الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التحول الديمقراطي في العراق

سعد الكرعاوي
باحث وأكاديمي في علم الاجتماع

(Sssd Al-karawi)

2012 / 3 / 13
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


التحول الديمقراطي في العراق
على الرغم من كثرة تعريفات مفهوم الديمقراطية, لكن يبقى تعريف الرئيس الأمريكي أبراهام لنكولن للديمقراطية هو الأشهر والأكثر شيوعا من بين كل هذه التعريفات, إذ عرفها بأنها حكم الشعب للشعب و من اجل الشعب. فكلمة الشعب تدل على أن الحكم هو ملك للشعب, في حين تشير كلمة للشعب إلى اشتراك المواطنين في صنع السياسة و ممارسة الرقابة على الحكومة أو نوابهم في البرلمان, أما عبارة من اجل الشعب فتشير إلى أن عمل الحكومة هو خدمة الشعب, وأن أفراد الشعب ليسوا مجرد رعايا لهذه الحكومة, بل أنهم أصحاب السيادة الحقيقية .
وبالرغم من سهولة التفسير اللغوي للديمقراطية، إلا ّأن محاولات تحديد مفهومها واجهت اختلافات واسعة مفادها أن الديمقراطية ليست مفهوماً علمياً يمكن تعريفه بطريقة منهجية وإنما هي نظرية مثالية للحكم وأسلوب للحياة , كما أنها ليست حالة آنية تتحقق في لحظة زمنية معينة , بل هي قيم وممارسات حضارية تتفاعل وتتشكل بصورة تدريجية خلال مراحل زمنية طويلة وصعبة تتطلب صبراً كثيراً ونفساً طويلاً على الإخفاقات التي قد تتواكب ومرحلة التحول الديمقراطي وهي تتأثر طردياً بتطور الجوانب الحضارية المجتمعية المتمركزة حول تنمية الإنسان نفسه, فلا يمكن للديمقراطية أن تتطور وتبلغ الحالة المنشودة في المجتمع ما لم يصاحب ذلك تنمية الإنسان نفسه اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا ونفسيا .
والعراق من الدول التي لم تعرف الديمقراطية ولم تشهد أي ممارسة حقيقية لمفاهيم الديمقراطية في تاريخه السياسي إلا لمدة قصيرة في ظل الحكم الملكي مع وجود الكثير من المؤاخذات على هذه التجربة, مما أفقدتها معنى الديمقراطي الحقيقي, فضلا عن السنوات التي عانى منها المجتمع العراقي للمدة من 1968م ولغاية سقوط النظام في 9/4/2003م من نظام دكتاتوري شمولي يرتكز على قمع ومصادرة الحريات والاستئثار والتفرد بالسلطة, ولا يؤمن بوجود أي نوع من أنواع المعارضة فكل من عارض أو حاول أو يعتقد بأنه حاول الخروج عن طاعة الحزب والثورة والقائد, كان مصيره الموت في غياهب السجون بعد أن يقاسي ويعاني من ألوان العذاب ويموت أكثر من مرة قبل أن تفارق روحه الحياة للمرة الأخيرة, والأمر سيان في هذا الصدد ولا يختلف في هذا المصير من كان سنيا أم شيعيا أو صوفيا, عربيا كان أم كرديا أو تركمانيا, مسيحيا كان أم يزيديا أو صابئيا, شمريا كان أم تكريتيا أو سيدا موسويا, فلا فرق عند النظام السابق في ذلك, المهم أن لا يكون هناك معارضا له حتى ولو على مستوى القلب والنيات .
والمؤسف في تحول العراق الى الديمقراطية أنه لم يأت عبر تغيير شعبي أو انقلاب داخلي على النظام السابق بل أنه جاء بعوامل خارجية وتحت إشراف قوة احتلال أمريكية وبريطانية الديمقراطية دخلت إلى العراق واستباحت حرماته ونهشت في تراثه, وصاحبها انفلات أمني كبير مقصود ومخطط له من قبل هذه القوات الغازية, ومع وجود التدخلات الإقليمية من الدول المجاورة وغير المجاورة للعراق والتي تخشى على أنظمتها من احتمال وصول المد الديمقراطي إليها, ورافق كل هذا انهيار للبنى التحتية للدولة العراقية .
ومن الطبيعي في مثل هذه الظروف أن يشوب الممارسة الديمقراطية في العراق كثير من الأخطاء والتشويه إلى درجة السلبية , مما دفع الكثير في الداخل والخارج إلى القول بعدم قدرة العراقيين على ممارسة الديمقراطية . فليس من الغريب أن يرافق تجربة الديمقراطية لشعب لم يعرف الديمقراطية من قبل ولم يلمس أي من مظاهرها , ومن الطبيعي جدا أن نجد بعض الأصوات تتعالى بنقد الديمقراطية وممارساتها في مثل هذه الظروف , فالديمقراطية لم تأت للعراق نتيجة تطور تاريخي مر به المجتمع العراقي وصولا إلى مجتمع ديمقراطي قائم على أساس احترام الحريات وحقوق الإنسان والمواطنة , والتداول السلمي للسلطة من خلال صناديق الاقتراع والانتخابات التي يختار الشعب من يراه مناسبا للوصول للبرلمان والحكومة في ضل وجود تعددية سياسية تكفل للجميع أنشاء الأحزاب والتجمعات السياسية والترشيح للانتخابات, التي تؤدي فيها مؤسسات المجتمع المدني الدور الحقيقي الفاعل لتوعية الناس بمن هو كفؤ لقيادة دولة القانون التي يعامل فيها جميع المواطنين باختلاف مسمياتهم الاجتماعية والوظيفية بدرجة واحدة والكل سواسية أمام القانون, مع وجود الضمانات الحقيقية لعدم التداخل في السلطات .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحوثيون يعلنون بدء تنفيذ -المرحلة الرابعة- من التصعيد ضد إس


.. مصادرنا: استهداف مسيرة إسرائيلية لسيارة في بنت جبيل جنوبي لب




.. تصاعد حدة الاشتباكات على طول خط الجبهة بين القوات الأوكرانية


.. مصادر عربية متفائلة بمحادثات القاهرة.. وتل أبيب تقول إنها لم




.. بروفايل | وفاة الداعية والمفكر والسياسي السوري عصام العطار