الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ملاحظات حول العمل الحزبي المعارض

حسن الجنابي

2002 / 9 / 16
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


المعارضة في أي بلد هي الوجه الآخر للسلطة. أي أنهما معا يمثلان ارادة المجتمع وقواه الحية. وبما أنهما يتنافسان ويتصارعان على استلام الحكم، فهما يجسدان ارادة التغيير ونزوع المجتمع نحو التقدم والازدهار. لكن مسؤولية السلطة ازاء التقدم الاقتصادي والاجتماعي ورفاهية البلد أكبر من مسؤولية المعارضة بحكم امساكها بمركز القرار وآليته. في حين تتجسد المسؤولية الوطنية للمعارضة بضمان عدم تجاوز السلطة لصلاحياتها الدستورية، بل وعدم نسيان وعودها الانتخابية كذلك اضافة الى ضمان استمرار مبدأ المشاركة الفعالة في الجدل الوطني حول اتجاهات وبرامج السلطة وتأثيرها على المصالح العليا للمجتمع والدولة. فالمعارضة، على هذا الاساس، هي عين المواطن على الاداء الحكومي، وهي وسيلة المجتمع الفعالة لتنفيس الاحتقان الاجتماعي والسياسي، بما يضمن حل تناقضات التنمية لصالح المجتمع. هذا في ظل الانظمة الديمقراطية بالطبع.

أما في ظل السلطة الغاشمة والديكتاتورية فتصاب حركة المجتمع بالشلل، وتتشوه تركيبته، وتختل توازناته، وتتعرقل عوامل ديناميته وانسجامه، وتتعرض وحدته الى الخطر، فيفرز بدوره قوى ومجاميع وافرادا تفتقد للانسجام، باعتبار الانسجام وليد التطور الطبيعي والهادىء وليس المنعطفات القاسية تحت سياط القمع السياسي والفكري، لتشكل مايمكن تسميته بالمعارضة، وهي الطيف الواسع لجمهرة الرافضين لإجراءات السلطة والمتضررين منها وبالتالي الراغبين بتغييرها.

بكلام آخر فإن المعارضة المجزأة والمشوهة التنظيم والاداء، هي نتاج ممارسات السلطة الغاشمة وسوء ادارتها لشؤون المجتمع. وبالتالي فالسلطة الشامتة بعجز المعارضة لاتدين بالأخير الا نفسها، لأنها تعطل ارادة مواطنيها، وتستهين بحكمة شعبها وذكاءه الجمعي. فالمعارضة، وبحكم موقعها ووظيفتها، أقرب الى نبض الشارع وأكثر احساسا بحاجات المجتمع، في حين تبتعد السلطة، ببيروقراطيتها المترهلة ووسائلها القمعية وغرورها البغيض، عن واقع البلد لتعيش اوهام الخلود والزهو وكأن التاريخ لا يصغي الا لإرادة الدكتاتور وزبانيته من الجهلة والاوباش.

لكن هناك وجها آخر للفرضية أعلاه أيضا. فالسلطة وإن تحملت القسط الاكبر في عرقلة العمل المعارض، الا ان المعارضة تبقى مسؤولة عن تطوير آليات واستنباط وسائل عملها بما يضمن استمراره ومرونته لتقليل التأثير السلطوي.

ومن المعروف ايضا أن شدة القمع والارهاب المستمر، وغلق نوافذ الحرية وقنوات التعبير والتنظيم، يجعل العمل المعارض عرضة لإختراقات سلطوية فاجعة. فبدلا من التحصن ازاء قمع السلطة، تستعير المعارضة ذات النهج السلطوي في التعامل بين فصائلها. وتضج ساحة المعارضة في احيان كثيرة بممارسات وخطب لاتختلف من حيث الجوهر مع ما تشيعه الة القمع والدعاية السلطوية. وتستشري النزعات الفردية والحزبية الضيقة، فيضاق ذرعا بالرأي المغاير، ويصار الى محاربته بشتى السبل. وتتعزز نزعة العشيرة لدى الحزبيين، وكأنهم يحاكون على حسن المجيد، حيث صرح، في ضوء تزايد الاغتيالات ضد مسؤولي حزب السلطة ولجوءها (أي السلطة) الى إحياء "قوانين" العشائر بتحميل العشيرة مسؤولية نشاط افرادها، قائلا: أن البعثيين ينتمون الى عشيرة البعث.

إن القمع الشديد والارهاب المستشري وانتهاك الحرمات الشخصية لفترة طويلة من الزمن، كما هو الحال في العراق، يفضي الى ضمور الشخصية الحقيقية للمواطن المجبولة على الانفتاح والصدق والشعور بالمواطنة، لتصبح مشوهة، متحايلة، مضطرة لإعلان ولائها بمناسبة وبدونها، فتنعدم الحركة الفاعلة للمواطن لتصبح ردود افعال تحركها غريزة البقاء. وينتشر القلق والخوف والشك فتمسي العودة للغرائز السفلى الخلاص الوحيد للمواطن المحاصر والمقموع، فيصبح انتماؤه القبلي والطائفي والعراقي بدائلا للانتماءات الممنوعة بقرارات الاعدام. ولايشذ الانتماء الحزبي عن ذلك، وان كان ارقى قليلا، لكنه يصبح الانتماء المقدس الوحيد، فيعاب على من يغير قناعاته السياسية والفكرية حتى لو تحطمت قلاع الدنيا كلها. بل يتمسك البعض بحزبيته بقوة تدعو للعجب حتى لو تأكد ان الحزب أمسى كائنا غير قابل للحياة. فيصبح الانتماء الحزبي حاجزا متوهما امام التعاطي الايجابي مع متغيرات الحياة. وتتحول وظيفة الانتماء الحزبي من خلق فضاء من التفاعل بين ذوي التفكير المتقارب، الى تأسيس حيز مغلق بجدران باسقة من الممنوعات.

في مثل تلك الاحوال تتراجع الهموم الوطنية في اولويات الحزب لتسبقها المصالح الحزبية. ويستهان بعمل الاخرين ودورهم، خاصة من المستقلين عن الاطر الحزبية، وهم الغالبية الساحقة من المعارضين. فتنقطع قنوات الحوار، وترتفع لغة التباهي والافراط بالسرية، حتى في المنظمات الحزبية الناشطة خارج سيطرة السلطة، وتتصاعد موجة التخوين والاتهامات.

أرجو أن لايفهم مما سبق الحط من قيمة العمل الحزبي المعارض أو التحريض ضده بقدر ماهو الحرص على ضرورته، وفعاليته، وتعزيز اسسه الانسانية، وترسيخ قواعد الديمقراطية فيه. وعلينا أن نتذكر دائما أن المعارض المتخلف والمنغلق هو سلطوي بالضرورة.

 

 

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل يصوت الناخبون يوما لذكاء اصطناعي؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. ما تداعيات إلغاء إسرائيل -المحتمل- للإعفاءات المقدمة للمصارف




.. الانتخابات الأوروبية.. صعود اليمين | #الظهيرة


.. مارين لوبان تعلن استعداد حزبها لتولي السلطة إذا منحه الفرنسي




.. استقالة غانتس.. مطالبه وشروطه | #الظهيرة