الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كل أغنيات الوطن جميلة...ولكن أين الدولة ؟

فتحي المسكيني

2012 / 3 / 13
مواضيع وابحاث سياسية




لجميع الذين غابوا عن ميادين الحرية في تونس أو في مصر أو في اليمن أو في سورية، أو عن أيّ ساحة أخرى أو ميدان آخر في "عواصم" آخر العرب... لأيّ سبب كان، نقول: لقد فاتتكم إلى حدّ الآن حالات رائعة من الحرية وتقاسم المصير لم تعرفها "العواصم" العربية منذ أن عرفناها...هاهنا، تحت المطر أو البرد القارس ونوع من الصوم الضاحك، شباب يغني أغنيات شتى، مختلفة، متصادية، متباينة المراجع أحيانا ،...لكنّ الأصوات سريعا ما تتصالح في حب الوطن في حلته الجديدة، الوطن كجمع غفير من الوجوه الحرة والمرحة والمتنوعة بشكل لا يُصدّق...لا فرق بين من أتى من المسجد ومن أتى من الحانة...ولا فرق بين من يحمل شهادة جامعية ومن تمدرس في قلبه... الجميع لا يتردد في تقاسم الوطن ومساحة الأمل الحر والعفوي في وطن أكثر من كلّ ما عرفناه من الوطن إلى حد الآن...ولكن لنحترس ممّن يقامر أو يراهن، بضغينة مهينة، على تصدّع هذا الجدار العفوي الذي يربط بين جموع متواضعة تطلب المستحيل...أو يريد أن يستخدمه لغرض سياسي أو سياسوي...دعوا الشباب يغني لحريته بكل اللغات فهو لم يكتشفها إلاّ منذ مدة قصيرة...أبعدوا الأحزاب عن ساحة الأمل الأولى في تاريخنا... صاحبوا ثورات الياسمين ولكن لا تقودوها إلى حيث يختنق العطر الجديد الذي مازال صغيرا عن تنفس الهواء العفن لطباخي الدول...
لا تحوّلوا الثورة إلى نقاش سياحي في نزل المترفين بالحرية...عن مستقبل أوّل جيل من الجياع الأحرار، ولكن بلا وطن..
...فحين تجتاز المدن والقرى العربية الحديثة العهد بالحرية، المتناثرة بشكل شبه محتشم على أكتاف تونس الأخرى أو مصر الأخرى أو سوريا الأخرى، المنسية وراء اللافتات البلدية المرحّبة بالقادمين دون سبب يُذكر، وأنت تسير على القدمين أو على أيّ عضو من أعضائك الطبيعية منها والآلية، تفاجئك الوجوه المرفوعة على أجسام واقفة يُخيّل إليك أنّها واقفة منذ زمن طويل أو أنّها لم تجلس أبدا...وفجأة تتساءل في نفسك الخائفة من هذا الفراغ الأخلاقي الواسع النطاق: أين الدولة ؟ أين أيّ شكل من الدولة ؟...من تخلّى عن هؤلاء ؟ من أخذ منهم حياتهم وملأها بكل أنواع الانتظار ونام ؟...هم ينتظرون..هكذا تعودوا منذ الرومان...وإلى حدّ الأمريكان، ينتظرون أن تأتي الدولة، أيّ دولة، إليهم، وأن تضع حدّا لألم ما ونقص ما وجوع ما...لكنّ الدول لا تطعم أحدا. إنّها فقط تأكل أعمارهم الهزيلة وتلقي بفضلاتها إلى المسئولين... وحين ترجع إلى المدن الحاكمة، وخاصة إلى المومس الكبرى، عاصمة المدن المنافقة بالترحيب الممل وشبه السياحي إزاء أبناء البلد، صباحا مساءً، تنتابك أحاسيس الضجر الفظيع من أنّ كلّ شوارع العاصمة، في كل بلد عربي، قد تحوّلت إلى "نزل" تتسلح بالنقاش وربما بكلّ أنواع النقاش، حتى تحتمي في كل مرة من كلّ أشكال الحرج الأخلاقي من انتظارات الجياع وأصواتهم المزعجة والتي تتعالى دوما في وقت غير مناسب...لكنّ نقاش النزل لا يصل إلى الجياع...ومرة أخرى يقع هدر ساعات طويلة من الوطن في طمأنة الجموع المنتظرة خارج "بلاطوات" القنوات المختصة في استيراد النقاشات المناسبة حول الذين لا يستمعون إليها...
وبعد، فهذه أصوات لا تدّعي شيئا أكثر من واقعة الوطن التي لم تجد أيّ سبب آخر للصمت فتحوّلت إلى أصوات متناثرة، داخل أفق متحرك وغير مطمئنّ لأيّ شيء...من فرط إدمانه على الوعود الطويلة المدى...والتي جاءت الثورات كي تمنحنا وقتا إضافيا أكثر للسخرية منها، بشكل لائق. كثيرون حلموا، بكل شراسة، وهم الآن يبكون حلمهم بكل شراسة أيضا، لكنّ الشعوب لا تبوح بكلمتها إلى أحد، رغم كلّ صناديق الانتخاب. وللمرة الأولى يصبح الانتظار أدبا مناسبا للمثقفين وخطة مواتية للتواضع. هل الكتابة المصاحبة للثورات دون أيّ ادّعاء لتوجيهها أو المسؤولية الأخلاقية أو السياسية عنها إلاّ آخر أمارة قاسية على نهاية المثقف الهووي ؟ أم أنّ ذلك بداية واعدة لظهور نوع جديد من المواطن / الصديق لوطنه، على نحو غير مسبوق أبدا ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شركة ناشئة في أبوظبي تستخدم الذكاء الاصطناعي لمساعدة المصابي


.. -مشروب الضفادع- ??في #بيرو كعلاج للربو، كان مجاورا للـ #باجة




.. وسط تكثيفِ الهجمات الروسية.. بوتين يؤكد أن بلاده تعمل على إن


.. صحف: كيم جونغ أون يستعد للحرب وقد يجرّ أميركا لحرب قبل الانت




.. قراءة عسكرية.. قوات الاحتلال تدمر دبابة لم تتمكن من سحبها من