الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كل عام وأنت بخير يا محمود درويش..!!

حسن خضر
كاتب وباحث

(Hassan Khader)

2012 / 3 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


1-
بعد سنوات من الغياب، تلقى محمود درويش دعوة لزيارة دمشق، المدنية التي أحبها وكتب لها وعنها. كان حينها مقيماً في باريس. في دمشق أبلغه وزير الثقافة أن الرئيس الأسد (الأب) يرغب في مقابلته. فذهب.
يقول: بعد ساعات طويلة أنفقها الرئيس في الكلام عن الوضع، وتحليل ما يجري في المنطقة، شعرتُ أن المقابلة انتهت، فطلبت الإذن بالانصراف. أصر الرئيس على السير معي حتى باب القصر، وبعد عبارات الوداع التقليدية أدرت ظهري متجهاً إلى سيارة رئاسية في الانتظار. في تلك اللحظة، ناداني الرئيس، وكأنه تذكّر شيئاً، فعدت أدراجي لأسمع منه ما يلي: أستاذ محمود، سورية بيتك، أنت تعرف مكانتك في دمشق، وإذا أردت الانتقال للعيش هنا، فأهلا وسهلاً بك.
كانت تذكرة السفر في جيب محمود درويش من باريس إلى دمشق ومنها إلى باريس. ولكن بعد تلك المقابلة كان أوّل ما فعله تغيير الحجز من دمشق إلى تونس، ومنها إلى باريس. لماذا؟
يقول: أدركتُ خلال المحادثة القصيرة المفاجئة على الباب، أن دعوة الإقامة في دمشق كانت جوهر المقابلة، وأن كل ما سبقها من حديث في السياسة كان على هامش تلك الدعوة.
ولكن لماذا ذهبت إلى تونس؟
في تلك الأيام كانت العلاقة بين محمود درويش وياسر عرفات قد توترت بعض الشيء، ويبدو أن سيرة ذلك التوتر بعد تأويلها وتحويرها، وجدت طريقها إلى آذان كثيرة، ثم وصلت إلى دمشق.
وفي هذا السياق فهم محمود الدعوة للإقامة في دمشق، كمحاولة للاستفادة من ثقله الرمزي والمعنوي (وهو الذي ملأ الدنيا وشغل الناس) في صراع النظام السوري ضد ياسر عرفات. ولهذا السبب قرر العودة إلى تونس.
وماذا فعلت؟
يقول: ذهبت مباشرة من المطار في تونس إلى مكتب ياسر عرفات، دخلتُ عليه قائلاً: أتيتُ لأصالحك.
2-
ها قد أصبحتَ هذا الصباح في الحادية والسبعين من العمر. كل عام وأنتَ بخير، يا صاحبي. أحاول، منذ أيام، أن أكتب احتفاءً بذكرى ميلادك، وأعترف بأنني عاجز عن الإفلات من قبضة الحدث اليومي، الذي يحرّض الضمير على الانحياز، ويمتحن قدرتنا على التفاعل مع الواقع.
الصور القادمة من سورية، وآخرها عن مجزرة وقعت قبل يومين في مكان اسمه كرم الزيتون، تُفسد كل محاولة للكتابة تنأى بنفسها عن واقع بلله الدم. لذا، أكتب لك وعنك في سياق ما يحدث الآن وهنا. فلنبتعد عن مشهد الدم.
ألاحظ، مثلاً، أنهم يذيعون بعضاً من قصائدك في الفضائيات التابعة للنظام في دمشق، فتعود بي الذاكرة إلى دعوة الإقامة هناك، وإلى امتعاضك من مسألة التوريث في سورية ورفضك لها، وإلى ما أبديته من ازدراء إزاء ذلك الشخص، الذي أصبح ذات يوم جزءاً من المدفعية الثقيلة لنظام آل الأسد. بالمناسبة، الشخص المعني انقلب عليهم، وأصبح جزءاً من المدفعية الثقيلة لنظام آخر يناصبهم العداء. وهو في الحالتين يبيع بضاعة لمن يشتري مستفيداً من رهانات كثيرة وكبيرة، ترفعت أنتَ، يا كبيرُ، عنها.
ولماذا إذا حضرت أشياء كهذه في الذاكرة تُستحضر في الكتابة؟
لأن من حق الناس في فلسطين وسورية، كما في كل مكان آخر، أن يسمعوا وأن يعرفوا عن أشياء كهذه. يمكن لنا، ويجب، أن نشتغل على نصك تحليلاً وتأويلاً ومحاولة للفهم، ولكن ثمة أشياء أخرى صغيرة تلقي مزيداً من الضوء على النص وصاحبه، خاصة عندما تزعم ملكيته أطراف متناحرة. وهذه الأشياء سيطويها الزمن ما لم يحرص الأحياء على تدوينها.
النظام يذيع بعضاً من قصائدك عن دمشق ولها، وفي المظاهرات يرفع السوريون لافتات تقول: "يا دامي العينين والكفين إن الليل زائل".
أكيد أن الليل زائل. ولو كنت هنا، الآن وهنا، لكانت أهداب قلبك مع المتظاهرين في المدن والقرى والبلدات المنادية بالحرية، وسياط لسانك على النظام والشبيحة في الشارع، والتلفزيون، أو على صفحة الجريدة.
في سيرتك ما يصلح للخطابة والمهابة، ومنها في نظر البعض ما يغسل أكثر بياضاً. يحدث هذا في فلسطين وسورية، كما في كل مكان آخر. ومع ذلك لن يصح في نهاية الأمر إلا الصحيح. ومن حق الناس أن يعرفوا عن دعوة للإقامة في دمشق، في زمن رهانات كثيرة وكبيرة، ولماذا رفضتها. ففي مجرد التذكير بحادثة كهذه رد على مَنْ يذيعون بعضاً من قصائدك في محطات النظام.
3-
ليتك كنت هنا، الآن وهنا.
لا بأس، يا صاحبي. في الثالث عشر من آذار من كل عام سيقول لك شعبك، وتقول لك الحرية، ويقول لك الشعر: صباح الخير أيها الأمير، وكل عام وأنت بخير يا محمود درويش.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بأمر من بوتين.. روسيا ترسل طوافات وفرق إنقاذ إلى إيران للمسا


.. التلفزيون الرسمي الإيراني: لم تكُن هناك أيّ علامة على أنّ رك




.. صور جديدة لمكان تحطم طائرة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في


.. التلفزيون الرسمي الإيراني: لا توجد أي علامة حياة في موقع حطا




.. شاهد| الصور الأولية لحطام طائرة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيس