير برفقتي. ووداد مع صديقتها الفلسطينية ماجدولين ابنة نعيم الاشهب لا يعدن الى البيت بعد الدوام بل يتجولن بالترامواي في مدينة براغ ويقلدن اخوانهن بالتدخين. فادركت ضرورة تكريس وقتا اكثر لهما وتغيير اسلوبي معهما , فقد تغيرت الظروف.
ولاول مرة وبعد فراق اكثر من ثلاثين عاما جاءت لزيارتي اختي كلير من لندن في حين كنت انتظر مجيء والدتي. وكان ما يقلقني هو كيف ساتعرف عليها بعد كل تلك السنين واخر مرة رايتها يوم اعتقالنا في 19/2/1949, وكانت في الثالثة عشر من العمر. وذهبت للمطار لاستقبالها وانا قلقة, ويا للمفاجأة !! فقد اندفعنا نحو بعضنا دون اي تردد وكاننا لم نفترق ولم نتغير . وفي عناق حار افرغنا كل ما كان يعتمل في نفوسنا من شوق وفرح, من الم وحزن. ومع ذلك لم تطل اقامتها معنا اكثر من اسبوع لكثرة التزاماتها ومسؤلياتها العائلية.
انهى يحيى الثانوية في المدرسة السوفيتية واقنعه والده بدراسة الاقتصاد في المانيا الديموقراطية بلد ماركس مؤلف الراسمال. واجتازت وداد الخامس والسادس وتقرر ارسالها الى المدرسة الاممية في ايفانوفا لاكمال دراستها اذ كان هذا من جملة احلامنا من اجل ان تتربى تربية شيوعية ولم تمانع. فقد انتهت فترة انتداب زكي للعمل في قضايا السلم والاشتراكية وعلينا العودة الى دمشق ليتولى المهمة ابو داوود. ورفض زكي خيري حتى التمتع بالراحة الصيفية المخصصة لنا وسافر الى دمشق وارسلنا الاطفال للراحة في بولونيا على ان يلتحق يحيى بجامعته في برلين وتعود وداد الى دمشق لتلتحق بالطلاب العراقيين في مدرسة ايفانوفا . وتمتعت لاول مرة شهرا بدار راحة لاتحاد الصحفيين العالمي في بلغاريا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل قامر ماكرون بحل الجمعية الوطنية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. حل الجمعية الوطنية، سلاح ذو حدين محفوف بالمخاطر




.. كولومبيا تقرر وقف بيع الفحم لإسرائيل حتى وقف الإبادة الجماعي


.. قوات الاحتلال تنشر فرق القناصة على أسطح وداخل عدد من البنايا




.. فيضانات تجتاح جنوب النمسا والسلطات تناشد السكان بالبقاء في ا